4 خطوات لبناء ثقافة إيجابية في العمل وتحسين الإنتاجية

تعتمد العديد من الشركات على ثقافة عدوانية تنافسية يتعرض موظفوها فيها إلى ضغوطات كبيرة لتحقيق النجاح الاقتصادي، لكن، تشير الأبحاث المتزايدة حول علم النفس التنظيمي الإيجابي إلى أنَّ الثقافة شديدة التنافسية تضر الإنتاجية مع مرور الوقت، كما تعود الثقافة الإيجابية بفوائد هائلة على الموظفين وأرباب العمل والأرباح؛ هناك اعتقاد سائد بأنَّ التوتر والضغوطات تحث الموظفين على تقديم أداء أفضل وأسرع، لكنَّ الشركات التنافسية لا تدرك أنَّ لثقافتها عواقب خفية.



عواقب ثقافة الشركة التي تعتمد على الضغوطات:

1. نفقات الرعاية الصحية:

نفقات الرعاية الصحية في الشركات التي يتعرض موظفوها إلى ضغوطات كبيرة أعلى بنسبة 50% من أي شركة أخرى، حيث تقدِّر "الجمعية الأمريكية لعلم النفس" (The American Psychological Association) أنَّ الاقتصاد الأمريكي يخسر أكثر من خمسمئة مليار دولار بسبب التوتر في مكان العمل، ويفوِّت الموظفون خمسمئة وخمسين يوم عمل كل عام بسبب الضغوطات في الوظيفة، ويتسبب التوتر بحوالي 60% إلى 80% من الحوادث في أماكن العمل و80% من المعاينات الطبية، كما يرتبط بالمشكلات الصحية مثل متلازمة الأيض الغذائي (metabolic syndrome) وأمراض القلب والأوعية الدموية وحتى الوفاة؛ وهنالك رابط بين التوتر الذي يولده الانتماء إلى نظام هرمي والأمراض والموت، وأظهرت دراسة أنَّ احتمال إصابة الشخص بأمراض القلب والأوعية الدموية ووفاته بسبب الأزمات القلبية، يرتفع مع انخفاض مكانته في الترتيب الهرمي، أظهرت دراسة واسعة شملت ثلاثة آلاف موظف أجرتها الباحثة "آنَّا نيبرج" (Anna Nyberg) في "معهد كارولينسكا" (Karolinska Institute) بأنَّ هناك علاقة قوية بين سلوك القيادة وأمراض القلب لدى الموظفين، أي أنَّ أرباب العمل الذين يسببون التوتر يضرون القلب حرفياً.

2. خطر خسارة الموظفين للاهتمام:

ثاني هذه العواقب هي خطر خسارة الموظفين للاهتمام، في حين تضمن البيئات التنافسية وثقافة الخوف الاندماج، وربما الحماس أيضاً لبعض الوقت، لكن، تشير الأبحاث إلى أنَّ التوتر الحتمي الذي يتبعها سوف يسبب خسارة الموظفين للاهتمام على المدى الطويل، يوصف الاندماج في العمل على أنَّه شعور الموظف بالأمان والدعم وأنَّه محط تقدير واحترام، ويرتبط عكسياً مع الثقافات التنافسية عالية التوتر؛ بينما تُعَدُّ خسارة الموظفين للاهتمام مكلفةً جداً، حيث وجدت دراسة أجرتها "كلية إدارة الأعمال في جامعة كوين" (Queens School of Business) ومؤسسة غالوب (Gallup) أنَّ نسبة تغُّيب الموظفين فاقدي الاهتمام أعلى بنسبة 37٪، والحوادث أكثر بنسبة 49٪ وتحصل الأخطاء والعيوب بنسبة 60٪ أكثر في الشركات ذات معدل الاندماج المنخفض للموظفين، كما أنَّ إنتاجيتها أقل بنسبة 18٪ وربحيتها أقل بنسبة 16٪ والنمو الوظيفي فيها أقل بنسبة 37٪، وينخفض سعر أسهمها مع مرور الوقت بنسبة 65٪، لكنَّ الأهم من ذلك، أنَّ الشركات التي يعمل فيها موظفون متحمسون تتلقى طلبات توظيف أكثر بنسبة 100٪.

3. غياب الولاء:

أمَّا ثالث العواقب فهو غياب الولاء، إذ تُظهر الأبحاث بأنَّ التوتر في مكان العمل يؤدي إلى زيادة في معدل دوران العمالة بنسبة 50%، إذ يبحث الموظفون عن عمل في شركات أخرى ويرفضون الترقيات أو يستقيلون، وتكاليف التوظيف والتدريب وخسائر انخفاض الإنتاجية وفقدان الخبرات وغيرها كبيرة؛ حيث يقدِّر "مركز التقدم الأمريكي" (The Center for American Progress) للأبحاث أنَّ استبدال موظف واحد يكلف تقريباً 20% من راتب ذلك الموظف.

إقرأ أيضاً: أسباب الصّراع الثّمانية لبيل وهارت التي تسبب التوتر في أماكن العمل

لهذه الأسباب، تقدم الشركات ميزات متعددة مثل العمل من المنزل إلى موظفيها، لكنَّها لا تأخذ في الحسبان الأبحاث، إذ أظهر استطلاع أجرته مؤسسة غالوب (Gallup) أنَّه على الرغم من الفوائد مثل أوقات العمل المرنة وفرص العمل عن بعد، لكنَّ الاندماج هو المؤشر الأفضل على عافية الموظفين، إذ يفضل الموظفون مكان العمل الصحي على الفوائد المادية؛ يتطلب خلق بيئة عمل صحية وجود ثقافة إيجابية، وتلك تعتمد على مبادئ أساسية، تبعاً للأبحاث، تتميز ثقافة مكان العمل الإيجابية بست صفات، هي:

كيفية بناء بيئة عمل صحية:

إليك كيف تتبنى هذه المبادئ كَرب عمل في أربع خطوات:

1. تقوية العلاقات الاجتماعية:

يؤكد عدد كبير من الدراسات التجريبية بأنَّ للعلاقات الاجتماعية الإيجابية في العمل نتائج مرغوبة للغاية؛ على سبيل المثال، يصاب الموظفون بالأمراض بمعدل أقل، ويتعافون بسرعة أكبر بمرتين بعد الجراحة، ويتراجع احتمال معاناتهم من الاكتئاب، ويتعلَّمون بشكل أسرع، ويتذكرون لوقت أطول، ويتحملون الألم، ويتعاملون مع الانزعاج بشكل أفضل، كما يتمتعون بمستويات أعلى من سرعة البديهة ويقدمون أداءً أفضل؛ من ناحية أخرى، وجدت الأبحاث التي أجرتها البروفيسورة "سارة بريسمان" (Sarah Pressman) من "جامعة كاليفورنيا" (University of California) بأنَّ احتمال الوفاة مبكراً يرتفع بنسبة 20٪ لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، و30٪ ولدى الأشخاص الذين يشربون الكحول بإفراط، و50٪ ولدى المدخنين، لكنَّه أعلى بنسبة 70٪ بالنسبة إلى الأشخاص المحاطين بعلاقات اجتماعية سيئة؛ أي أنَّ أماكن العمل ذات البيئة السامة والمتوترة تؤثر على العلاقات الاجتماعية، وبالتالي على متوسط العمر المتوقع للموظفين.

2. التعاطف:

تأثير رب العمل على كيفية شعور موظفيه كبير؛ وفقاً لدراسة صُوِّرت خلالها أدمغة المشاركين، ظهر نشاط كثيف في مناطق الدماغ المرتبطة بالتهرب والعواطف السلبية لدى الموظفين، حين تذكروا رب عمل قاسياً أو غير متعاطف، بينما كان العكس صحيحاً حين تذكروا رب عمل متعاطفاً؛ علاوة على ذلك، تشير البروفيسورة "جين داتون" (Jane Dutton) وزملاؤها من مجموعة الباحثين "كومباشين لاب" (CompassionLab) في "جامعة ميتشيغان" (University of Michigan) إلى أنَّ القادة الذين يبدون تعاطفاً تجاه الموظفين يعززون المرونة الفردية والجماعية في الأوقات العصيبة.

إقرأ أيضاً: ما هو التعاطف؟ وكيف يمكن أن يكون مفيداً للقادة؟

3. تقديم العون:

لا بدَّ وأنَّك حظيت ولو لمرة بمدير أو مينتور بذل الكثير من الجهد لكي يساعدك حتى حين لم يكن مضطراً إلى ذلك، وفي الغالب أنت لاتزال تشعر بالامتنان وتكنُّ الولاء له حتى يومنا هذا؛ يُبيِّن البروفيسور "جوناثان هايدت" (Jonathan Haidt) من "كلية ستيرن للأعمال" (Stern School of Business) في "جامعة نيويورك" (New York University) في بحثه أنَّه حين يكون القادة منصفين ومُضحِّين، فإنَّ اندفاع الموظفين وولاءهم والتزامهم يزداد فعلاً، نتيجة لذلك، سوف يبذل هؤلاء الموظفون قصارى جهدهم ليتعاونوا ويتعاملوا بلطف مع الموظفين الآخرين، وذلك بدوره يحُثُّ الموظفين الآخرين على معاملتهم ومَن حولهم بالطريقة نفسها؛ يوضح الباحث "دان فان نيبنبرغ" (Daan Van Knippenberg) من "كلية روتردام للإدارة" (Rotterdam School of Management) أنَّ الموظفين الذين يعملون مع قادة مُضحِّين أكثر تعاوناً لأنَّهم يثقون في قادتهم أكثر، وأنَّ إنتاجيتهم أعلى، كما ينظرون إلى قادتهم على أنَّهم أكثر فاعلية وجاذبية.

4. تشجيع التواصل:

شجع الناس على التحدث معك وخاصة عن مشكلاتهم؛ من الطبيعي تحسُّن أداء الموظف حين يشعر بأنَّ قائده يهتم بمصلحته، فذلك يبعث على الأمان عوضاً عن الخوف، وكما يوضح البحث الذي أجرته الباحثة "إيمي إدموندسون" (Amy Edmondson) من "جامعة هارفارد" (Harvard University) حول الأمان النفسي، أنَّ ثقافة الأمان، حين يكون القادة ودودين ومتواضعين ويشجعون موظفيهم على التحدث أو طلب المساعدة، تؤدي إلى أفضل النتائج من حيث التعلم والأداء؛ عوضاً عن خلق ثقافة خوف من العواقب السلبية، يشجع الشعور بالأمان في مكان العمل روح التجريب الضرورية للابتكار، إذ أظهر الأستاذ "كمال بيردي" (Kamal Birdi) من "جامعة شيفيلد" (Sheffield University) بأنَّ التَّمكين مع التدريب الفعال والعمل الجماعي، يؤدون إلى تفوق في نتائج الأداء، في حين لا تفعل ذلك ممارسات التصنيع والعمليات الفعالة.

حين يلتزم القائد بالعمل انطلاقاً من مجموعة قيم قائمة على التعامل بلطف مع الموظفين، فهو يحدد طريقة عمل الشركة بأكملها، يوضح البروفيسور "آدم جرانت" (Adam Grant)، الأستاذ من "كلية وارتن" (Wharton) في كتابه "أخذ وعطاء" (Give and Take)، أنَّ لطف القائد وكرمه مؤشران قويان على فاعلية الفريق والشركة؛ في حين تتسبب بيئات العمل القاسية بتراجع صحة الموظفين، فإنَّ العكس صحيح بالنسبة إلى بيئات العمل الإيجابية، بحيث تنخفض معدلات ضربات القلب وضغط الدم لدى العاملين فيها، إضافة إلى امتلاكهم أجهزة مناعية أقوى؛ كما تنتج بيئة العمل الإيجابية ثقافة إيجابية في مكان العمل، والتي تعزز بدورها الالتزام والاندماج والأداء؛ والقوة العاملة السعيدة هي قوة عاملة متوائمة، وذلك يحسِّن من الخدمة التي يقدمونها للعملاء؛ نتيجة لذلك، تؤدي ثقافة السعادة والاهتمام في العمل إلى موظفين سليمين ومنتجين، مما يحسِّن النتائج التي يقدمونها ورضا العملاء.

باختصار، مكان العمل الإيجابي أكثر نجاحاً على الأمد الطويل لأنَّه يثير المشاعر الإيجابية ويعزز العافية، وهذا بدوره يحسن علاقات الموظفين مع بعضهم البعض ويعزز من قدراتهم وإبداعهم؛ كما يقي من المشاعر السلبية مثل القلق، وبالتالي يحسن قدرة الموظفين على التعافي من التحديات والصعوبات ويعزز صحتهم، كما يجذب الموظفين ويُلهم فيهم الولاء للقائد والشركة، إضافة إلى إبراز نقاط قوتهم؛ حين تبني الشركات ثقافة إيجابية ونزيهة، فهي تضمن تحقيق مستويات أعلى من الفاعلية التنظيمية، بما في ذلك الجانب الاقتصادي ورضا العملاء والإنتاجية واندماج الموظفين.

المصدر




مقالات مرتبطة