يهدف هذا المقال إلى تقديم نصائح وإرشاداتٍ مُفيدةٍ للتعامل مع المريض النفسي بِكفاءةٍ ورحمة، وذلك من خلال تفهُّم طبيعة الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعاً وتحديد علامات التحذير المُبكِّرة، واستراتيجيات التواصل الفعَّال، وطرائق تقديم الدعم المُناسب، مع التأكيد على أهمية طلب المساعدة المهنية من أخصائيين مُؤهَّلين.
نُؤمن بأنَّ المعرفةَ هي مفتاح التعاطف والدعم الفعَّال، وأنَّ التعامل مع المريض النفسي مسؤوليةٌ إنسانيةٌ تقع على عاتق كلِّ فردٍ من أفراد المجتمع، ونأمل أن يُساهم هذا المقال في نشر الوعي بالصحة النفسية وكيفية دعم المرضى النفسيين دعماً فعَّالاً، وهذا يُساهم في جعل المجتمع أكثر رحمةً وتفهُّماً.
ما هو المرض النفسي؟
المرض النفسي هو مصطلح عامٌّ يُشير إلى مجموعة متنوعة من الحالات التي تؤثر في تفكير الشخص ومزاجه وسلوكه، ويمكن أن تسبِّب هذه الحالات ضيقاً كبيراً وصعوبة في الأداء في العمل والمدرسة وفي العلاقات.
نصائح هامة للتَّعامُل مع المرضى النفسيين:
النصيحة الأولى: كُنْ هادئاً
من الهامِّ أن تكون هادئاً مع المريض النفسي لعدة أسباب:
1. إنشاء بيئة آمنة:
عندما يكون المريض النفسي في حالةٍ من الاضطراب أو القلق، فإنَّه يكون أكثر عُرضةً للشعور بالتهديد أو الخوف، ويمكن أن يساعد الحفاظ على الهدوء على إنشاء بيئة آمنة ومريحة للمريض، وهذا يسمح له بالشعور بمزيد من الاسترخاء والاستعداد للتحدُّث.
2. بناء الثقة:
قد يشعر المرضى النفسيون بالارتياب أو التردُّد في التحدُّث إلى الآخرين، خاصة إذا كانوا قد تعرَّضوا للتجريح أو الحكم في الماضي، ويمكن أن يساعد الحفاظ على الهدوء والصبر على بناء الثقة مع المريض، وهذا يجعله أكثر عرضة للانفتاح ومشاركة أفكاره ومشاعره.
3. تجنُّب تفاقم الأعراض:
يمكن أن يؤدِّي الصراخ أو الغضب أو إظهار الانفعال الشديد، إلى تفاقم أعراض المريض النفسي، مثل القلق أو الهلوسة أو الأفكار الانتحارية، ويمكن أن يساعد الحفاظ على الهدوء على منع تصاعد الموقف ومنع المريض من الشعور بالسوء.
4. التواصل تواصُلاً فعَّالاً:
عندما يكون الشخص هادئاً، يكون أكثر قدرة على التفكير بوضوح والتواصل تواصُلاً فعَّالاً، وهذا ينطبق على كلٍّ من المريض النفسي والشخص الذي يتفاعل معه، فالحفاظ على الهدوء يُسهِّل على كلا الطرفين فهم بعضهما بعضاً والاستماع إلى احتياجات ومخاوف بعضهما بعضاً.
5. تقديم الدعم:
قد يشعر المرضى النفسيون بالعزلة والوحدة، ويمكن أن يساعد إظهار التعاطف والتفهم والدعم على توفير الراحة للمريض وإشعاره بأنَّه ليس وحده.
6. التعامل بهدوء:
نصائح للحفاظ على الهدوء عند التعامل مع مريض نفسي:
1. خذ نَفَساً عميقاً:
قبل التفاعل مع المريض، خُذْ بعض الأنفاس العميقة لتهدئة نفسك، سيساعدك ذلك على البقاء هادئاً ومنتبهاً.
2. استمِعْ باهتمام:
اترك المريض يتحدَّث دون مقاطعة، وأظهر له أنَّك تستمع من خلال الحفاظ على التواصل البصري والتعبير عن لغة جسدية منفتحة.
3. تحدَّث ببطء ووضوح:
استخدم لغةً بسيطة وسهلة الفهم، وتجنَّب استخدام المصطلحات الطبية أو اللغة المعقدة.
4. كُنْ صبوراً:
قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتَّى يثق بك المريض ويشعر بالراحة الكافية للتحدُّث إليك؛ لذا كُنْ صبوراً وانتظر حتى يكون مستعدَّاً للمشاركة.
5. تجنَّبْ إصدار الأحكام:
من الهامِّ تجنُّب إصدار الأحكام أو الانتقادات على أفكار المريض أو مشاعره، تذكَّر أنَّهم يُعانون بالفعل وقد يزيد الحكم من سوء حالتهم.
6. ركِّزْ على الحاضر:
تجنَّب التركيز على الماضي أو المستقبل، ركِّز على ما يحدث في الوقت الحالي وساعد المريض على التعامل مع الموقف الحالي.
7. اطلُبْ المساعدة المهنية:
إذا لم تكن متأكداً من كيفية التعامل مع الموقف، فلا تتردَّدْ في طلب المساعدة المهنية، وهناك عددٌ من الموارد المتاحة لمساعدة المرضى النفسيين وأُسرهم.
من الهامِّ أن تتذكَّر أنَّ كلَّ مريض نفسي مختلفٌ، وما ينجح مع شخص ما قد لا ينجح مع شخص آخر، من الهامِّ أن تكون مرناً وأن تتكيَّف مع احتياجات الفرد.
شاهد بالفيديو: 10 أشياء عليك تذكرها إذا كنت تحب شخصاً مصاباً بالاكتئاب
النصيحة الثانية: لا تُظهِر التعاطف الفاضح مع المريض النفسي
1. قد يُساء فهم التعاطف:
- قد يُفسِّر المريض التعاطفَ الفاضح على أنَّه علامةُ ضعف أو عدم كفاءة من جانب المُعالج.
- قد يعتقد المريض أنَّك لا تأخذ مشكلته على محمل الجدِّ أو أنَّك لا تفهمه حقاً.
- قد يُشعره ذلك بعدم الأمان أو عدم الراحة.
2. قد يعوق التعاطف الفاضحُ عملية العلاج:
- قد يُركِّز المريض على مشاعرك بدلاً من التركيز على مشاعره الخاصة.
- قد يمنع ذلك المريض من مشاركة أفكاره ومشاعره الحقيقية.
- قد يَصعب على المعالج تقييم حالة المريض وتقديم العلاج المناسب.
3. قد يُشجِّع التعاطف الفاضح السلوكات المُعتمدة:
- قد يُصبح المريض معتمِداً على تعاطفك ويعتمد عليك في دعمه العاطفي.
- قد يمنعه ذلك من تطوير مهاراته الخاصة للتعامل مع مشاعره.
- قد يَصعب عليه إنهاء العلاج والوقوف على قدميه وحده.
4. قد يُسبِّب التعاطف الفاضح الإرهاقَ للمعالِج:
- قد يكون التعاطف مع المرضى النفسيين أمراً صعباً ومُرهقاً عاطفياً.
- إذا أظهرت تعاطفاً فاضحاً مع كل مريض، فقد يُصبح ذلك عبئاً عليك.
- قد يُؤثر ذلك في قدرتك على مساعدة المرضى الآخرين مساعدةً فعَّالةً.
بدلاً من التعاطف الفاضح، يجب أن تسعى إلى إظهار التعاطف الحقيقي للمريض النفسي. حيث يتمييز التعاطف الحقيقي بما يلي:
- الاستماع الفعَّال: استمع باهتمام لما يقوله المريض دون مقاطعة.
- التفهُّم: حاوِلْ فهم وجهة نظر المريض ومشاعره.
- القبول: اقبل المريض كما هو، دون إصدار أحكام عليه.
- الاحترام: تعامل مع المريض باحترام وكرامة.
- الدعم: قدِّم الدعم للمريض وساعده على تطوير مهاراته الخاصة للتعامل مع مشاعره.
من خلال إظهار التعاطف الحقيقي، يمكنك مساعدة المريض النفسي على الشعور بالأمان والراحة، فهذا سيسهِّل عليه مشاركة أفكاره ومشاعره الحقيقية والعمل على تحسين حالته.
النصيحة الثالثة: تعلَّم كيفية التعامل مع النوبة المَرَضيَّةِ لدى المريض النفسي
تُعدُّ معرفة كيفية التعامل مع النوبة المرضية لدى المريض النفسي أمراً هاماً جداً لعدة أسباب:
أولاً: سلامة المريض
1. منع الأذى:
قد يُظهر بعض المرضى خلال نوباتهم سلوكات عدوانية أو اندفاعية تُعرِّضهم أو من حولهم للخطر، ومن ثم معرفة كيفية السيطرة على الموقف وتوفير بيئة آمنة تُساهم في منع وقوع أية إصابات.
2. تخفيف حدَّةِ الأعراض:
تقديم المساعدة المناسبة خلال النوبة قد يُساعد على تقليل مدتها وشدة أعراضها، وهذا يُسرِّع من عودة المريض إلى حالته الطبيعية.
ثانياً: دعم المريض
1. الشعور بالراحة:
شعور المريض بالأمان والدعم من قِبل المحيطين به خلال نوبته يُساعده على الشعور بالراحة وتقليل شعوره بالخوف والقلق.
2. تعزيز الثقة بالنفس:
معرفة المريض بوجود أشخاص قادرين على مساعدته خلال أوقات الأزمات تُعزِّز ثقته بنفسه وتُشجِّعه على طلب المساعدة عند الحاجة.
ثالثاً: مساعدة العائلة والأصدقاء
1. تخفيف العبء:
قد تُشكل رعاية مريض نفسي عبئاً كبيراً على أفراد أسرته وأصدقائه، ومعرفة كيفية التعامل مع النوبات تُساعدهم على تقديم رعاية أفضل للمريض وتخفيف الضغط النفسي الواقع عليهم.
2. تحسين العلاقات:
يُساهم فهم سلوك المريض خلال النوبات والتعامل معه بفاعلية في تحسين علاقاته مع أفراد أسرته وأصدقائه وتقوية روابطه الاجتماعية.
رابعاً: المساهمة في المجتمع
1. نشر الوعي:
تُساعد معرفة كيفية التعامل مع النوبات على نشر الوعي بالصحة النفسية في المجتمع وكسر حاجز الخوف والوصم المرتبطَين بالأمراض النفسية.
2. تقديم المساعدة:
وجود أشخاص مُدرَّبين على التعامل مع النوبات، يُتيح لهم تقديم المساعدة للمرضى في الأماكن العامة أو في حالات الطوارئ.
إضافة إلى ذلك، تُساعد معرفة كيفية التعامل مع النوبات على:
- فهم المريض فهماً أفضل: ملاحظة سلوك المريض خلال النوبة قد تُقدِّم معلومات قيِّمة عن طبيعة مرضه وتساعد الطبيب المُعالِج على تحديد العلاج المناسب.
- التشجيع على طلب المساعدة: إظهار التعاطف والتفهُّم للمريض خلال نوبته، قد يُشجِّعه على طلب المساعدة المهنية المتخصصة في وقتٍ مبكر.
معرفة كيفية التعامل مع النوبة المَرضية لدى المريض النفسي تُعدُّ مسؤوليةً إنسانية واجتماعية تُساهم في تحسين حياة المريض وسلامته، ودعم عائلته وأصدقائه، وتعزيز الصحة النفسية في المجتمع عموماً.
في الختام:
إنَّ التعامل مع المريض النفسي يتطلَّب صبراً وحكمةً ووعياً كبيرَين، فالمريض النفسي يعاني من صراعاتٍ داخليةٍ عميقةٍ قد تعوقه عن التعبير عن مشاعره واحتياجاته بوضوح، ولذا فإنَّ دورنا بوصفنا أفراداً في المجتمع يكمُن في احتواء هذا المريض وتقديم الدعم اللازم له، من خلال الصبر عليه والإنصات باهتمامٍ لمشاعره، وتجنُّب إصدار الأحكام المُسبقة، وتقديم المساعدة العملية له في حال احتياجه إليها.
كما أنَّ علينا تشجيعه على طلب المساعدة المُتخصِّصة من أطبَّاء نفسيين أو معالِجين، فإنَّ العلاج النفسي يُعدُّ أداةً فعالةً في مساعدة المريض على فهم مشاعره والتعامل معها تعامُلاً صحياً، وتحسين نوعية حياته عموماً، ونؤكِّد على أنَّ الصحة النفسية مسؤوليةٌ فرديةٌ ومجتمعيةٌ على حدٍ سواء، وأنَّ التعاون بين جميع أفراد المجتمع هو السبيل الأمثل لإنشاء بيئةٍ داعمةٍ لذوي الأمراض النفسية، تُساعدهم على التعافي والعيش حياة كريمة ومُنتِجة.
أضف تعليقاً