3 أسرار للسعادة في الحياة

كلنا نريد أن تعود الحياة إلى طبيعتها مجدداً، لكنَّ العام الماضي الذي مر ببطء شديد وجعلنا نشعر وكأنَّ لعنةً حلَّت علينا؛ حيث توالت المصائب وأصبحنا مشدوهين ننتظر ما يخبئه لنا القدر، ولا نزال حالياً بعيدين عن تطوير مناعة ضد الفيروس، ولا زلنا مقيدين في ممارسة العديد من الأشياء مثل التواصل الاجتماعي الذي نعتمد عليه للشعور بالسعادة، فنحن مرتبكون، وكل شيء نفعله مصحوب بالقلق.



لحسن الحظ، بدأنا التكيف مع الوضع الحالي وتقبُّل أنَّ كل شيء يحصل هو مجرد حلقة أخرى من برنامج منوعات جائحة كوفيد-19، لكنَّ المشكلة هي أنَّ العديد منا لا يتأقلمون تأقلماً جيداً؛ حيث حطَّم كوفيد روتيننا اليومي الإيجابي وفاقم عاداتنا السيئة، بدءاً من تصفُّح الإنترنت للأخبار المريعة، وجلسات التلفزيون اللانهائية، وصولاً إلى تضييع وقتنا بلا هدف أو أشياء أسوأ بكثير تحل محل النشاطات البنَّاءة التي تعزز الفرح والإنتاجية الحقيقية.

أدت القيود التي تسبَّبَت بها الجائحة والحجر الصحي إلى الاكتئاب؛ حيث أصبحنا نمارس نشاطات مجزية أقل، ونفكر بهوس في الضغوطات التي لا يمكننا فعل أي شيء حيالها، ولا نقابل أصدقاءنا كما في السابق، ونستبدل دون أن نلاحظ عاداتنا الجيدة بسلوكات مهدئة قصيرة الأمد ومملة، وعلى الرغم من أنَّ هذا ليس اكتئاباً سريرياً حقيقياً، لكنَّ القيود الحالية تحاكي سمات الاكتئاب، ونشعر جميعنا بآثارها النفسية بقوة.

بطريقة أو بأخرى، نحن نضغط دون وعي زر "الإيقاف المؤقت" على حياتنا منتظرين بدء "الحياة الواقعية" التي كنا نعيشها قبل الجائحة مرة أخرى، لكنَّنا للأسف لن نحظى بفرصة ثانية لعيش عام 2020، فنحن بحاجة إلى ضمان سلامتنا وسلامة الآخرين، ولكن لا يمكننا أن نتصرف كأنَّ هذه الحياة ليست حياةً حقيقية.

لذا، يجب أن نعثر على طريقة أفضل للمضي قدماً في ظل الوضع الحالي الأبعد ما يكون عن الوضع المثالي، وهنا يأتي دور "علاج التنشيط السلوكي" (Behavioral Activation Therapy)، فجوهر علاج التنشيط السلوكي هو أنَّنا يجب أن نمارس النشاطات التي تجلب لنا السعادة لنشعر بالسعادة، وفي كثير من الأحيان، ننتظر حتى نشعر أنَّنا في المزاج المناسب قبل فعل شيء، لكن وفقاً لهذا العلاج يجب أن يحصل الأمر عكس ذلك، فعوضاً عن تغيُّر مزاجنا وفقاً لما نفعله، نحن بحاجة إلى تغيير ما نفعله لتحسين مزاجنا، فقد يبدو تغيير مشاعرك مباشرة مستحيلاً في هذه الظروف العصيبة، لكنَّ تغيير طريقة تصرُّفك ممكن، ونتائج علاج التنشيط السلوكي أكيدة؛ حيث طابقت فوائده تلك لاستراتيجيات العلاج المعرفي السلوكي (CBT) في الدراسات، حتى أنَّ فاعليته تصل إلى مستوى فاعلية الأدوية.

من كتاب "التنشيط السلوكي لعلاج الاكتئاب" (Behavioral Activation for Depression): "كانت نتائج المرضى الذين تلقوا علاج التنشيط السلوكي مماثلةً لأولئك الذين تناولوا أدويةً مضادة للاكتئاب، حتى بين مرضى الاكتئاب الشديد، ويميل المرضى الذين يُعالَجون باستخدام التنشيط السلوكي إلى الالتزام بالعلاج لفترة أطول من أولئك الذين يُعالَجون باستخدام الأدوية، كما تفوقَت نتائج التنشيط السلوكي على المعرفي السلوكي في علاج المرضى المصابين بالاكتئاب الشديد، بينما لم تكن هناك فوارق عند علاج المرضى المصابين باكتئاب أقل شدة".

الكتاب الذي سنغوص فيه هنا هو "التنشيط السلوكي لعلاج الاكتئاب" (Behavioral Activation for Depression)، وهو دليل للمعالجين ومرجع موثوق، فربما لا تشعر بآثار الجائحة السلبية بقدر الآخرين، وهنيئاً لك، لكنَّ علاج التنشيط السلوكي ليس مجرد حل للاكتئاب الزائف الناجم عن كوفيد-19؛ بل هو في الواقع طريق إلى حياة أفضل لنا جميعاً في أي وقت، لنستعرض الآن 4 أسرار للسعادة في الحياة يمكن استخلاصها من علاج التنشيط السلوكي:

1. التفكير العكسي:

المبدأ الأول لعلاج التنشيط السلوكي هو: "مفتاح تغيير مشاعر الناس؛ أي مساعدتهم على تغيير أفعالهم".

من كتاب "التنشيط السلوكي لعلاج الاكتئاب" (Behavioral Activation for Depression): "التنشيط السلوكي علاجٌ قصيرٌ مصممٌ لعلاج الاكتئاب، يهدف إلى تنشيط العملاء بطرائق محددة تزيد التجارب المجزية في حياتهم، وتُستخدَم جميع تقنيات  التنشيط السلوكي في خدمة الهدف الأساسي المتمثل في زيادة التنشيط والتفاعل في حياة الفرد لتحقيق هذه الغاية، ويركز التنشيط السلوكي أيضاً على العمليات التي تعوق التنشيط، مثل سلوكات الهروب والتجنب، وهو قائم على فرضية أنَّ المشكلات في حياة الأفراد الضعيفين تقلل من قدرتهم على الشعور بالمكافأة الإيجابية من بيئاتهم؛ مما يؤدي إلى الأعراض والسلوكات التي نصنِّفها على أنَّها اكتئاب".

يحب علماء النفس تشبيه العلاج المعرفي بعبارة "تؤثر طريقة تفكيرنا في النشاطات التي نمارسها"؛ أي يفكر الفرد بمنطقية في مشكلاته لتغيير السلوكات الإشكالية، ولكنَّ العكس يحصل في علاج التنشيط السلوكي؛ أي "تؤثر النشاطات التي نمارسها في طريقة تفكيرنا"، فحين تمارس النشاطات الصحيحة سيتبع ذلك مشاعر إيجابية؛ لذا عوضاً عن أن تتمنى لو تشعر بطريقة مختلفة، أنت تحتاج إلى التفكير العكسي.

قد يبالغ بعض الناس في تبسيط هذه الفكرة ويفهمونها على أنَّه يجب عليهم ممارسة المزيد من النشاطات الممتعة فقط، وهذا التلخيص صحيح لكنَّه غير مفيد على الإطلاق، ولو  تساءلتَ يوماً لمَ لا تمارس نشاطاً يبعث فيك مشاعر إيجابية أكثر، أو لماذا تستمر بفعل شيء يُشعرك بالبؤس، فهذه هي المشكلة التي سنناقشها هنا؛ حيث يشعر المصابون بالاكتئاب السريري الحقيقي أنَّ الحياة تعاقبهم؛ لذا يمارسون نشاطات أقل؛ مما يقلل من الألم الذي يشعرون به، لكنَّه يقلل أيضاً من المشاعر الإيجابية التي تحسِّن مزاجهم، فالأمر أشبه بالإصابة بالتسمم الغذائي فتقرر أن تحرص على عدم حصول ذلك مجدداً عن طريق عدم تناول أي طعام على الإطلاق، وبالطبع هذا ليس حلاً، فنحن نحتاج إلى تلقِّي مشاعر تعزيز إيجابي من الأمور التي نفعلها، والنشاطات التي لها نتائج عاطفية تزيد من اهتمامنا في الحياة.

قالت عالمة النفس "مارشا لينهان" (Marsha Linehan) ذات مرة إنَّ "العواطف تحب نفسها"، فهي تُخلِّد نفسها؛ بمعنى أنَّ الحالة المزاجية تولِّد زخماً عاطفياً، ولهذا ننتظر في كثير من الأحيان المزاج الجيد لتحفيزنا على ممارسة السلوك الإيجابي، لكنَّ المشكلة هي أنَّ المزاج السلبي الحالي يسبب في حصول الأمر المعاكس تماماً، وفي النهاية نجد أنفسنا في وضع أسوأ من السابق أو نتساءل أين ضاع نهارنا، فإنَّ انتظار العواطف لتحسين حياتك خلال جائحة كوفيد-19 أشبه بمطالبة المصابين بهوس النار بإخماد حريق.

من كتاب "التنشيط السلوكي لعلاج الاكتئاب" (Behavioral Activation for Depression): "يستجيب الناس غالباً لهذه المشكلات الأولية بسلوكات تمنعهم من التحسُّن، فحين يتوقف الفرد عن ممارسة النشاطات التي كان يجدها ممتعةً في السابق، أو يمارس سلوكات الهروب أو التجنب، أو يستجيب غالباً إلى سلوكات تُشعره براحة لحظية من الانزعاج على الرغم من عواقبها السلبية المستقبلية، وتصبح هذه الأفعال مشكلاتٍ ثانوية بحد ذاتها؛ حيث يوفر التجنب الراحة على الأمد القصير ولكنَّه يسبب في المعاناة من الاكتئاب على الأمد الطويل؛ وذلك لأنَّك تتوقف عن الاستمتاع بالمكافآت ولأنَّ الضغوطات في الحياة تزداد سوءاً مع الوقت".

كما قال رئيس الوزراء البريطاني "ونستون تشرشل" (Winston Churchill) ذات مرة: "مهما كانت الاستراتيجية جميلةً، يجب أن تنظر بين الحين والآخر إلى النتائج"، فلا يمكننا الانتظار حتى نشعر بتحسُّن كي نتصرف؛ بل يجب أن نتصرف الآن لنكسر حلقة مشاعرنا، فهذه هي الطريقة لنخلق سعادتنا.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من الاكتئاب النفسي وتعيش حياة سعيدة

2. الموازنة بين المتعة والإتقان:

تقول الكاتبة "ماري كوندو" (Marie Kondo): إنَّ مفتاح تنظيم حياتك هو السؤال ما إذا كان الشيء يثير البهجة، فنحتفظ به وإلا نتخلص منه، وذلك ليس تماماً الأسلوب الذي نحاول اتباعه هنا ولكن يمكن الاستفادة من رأي "ماري" كنقطة انطلاق، فالمتعة هي شعور ضروري، ولكن يجب أن نسعى إلى النوع المفيد لحياتنا بالمجمل، وليس النوع الذي سندفع ثمنه غالياً على الأمد الطويل ونشعر بعده بالمزيد من التوتر؛ أي نحن نتحدث عن الرضا العميق الذي نشعر به بعد ممارسة النشاطات الهادفة حقاً مثل تكوين العلاقات والتمرين وقراءة الكتب.

لا يعني "الإتقان" رسم لوحات فنية أو اختراع آلات عظيمة؛ بل فكِّر في الأمر على أنَّه شعور بالإنجاز، فعلى الرغم من أنَّ تنظيف غرفة العلِّية أمر مزعج ولكنَّك تشعر بالرضا بعده لأنَّك حققتَ شيئاً فعلاً، وقد يكون العمل مجزياً أيضاً، ولكن للأسف هناك العديد من الناس عاطلون عن العمل حالياً، لكنَّ العمل ليس المصدر الوحيد للإتقان، كما أظهر بحث أجرته الأستاذة "تيريزا أمابيل" (Teresa Amabile) من "جامعة هارفارد" (Harvard University)، التقدم نحو تحقيق الأهداف الهامة بالنسبة إليك مُرضٍ ومحفز لدرجة هائلة، سواء كان له عائد مادي أم لا.

يجب علينا الموازنة بين المتعة والإتقان، فالعمل بجد لبعض الوقت أمر جيد، كما أنَّ وقت الفراغ هام أيضاً؛ حيث تُظهِر الأبحاث أنَّ الأخير يساعد على التكيف، وهو أمر نحن في أمسِّ الحاجة إليه حالياً.

من كتاب "التنشيط السلوكي لعلاج الاكتئاب" (Behavioral Activation for Depression): "ثَبتَ أنَّ النشاطات الترفيهية خصوصاً تؤدي إلى العافية لدى المراهقين والبالغين وكبار السن عبر تحسين قدرات التكيف في وجه ضغوطات الحياة، بما في ذلك المتاعب اليومية".

قد يفهم بعضهم أنَّ الحل أصبح بين أيديهم ويجب فقط أن يمارسوا النشاطات التي تُشعِرُهم بالمتعة والإتقان، لكن تمهلوا قليلاً، فالمشكلة هي أنَّنا لا نُجيد اختيار الأمور التي تُشعِرُنا بالسعادة والإنتاجية على الأمد الطويل، ولتحديد تلك النشاطات التي تحتاج إليها، نريد منك تقييم النشاطات التي تقوم بها في أثناء نهارك على مقياس من 1 إلى 10 من حيث المتعة أو الإتقان، ويمكنك استخدام تطبيق الملاحظات على هاتفك المحمول في هذا التمرين.

بعد أن صنَّفتَ نشاطاتك وفقاً للمتعة والإتقان، الخطوة التالية هي الكشف عن الأنماط، فابحث عن النشاطات التي أحرزَت درجات عالية، على سبيل المثال: دعوة الأصدقاء، وتلك التي أحرزَت درجات منخفضة على سبيل المثال: قراءة الأخبار، وأي النشاطات أدت إلى المزيد من الأمور الإيجابية، على سبيل المثال: بدء نهارك بروتينٍ صحيح، وأي النشاطات أدت إلى ضياع نهارك تماماً في دوامة من السلبية، على سبيل المثال: قراءة المزيد من الأخبار.

يجب أن تبحث عن النشاطات التي تعزز بطبيعتها سلوكات تبقيك على المسار الصحيح، وحين تضطر إلى القيام بأشياء لا تحبها، يجب أن تحدد الجوانب التي يمكنك تعديلها لزيادة متعتها أو إتقانها للحفاظ على الزخم العاطفي، واسأل من حولك عن آرائهم، فكما قال "توماس شيلينج" (Thomas Schelling) الحائز على جائزة نوبل ذات مرة: "الشيء الوحيد الذي لا يستطيع أي شخص فعله مهما كان فطناً، هو كتابة قائمة بالأشياء التي لن تخطر له أبداً"، ولهذا قد يعرف الأشخاص من حولك الأمور التي تؤثر فيك أكثر منك؛ وذلك لأنَّهم يضطرون إلى التعامل مع عواقب سلوكك في كثير من الأحيان.

التعلم من الأخطاء التي ترتكبها عادةً هي أفضل النصائح في الحياة، فيجب أن تبدأ بتحديد الأمور التي توجه سلوكك نحو السعادة والرضا وتلك التي تفعل العكس، وستغير حياتك معرفة الأشياء التي تناسبك والتي لا تناسبك، لكنَّ الأشياء الإيجابية ليست متساويةً في إيجابياتها؛ لذا يجب أن تحدد أولوياتك، ونسبة المتعة إلى الإتقان التي تناسبك، وكيفية التعامل مع مشكلة الأهداف المتعارضة.

شاهد بالفديو: 8 نصائح لتبدأ نهارك وأنت في قمة السعادة

3. معرفة أهدافك وقيمك:

لو سألك أحدهم منذ 5 دقائق عما تريده من الحياة، وما هي الأمور التي تهمك لما تمكنتَ من الإجابة، ولكن لديك الآن قائمة مع التلميحات، فاستخدِمها.

لا يمكنك إكمال قيمك؛ بل احترامها روتينياً فقط، ومن ناحية أخرى، يمكنك تحقيق أهدافك، فالقيم أهداف دائمة، مثل البقاء في صحة جيدة، بينما الأهداف مؤقتة وتنتهي بعد فترة، مثل الركض اليوم؛ لذا فأنت تحتاج إلى ترجمة القيم إلى أهداف بانتظام والتحقق بين الحين والآخر من قيمك للتأكد من أنَّك تسير على الطريق الصحيح، والتغلب على الأهداف المتضاربة بإعطاء الأولوية لقيمك، فإذا كان الأصدقاء أهم من الراحة بالنسبة إليك، فاسهر ليلاً للتحدث مع صديقك الذي يعاني من مشكلة.

انظر إلى قائمة النشاطات التي قيَّمتَها واسأل نفسك عن قيمك وكيف يمكن لك ترجمتها إلى أهداف محددة، وعلى الأغلب أنجزتَ جزءاً كبيراً من هذا التمرين خلال حياتك من قبل، ولكنَّك الآن تستطيع توسيع أو تعديل أهدافك بناءً على النشاطات التي تعرف أنَّها مفيدة بالنسبة إليك.

الهدف الجيد هو هدف صعب ولكنَّه قابل للتحقيق، ومحدد وقابل للقياس، فلا تحدد أهدافك بأسلوب سلبي، مثل مشاهدة التلفاز لوقت أقل، عوضاً عن ذلك ابحث عن بدائل، فابدأ على مستوى صغير وكن واقعياً، واخترها وفقاً لوضعك الحالي، وليس الوضع الذي تعتقد أنَّه "يجب" أن تكون فيه، على سبيل المثال: ليكن هدفك الركض لمسافة ميل واحد وليس جري ماراثون بعد 4 أشهر من العيش على الأريكة.

ركِّز على النشاطات والأهداف التي تدعم التعزيز الإيجابي، فاسأل نفسك بعد ممارستها ما إذا كانت مشاعرك تجاه نفسك أفضل على الأمد الطويل بعدها، وما إذا كنتَ ستفتخر بفعلها حين تتذكرها في المستقبل، ويجب أن تختار أشياء فيها مكافأة وتجعلك ترغب في الاستمرار بفعلها.

إقرأ أيضاً: 5 أسئلة تحدد هدفك في الحياة

4. العمل وفقاً لخطة، وليس مزاجك:

نحن نستخدم التقويمات استخداماً خاطئاً تماماً لتنظيم أوقات المهام والمواعيد والأشياء غير الهامة نسبياً، بينما نترك الفرح والإنجازات بيد القدر، عوضاً عن ذلك يجب أن نحدد أوقات الأمور الهامة حقاً، مثل سعادتنا وإتقانها؛ أجل، يجب أن تخصص وقتاً للسعادة في تقويمك.

قال الكاتب "ليو تولستوي" (Leo Tolsto) ذات مرة: "الحياة هي خوض المجهول، وصياغة أفعالنا التالية وفقاً للمعرفة الجديدة التي اكتسبناها خلال ذلك"؛ لذا حوِّل قائمة الإنتاجية السعيدة وأهدافك الجديدة التي تجسد قيمك إلى جدول أعمالك.

حين نختار خلال اللحظة، غالباً تكون خياراتنا غير صحيحة، خاصةً إذا كان مزاجنا سيئاً أو نتعرض للضغوطات مثل جائحة كوفيد-19 الآن، وتذكَّر: تحب المشاعر نفسها؛ لذا لا تعتمد على مجرد معرفة الأمور التي تحتاج إلى فعلها، فالمعرفة والفعل ليسا الأمر نفسه، ولهذا تحتاج إلى تخصيص وقت للأمور الهامة، في مواعيد محددة وأماكن محددة ولفترات زمنية محددة، وكلما كان الهدف محدداً وملموساً، زادت احتمالية تحقيقك له.

من كتاب "التنشيط السلوكي لعلاج الاكتئاب" (Behavioral Activation for Depression): "يشجع اختصاصيو العلاج بالتنشيط السلوكي الناس على العمل بالمقلوب؛ لذلك نطلب من الناس تجريب التصرف وفقاً للهدف، عوضاً عن التصرف وفقاً للمزاج، فيمكن أن تؤدي ممارسة النشاطات التي تُشعِرُك بالمتعة أو الإنجاز أو التي تحل المشكلات إلى تحسين مزاجك وتخفيف ضغوطات الحياة مع مرور الوقت، فجزء أساسي من التنشيط السلوكي هو الشروع في الفعل، حتى حين يكون مزاجك سيئاً أو لا تشعر بالاندفاع، عوضاً عن انتظار تحسُّن مزاجك؛ حيث يُستخدَم خلال التنشيط السلوكي أسلوب تنظيم النشاط وتحديد المواعيد لدعم التصرف بالمقلوب، ويمكن تحقيق هذه الاستراتيجيات عبر كتابة جداول أعمال مفصلة مع تقسيم المهام إلى مكونات وتحديد أوقاتها وأماكنها المحددة".

من الآن فصاعداً، لاحِظ نتائج أفعالك واستمِر في تسجيلها ومراجعتها، وخد قيمك بالحسبان، ومع مرور الوقت وسِّع الأهداف وارفع مستواها، مثل الجري لمسافة أطول، وابدأ دورة تعزيز إيجابية.

سوف يقاوم بعضهم تحديد نشاطات لممارستها خلال أوقات فراغهم لشعورهم أنَّ ذلك قد يهدد استقلاليتهم، وهذا غير منطقي إطلاقاً، فأنت مَن وضع القواعد، وأنت تخبر نفسك بما يجب عليك فعله؛ أي إنَّ تنظيم وقت فراغك لن يهدد شيئاً سوى مزاجك وأهوائك المتقلبة، إلا أنَّنا نحب اتباع القواعد، ولكن بلا وعي، ونطلق على فعلنا ذلك العادات.

الحرية؟ لا يوجد شيء من هذا القبيل، سيكون هناك دافع لتصرفاتك حتماً، والأفضل أن يكون هو هدف طويل الأمد عوضاً عن نزوة لحظية، أو أسوأ، هدف شخص آخر، فالحرية الحقيقية هي الانضباط، وإلا فأنت حر فقط لتتصرف خدمةً لمزاجك، وأنت تعرف الآن ما الذي يناسبك حقاً بعد أن طبقتَ التمرينات السابقة وقستَ نشاطاتك فاستفِد الآن من معلوماتها، وأملِ على نفسك الأمور التي يجب أن تفعلها ثمَّ افعلها.

حان الآن الوقت لتلخيص السابق وتعلُّم كيفية الانتقال إلى المستوى الأعلى بمتعة وسهولة.

إقرأ أيضاً: ما هو الانضباط الذاتي؟ وما هي طرق تنميته والاستفادة منه؟

خلاصة ما سبق:

أسرار الحياة السعيدة وفقاً لعلاج التنشيط السلوكي هي:

  • التفكير بالمقلوب: تذكَّر أنَّ "مفتاح تغيير مشاعر الناس هو مساعدتهم على تغيير أفعالهم".
  • الموازنة بين المتعة والإتقان: حدِّد النشاطات التي تحقق 10 درجات للمتعة والإتقان ودعها ترشدك كيف تتصرف.
  • معرفة أهدافك وقيمك: احترم قيمك من خلال تحديد أهداف محددة توفر تعزيزاً إيجابياً.
  • اتباع الخطة وليس مزاجك: أملِ على نفسك الأمور التي يجب أن تفعلها ثمَّ افعلها، فمعرفة نفسك أمر جيد، والتفوق على نفسك بالذكاء أفضل.

وللارتقاء بالسعادة إلى المستوى التالي يجب أن تعتني بالأشخاص الذين يهمونك، فيجب أن تشمل قيمك الآخرين، ويمكن أن يكون أحد أهدافك مساعدة الآخرين، وحتى لو لم تتمكن من الحضور مع الأشخاص الذين تحبهم جسدياً، لا يزال في إمكانهم أن يكونوا جزءاً من حياتك وسعادتك، فإنَّ إشراك الآخرين في سعيك إلى حياة أفضل هو أمر لا يستهان به.

تكريماً لعدونا الحالي، فيروس كوفيد-19، يجب أن نتعلم درساً من علم الأوبئة، فنحن ننتظر بفارغ الصبر توافر اللقاح للجميع، وحين يحاول علماء الأوبئة القضاء على تفشي المرض، فهم لا يكتفون بالتطعيم عشوائياً؛ بل يخلقون "حلقات" من التطعيم حول أولئك الذين خالطوا العوامل الممرضة.

من كتاب "قواعد العدوى" (The Rules of Contagion): "مع اقتراب القضاء على الجدري في السبعينيات، استخدم علماء الأوبئة "التطعيم الحلقي" (ring vaccination) للقضاء على الحالات القليلة الأخيرة للعدوى، فعند ظهور حالة مرضية جديدة، كانت الفِرق تتعقب الأشخاص الذين خالطوا المصابين، مثل أفراد الأسرة والجيران، ثمَّ تطعيم الأشخاص داخل هذه "الحلقة"؛ مما يمنع انتشار فيروس الجدري إلى أبعد من ذلك".

نحن نحمي وندعم مَن حولنا في أوقات الحاجة، وهكذا نمنع انتشار أي مُمْرِض، سواء كان على شكل فيروس أم تعاسة، فابحث عن الفرح والإنجاز في نشاطاتك، وابنِ دائرةً واقية وسعيدة لمن تحبهم.

المصدر




مقالات مرتبطة