بدلاً من محاولة تقويم شعور الطفل بأحقيته في مرحلة متأخرة عند دخوله سن المراهقة، تشير أبحاث تنمية الطفولة إلى أنَّ بعض المهارات الحياتية الهامة، مثل تنظيم العواطف وتعلُّم طريقة التواصل والوعي الاجتماعي، تتشكل جميعها منذ ولادة الطفل حتى بلوغه سن الالتحاق بالمدرسة.
ولكن، ما الذي يمكن للوالدين فعله للاستفادة تماماً من هذه الفرصة الفريدة؟ سنلقي نظرة في هذا المقال على 12 ممارسةً يمكن أن تساعد الآباء في خلق بيئة مشجعة لنجاح الأطفال الذين يتمتعون بالاكتفاء الذاتي في الحياة.
1. وضع الحدود والالتزام بها:
يُعَدُّ الأطفال بطبيعتهم فضوليين بشأن العالم من حولهم، فهم لا يزالون في طور اكتساب المعرفة والخبرة التي ستساعدهم على تعرُّف العالم بأنفسهم؛ لذا من الهام بالنسبة إلى الوالدين إنشاء مساحة حيث يمكن للأطفال استطلاع واستكشاف العالم من حولهم، مع توضيح العواقب المرتبطة بأفعالهم.
جاء في تقرير صدر في العام 2004 عن مجلة "بيدياتركس شايلد هيلث" (Paediatrics Child Health): "إنَّ الهدف هو حماية الطفل من المخاطر، ومساعدته على تعلُّم الانضباط الذاتي، وتنمية ضمير صحيح وإحساس داخلي بالمسؤولية والتحكم".
يمكن أن تشمل هذه الحدود طريقة تعامل الطفل مع الأشخاص الآخرين والحيوانات والممتلكات، ويمكن أن تتضمن قواعد السلامة، وما الذي يجب فعله حيال المخاطر مثل الشوارع والسيارات والغرباء. سيختبر الأطفال هذه الحدود؛ لذا يجب على الآباء التأكد من احترام أطفالهم لهذه الحدود.
2. وضع نظام روتين صحي:
يُعَدُّ وضع بعض الإجراءات الروتينية، واحدةً من أفضل الطرائق التي يمكن للآباء أن يمنحوا بها أنفسهم وأطفالهم الاستقرار الضروري.
كما أنَّه لا يذهب أحدنا إلى متجر البقالة من دون أن يعرف ماذا يريد أن يشتري، وبالطريقة نفسها التي نضع بها قائمة التسوق، فإنَّ وضع قائمة بالمهام التي يحتاج الأطفال إلى القيام بها كل يوم، مثل تنظيف الأسنان والاستحمام والمساعدة في أعمال المنزل وقضاء الوقت في الهواء الطلق، تُعَدُّ طريقة رائعة لمساعدة الجميع على معرفة ما المتوقع.
أظهرت دراسة أُجرِيت في العام 2016 في مجلة "أبلايد ديفيلوبمينت سايكولوجي" (Applied Developmental Psychology): "إنَّ وجود روتين يهيئ الأطفال للنجاح في حياتهم فيما بعد".
وقد أوضحت قائدة الدراسة الدكتورة "جينيفر ويل مالاتراس" (Dr. Jennifer Weil Malatras) قائلةً: "إنَّ الانتظام في الروتين اليومي قد يساعد في تعزيز مهارات إدارة الوقت، ومن ثمَّ تقليل تجربة صعوبات الانتباه خلال مرحلة البلوغ".
3. النوم في وقت مبكر:
غالباً ما تكون فكرة النوم إحدى أهم الأمور التي تخلق جدالاً بين الآباء والأطفال، ومع ذلك، يُعَدُّ هذا الأمر ضرورياً جداً ليمارس فيه الآباء سلطتهم.
تمتلك "الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال" (The American Academy of Pediatrics) إرشادات واضحة تتعلق باحتياجات الأطفال من النوم، والتي يمكن أن تتراوح بين (11-14) ساعةً (بما في ذلك القيلولة) للأطفال الرضع، و(10-13) ساعةً للأطفال الصغار.
من الهام أيضاً إغلاق جميع الشاشات والأجهزة الذكية قبل 30 دقيقةً من موعد النوم، ويجب عدم السماح بوجود تلفاز وحاسوب وأجهزة أخرى في غرف نومهم أيضاً.
ثم إنَّ الإجراءات الروتينية المتعلقة بالنوم هامة أيضاً بالقدر نفسه لأهمية الإجراءات المتبعة خلال اليوم؛ إذ إنَّ تنظيف الأسنان وارتداء ملابس النوم والقراءة أو سرد القصص في السرير وإطفاء الأضواء، كلها ممارسات تمنح الأطفال فرصة للاسترخاء والنوم.
4. تعلُّم التعاطف:
ليس التعاطف أمراً يتطور بطريقة سحرية لدى جميع الأطفال، فقد لا تكون فكرة وضع أنفسهم مكان شخص آخر غريزةً طبيعيةً؛ إذ يعاني معظم البالغين من فكرة: "لماذا يجب عليَّ مشاركة الآخرين بأشياء تخصني، عندما يمكنني الحصول عليها لنفسي"؛ لذلك فإنَّ البدء بتعلم التعاطف في وقت مبكر هو أمر هام.
كيف يمكنك أن تعلِّم أطفالك التعاطف؟ ركِّز على العلاقات مع الأخوة وأبناء العم والخال والأصدقاء والأقران الآخرين، ثم وسِّع هذه الممارسة من هنا. لِمَ لا تدع أطفالك يشاركون في العمل التطوعي والخيري، حتى يشعروا باحتياجات الآخرين الأقل حظاً منهم، على سبيل المثال.
سيحقق العمل على هذا الأمر مكاسب كبيرة عندما ينمو أطفالك.
5. العاطفة الحسية:
إنَّ العناق مرة واحدة في اليوم له فوائد تنعكس على صحة الأطفال وحالتهم النفسية؛ إذ أظهرت دراسة أُجرِيت في العام 2013 أنَّ حنان الوالدين يمثل عامل حماية، ويقي من الآثار الضارة لتوتر الطفولة السام على الصحة، والأمر المثير للدهشة أكثر هو أنَّ الحصول على الحنان خلال مرحلة الطفولة يساعد في حماية الأطفال حين يكبرون. أن تكون حنوناً مع أطفالك يجعلهم يعرفون أنَّهم محبوبون، ويقلل من شعورهم بالقلق والتوتر؛ لذلك فإنَّ هذا العناق اليومي هو أكثر من مجرد لفتة.
6. ممارسة الألعاب:
يحب الأطفال استعمال خيالهم، وهذه طريقة رائعة لممارسة العديد من مواقف الحياة الواقعية (سواءً كانت لعبة المنزل أم الطبيب أم المدرسة)، والمشاركة مع أطفالك في ذلك بطريقة مضحكة يعني الكثير بالنسبة إليهم. علاوة على ذلك، يُعَدُّ اللعب مفيداً للبالغين كما تلاحظ الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، فهو يوفر الوقت للآباء للمشاركة بصورة كاملة مع أطفالهم، والتواصل معهم ورؤية العالم من منظورهم.
7. الخروج في الهواء الطلق:
مع وجود الأجهزة الذكية في كل مكان في مجتمعنا، أصبح الحصول على الهواء النقي والجري أموراً هامةً أكثر من أيِّ وقت مضى، بالإضافة إلى أشعة الشمس التي توفر فيتامين (د)، فالخروج في الهواء الطلق يمنح الأطفال تمريناً هم في أمسِّ الحاجة إليه.
يوصي "مجلس الرئيس المختص بالرياضة واللياقة والتغذية" (The President’s Council on Sports, Fitness, and Nutrition) بممارسة التمرينات الرياضية مدة 60 دقيقة يومياً للأطفال؛ لهذا السبب، خطِّط للخروج إلى الحديقة أو قضاء بعض الوقت في مساحات خضراء.
والأفضل من ذلك، إشراك الأطفال في الرياضات الجماعية منذ الصغر؛ إذ إنَّ مساعدتهم على تحريك أجسامهم سيعلمهم العمل ضمن مجموعات والالتزام بالقواعد.
8. التركيز على النشاطات بدلاً من الشراء:
في حين أنَّ الأطفال والمراهقين مستهدفون بصورة كبيرة من قِبل شركات الإعلان المتعلقة بالألعاب والحلوى والأجهزة الإلكترونية، إلا أنَّ شراء هذه الأشياء للأطفال ليس السبيل لتكون أباً جيداً؛ فإنَّ قضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء يستحق أكثر من أيِّ أمر يمكن أن تشتريه بالمال.
ذلك الدب الصغير الذي سيحصل عليه الجميع في عيد الميلاد سيُنسى مع حلول العام المقبل، لكنَّ زيارة أفراد العائلة البعيدين، أو التخييم في الغابة، أو الذهاب لمشاهدة فيلم في السينما، أو المشاركة في الأعمال الخيرية، سيترك انطباعاً يدوم فترة أطول.
9. قراءة الكتب:
يوجد مثل صيني قديم مفاده: "من دون الخروج، قد تعرف العالم كله، ومن دون النظر من خلال النافذة، قد ترى الطرق إلى الجنة". يمكنك من خلال قراءة أنواع مختلفة من الكتب مع أطفالك وتشجيعهم على العثور على الكتب التي يحبونها، أن تفتح العالم أمام فضولهم.
تُظهِر أبحاث طب الأطفال أنَّ القراءة بصوت عالٍ للأطفال عندما يكونون صغاراً، ستساعدهم على النجاح في المدرسة عن طريق الحد من فرط النشاط والسلوكات التخريبية، ويُعَدُّ تخصيص بعض الوقت للقراءة معاً أو بمفردهم كل يوم، طريقةً رائعةً لتميز أطفالك عندما يكبرون.
10. إيقاف تشغيل التلفاز والأجهزة الذكية الأخرى:
في حين أنَّه من السهل على الآباء المشغولين أن ينسوا أهمية التفاعل المباشر مع أطفالهم، فقد أظهر أطباء الأطفال أنَّ قضاء الأطفال الكثير من الوقت أمام شاشات التلفاز والأجهزة الذكية، يمكن أن يكون مدمراً للغاية. تنصح منظمة الصحة العالمية (WHO): "بالنسبة إلى الأطفال بعمر السنة، لا يُنصَح بقضاء أيِّ وقت أمام الشاشة (مثل مشاهدة التلفاز أو مقاطع الفيديو أو اللعب بألعاب الحاسوب).
وبالنسبة إلى الأطفال الذين تبلغ أعمارهم عامين، يجب ألَّا يزيد وقت الجلوس أمام الشاشة عن ساعة واحدة، والأفضل فترة أقل من ذلك". بدلاً من قضاء الوقت أمام الشاشات، يجب أن يقضي الأطفال وقتهم في القراءة واللعب وممارسة الرياضة والقيام بالأعمال الروتينية.
11. القيام بالأعمال المنزلية التي تهيئ الأطفال للحياة:
عند الحديث عن الأعمال المنزلية، فإنَّ إحدى أساسيات تربية الأطفال الناجحين هي منحهم المسؤولية، سواءً عن طريق المساعدة في غسل الأطباق، أم تحضير الطعام، أم رعاية الحيوانات الأليفة، أم مجرد ترتيب السرير وتنظيف الغرفة؛ فإنَّ هذه المهام لا تحتوي أيَّ مخاطر، وتساعد الأطفال على التعرف إلى قيمة العمل وتعليمهم مهارات الحياة.
12. الاستماع للموسيقى:
ليس الاستماع للموسيقى وتأليفها مجرد أمر ممتع؛ وإنَّما مفيد لدماغك ودماغ طفلك؛ وذلك وفقاً لدراسة أجرتها "جامعة ستانفورد" (Stanford University) ونُشِرَت في مجلة "نيورون" (Neuron)؛ إذ كتب المؤلف المشارك "جوناثان بيرغر" (Jonathan Berger): "يمكن أن تكون عملية الاستماع للموسيقى وسيلة للدماغ لتعزيز قدرته على توقع الأحداث والحفاظ على التركيز والانتباه". وتُعَدُّ مشاركة موسيقاك المفضلة مع أطفالك طريقةً رائعةً لتوطيد العلاقة بينكم.
أضف تعليقاً