تشعر أنَّك عالق في ورطة وعاجز عن الخروج منها، فلا أحلامك تحقَّقت ولا أمل في المستقبل، وهذا أمر طبيعي؛ إذ يمكنك إيجاد حل لشعورك باليأس والعجز، ولكن لا حل لاعتياد هذا الشعور، وفي كل مرحلة من الحياة نضع أهدافاً تتعلق بالعمل أو العلاقات أو غيرها، ولكنَّ الجميع يشعر في مرحلة ما أنَّه فقد البوصلة وأصبح يسير في اتجاه خاطئ تماماً، وعادة ما يظهر هذا الإحساس مع نهاية كل عقد من العمر، وليس فقط خلال أزمة منتصف العمر كما هو شائع.
يبدأ عادة التساؤل عن معنى الحياة في سن الثامنة والعشرين ليصل ذروته في سن التاسعة والعشرين ثم أخيراً يتلاشى مع بلوغ الثلاثين من العمر، وتُعاد هذه الحلقة مع نهاية كل عقد من العمر، وينجح بعض الناس في حسم الأمر في السنة الأخيرة من العقد وبعضهم الآخر يعجزون عن ذلك، ولهذا السبب أجرى "آدم ألتر" (Adam Alter) وهو أستاذ التسويق في كلية إدارة الأعمال في جامعة نيويورك دراسة على الأشخاص الذين يمرون بهذه المرحلة، وتوصل إلى ثلاث وجهات للنظرِ.
- إنَّها حالة واسعة الانتشار.
- إنَّ عدم إدراك الناس لمدى شيوعها، هو ما يجعل حالتهم أسوأ.
- يمكن أن يكون سبب العجز داخلياً أو خارجياً، فيكون خارجياً حينما يفتقر الشخص إلى المال أو الموارد التي يحتاجها ليحقق أهدافه، وهذا ينطبق فقط على 10% من الحالات، بينما في 90% من الحالات يكون السبب داخلياً ويمكن التغلب عليه وتغييره ثم العودة للمسار الصحيح، والمضي قدماً نحو النجاح والإنجاز.
5 أسرار تساعدك على التحرر من الشعور بالعجز:
يسلط هذا المقال الضوء على الجزء الداخلي؛ لأنَّه خاضع لإرادة الإنسان ويمكن تغييره.
ألَّفَ "آدم ألتر" (Adam Alter) كتابَ "التغلب على العجز والمضي قدماً في أصعب الظروف" (Anatomy of a Breakthrough: How to Get Unstuck When It Matters Most)، ويتحدَّث فيه عن أسرار عدة منها:
1. البساطة والتركيز:
إنَّ الشعور بالعجز أو الركود لا يعني بالضرورة الحاجة إلى إصلاح حياتك بأكملها، وأحياناً يكفي أن تعثر على مَكمَن الخلل الذي يعوق تقدمك؛ لذا حدِّد الجانب الذي يحتاج إلى تقويمٍ لتتمكَّن من استرجاع حياتك الطبيعية.
خذ وقتاً كافياً لتقييم جوانب حياتك المختلفة وتحديد المشكلة التي تحتاج إلى إصلاح، هل هي بسيطة مثل تغيير العمل أو التخلص من علاقة سامة؟ أم أنَّ الموضوع أعمق من ذلك بكثير؟
بسبب الافتقار للسعادة والمعنى الذي تبحث عنه في الحياة، في الغالب يكون الحل بسيطاً يتطلب تغيير شيء محدد كعمل أو علاقة عاطفية، ومع ذلك يكون تأثيره سلبياً في الإنسان؛ لأنَّه يرى نفسه مُجبراً على تغيير جوانب ظنَّ أنَّه حقَّق نوعاً من الاستقرار فيها، ولكن ليس ضرورياً أن تكون المحاولة الأولى كافية لحل المشكلة، ولهذا ستحتاج دائماً إلى التطوير والتحديث.
على سبيل المثال محرك البحث الشهير "غوغل" (Google) لم يكن أول محرك للبحث؛ بل كان ترتيبه الثاني والعشرين، وكذلك موقع "أمازون" (Amazon) لم يكن المتجر الإلكتروني الأول، ولكن في حالات أخرى يتطلب الأمر إحداث تغيير جذري في الحياة، مثل الانتقال لعمل جديد أو اتخاذ مسار حياة مختلف كلياً وليس مجرد تعديل بسيط وهذه التغييرات تتطلب أفكاراً جديدة دائماً.
2. ابتكار أفكار إبداعية:
الخطوة الأولى والأهم لتبتكر أفكاراً جديدة هي أن تزيل كل القيود الذهنية التي تمنعك من التفكير بحرية؛ لذا اكتب على ورقة فارغة كل ما يخطر لك من أفكار وأحلام أياً كانت دون رقابة ذاتية، ولا تقل عن أي فكرة أنَّها غير منطقية أو غير ممكنة، وتخلَّص من صوت الناقد الداخلي لتتمكَّن من الكتابة بحرية.
أثبتت الدراسات أنَّ النشاط الذهني المتواصل والتفكير المستمر سيؤدي إلى إنتاج أفكار إبداعية، كما أنَّ الأشخاص الذين يوزعون اهتماماتهم في مجالات متعددة في الحياة ستتاح لهم خيارات أكثر تنوعاً، ومن ثم نتائج أفضل وأكثر سعادةً على صعيد العمل والعلاقات والحب وغيرها كثير.
الجميع يعرف المثل الشهير: "لا تضع كل البيض في سلة واحدة"، والمقصود به ألا توجِّه اهتمامك وطاقتك نحو شيء واحد فقط؛ لأنَّ التنويع يمنحك مزيداً من الاحتمالات وحرية الاختيار في المستقبل.
استمر في المحاولة حتى عندما تشعر أنَّك غير قادر على التفكير؛ لأنَّ الإبداع يتطلب المثابرة وهذا ما يعجز الكثيرون عن تطبيقه في الواقع ويستسلمون للفراغ الذهني غالباً بعد فشل المحاولة الأولى، ولكن نفس الأشخاص ومع القليل من التشجيع سينتجون عدداً أكبر من الأفكار وبمستوى إبداعي أعلى.
حدِّد عدد الأفكار التي تريد كتابتها في كل جلسة ولا تتوقف حتى تحقِّق أكثر من المطلوب بنسبة 50% تقريباً حتى ولو تطلَّب الأمر عدة محاولات.
3. تجربة الأفكار وتطبيقها:
الآن خذ الأفكار التي كتبتها وابدأ في تطبيقها على أرض الواقع، فالأفكار الناجحة والتي يمكنها أن تغير حياتك حقاً هي التي تمت تجربتها وإثبات فاعليتها ونجاحها في الحياة العملية كونها أفكاراً هامة وملائمة وإيجابية.
أثبتَت الدراسات أنَّ الاستكشاف المستمر للأفكار واستثمارها بطريقة متوازنة هو ما يجلب الحظ الجيد والنجاح في العمل، وذلك من خلال اختبار عدد كبير من الأفكار والتحقُّق منها إلى أن يتم التوصل للفكرة الأكثر نجاحاً ثم التركيز عليها وتطويرها.
كي تتأكد أنَّك على الطريق الصحيح لاحظ نسبة قبولك أو رفضك للأشياء، فعندما تكون في مرحلة الاستكشاف ستوافق على تجربة كل الفرص المتاحة لتتمكَّن من تحديد الشيء الذي يوحي بنجاح واعد، وما إن تعثر على ذلك الشيء ستوجِّه تركيزك وطاقتك نحوه وستبدأ برفض التجارب الجديدة، وعلى أي حال حتى وإذا لم تمتلك خطة واضحة لتنفيذها، فحاول أن تجرب أي شيء متاح لك حتى تعثر في النهاية على ما يناسبك وتبدأ في التركيز عليه.
4. أزمة منتصف الطريق:
تختار أحياناً طريقاً ما، وعندما تبدأ به تلاحظ أنَّه أطول وأصعب مما ظننت، وفي منتصف الطريق يبدأ الصراع بين التوقف والبقاء على الوضع الحالي أو استمرار السعي إلى الهدف الذي تطمح له، ولكن لا داعي للقلق، فهذه حالة طبيعية يمر بها الجميع، ويطلق عليها علماء النفس اسم "تأثير تدرُّج الهدف"، وهي حالة يشعر فيها الإنسان بحماسةٍ واندفاعٍ كبيرَين في البدايةِ لتحقيق الهدف ثم يقل هذا الدافع تدريجياً، وفي منتصف الرحلة تقريباً يشعر الإنسان بثقل وإحباط وأحياناً يتفاقم الأمر إلى الاستسلام.
إنَّ السعي وراء أهداف الحياة يشبه الركض في سباق؛ وذلك بسبب عدم معرفة الإنسان بالوقت المحدد الذي سيتطلبه تحقيق الهدف، ومن ثم يصعب الحفاظ على نفس القدر من الطاقة والقدرة على الاستمرارية، وبخاصة عندما تكون الأهداف كبيرة وغير محدودة كالسعادة والعمل والصحة.
تذكَّر أنَّ لكل شيء نهاية ولكن معايير الهدف الذي وضعته هي التي تحدد سرعة وصولك إليه، والحل عندما تصل إلى أزمة منتصف الطريق، هو أن تقسِّم هدفك إلى أهداف صغيرة يسهل إتمامها لكي تشعرَ بالإنجاز والتقدم.
5. التميز بدلاً عن الكمال:
يعطي التميز الأولوية لتحقيق نتيجة جيدة مع إمكانية التحسين المستمر ويعزز عقلية النمو، بينما يسعى الكمال إلى تحقيق نتيجة مثالية ويسبب القلق والتوتر؛ لذلك غالباً ما يكون سبب العجز هو السعي إلى حالة الكمال.
يمارس المثاليون دور قائد العمل المتسلط، ولكن على أنفسهم، فتجدهم يقومون بتأدية عملهم على أفضل صورة، ويكسبون مزيداً من المال ويحصلون على وظائف أفضل، ولكنَّهم في الغالب غير سعداء بسبب شعورهم الدائم بالقلق والتوتر.
الحل الأمثل هو السعي إلى التميُّز الذي ينمي قدرات الإنسان، ويساهم في تطورها، ويجعلك بحالة أفضل وأكثر إبداعاً بدلاً من الكمال الذي يستنزف طاقة الإنسان وقدراته ويبقيه في حالة العجز، ويمنعه من الاستمتاع برحلته نحو تحقيق أهدافه.
ملخَّص لما سبق:
1. البساطة والتركيز:
عندما تشعر أنَّك مقيد وعاجز عن التقدم، فأول خطوة في طريق الحل هي تحديد جانب الخلل ثم إصلاحه وإعادته للمسار الصحيح، فإذا نجحتَ في ذلك، فلا داعي لتكبد عناء تغيير مسار حياتك بالكامل.
2. ابتكار أفكار إبداعية:
حاول أن تبتكر أفكاراً جديدة بقدر ما تستطيع لكي تحصلَ على أكبر عدد من الخيارات المتاحة، فالإنسان المحظوظ هو الإنسان المستعد بشكل جيد ولديه خيارات عديدة.
3. تجربة الأفكار وتطبيقها:
من الضروري تطبيق الأفكار وتجربتها على أرض الواقع جميعها إلى أن تتمكن من تحديد الفكرة الناجحة، ثم توقَّف عندها ووجِّه تركيزك واهتمامك لاستثمارها وتطويرها لأفضل ما يمكن.
4. أزمة منتصف الطريق:
قسِّم أهدافك إلى مهام صغيرة لا تحتاج لوقت طويل كي تتجنَّب التعب أو الشعور بالعجز في منتصف الطريق.
5. التميُّز بدلاً عن الكمال:
السعي نحو المثالية يسلبك السعادة والرضى، لذا ابذل جهدك ليكون عملك مميزاً وليس مثالياً.
تذكَّر أنَّ طريق الحياة ليس واضحاً وسهلاً طوال الوقت، فقد يتعرَّض الإنسان من حين لآخر لتجارب فاشلة؛ ولكنَّها ستؤدي في النهاية إلى النجاح بشرط أن يتعلُّم الدروس من تلك التجارب، وكما يقول المخترع "توماس إديسون" (Thomas Edison): "معظم حالات الفشل في الحياة سببها عدم إدراك الناس مدى قربهم من النجاح عندما استسلموا".
الأخطاء التي تحدث في المراحل الأخيرة هي دليل على قرب الوصول للنجاح؛ لذا لا تستسلم، وواصل التعلُّم والاستفادة من كل تجربة، وكما يقول المثل: "الضربة التي لا تقتلك، تزيدُك قوة".
في الختام:
إنَّ أعظم تطورات الإنسان تحدث عندما يواجه ظروفاً صعبةً وتجارب فاشلةً ويتعلُّم منها ثم ينهض من جديد بكل قوة وإصرار، فثمة دوماً وقت لإجراء التغيير الذي تريده في حياتك؛ لذا تذكَّر ألا تستسلم أبداً؛ فتجربة الفشل التي تظن أنَّها النهاية قد تكون بدايةً لمرحلة جديدة أفضل أو حتى حياة جديدة.
أضف تعليقاً