المؤلف خبير أمريكي في مجال السلوك الإداري يدعى "ستيفن كوفي" وهو شديد الإيمان بالقيم الإنسانية والمبادئ المُثلى، وقد بيعت من كتابه هذا ملايين النسخ، وتُرجم إلى لغات عدّة (منها العربية)، ولازالت تُعقَد دورات تدريبية في مجاله وحول مضمونه، وقد اعتُبر المؤلّف واحداً من أكثر خمس وعشرين شخصية أثّرت في المجتمع الأمريكي في استفتاء أجرته مجلة شهيرة بعد فترة من تأليفه للكتاب.
أوّلاً: العادات السبع للناس الأكثر فعالية لمحة سريعة
إنّ شخصياتنا تتكوّن في الأساس من عادتنا، وتُعَد العادات عوامل مؤثّرة في حياتنا لأنّها متماسكة ومترابطة وعادةً ما تكون نماذج غير واعية. فهي تعبّر بشكل دائم ويومي عن شخصيّاتنا وتَصنَع فعاليّاتنا أو انعدام تلك الفعاليّة.
وكما قال المعلّم العظيم هوراس مان" العادات تشبه الحبل الغليظ ننسج أحد خيوطه كلّ يوم وسريعاً ما يصبح مستحيل القطع" وأنا لا أتفق معه في الجزء الأخير من تعبيره. فأنا أعلم أنّه قابل للقطع. فالعادات يمكن تعلّمها ويمكن التّوقف عن القيام بها ولكنّ التوقف عمليّة ليست سريعة بل تتطلّب التزاماً لا حدود له.
فالعادات لها جاذبية هائلة أكثر ممّا يدركه بعض النّاس أو يعترفون به فالعادات مثل المماطلة ونفاذ الصّبر أو اللامبالاة أو الأنانية والتّي تَنتَهِك مبادئ الفعاليّة الإنسانيّة الأساسيّة، وتتطلّب أكثر من بعض الإرادة والقليل من التغييرات التّي يمكن إحداثها في حياتنا. والانطلاق يتطلّب جهداً هائلاً ولكن ما أن ننطلِق خارج نِطاق الجاذبيّة تأخذ حياتنا بُعداً جديداً تماماً.
تعريف العادات:
العادات هي نقطة التقاء المعرفة والمهارة والرّغبة، والمعرفة هي تصوّر ذهني نظري، وبعبارة أخرى هي ما يتعيّن عليك القيام به ولماذا يتعين عليك القيام به. والمهارة هي كيفيّة القيام بهذا الأمر. أمّا الرغبة فهي الدافع أي الحاجة إلى القيام بهذا الأمر. ولكي يتحوّل أمر ما إلى عادة في حياتك لا بدّ أن تتحلّى بكل الصفات الثلاث السّابقة.
وعلى الرغم من أنّي أعرف تمام المعرفة أهميّة الاستماع إلى الآخرين من أجل تحقيق تواصل فعّال، فربّما لا تتوافر لدي هذه المهارة. فربّما لا أعرف كيف أنصت بعمق لشخص أخر.
معرفتي أنّني بحاجة إلى الإنصات ومعرفتي كيف أنصت ليستا كافيتين، فأنا إن لم أرغب بالاستماع للآخرين رغبة قويّة فلن يتحوّل الأمر إلى عادة في حياتي. فخلق العادة يتطلّب العمل على الأبعاد الثّلاثة.
وعمليّة تحويل الكينونة والرؤية هي عملية صاعدة، فالكينونة تُغيّر الرؤية والأخيرة بدورها تُغيّر الكينونة وهكذا دواليك. أي أنّنا ننمو نموّاً لولبيّاً صاعداً.
ويمكننا من خلال تطوير كل من المعرفة والمهارات والرغبة الانتقال إلى مستويات جديدة من الفعاليّة على المستوى الشّخصي ومع الآخرين بينما نقوم بكسر التصوّرات الذهنيّة القديمة والتي قد تكون مصدراً من مصادر الأمن الزائف طوال سنوات عِدة.
وفي بعض الأحيان تتّسم هذه العملية بأنّها مؤلمة. فهذا التغيير قد يكون نابعاً من هدف أسمى، ومن اعتقادك أنّ ما تُريده الأن تابع لما تريد أن تكون عليه في المستقبل. ولكنّ هذه العملية تولِّد السّعادة وهي"ما نسعى تحقيقه في حياتنا" ومن ثمّ يمكن تعريف السّعادة ولو جزئياً بأنّها ثمرة الرغبة والقدرة على التضحية بما تريد الآن من أجل ما تريد في المستقبل.
تدرّج النّضج:
كلّنا بدأ حياته رضيعاً يعتمد اعتماداً كليّاً على كل من حوله، في التّوجيه والإطعام والاستمرارية. ثم تدريجياً وعلى مرّ الشهور والسنين نصبح أكثر اعتماداً على الذات من الناحية البدنية والعقلية والعاطفية والمادية إلى أن نتمكّن من العناية بأنفسنا في النهاية، ومن ثمّ نتلقّى التوجيهات من داخلنا ونعتمد على أنفسنا، هذا كله يؤثر في بناء العادات السبع للانسان الأكثر فعالية.
وبينما ننمو وننضج يزداد إدراكنا بأنّ الطبيعة تتطلّب الاعتماد بالتبادل وأنّ هناك نظاماً بيئياً يحكم الطبيعة بما فيها المجتمع. كما نكتشف أيضاً أنّ المناطق الهامة والأسمى في طبيعتنا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعلاقاتنا بالآخرين، وهذا يعني أن الحياة الإنسانية تتطلّب الاعتماد المتبادل.
فالنّاس الذين يعتمدون على غيرهم في حاجة إلى من يحقّق لهم ما يريدون. أمّا النّاس الذين يعتمدون على ذواتهم يمكنهم الحصول على ما يريدون بجهودهم الشّخصيّة. والنّاس الذين يتبادلون الاعتماد على بعضهم البعض يُوَحِّدون جهودهم لتحقيق أعظم نجاحاتهم.
ويتَّسِم مفهوم الاعتماد بالتبادل بأنَّه أكثر نضجاً وتقدّماً. فإذا كنتُ من الناحية البدنية استخدم مبدأ الاعتماد بالتبادل فأنا قادر على الاعتماد على ذاتي، ولكنّني أدرِك في نفس الوقت أنّنا لو عملنا أنا وأنت معاً يمكننا إنجاز الكثير من العمل، بقدر يفوق ما قد أنجزه بمفردي حتّى لو بذلتُ قصارى جهدي. وإذا كنتُ من الناحية العقلية أستخدم مبدأ الاعتماد بالتبادل فإنّني أدرك حاجتي إلى عقول أخرى جدّية لتفكّر معي. وإذا كنت من الناحية العاطفية أتعامل من منطلق الاعتماد بالتبادل، فأنا أتمتّع بقدر كبير من الإحساس بقيمة الذات، ولكنّني أدرك أنّني أيضاً في حاجة إلى الحب والعطاء والشعور بحب الآخرين.
والعادات الثلاث الأولى والتي سنتحدث عنها فيما يلي هي التي ستحوّلك من شخص يعتمد على الآخرين إلى شخص يعتنق مبدأ الاعتماد بالتّبادل. وهي الانتصارات الشّخصيّة التي هي جوهر نمو الشّخصيّة. وبالطّبع فإنّ الانتصارات الشّخصيّة تسبق الانتصارات العامة ولا يمكنك قلب هذه العملية بأي حال من الأحوال إلّا إذا تمكنت من حصاد أرض قبل أن تزرعها فهي عملية تسير من الداخل إلى الخارج.
تعريف الفعاليّة:
إن العادات السّبع هي عادات الفعاليّة. ولأنّها قائمة على المبادئ فهي تحقّق الحد الأقصى من النتائج المفيدة طويلة المدى. والعادات السّبع هي الدعائم الأساسيّة لشخصيّة الإنسان، وهي مركز تعزيز الخرائط الصحيحة والتي من خلالها يمكن للفرد وضع حلول فعّالة للمشاكل وتعظيم الفرص والاستمرار في التعلُّم والتّكامل مع المبادئ الأخرى في نمو لولبي صاعد.
ثانياً: النّصر الشّخصي
1. العادة الأولى: كُن مبادراً (مبادئ الرؤية الشّخصيّة)
إنَّنا لسنا المشاعر التي تعترينا، ولسنا الحلات المزاجية التي تنتابنا، ولسنا الأفكار التي تَعتَمِل داخل عقولنا. فإنَّ الحقيقة الثابتة أنَّنا نستطيع التفكير في تلك الأشياء وهو ما يُميِّزنا عن عالم الحيوانات. إذاً الوعي الذاتي يُمكّننا من الانفصال عن أنفسنا وتَفَحُّص الطريقة التي نرى بها أنفسنا" تصوّرنا الذاتي لأنفسنا" والذي يعد التصوّر الذهني الأساسي للفعالية. وهو لا يُؤثِّر على توجهاتنا وسلوكياتنا فحسب، بل يُؤثِّر على الطريقة التي نرى بها الناس. لذا فهو خريطتنا لمعرفة أسس طبيعة البشر.
وإلى أن نهتم بالطريقة التي نرى بها أنفسنا (وكيف نرى الآخرين) فإنّنا لن نتمكن من فهم كيف يرى الناس أنفسهم وكيف يشعرون بالعالم المحيط بهم. وسنعمَد دون أن نشعُر إلى إقحام نوايانا في سلوكهم، ثم نصف أنفسنا بالموضوعيين.
المرآة الاجتماعيّة:
إذا كان المنظور الوحيد الذي نرى أنفسنا من خلاله هو انعكاس للمرآة الاجتماعيّة – أي من خلال التّصوّر الذّهني للمجتمع، ومن خلال الآراء والمفاهيم والتّصورات الذهنيّة للمحيطين بنا – فهذا يشبه إلى حدّ كبير رؤيتنا انعكاساً لأنفسنا في حجرة المرايا المجنونة في الملاهي!!
"أنت دائماً متأخّر"، "لماذا لا تستطيع إبقاء الأشياء منظّمة"، "أنت تلتهم الطّعام بنهم".
كل هذه الرّؤى غير مترابطة وغير متناسبة وغالباً تكون من نسج الخيال وليست انعكاساً لشيء، فهي تُبرِز مخاوف ونقاط ضعف النّاس الذين يقولونها أكثر ممّا يقدّم انعكاساً دقيقاً لما نحن عليه بالفعل.
وتخبرنا ثلاث خرائط اجتماعية دقيقة لتفسير طبيعة الإنسان – أي ثلاث نظريات لكون الإنسان مسيّراً وهي:
- النّظريّة الأولى:هي نظرية الحتميّة الوراثيّة، التي تقول بأنّنا نحصد صنيعة أجدادنا، ولهذا السّبب قد نعاني من حدّة المزاج الذي انتقل إلينا من أجدادنا عبر الحمض النّووي وهو يواصل انتقاله من جيل إلى جيل عبر سلسلة وراثيّة.
- النّظريّة الثّانيّة:هي الحتميّة النّفسيّة، وتقول أنّنا نحصد صنيعة آبائنا، بمعنى أنّ توجهاتك الشّخصيّة وتركيبة شخصيتك هما في الأساس نتاج أسلوب تربيتك والتّجارب التي مررت بها في طفولتك.
- النّظريّة الثّالثة:هي الحتمية البيئية، والتي تقول إنّ رئيسك هو الذي يجني عليك أو زوجك أو وضعك الاقتصادي أو السياسات التي تنتهجها بلدك.. بمعنى آخر شيء ما في بيئتك هو المسؤول عن الموقف الذي أنت فيه.
تعريف المبادرة:
في أثناء اكتشافه للمبدأ الأساسي لطبيعة الإنسان، وصف فيكتور فرانكل وهو طبيب نفسي تربّى في كنف علم النفس الفرويدي خريطة ذاتيّة دقيقة بدأ من منطلقها يُطوِّر العادة الأولى والأكثر أهمية للشخص ذي الفاعليّة العالية في أي بيئة، وهي عادة المبادرة.
في حين أنّ كلمة مبادرة معروفة الآن في مجال الإدارة إلّا أنّها كلمة لن تجدها في معظم القواميس. فهي تعني أكثر من مجرد خطوة للأمام. إنّها تعني أنّنا كبشر مسؤولون عن حياتنا. تعني أنّ سلوكنا هو نتاج قراراتنا وليس ظروفنا. فنحن نستطيع أن نضع المشاعر في مرتبة أدنى من القيم. إنّنا نمتلك حس المبادرة والمسؤولية التي تمكّننا من تحقيق ما نريد.
والناس الذين يتمتعون بالمبادرة السريعة يدركون تماماً معنى تحمل المسؤولية ولا يعلّقون سلوكياتهم على الظروف والأحوال، لأنهم يَعون تماماً أنّ سلوكياتهم هي نتاج لاختيارهم الواعي المبني على أساس القيم وليست وليدة الظروف التي يمرّون بها والمبنيّة على المشاعر.
ولأنّ المبادرة هي طبيعة إنسانية، فإن كانت حياتنا نتاج الظروف والمؤثرات الخارجية فإنّ ذلك لأنّنا اخترنا عن قصد أو اضطررنا لزيادة قوّة هذه الأشياء التي تتحكّم فينا. وهذا الاختيار يحوّلنا إلى أشخاص انفعاليين، وهذا النوع من الناس يتأثرون بالبيئة المادية المحيطة بهم، وبالبيئة الاجتماعية أو "الجو الاجتماعي".
ومع ذلك يتأثر الأشخاص المبادِرون بالمُثيرات الخارجية سواء المادية أو الاجتماعية أو النفسية. غير أنّ استجابتهم لتلك المُثيرات سواء الواعية أو اللاواعية هي اختيار أو استجابة أساسها القيم.
وكما قال غاندي: "لا يمكنهم أن يأخذوا منّا احترامنا لأنفسنا ما لم نعطه لهم". إن ما يجرحنا ليس الحدث في حد ذاته بل موافقتنا وتصريحنا بحدوثه بالمقام الأول.
كثيرون يتحركون وِفقَاً لما تُمليه عليهم الظروف، أما السبّاقون المسيطرون فتحرِّكُهم القيم المنتقاة التي تتشرّبها نفوسهم وتصبح جزءاً من تكوينهم، ولكي تكون سبّاقاً يجب أن تعمل على تغيير الظروف بما يخدم أهدافك، لا أن تغير أهدافك وفقاً لما تمليه الظروف.
الأخذ بزمام المبادرة:
ورد في كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية الأخذ بزمام المبادرة وهذا لا يعني أن تكون لحوحاً أو وقحاً أو عدوانيّاً، بل أن تدرك المسؤولية الملقاة على عاتقك لتصل إلى هدفك.
فعند إجراء مقابلات للحصول على وظيفة أو ترقية مثلاً نجد الكثير من الناس يُخفِقُون في اتخاذ الخطوات الضرورية "أي المبادرة" من أجل تحقيق ما يصبون إليه. وهنا غالباً ما ينتظرون حدوث أمر ما، أو أن يمدَّ إليهم أحدهم يد المساعدة. ولكنّ النّاس الذين ينتهي بهم الحال في الحصول على وظائف جيّدة هم أولئك الذين يتمتعون بحس المبادرة، والذين يملكون حلولاً للمشاكل ولا يمثّلون هم المشاكل، والذين يملكون زمام المبادرة للقيام بكل ما هو ضروري في إطار المبادئ الصحيحة لتنفيذ المهمة الموكلة إليهم.
وإنّ حَمل الناس على تحمُّل المسؤولية لا يُقلّل من شأنهم بل إنّه مجرد تشجيع وحث لهم. فالمبادرة طبيعة بشرية، وعلى الرغم من أنّ عضلات المبادرة قد تكون خاملة في الوقت الحالي بيد أنّها موجودة. وإذا احترمنا طبيعة المبادرة لدى الأخرين فإنّنا نعكس لهم من خلال مرآة المجتمع صورة واضحة غير مشوهة.
دائرة التأثير/ دائرة الهموم:
هناك طريقة ممتازة تساعدنا على تنمية إدراكنا لذاتنا تعتمد على قدر تمتّعنا بالمبادرة وهي البحث عن الشّيء الذي يجدر بنا أن نرّكز وقتنا وطاقتنا عليه، ويمكننا وضع هذه الأشياء في دائرتين:
- دائرة الهموم: وتتضمن هذه الدائرة همومنا بما فيها من مصادر للقلق (أطفالنا، مشاكل العمل..) والأشياء التي تخرج عن سيطرتنا، وهي مليئة بالمتطلّبات:(ليت زوجي صبوراً، ليت أطفالي مطيعين..)، واستخدام دائرة الهموم يساعدنا على فصل تلك الهموم عن الأمور التي لا تمثّل أهميّة عقليّة أو عاطفيّة لنا.
- دائرة التّأثير: وتتضمّن الأمور التي نستطيع معالجتها، والتي تقع تحت سيطرتنا، والتي نستطيع فعل شيء بشأنها، وهي مليئة بالصّفات (أستطيع التّحلّي بالمزيد من الصّبر والحكمة وأكون محبّاً) أي التّركيز يكون على الشّخصيّة.
وما أن نحدّد أي من الدّائرتين هو محور طاقتنا ووقتنا، يغدو من السّهل علينا تحديد إلى أي درجة نتمتع بالشّخصيّة المبادرة. فالأشخاص المبادرون هم من يركزون جهدهم وطاقتهم على دائرة التأثير. فهم يُركّزون على الأشياء التي يستطيعون فعل شيء بشأنها، وتتميّز طبيعة طاقتهم بالإيجابية والامتداد والتعاظم مما يزيد من اتساع دائرة تأثيرهم.
ومن ناحية أخرى تجد الأشخاص الانفعاليين يركّزون جهودهم على دائرة الهموم، فهم يركزون على اقتناص نقاط ضعف الآخرين والمشاكل الموجودة في البيئة والظروف الخارجة عن سيطرتهم. ويتمخض عن هذا النوع من التركيز إلقاء اللوم واستخدام لغة انفعالية وتعاظم الشعور بأنهم ضحايا. والطاقة التي تتولد عن هذا النوع من أنواع التركيز تتحد مع إهمال النواحي التي يمكن التعامل معها وتتسبب في تقلص دائرة التأثير.
توسيع دائرة التأثير:
من المهم أن ندرك أن الاستجابة التي نختارها عند التعامل مع ظرف معين تُحدِث تأثيراً قويّاً في هذا الظرف. فإذا قمنا بتغيير جزء من الوصفة الكيميائية فإننا نُغيِّر طبيعة النتيجة بالتّبعية.
والشخص المبادر هو الذي لا يعتمد على الظروف في تحقيق نجاحه، وتكون استجابته لتلك الظروف وتركيزه على دائرة تأثيره هما الركيزة الأساسية التي تحدث فرق.
المتطلّبات والصفات:
واحدة من الطرق التي يمكن استخدامها لتحديد الدائرة التي يقع بداخلها قلقنا هي التمييز بين المتطلبات والصفات. فدائرة همومنا مليئة بالمتطلبات.
- "سأكون سعيداً لو تمكنت من دفع أقساط المنزل".
- "ليت رئيسي لم يكن ديكتاتورياً".
- "ليت زوجي كان صبوراً".
- "ليت أطفالي كانوا مطيعين".
أما دائرة التأثير فهي مليئة بالصفات - أستطيع التّحلي بالمزيد من الصبر والحكمة وأن أكون محبّاً. أي أنّ التركيز يكون على الشّخصيّة.
ففي أي وقت نفكر فيه قائلين "ها هي المشكلة" يكون التفكير هو عين المشكلة. فنحن نعزّز قوّة تلك المشكلة التي نشير إليها ونسمح لها بالسيطرة علينا. وهنا يأتي تغيّر التصوّر الذهني من الخارج إلى الداخل فما يوجد بالخارج ينبغي أن يتغيّر أوّلاً حتّى نتغير نحن.
أما التناول المبادر فهو يتعلق بالتغيير من الداخل إلى الخارج: أن تكون مختلفاً، وعندما تصبح مختلفاً تتمكّن من إحداث تغيير إيجابي في الخارج – باستطاعتي أن أكون واسع الحيلة بشكل أكبر والعمل بجد أكثر كما أنه باستطاعتي أن أكون خَلَّاقاً وأكثر تعاوناً.
قطع التعهدات والإيفاء بها:
داخل قلب دائرة تأثيرنا تكمن قدرتنا على قطع عهودنا ووعودنا والحفاظ عليها. ووفقاً لـ كتاب العادات السبع العهود التي نقطعها على أنفسنا ويقطعها الآخرون والالتزام بتلك العهود هو جوهر أخذنا بزمام المبادرة والتّحسين الفعلي لها.
كما أنّها جوهر نموّنا، ومن خلال مواهب طبيعية نمتلكها مثل الوعي الذاتي، والضّمير نستطيع معرفة نقاط ضعفنا والجوانب التي تحتاج للتحسين والمواهب التي يمكن تنميتها وما نحن بحاجة إلى تغييره في حياتنا أو التخلص منه نهائياً. وعندما ندرك وجود خيالنا وإرادتنا المستقلة ونستخدمها للتعامل مع هذا الوعي (قطع الوعود ووضع الأهداف والإخلاص في القيام بها) فإنّنا نبني مواطن القوّة في شخصيّاتنا، ونبني كينونتنا، والتي تجعل من أي أمر آخر في حياتنا ممكناً.
المبادرة: اختبار 30 يوماً
أخضع نفسك لاختبار مبادئ المبادرة لمدّة 30 يوماً، جرّبه ببساطة وراقب ما يحدث، كل ما عليك فعله هو التّركيز على دائرة تأثيرك لمدّة 30 يوماً، اقطع على نفسك العهود وحافظ عليها، وكُن مرشداً لا مصدراً للأحكام، وكُن قدوة لا ناقداً، وكُن جزءاً من الحلّ لا جزءاً من المشكلة، وامتنع عن مناقشة نقاط ضعف النّاس مع الآخرين، ولا تناقش نقاط ضعفك أيضاً، وإذا ارتكبت خطأ ما اعترف به وصحّحه وتعلّم منه في الحال، وإياك والوقوع فريسة لِلّوم والاتهام، بل حاول التّركيز على الأشياء التي تقع ضمن نطاق سيطرتك، قُم بالتّركيز على نفسك وعلى صفاتك، وانظر إلى نقاط ضعف الآخرين بعين التّعاطف لا الاتهام، فالمشكلة لا تكمن فيما تفعل، أو ما يتعين عليك فعله، بل في الاستجابة التي تختارها وفقاً للموقف وما عليك فعله.
وإذا ضبطت نفسك تفكّر قائلاً "ها هي المشكلة" توقّف على الفور لأنّ هذا النّوع من التّفكير هو عين المشكلة، والعلم بأنّنا مسؤولون وأننا قادرون على تحمّل المسؤوليّة، هو أساس تحقيق الفعاليّة وأساس لأيّ عادة من عادات الفعاليّة التي سنناقشها.
2. العادة الثّانية: ابدأ والغاية في ذهنك (مبادئ القيادة الشّخصيّة)
ما المقصود أن تبدأ والغاية في ذهنك؟
إن التطبيق الأساسي لهذه العادة هو أن تبدأ واضعاً في ذهنك الغاية، أي أن تبدأ يومك بتخيّل أو بصورة أو بالتصوّر الذهني لنهاية حياتك في إطار المعيار الذي تحدد.
وكل جزء من أجزاء حياتك – سلوكك اليوم وغداً والأسبوع والشهر المقبل - يمكن اختباره في إطار ما يهمّك بالفعل. وعندما تكون تلك النّهاية واضحة في ذهنك، يمكنك أن تكون واثقاً أنّ أي شيء تفعله في أي يوم لن ينتهك المعايير التي تحدّدها لنفسك، وتضعها على رأس اهتماماتك القصوى، وأنّ كلّ يوم من أيام حياتك سوف يُسهِم إسهاماً ذا مغزى في أسلوب رؤيتك لحياتك كلّها.
ويقصد بأن تبدأ واضعاً الغاية في ذهنك أن تفهم وجهتك، وأن تعرف إلى أين أنت ذاهب، ومن ثم تفهم أين تقف الآن، وبالتّالي تخطو على الطّريق الصّحيح.
وكم تختلف حياتنا عندما نعرف ما هي الأشياء المهمّة، ونحتفظ داخل أذهاننا بهذه الصّورة، ونعمل كل يوم لنكون ونفعل ما نريد، فإذا وُضِعَ السّلم على الجّدار الخطأ فإن كل خطوة نخطوها تقرّبنا بسرعة إلى المكان الخطأ، وربما نكون شديدي الانشغال وربما نكون أكفأ ولكن لن نحقق الكفاءة الحقيقيّة ما لم نبدأ ونحن واضعون الغاية في أذهاننا.
وإذا فكّرت ما الذي تريد أن يقال عنك في جنازتك، ستدرك تعريفك للنّجاح، وربما يكون مختلفاً كلّ الاختلاف عن الفكرة التي كنت تعتقد أنّها في ذهنك، مثل الشّهرة أو المال أو أي شيء آخر نتوق لتحقيقه.
كلّ الأمور تُبتكر مرّتين:
إنّ مفهوم ابدأ واضعاً الغاية في ذهنك قائم على أساس أنّ جميع الأمور تُبتكر مرّتين، أي أنّها تبدأ بالابتكار الذّهني أوّلاً، ثم الابتكار المادّي ثانياً، ويستخدم النّاس هذا المبدأ في نواحٍ مختلفة من حياتهم وبدرجات متفاوتة، فقبل توجّهك في رحلة تحدّد وجهتك أوّلاً، وتضع خطّة لأفضل الطّرق التي تتّبعها، وقبل أن تزرع حديقتك تضع خطّة في عقلك وربما تضعها على الورق، وكتابة الخطب يسبق إلقاؤها، والتّفكير في أسلوب تنسيق الحديقة يسبق عملية التّنسيق ذاتها، وتصميم الملابس يسبق عملية إدخال الخيط في الإبرة.
ووفقاً لمدى فهمنا لمبدأ الابتكار الأوّل والابتكار الثّاني وتحمّلنا مسؤولية الإثنين فنحن نُوسّع حدود دائرة تأثيرنا. ووفقاً لمدى عدم تناغمنا مع هذا المبدأ وتولّي مسؤولية الابتكار الأوّل، فنحن نعمل على تقليص دائرة تأثيرنا.
العمل وفقاً لتصميم أو غيبيّاً:
صحيح بأنّ الأشياء تبتكر مرّتين، ولكن ليس كل ابتكار أوّل نِتاج لتصميم واعٍ، ففي حياتنا الشّخصيّة قد يؤدّي إهمال تنمية وعينا الذاتي وتحمّل مسؤولية الابتكار الأوّل إلى دفع الآخرين والظّروف الخارجة عن دائرة تأثيرنا إلى تشكيل حياتنا نيابةً عنّا، ومن ثمّ نعيش وفقاً للنّص الذي تكتبه لنا أسرنا أو زملاؤنا أو ضغوط الظّروف. إنّها النصوص المرسومة لنا منذ نعومة أظافرنا، والتي شكّلها كذلك ما تدرّبنا عليه والمؤثّرات الخارجيّة التي تعرّضنا لها.
وسواء أدركنا هذا أم لا، وسواء كنّا نملك السّيطرة عليه أم لا، فهناك ابتكار أوّل في كل جزء من أجزاء حياتنا، فنحن إمّا أن نكون الابتكار الثّاني لتصميمنا المبادر أو الابتكار الثّاني لجداول الآخرين أو الظّروف أو العادات السابقة.
وبعبارة أخرى العادة الأولى تقول "أنت المبتكر" والعادة الثانية هي الابتكار الأوّل.
القيادة والإدارة – الابتكاران:
إنّ العادة الثانية قائمة على أساس القيادة الشّخصيّة، بمعنى أنّ القيادة هي الابتكار الأوّل، والإدارة هي الابتكار الثاني. والقيادة تختلف عن الإدارة. فالإدارة تركّز على القاعدة الأساسيّة: كيف يمكنني إنجاز تلك الأمور على الوجه الأكمل؟ أمّا القيادة فتركّز على الخطوط العُلويّة، ما هي الأشياء التي أودّ تحقيقها؟
وكما قال "بيتر دراكر" وَ "وارن بينز" (الإدارة هي أداء الأمور بالطّريقة الصّحيحة، أما القيادة فهي القيام بالأمور الصّحيحة). والإدارة هي الكفاءة في ارتقاء سلّم النّجاح، أما القيادة فهي التّأكد من أنّ السّلم يستند إلى الجّدار الصّحيح.
ومع الأسف نحن نفتقر إلى وجود القيادة في حياتنا الشّخصيّة، فنحن نركّز على الإدارة الفعّالة، ووضع الأهداف وتحقيقها قبل أن نحدّد قيمنا.
إعادة كتابة النص: كن أنت المبتكر الأوّل لحياتك
لأنّنا نعيش بالفعل العديد من النّصوص التي كتبها لنا أشخاص آخرين، فإنّ عملية إعادة كتابة النّص الخاص بنا هي في الواقع عملية تغيير في التّصوّر الذّهني، تتعلّق بإدخال بعض التّعديلات على التّصوّرات الذّهنيّة الأساسيّة المتكوّنة لدينا بالفعل، ونحن في طريقنا إلى التّعرف على النّصوص غير الفعّالة والتّصوّرات الذّهنية الخاطئة وغير المكتملة لدينا، يمكننا المبادرة بكتابة النّصوص الخاصّة بنا.
وخلال عملية تطوير الإدراك الذّاتي يكتشف العديد منّا بداخله نصوصاً غير فعّالة وعادات متأصّلة عديمة النّفع، والتي لا تتلاءم تماماً مع الأشياء القيّمة في حياتنا، وتقول العادة الثّانية إنّنا لا ينبغي علينا التّعايش مع تلك النّصوص، وإنّنا مسؤولون عن استخدام خيالنا ومَلَكَاتنا الإبداعيّة لكتابة نصوص جدّيّة أكثر فعاليّة وتلاؤماً مع قيمنا المتأصّلة والمبادئ الصّحيحة التي تعطي لقيمنا المعنى.
رسالة الحياة الشخصية:
البدء والغاية في ذهنك هو أكثر الطّرق فعاليّة لوضع رسالة للحياة الشّخصيّة، إنّها طريقة تركّز على ما تريد أن تكون (الشّخصيّة) وما تريد أن تفعل (الإسهامات والإنجازات) وعلى القيم والمبادئ التي يقوم على أساسها ما تريد وما تفعل.
ويمكننا أن نطلق على رسالة الحياة الشّخصيّة اسم الدّستور الشّخصي، وهو يشبه دستور البلاد إلى حدّ كبير، وشأنه شأن أي دستور دولة غير قابل للتّغيير، وهو المعيار الذي تقوم على أساسه كلّ القوانين في البلاد، وهو الوثيقة التي يقسم الرّئيس على الدّفاع عنها ودعمها عندما يحلف القَسَم، وهو الأساس والمركز الذي يمكّن النّاس من المرور في خضم الأمور الجّسام مثل الحروب، إنّه المعيار المكتوب والعامل الأساسي الذي تقيّم وتوجّه على أساسه كل الأشياء الأخرى.
وإنّ المبادئ السّليمة والحقائق الثّابتة التي يقوم عليها الدّستور هي ما تعطيه القوّة الدّائمة، وذات الأمر بالنّسبة لرسالة الحياة الشّخصيّة، فإنّها تصبح معياراً للفرد عندما تكون قائمة على أساس معايير سليمة.
ومع وجود رسالة لنا بالحياة يكون بمقدورنا الانسجام مع التّغيرات ولن نحتاج إلى أحكام مسبقة أو تَحامُل ولن نحتاج إلى التّعرف على كل ما تحتويه الحياة وإلى عمل نموذج أوّلي وتصنيف لكلّ شيء ولكل شخص من أجل التّعامل مع الواقع.
وما أن تشعر برسالتك في الحياة حتى تمتلك جوهر المبادرة، إنّك تمتلك الرّؤية والقيم التي توجّه حياتك، إنّك تمتلك الاتّجاه الأساسي الذي تضع على أساسه أهدافك طويلة الأجل وقصيرة الأجل، إنّك تمتلك في يدك قوّة دستورك المكتوب القائم على أساس من المبادئ الصحيحة والذي يمكن على أساسها قياس كل قرار يتعلّق بالاستغلال الأمثل لوقتك وطاقتك ومواهبك قياساً فعّالاً.
في المركز:
حتّى تتمكّن من كتابة رسالة حياتك الشّخصيّة، ينبغي عليك البدء من مركز دائرة تأثيرك. ويتألّف المركز من أهم تصوّراتنا الذهنيّة الأساسيّة، أي العدسات التي نرى من خلالها العالم.
وهذا هو المكان الذي نتعامل بداخله مع رؤيتنا وقيمنا، وهنا أيضاً تمكّننا جهودنا المركّزة من تحقيق أعظم النّتائج، فبينما نعمل على مركز دائرة تأثيرنا نقوم بتوسيعها وهذه هي ذروة الفعاليّة، والتي من شأنها التّأثير على فعاليّة كل منحى من مناحي حياتنا. وبغضّ النّظر عمّا يحتلّ مركز حياتنا، فهو بلا شك المصدر الذي يمدّنا بالأمان والإرشاد والحكمة والقوّة.
- فيمثّل الأمن: إحساسك بقيمتك وهويّتك ومرساك العاطفي وتقديرك لذاتك وقوّة شخصيّتك الأساسيّة أو افتقارك لها.
- ويُقصد بالإرشاد: مصدر التوجّه في حياتك، والإطار الدّاخلي لمرجعيّتك والذي تتضمّنه خريطتك والذي يفسّر لك ما يحدث بالخارج، هو عبارة عن معايير أو مبادئ تحكم قراراتك وتصرّفاتك لحظة بلحظة.
- أمّا الحكمة: فهي منظورك للحياة، وإحساسك بالتّوازن، وتفهّمك لكيفية تطبيق الأجزاء والمبادئ المختلفة وربطها ببعضها البعض، وتتضمّن الحكمة القدرة على إصدار أحكام صحيحة والفهم والتّمييز السّليم، إنّها وحدة واحدة أو كل متكامل.
- والقوّة: هي المَلَكَة أو القدرة على التّصرّف، وهي القوّة والتّأثير اللذان يساعدان على إنجاز الأعمال، وهي الطّاقة الحيويّة المستخدمة في اتخاذ القرارات، كما أنّها تتضمّن القدرة على التّغلب على العادات المتأصّلة، وزرع عادات أخرى بديلة أسمى وأكثر فعاليّة.
وتلك المراحل الأربعة – الأمن والإرشاد والحكمة والقوّة – تعتمد على بعضها البعض، فالأمن والإرشاد الواضحان يؤدّيان إلى الحكمة، وتصبح الحكمة هي الشّرارة أو الحافز الذي يطلق القوّة ويوجّهها، وعندما تجتمع تلك العوامل الأربعة معاً وتتناغم مع بعضها البعض فإنّها تخلق القوّة العظيمة للشّخصية النّبيلة، وتخلق شخصيّة متوازنة، وتخلق تكاملاً فرديّاً جميلاً، وتنطوي تلك العوامل التي تدعم الحياة على كل بُعد من أبعاد الحياة، لذا إن لم تكن كلّها موجودة فلا فائدة منها.
وموقع تلك العوامل في مصفوفة نضجك ودرجة تكاملها وانسجامها وتوازنها وتأثيرها على كل منحى من مناحي الحياة هو نتاج مركزك أي التّصوّرات الذهنيّة الكامنة في داخل قلبك.
المراكز البديلة:
لكل منّا مركزه الخاص على الرغم من أنّنا عادةً لا ندرك وجوده. كما أنّنا لا ندرك أيضاً التأثيرات التي يُضْفيها هذا المركز على حياتنا. ولنفهم جيداً لننظر كيف تؤثّر التّصوّرات الذهنيّة الأساسيّة للنّاس على تلك الأبعاد الأربعة الأساسية وكيف تتفجر الحياة منهم عن طريق الدراسة التالية.
التّمحور حول الزوج: العديد من الأزواج الذين يعانون من مشاكل في زواجهم تتمحور غالباً العلاقة بينهما حول أحد الزوجين. وهذا ما يسمّى بالاعتماد العاطفي القوي.
وإذا كان إحساسنا بقيمة مشاعرنا مُستَمدّاً في المقام الأول من زواجنا فهذا يعني أنّنا أصبحنا نعتمد اعتماداً كبيراً على هذه العلاقة. ومن ثمّ نصبح عرضة للتأذي نتيجة التقلّبات المزاجية للزوج ومشاعر الزوج وسلوكه، أو لأي أحداث خارجية تفرض نفسها على العلاقة. وعندما تزداد المسؤوليات والضغوط تتّحد تلك النزاعات الدفينة مع الاعتماد العاطفي في الزواج فتنكشف عيوب علاقة الزواج التي تتمحور حول أحد الزوجين.
والتظاهر أنّ كلّ شيء على ما يرام في العلاقة هو أمان زائف. فيُصبح الإرشاد قائماً على أساس العواطف اللحظيّة. وتضيع الحكمة والقوّة في التفاعلات السلبيّة للاعتماد المُضاد.
التّمحور حول الأسرة: فالناس الذين يجعلون الأسرة محور حياتهم يستمدّون الإحساس بالأمان أو القيمة الذاتيّة من تقاليد العائلة وثقافتها أو من سمعة العائلة. لذلك فإنّهم يصبحون عرضة للتأذي عند حدوث أيّة تغيّرات في هذه العادات أو الثقافة أو أيّ شيء من شأنه التأثير في سُمعتها.
وإذا كان هؤلاء الآباء يستمدّون أمنهم من الأسرة فهذا يعني أن حاجتهم إلى تحقيق الشعبيّة بين أطفالهم سوف تطغى على أهمية الاستثمار الطويل الأجل في نمو أبنائهم وتطوّرهم.
وهناك أيضاً التّمحور المالي، والتّمحور حول العمل، والتّمحور حول التملك، والتّمحور حول السعادة، والتّمحور حول صديق أو حتّى عدو، إضافة للتّمحور حول دار العبادة، والتّمحور حول الذات وهو المحور الأكثر شيوعاً هذه الأيام.
وهذه بعض من أشهر مراكز التّمحور التي يعتنقها النّاس في حياتهم. وغالباً ما يكون من السهل إدراك محاور حياة الآخرين ولكنّك لا تدرك محورك بنفس هذه السهولة.
التّعرف على محورك الشّخصي:
ولكن أين تقف أنت؟ ما هو المحور الذي تدور حياتك حوله؟ في بعض الأحيان قد تصعب رؤية مثل هذا المحور، ولكن أفضل طريقة للتّعرّف على محورك الخاص هي أن تنظر عن كثب للعوامل الأربعة الداعمة لحياتك، فإذا تمكّنت من التّعرف على واحد أو أكثر من الأوصاف التي ذكرتها سابقاً ستّتمكن من تعقّبها للتّعرف على المحور الذي تنبثق منه، وهو المحور الذي ربما يحدّ من فعاليّتك الشّخصيّة.
وفي أغلب الأحيان يكون محور الإنسان مزيجاً من هذه المحاور أو محاور أخرى، والكثير من الناس هم نتاج العديد من المؤثرات التي تتلاعب بحياتهم، وفقاً لظروف داخليّة أو خارجيّة قد يتم تنشيط أحد هذه المحاور إلى أن يتم إشباع الاحتياجات التي يتضمّنها، وبعد ذلك يصبح محور آخر هو القوّة المسيطرة.
والتّصرف المثالي هو أن تضع لنفسك محوراً واحداً واضحاً تستطيع من خلاله الحصول على أعلى درجات الأمن والإرشاد والحكمة والقوّة، وتعزّز قدرتك على المبادرة وتحقيق التّناغم والتّوافق في كل جزء من أجزاء حياتك.
محور المبادئ:
عندما نجعل المبادئ الصّحيحة محوراً لحياتنا، فإنّنا نضع أساساً قويّاً وصلباً لتنمية العوامل الأربعة الدّاعمة للحياة، ونحن نستمد أمننا من معرفة أنّ المبادئ الصّحيحة لا تتغيّر على عكس المبادئ الأخرى التي تقوم على أساس الآخرين أو التي تخضع للتّغيير الدّائم والفوري، ومن ثم يمكننا الاعتماد عليها.
والمبادئ لا تعتمد على سلوكيات الآخرين أو البيئة أو الأشياء الزائلة. فالمبادئ لا تموت، ولا تتواجد اليوم وتختفي غداً، كما أنها لا تُسْرَق. فالمبادئ هي حقائق كلاسيكية أساسيّة وقواسم مشتركة عامّة، وهي خيوط منسوجة بقوّة وإحكام وتوافق بنسيج الحياة.
التّمحور حول المبادئ:
الأمن:
- يقوم أمنك على أساس المبادئ الصّحيحة التي لا تتغيّر بغضّ النّظر عن الأحوال أو الظّروف الخارجيّة.
- أنت تعلم أنّ المبادئ الصّحيحة صالحة دوماً للتّطبيق من خلال تجربتك الشّخصيّة.
- بوصفها مقياساً للتّطوير الذّاتي تتّسم المبادئ الصّحيحة بأنّها دقيقة وموحّدة وجميلة وقويّة.
- تساعدك المبادئ الصّحيحة على فهم تطوّرك، كما أنّها تملؤك بالثّقة لتتعلّم المزيد، وبموجب هذا تزيد من معرفتك وفهمك.
- يمدّك مصدرك للأمان بجوهر ثابت لا يتغيّر ولا يخفق يُمَكِّنك من رؤية التّغيير كمغامرة وفرصة لتحقيق إسهامات ذات مغزى.
الإرشاد:
- هناك بوصلة ترشدك لكي تتمكّن من رؤية إلى أين أنت ذاهب، وكيف ستصل إلى وجهتك.
- أنت تستخدم البيانات الدّقيقة التي تجعل قراراتك قابلة للتّطبيق وذات مغزى.
- أنت تنفصل عن مواقف الحياة ومشاعرها وظروفها، وتنظر إلى الكل المتوازن، وتعكس قراراتك وتصرّفاتك الأفكار بعيدة وقصيرة المدى.
- في كل موقف تكون إنساناً واعياً ومبادراً، وتحدّد أفضل البدائل وتَقُوم قراراتك على أساس الوعي الذي تعلّمه المبادئ.
الحكمة:
- تتضمّن أحكامك طيفاً واسعاً من العواقب بعيدة المدى التي تعكس توازناً حكيماً وطمأنينة تامّة.
- أنت ترى الأمور من منظور مختلف ومن ثمّ تفكّر وتتصرّف بأسلوب مختلف عن العالم الانفعالي.
- أنت ترى العالم من خلال تصوّر ذهني أساسي لحياة فعّالة مخطّطة جيّدة.
- أنت ترى العالم من خلال ما يمكنك القيام به من أجل العالم والنّاس جميعاً.
- أنت تنتهج أسلوباً مبادراً في الحياة وتسعى لخدمة وبناء الآخرين.
- أنت تفسّر جميع تجارب الحياة من منطلق فرص التّعلم والإسهام.
القوّة:
- قوّتك يحدّها فقط فهمك وملاحظتك لقانون الطّبيعة والمبادئ الصّحيحة والعواقب الطبيعيّة للمبادئ نفسها.
- تصبح مدركاً لذاتك وتمتلك المعرفة وتكون إنساناً مبادراً، لا تقيّدك توجّهاتك أو سلوكيّات أو تصرّفات الآخرين.
- تصل قدرتك على العمل إلى مدى يتجاوز مصادرك مشجّعاً مستويات عالية من الاعتماد بالتّبادل.
- لا تَقُوم قراراتك وتصرّفاتك على أساس وضعك المالي الحالي أو حدود ظروفك، وتمتلك حرّيّة الاعتماد بالتّبادل.
وعندما يكون محورك هو المبادئ ستحاول الوقوف بمنأى عن العواطف المحيطة بالموقف وبعيداً عن العوامل التي من شأنها التّأثير عليك لتتمكّن من تقييم الخيارات المطروحة أمامك، عندما تنظر إلى الكلّ المتوازن آخذاً في حسبانك كافة الاعتبارات- احتياجات العمل واحتياجات الأسرة والاحتياجات الأخرى ذات الصّلة – ستتمكن من التوصّل لأفضل الحلول.
ما تختاره يُسهم في تشكيل قيمك المُطلَقة. فعندما يكون لك محور تعمل على أساسه سترى الأمور بشكل مختلف، وهذا سيقودك إلى التّفكير بأسلوب مختلف وتصدر عنك تصرّفات مختلفة، ولأنّك تتمتّع بدرجة كبيرة من الأمن والإرشاد والحكمة والقوّة الذين يتدفقون من لُبّ قوى لا تتغيّر فإنّك بذلك تضع أساساً لحياة تملؤها المبادرة وعالية الفعاليّة.
استغِل جميع امكانياتك العقليّة
يساعدنا الوعي على تمحيص أفكارنا. وهذا يساعدنا على وجه التحديد في وضع رسالة الحياة الشّخصيّة، لأنّ الموهبتين البشريّتين الغريزيّتين اللتين تمكّناننا من ممارسة العادة الثّانية "الخيال والوعي" هما في الأساس من الوظائف التي يؤديها الفص الأيمن للمخ. وعندما تدرك كيف تستغل إمكانيات الفص الأيمن للمخ ستتمكن من زيادة قدرتك على الابتكار الأوّل زيادةً كبيرة.
فنحنُ نعيش في عالم يسيطر عليه فص الدماغ الأيسر والمسؤول عن العمليات اللفظيّة والكلمات والأجزاء والتحدّيات والتّحليل والتّركيب وبذلك يُهَيمِن القياس والمنطق، وتَقبَع في الظل المَلَكَات الإبداعية والمشاعر والأحاسيس والمهارات الفنيّة والتي تكون من مسؤوليّة الفص الأيمن. ولذلك يجد الكثير منّا صعوبةً في الولوج إلى إمكانيات نِصف الدماغ الأيمن.
فنحنُ قادرون على أداء أنواع متعددة من العمليات، ولكنّنا بالكاد نصل إلى إمكاناتنا. وما أن نُدرك قُدرات عقولنا المتعددة حتّى نستغلّها بأساليب أكثر فعاليّة.
طريقتان للإستخدام الملائم لفص المخ الأيمن
كلّما كنّا قادرين على استغلال قدرات المخ الصحيحة زادت مقدرتنا على التصوّر وعلى الإبداع، وعلى تجاوز حدود الزمن والحاضر والظروف، وعلى تكوين صورة متكاملة لما نُريد أن نفعل وما نُريد أن نكون عليه.
1- توسيع المنظور: إذا كنت إنساناً مبادراً لن تنتظر الظّروف أو الآخرين ليخلقوا تجارب من شأنها توسيع منظورك، لأنّك قادر على صنع تجاربك الخاصة. وتوجد عدّة طرق للقيام بهذا، فمن خلال قوّة خيالك تستطيع تصوّر جنازتك وكتابة مرثيّتك، في الحقيقة عليك كتابتها وكن دقيقاً فيما تكتب.
ويمكنك أيضاً تصوّر تقاعدك من العمل، ما هي الإسهامات والإنجازات التي تودّ تحقيقها في مجال عملك؟ ما هي خطط تقاعدك؟ هل ستحاول الانخراط في مجال آخر؟ حاول توسيع عقلك، وتصوّر التّفاصيل باستفاضة وحاول تغليفها بالمشاعر والعواطف والأحاسيس قدر الإمكان.
وتوجد العديد من التقنيّات التي تُمَكِّنُك من استخدام خيالك وتُبقيك على اتصال دائم بالقيم. فعندما يتعهد النّاس بجديّة لمعرفة ما يهمّهم وما يريدون بالفعل يبدأون في انتهاج الأخلاق الحميدة. وحينها يتّسِع تفكيرهم أكثر وأكثر.
2- التصوّر والإقرار: يُمكن لقدرات مخك الأيمن الهائلة أن تساعدك خلال عملك اليومي من أجل جعل رسالة حياتك الشّخصيّة جزءاً من حياتك، وهو تطبيق آخر لمبدأ "أبدأ والغاية في ذهنك".
ويمكننا استخدام قوّة فص المخ الأيمن لتصوّر وكتابة "تأكيد" يساعدنا على أن نصبح أكثر توافقاً مع قِيمنا العميقة في حياتنا اليومية.
والتّأكيد له مكوّنات خمسة أساسيّة وهي: شخصيّ، إيجابيّ، الزّمن الحاضر، التّصور، المشاعر. مثلاً يمكننا كتابة: كم هو مرضٍ لي (عاطفياًّ) أنّي (شخصيّاً) أستجيب (الزّمن الحاضر) بالحكمة والحبّ والحزم وضبط النّفس (إيجابيّ) عندما يسيء أطفالي التّصرّف.
ثم يمكننا تصوّر هذا، وقضاء عدّة دقائق يومياًّ في الاسترخاء بدنيّاً وذهنيّاً، وكلّما كان التّصور أوضح وأكثر حيويّة تزداد معايشتنا له ويقلّ رؤية الأمر من منظور المشاهد. وإذا فعلت هذا سيتغيّر سلوكك مع مرور الأيّام، وبدلاً من العيش في إطار السّيناريوهات المأخوذة عن الأهل أو المجتمع، يمكننا العيش وفقاً للسّيناريو الخاص بنا.
وأحد أهم الأشياء التي أظهرتها البحوث، هي أنّ الرّياضيّين المصنّفيّن على العالم وغيرهم من ذوي الأداء العالي يقومون بعملية التّصوّر، إنّهم يرون كلّ شيء ويشعرون به ويجرّبونه قبل القيام به بالفعل، إنّهم يبدؤون والغاية في عقولهم.
ويمكنك القيام بهذا الأمر في كل ما يتعلّق بحياتك، فقبل أداء شيء معيّن أو قبل عرض البيع أو في المواجهات الصّعبة أو في التّحديات اليوميّة التي تواجهك أثناء تحقيق أهدافك، تصوّر الأمر بوضوح وكأنّه حيّ وواقعيّ، تصوّره مراراً وتكراراً، وقم بخلق "منطقة راحة" داخليّة، وبعد ذلك وعندما تخوض الموقف بالفعل ستشعر بأنّه ليس غريباً ولن تشعر بالخوف.
- التصوّر والتّأكيد و(القيادة الشّخصيّة الفعّالة): يُعد التصوّر والتّأكيد من التقنيات التي تنشأ طبيعياً من أساس التفكير الجيد من خلال الأهداف والمبادئ التي تصبح محوراً لحياة الشخص. وهما بالغا القوّة عند استخدامهما في إعادة كتابة السيناريو والبرمجة وكتابة الأهداف والمبادئ التي يلتزم بها الأنسان في قلبه وعقله.
تحديد الأدوار والأهداف
لكلّ واحد منّا عدد من الأدوار التي يلعبها في الحياة - جوانب أو إمكانيات مختلفة نكون مسؤولين عنها. فربّما على سبيل المثال أقوم بلعب دوري كفرد وزوج وأبّ ومعلّم وعضو جماعة دينيّة ورجل أعمال، وكلّ واحد من هذه الأدوار له أهمّيته.
وواحدة من المشكلات الكبرى التي تنشأ عندما يعمل النّاس من أجل إضفاء المزيد من الفعاليّة على حياتهم، هي أنّهم لا يوسّعون مدى تفكيرهم بالقدر الكافي، فهم يفقدون حسّ التّناسب والتّوازن والبيئة الطّبيعيّة اللّازمة لتحقيق حياة فعّالة، وربما يستهلكهم العمل مهملين صحّتهم، وباسم النّجاح المهني يهملون أغلى العلاقات في حياتهم.
وربما تكتشف أنّ رسالة الحياة الخاصّة بك أكثر توازناً وأكثر يسراً في التّعامل معها إذا قسّمتها إلى أدوار محدّدة في حياتك والأهداف التي توّد تحقيقها. إنّ كتابة رسالة حياتك في صورة أدوار مهمّة يمنحك التّوازن والانسجام، فأنت سترى كل دور واضحاً أمام عينيك، ويمكنك مراجعة أدوارك باستمرار لتتأكّد من أنّ أحد تلك الأدوار لا يستحوذ عليك إلى الحدّ الذي يجعلك تهمّش غيره من الأدوار التي تساويه في الأهمّيّة بل قد تكون أكثر أهمّيّة، وبعد أن تتعرّف على الأدوار المختلفة في حياتك يمكنك التّفكير في الأهداف طويلة الأجل التي تودّ تنفيذها في كل دور من تلك الأدوار.
وإذا لم تكن لك رسالة حياة شخصيّة حتى هذه اللّحظة فهذا هو المكان المناسب لتبدأ، كل ما عليك فعله هو أن تحدّد الجّوانب المتنوّعة لحياتك، والنّتيجتين أو الثّلاث التي تشعر بضرورة تحقيقها في كل منطقة لتتقدّم مما يمنحك منظوراً أشمل لحياتك والإحساس بالاتجاه.
3. العادة الثالثة: ابدأ بالأهم قبل المهم (مبادئ الإدارة الشخصية)
العادة الأولى تقول "أنت المبتكر لذا أنت المسؤول"، والعادة الثّانية هي الابتكار الأوّل أو الابتكار العقلي. إذاً إنّ العادة الثّالثة هي الابتكار الثّاني أي الابتكار المادي، وهي تحقيق للعادتين الأولى والثّانية وتحويلهما إلى واقع، كما أنّها النّتيجة الطّبيعيّة لهما، وهي تدريب على الإرادة المستقلّة حتى تصبح متمركزة حول مبدأ، وهي تمارس يوماً بيوم ولحظة بلحظة.
شاهد: نصائح سريعة من كتاب إدارة الأوليات لستيفن كوفي
قوّة الإدارة المستقلة
بالإضافة إلى الوعي الذّاتي والخيال والإدراك فإنّ الإرادة المستقلّة هي الموهبة البشريّة الرّابعة التي تجعل من إدارة الذّات الفعاّلة أمراً ممكناً، والإرادة المستقلّة هي القدرة على اتخاذ القرارات والخيارات والتّصرّف وفقاً لها، كما أنّها القدرة على اتخاذ إجراءً بديلاً من انتظار قيام الآخرين بذلك بدلاً عنك. وأن تكون مبادراً في تنفيذ البرنامج الذي وضعته من خلال المواهب الثلاث الأخرى.
وتكاملنا الشّخصي هو المقياس الذي يحدّد درجة تنميتنا لإرادتنا المستقلّة في كل شؤون الحياة، والأمانة هي القيمة التي نغرسها في أنفسنا، وهي قدرتنا على التّعهّد لأنفسنا والحفاظ على العهد و "أن نفعل ما نقول" وهي الصّدق مع النّفس وهو جزء مهم وأساسي في السّمات الأخلاقية وهي جوهر النّمو المبادر.
والإدارة الفعّالة هي البدء بالأهم فالمهم فإذا كانت القيادة هي التي تقرّر ماهي الأشياء التي تأتي في المقام الأوّل فإنّ الإدارة هي التي تضع الأولويات يوماً بيوم ودقيقة بدقيقة والإدارة هي الانضباط أي الأداء.
فإذا كنت مديراً فعّالاً لنفسك، وانضباطك ينبع من داخلك فإنّ ذلك ناتج عن إرادتك الحرّة فأنت تابع لقيمك العميقة ومصادرها. لذا أنت تملك الإرادة والأمانة الحرّة لتضع مشاعرك ورغباتك ومزاجك في مرتبة أدنى من تلك القيم.
ففي مقالة العامل المشترك للنّجاح "بقلم إي. إم جراي الذي أفنى حياته في البحث عن عامل واحد مشترك بين جميع الناجحين. واكتشف أنّ هذا العامل ليس الكد في العمل أو حسن الحظ أو العلاقات الإنسانية على الرغم من أهمية كل ما سبق. بيدَ أن العامل الذي يفوق غيره أهميةً عن كلّ ما سبق هو جوهر العادة الثّالثة "البدء بالأهم فالمهم".
وقال في ملاحظته: "مِن عادة الشّخص النّاجح القيام بالأشياء التي لا يحبّ الفاشلون القيام بها وهم بدورهم يبغضون القيام بتلك الأشياء أيضاً ولكن بغضهم لها يوجد في مرتبة أدنى من قوّة هدفهم ويُعَد تابعاً له".
وتتطلّب هذه التّبعيّة هدفاً ورسالةً وإحساساً واضحاً للقيم والتّوجّه و(نعم) قويّة صادرة من الدّاخل تمكّنك من قول (لا) للأشياء الأخرى كما أنّها تتطلّب أيضاً إرادة مستقلّة للقيام بما لا تريد القيام به وأن تعمل وفقاً لقيمك وليس وفقاً لرغباتك واحتياجاتك المحمومة اللّحظية. إنّها القوّة التي تمكّنك من التّعامل بصدق مع ابتكارك الأوّل المبادر.
أجيال أربعة لإدارة الوقت
إنَّ جوهر التفكير المتميّز في مجال إدارة الوقت يمكن تلخيصه في عبارة واحدة: "رتّب أولوياتك ونفّذها". وتمثّل هذه العبارة تطوير ثلاثة أجيال لنظريّة إدارة الوقت. ففي مجال إدارة الوقت، بنى كل جيل من أجياله فوق بناء الجيل الذي سبقه- وكلّ واحد منهم يقودنا إلى مزيد من السيطرة على أنفسنا.
ويمكن أن تتميّز الموجة الأولى أو الجيل الأوّل بكتابة الملاحظات ووضع القوائم.
ويتميّز الجّيل الثّاني بالتّقويمات وتدوين المواعيد وتعكس هذه الموجة محاولة للنظر إلى المستقبل ووضع جدول أعمال للأحداث والأنشطة المستقبليّة.
أمّا الموجة الثّالثة فهي تعكس مجال إدارة الوقت الحالي وهي تضيف إلى الموجات السّابقة فكرة مهمّة وهي ترتيب الأولويّات وتوضيح القِيم ومقارنة الأنشطة المهمّة ذات الصّلة والتي تقوم على أساس علاقتنا بتلك القيم وبالإضافة إلى ذلك فهي تركّز على وضع الأهداف والوقت والطّاقة التي ستبذل من أجل تحقيقها وذلك بالتّوافق مع القيم كما تتضمّن أيضاً فكرة التّخطيط اليومي بمعنى وضع خطة محدّدة لإنجاز تلك الأهداف والأنشطة عظيمة القيمة ونتيجة لهذا أصبح النّاس مقيّدين ببرامج إدارة الوقت والخطط التي تجعلهم يشعرون بأنّهم مثقلون بالمواعيد وأنّهم يتخلّصون من كل ما هو مفيد وعاودوا اتّباع تقنيات الجّيل الأول أو الثّاني للحفاظ على العلاقات وتلقائية الحياة وجودتها.
ولكن ظهر جيل رابع مختلف من نوعه. فهذا الجيل يدرك أنَّ "إدارة الوقت" ليست التسمية الصحيحة - لأنَّ التحدّي ليس في إدارة الوقت بل في إدارة أنفسنا. والرضا هو نتاج التوقّع، وكذلك تحقيق الهدف ويقع التوقّع (والرضا) داخل دائرة تأثيرنا. وبدلاً من التركيز على الأشياء والوقت، يُركِّز الجيل الرابع على الإبقاء على العلاقات وتدعيمها وتحقيق نتائج. ويمكن رؤية مجال التّركيز الأساسي للجّيل الرّابع للإدارة على مصفوفة إدارة الوقت. فنحن ننفق وقتنا بأربع طرق أساسية.
وكما سترى في الشكل التالي فالعاملَيْن الذين يحدّدان نشاطاً ما هما العاجل والمهم ويقصد بالعاجل ما يتطلب اهتماماً فورياً أي الآن، وغالباً ما تكون الأنشطة العاجلة واضحة ومرئيّة فهي تلحّ علينا وتصرّ على أن نقوم بها. وغالباً ما تكون مشتركة مع الآخرين. وفي الغالب تكون نُصب أعيننا. وغالباً ما يكون أداؤها مبهجاً وسهلاً ومرحاً. ولكن في أغلب الأحيان تكون غير مهمة.
ومن ناحية أخرى الأهمّية لها علاقة بالنّتائج فإن كان أمراً مهمّاً فهذا يعني أنه يسهم في رسالة حياتك وقيمك وأنه يأتي على رأس أهدافك.
ونحن نتفاعل مع الأمور العاجلة، أمّا الأمور المهمّة غير العاجلة فتتطلّب الأخذ بزمام المبادرة. وإذا لم نمارس العادة الثّانية وإذا لم تكن لدينا فكرة واضحة حول ما هو المهمّ وعن النّتائج التي نرجوها فقد نحيد إلى الاستجابة إلى ما هو عاجل.
انظر إلى المربعات الأربعة الخاصة بمصفوفة إدارة الوقت. المربّع 1 يحتوي على الأمور المهمّة والعاجلة وهو يتعامل مع النّتائج المهمّة والتي تتطلّب عناية فوريّة. وغالبا ما نطلق على المربّع 1 الأزمات أو "المشكلات".
إلّا أنَّ المربّع1 يستنزف الكثير من النّاس ومثل هؤلاء الأشخاص هم مديرو أزمات وذوو عقول تتمركز حول المشكلات ومقيّدون بالمواعيد النّهائية وطالما أنك تركّز على المربّع1 فإنّه يظلّ يكبر ويكبر حتّى يسيطر عليك.
وبعض النّاس تهزمهم المشاكل طوال اليوم وكل يوم والمتنفّس الوحيد لهم هو الهروب إلى الأنشطة غير المهمّة وغير العاجلة وهي أنشطة المربّع4 و90% من وقتهم ينفق في المّربع 1، وإنَّ وأغلب العشرة بالمائة تُنْفَق في المربّع 4 مع إهمال المربّعين 2و3 وهذه هي الطّريقة التي يعيش بها النّاس الذين يديرون حياتهم من منطلق الأزمات.
وهناك أناس آخرون ينفقون جانباً كبيراً من وقتهم في الأمور العاجلة غير المهمّة -المربع 3- معتقدين أنهم يقفون في المربّع 1 وهم ينفقون معظم وقتهم بالاكتفاء بردّ الفعل تجاه الأشياء العاجلة مفترضين أنّها مهمّة أيضا لكن الواقع أن تصنيف هذه الأمور على أنّها عاجلة يكون قائماً في الغالب على أولويّات وتوقعات الآخرين.
والنّاس الذين يمضون وقتهم في التّركيز على المربّعين 3و4 فحسب غالباً ما يحيون حياة غير مسؤولة أمّا النّاس ذوو الفعاليّة فيبتعدون عن المربّعين 3و4 لأنّهما – سواء كانا يضما أموراً عاجلة أم لا – غير مهمّين. كما أنّهم يقلِّصون المربّع 1 إلى الحجم الذي يسمح لهم بإنفاق المزيد من الوقت في المربّع 2، والمربّع 2 هو قلب الإدارة الشّخصية الفعّالة وهو يتعامل مع الأمور التي تكون غير عاجلة لكنّها مهمّة كما أنه يتعامل مع الأشياء مثل بناء العلاقات وكتابة رسالة الحياة الشّخصيّة والخطط طويلة الأجل والتّدريب والصّيانة الوقائيّة والأعداد، أنت تعلم أنّك في حاجة إلى القيام بكلّ هذه الأشياء ولكنّك نادراً ما تقوم بها لأنّها غير عاجلة.
والآن ألقِ نظرة على الأسئلة التالية: ما هو الشّيء الذي تستطيع القيام به في حياتك الشّخصية والمهنيّة والذي إذا فعلته بانتظام سيحدث فرقاً هائلاً في حياتك؟ أنشطة المربّع 2 تتّسم بهذا التأثير. وتحقّق فعاليتنا قفزات متسلسلة عندما نقوم بهذه الأنشطة.
وأخيراً سواء كنت طالباً في الجّامعة، أو عاملاً أو مصمّم أزياء، أو رئيس شركة أعتقد أنّك لو سألت عن مضمون المربّع 2 وصقلت مبادرتك للسّعي وراءها فإنك ستحصل على نفس النّتائج. ومن ثم ستزيد فاعليّتك زيادة هائلة، وستتقلّص مشاكلك وأزماتك لتصل إلى الحدّ الذي يمكن التّعامل معه لأنّك ستّفكر أوّلاً وتعمل على الجّذور وتقوم بالإجراءات الوقائيّة التي تحافظ على الموقف من الوصول إلى منطقة الأزمات.
وفي مجال إدارة الوقت يسمّى هذا المبدأ (بمبدأ باريتو) والذي يقول أنًّ 80 بالمائة من النتائج تَصدُر عن 20% من الأنشطة.
شاهد: 18 نصيحة سريعة لاستثمار الوقت بفاعلية
ما الذي يتطلبه الأمر لتقول لا
المكان الوحيد الذي يساعدك على إتاحة الوقت للمربّع 2 منذ البداية هو من المربّعين 3 و4، وفي نفس الوقت لا يمكنك تجاهل الأنشطة العاجلة المهمة في المربّع 1، على الرّغم من أنّ هذه المساحة ستتقلّص عندما تمضي المزيد من الوقت في الوقاية والإعداد للمربّع 2، ولكن الوقت المبدئي المخصّص للمربّع 2 لا بد أن يأتي من المربّعين 3 و 4 .
وينبغي عليك أن تكون شخصاً مبادراً لتعمل على المربّع 2 لأنّ المربّعين 1 و3 يعملان عليك، فلكي تتمكّن من قول "نعم" للأولويات المهمّة التي يتضمّنها المربّع 2 ينبغي عليك في البدايّة أن تتعلّم كيف تقول "لا" لغيرها من الأنشطة، والتي تبدو في بعض الأحيان أموراً عاجلة.
فمثل هذه الأمور قد تكون مهمّة ولذلك عليك أن تقرّر ما هي أهم أولوياتك، وأن تتحلّى بالشجاعة وتقول "لا" للأشياء الأخرى، وأنت مسرور ومبتسم وبدون الحاجة للاعتذار، والطّريقة التي تساعدك على القيام بهذا أن تجعل "نعم" أكبر تتأجّج بداخلك لأنّ عدو "الأفضل" غالباً ما يكون "الجّيد". والجيّد قد يحجب عنك الأفضل، ويبعدك عن المساهمة المتميّزة في حال سماحك له بهذا.
إنّنا نقول نعم أو لا لمختلف الأشياء يومياًّ وعادة عدّة مرّات باليوم، لذا فإنّ التّركيز على المبادئ القَوِيمَة والتّركيز على رسالة الحياة الشّخصيّة يساعدانا على الحكم على الأمور بحكمة وفعاليّة.
فالأسلوب الذي تنفق به وقتك هو نتيجة للطريقة التي تنظر بها إلى وقتك، والطريقة التي تنظر بها إلى أولوياتك بالفعل. فإذا كانت أولوياتك تنبع من التمحور حول مركز المبادئ ورسالة الحياة الشّخصيّة سترى في المربع 2 مكاناً طبيعياً لاستثمار وقتك. ومن المستحيل أن تقول: "لا" للأشياء المحبّبة في المربع 3 أو إلى متعة الهروب في المربّع 4 ما لم يكن بداخلك "نعم" أكبر متأجّجة.
التنقل إلى داخل المربّع 2
في حين تُدرك الأجيال الثّلاثة قيمة أدوات الإدارة غير أنّ أيّاً منها لم يقدّم أداة تمكّن الشّخص من أن يحيا وفقاً لأسلوب حياة محور المبادئ أي المربّع 2.
فالجّيل الأوّل بملحوظاته وقوائمه لم يقدّم لنا أكثر من مجرّد طريقة نتعرّف من خلالها على الأشياء التي تتسرّب إلى إدراكنا، ومن ثمّ لا ننساها.
الجّيل الثّاني قدّم لنا جداول المواعيد والنّتائج، أي مجرّد مكان نسجّل فيه مواعيدنا المستقبليّة ومن ثم نتواجد في المكان والموعد المتّفق عليهم.
الجّيل الثّالث حتى مع كل هذا الكم من المخطّطين والمواد والتّركيز فإنه يركّز على مساعدة النّاس على ترتيب أولويات أنشطة المربّعين 1 و3 والتّخطيط لها. وعلى الرّغم من أنّ العديد من المدرّبين والاستشاريّين يدركون قيمة أنشطة المربّع 2، فإنّ أدوات التّخطيط الحقيقيّة للجّيل الثالث لا تُيسّر عملية تنظيمها وتنفيذها.
ولأنَّ كلّ جيل يبني على أساس الجيل السابق، فإنَّ القوى وبعضاً من الأدوات التي يستخدمها الأجيال الثّلاثة السّابقة تقدِّم مادّة للجيل الرّابع. ولكن هناك حاجة إضافية إلى وجود بُعد جديد وتصوّر ذهني جديد يُمَكِّننا من التحرّك داخل المربّع 2 لنصبح متمحورين حول المبادئ ونُدير أنفسنا لنقوم بما هو مهم بالفعل.
شاهد بالفديو: الوصايا الـ 10 لستيفن كوفي
أداة المربّع 2
إنّ الهدف من إدارة المربّع 2 هو إدارة حياتنا إدارة فعالة من محور ينبثق عن مبادئ قويمة، ومن منطلق معرفة برسالة حياتنا الشّخصيّة مع التّركيز على المهم والعاجل كذلك، وفي إطار الحفاظ على التّوازن بين زيادة إنتاجنا ورفع قدرتنا الإنتاجية.
وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا هو أحد الأهداف الطّموحة للأشخاص العالقين في صغائر الأمور التي يتضمّنها المربّعان 3و4. ولكن الاجتهاد من أجل تحقيق هذا سيخلق تأثيراً رائعاً على الفعاليّة الشّخصيّة.
وتنظيم المربّع 2 يحتاج الإيفاء بستّة معايير مهمّة:
1- التّرابط: ويقصد به وجود تناغم ووحدة وتكامل بين رؤيتك ورسالتك وأدوارك وأهدافك وأولوياتك وخططك ورغباتك وانضباطك. وينبغي أ ن تتضمّن خططك مساحةً لرسالة حياتك الشّخصيّة حتّى يتسنّى لك الرجوع إليها. كما ينبغي تخصيص مساحة من أجل أدوارك والأهداف قصيرة وطويلة الأجل.
2- التّوازن: ينبغي أن تساعدك أداتك على الحفاظ على التّوازن في حياتك والتّعرّف على أدوارك المختلفة، وإبقائها نصب عينيك طيلة الوقت، حتّى لا تهمل الجّوانب المهمّة مثل صحّتك وعائلتك والإعدادات المهنيّة والتّنمية الذّاتيّة.
فهل يمكن لنجاحك في عملك أن يعوِّض زواجك الفاشل أو صحّتك المتدهورة أو ضعف شخصيّتك؟ إنَّ الفعاليّة الحقيقيّة تتطلّب توازناً وأداتك تساعدك على خلق هذا التّوازن والحفاظ عليه.
3- نقاط التّركيز في المربّع 2: أنت في حاجة إلى الأداة التي تشجّعك وتحفّزك، وتساعدك بالفعل على قضاء الوقت الذي تحتاجه في المربّع 2، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي أن تنظّم حياتك على أساس أسبوعي. وفي نفس الوقت يمكنك وضع أولوياتك اليوميّة ولكنَّ الأساس بالنسبة لك هو التنظيم الأسبوعي.
4- البُعد الخاص بالنّاس: أنت أيضاً في حاجة إلى أداة تتعامل مع النّاس وليس الجداول وحسب. ففي حين أنّك قدّ تفكّر على أساس الفعاليّة عند التّعامل مع الوقت، فإنّ الشّخص الذي يتمحور حول المبادئ يفكّر على أساس الفعاليّة في التّعامل مع النّاس. فقد تأتي أوقات يتعيَّن على أولئك الذين تتمحور حياتهم حول مبادئ المربّع 2 أن يضعوا جداول تنظيم أوقاتهم في مرتبة أدنى من النّاس ولابدَّ لأداتك أن تعكس هذه القيمة وتيسير التّنفيذ بدلاً من خلق شعور بالذنب عند خرق الجدول.
5- المرونة: لا بدّ أن تكون أداة التّخطيط التي تستخدمها عبداً لك لا سيّداً. فطالما أنّها تعمل من أجلك ولصالحك فلا بدّ أن تكون منسوجة طبقاً لأسلوب حياتك واحتياجاتك وأساليبك العمليّة.
6- إمكانية حمل الأداة: لا بدّ أن تكون أداتك قابلة للحمل، ومن ثمّ يتسنّى لك أخذها معك في معظم الأحيان فربّما تحتاج إلى مراجعة رسالة حياتك الشّخصيّة وأنت في الحافلة، وربّما تحتاج إلى قياس قيمة فرصة جديدة متاحة، في مقابل شيء خطّطت له بالفعل. فإذا كانت مفكّرتك محمولة ستحتفظ بها معك وبالتّالي يمكنك مراجعة بياناتك المهمّة دائماً.
كيف تصبح مديراً لنفسك في المربّع 2؟
يتضمن تنظيم المربع 2 أربعة أنشطة أساسية:
1- تعريف الأدوار: المهمًة الأولى هي كتابة أدوارك الأساسيّة. وإذا لم تفكر بجديّة في الأدوار الموجودة في حياتك ستكتب ما يطرأ في ذهنك فوراً وأنت كفرد لك دور، قد ترغب أن تكتب أكثر من دورك كفرد من أفراد العائلة- زوج أو زوجة أو أم أو أب، أو فرد في عائلة كبيرة مكونة من أجداد وعمات وأعمام.
فلا داعي للقلق بشأن تحديد أدوارك بالطّريقة التي ستحيا بها ما تبقّى من حياتك، فكّر فقط في أسبوع واحد، واكتب كلّ الجّوانب التي تُمضي فيها وقتك خلال السّبعة أيّام القادمة.
2- اختيار الأهداف: الخطوة التّالية هي التّفكير في نتيجة واحدة أو نتيجتين لهما أهمّية، وتشعر بضرورة تحقيقهما في كل دور خلال السّبعة أيّام التّالية. وستسجل هذه النّتائج بوصفها أهدافاً.
وينبغي أن تعكس بعضاً من هذه الأهداف على الأقل أنشطة المربع 2، والأمثل أن تكون لهذه الأهداف الأسبوعيّة علاقة بالأهداف طويلة الأجل التي حدّدتها وعلاقة برسالة حياتك الشّخصيّة.
3- وضع جدول: والآن باستطاعتك التّعامل مع الأسبوع التّالي وفي ذهنك الأهداف والجدول الزّمني لتحقيقها. فإذا حدّدت هدفاً مثل ممارسة الرّياضة من أجل تحقيق اللّياقة البدنيّة ربما تحتاج إلى تخصيص ساعة واحدة لمدة ثلاث أو أربعة أيام في الأسبوع أو ربما كل يوم من أيام الأسبوع من أجل تحقيق هذا الهدف.
4- التّكيّف اليومي: بدون إجراء تنظيم أسبوعي للمربّع 2 يتحوّل التّخطيط اليومي إلى تكيّف يومي، إلى مجرّد تحديد للأنشطة التي لها الأولويّة والاستجابة إلى الأحداث والعلاقات والتّجارب التي لا يمكن التّنبؤ بها.
والدّقائق القليلة التي تمضيها كل صباح في مراجعة جدولك من شأنها أن تساعدك على التّواصل مع القرارات التي اتخذتها على أساس القيم بعد أنّ نظّمت أسبوعك، وكذلك العوامل غير المتوقّعة التي قد تطرأ.
هل تستطيع رؤية الفرق بين تنظيم أسبوعك بصفتك مديراً يتمحور حول المبادئ والمربّع، وتخطيط أيّامك كفرد يتمحور حول شيء آخر؟ هل بدأت تشعر بالفرق الهائل الذي يحدثه التّركيز على المربّع2 على مستوى فعاليّتك الحالي؟
وكلّما كانت الأهداف الأسبوعية الكاملة مرتبطة بإطار أوسع من المبادئ القَوِيمَة، ومرتبطة برسالة الحياة الشّخصيّة كانت الفعاليّة أكبر.
معايشة العادة الثّالثة
إذا كانت العادة الأولى تقول "أنت المبرمج"، وإذا كانت العادة الثّانية تقول "أكتب البرنامج" فإنَّ العادة الثّالثة تقول "قم بتشغيل البرنامج"، عِش البرنامج" ومعايشته هو النتيجة الأساسيّة لإرادتنا المستقلّة وانضباطنا وتكاملنا والتزامنا- ليس فيما يتعلّق بالأهداف والجداول قصيرة المدى أو الرغبات اللحظيّة ولكن بالمبادئ القويمة وقيمنا العميقة والتي تُعطي معنى ومفهوماً لأهدافنا وجداولنا وحياتنا.
تطوّرات الجيل الرّابع
إنَّ الجيل الرّابع أكثر تطوّراً من الجيل الثّالث بخمسة أساليب مهمّة:
1- تمحوره حول المبادئ: فهو لا يقوم بتملّق المربّع 2 بل إنَّه يخلق تصوّراً ذهنيّاً محوريّاّ يُمَكِّنُك من رؤية وقتك في سياق ما هو مهم بالفعل وما هو فعّال.
2- إنَّه قائم على الضّمير: فهو يمنحك الفرصة لترتيب حياتك بأفضل الطرق التي تناسب قدراتك وتتوافق مع قِيمك الأصليّة. ولكنَّه في نفس الوقت يمنحك حريّة إخضاع جدولك بسلام لقيمك العُليا.
3- يحدّد رسالتك المتفرّدة: بما في ذلك قيمك والأهداف طويلة الأجل وهو ما يمنح الطّريقة التي تمضي بها وقتك كل يوم توجّهاً وهدفاً.
4- يساعدك على إحداث التّوازن في حياتك: من خلال التّعرف على أدوارك، ومن خلال تحديد الأهداف ووضع جدول أسبوعي للأنشطة المرتبطة بكل دور أساسي.
5- يقدّم لك سياقاً أكبر من خلال التّنظيم الأسبوعي: مع التكيّف اليومي المطلوب والارتفاع فوق المنظور القاصِر لليوم الواحد وهو ما يُبقيك على اتّصال وثيق مع قيمك الأصليّة من خلال مراجعة أدوارك الرئيسيّة.
والخيط العملي المشترك بين جميع هذه التطوّرات الخمسة هو تركيز أساسي على العلاقات والنّتائج وتركيز ثانوي على الوقت.
التّفويض:
إنَّنا ننجز كل ما نريد من خلال التّفويض – التّفويض إما للوقت او لأشخاص آخرين. فإذا فوّضنا في الوقت فهذا يعني أنَّنا نفكّر بكفاءة. وإذا فوّضنا الآخرين فهذا يعني التّفكير بفعاليّة.
ويرفض العديد من النّاس تفويض الآخرين، لأنّهم يشعرون بأنّ هذا يستغرق الكثير من الوقت والجّهد وأنّ العمل سيكون أفضل لو قاموا به بأنفسهم. ولكن التّفويض الفعّال للآخرين قد يكون النّشاط الوحيد الأقوى في زيادة التّأثير على الآخرين.
ونقل المسؤوليّات إلى النّاس المَهَرَة المُدربيّن يُمَكّنك من توجيه طاقاتك إلى أنشطة أخرى تزيد من قوّة تأثيرك، والتّفويض يعني النمو على مستوى الأفراد والمؤسسات، وأساس الإدارة الفعّالة هو التفويض.
يوجد نوعان أساسيّان من التّفويض:
1- التّفويض الساعي:
ويُقصد به "اذهب لعمل هذا، اذهب لفعل ذاك. افعل هذا وأعلمني عندما تنتهي" ومعظم النّاس المنتجين لديهم التّصوّر الذّهني الخاص بتفويض السّاعي. فهم عندما يتولّون منصب المراقبة أو الإدارة فإنهم يظلّون يفكّرون كمنتجين. فهم لا يعرفون كيف يستخدمون أسلوب التّفويض بحيث يلتزم شخص آخر بتحقيق نتائج. ولأنَّهم يركّزون على المناهج فإنَّهم يتحمّلون مسؤولية النتائج.
ويَعمَد الكثير من النّاس إلى استخدام نفس أسلوب التّفويض هذا ولكن إلى أي مدى ينجحون بالفعل؟ وكم من النّاس يمكنك مراقبتهم أو التّعامل معهم عندما يتعيّن عليك المشاركة في كل حركة يقومون بها؟
هناك طريقة أفضل بكثير، وأسلوب تفويض أكثر فعاليّة يقوم على أساس تصوّر ذهني يعتمد على تقدير الوعي الذّاتي والخيال والإدراك والإرادة الحرّة للآخرين، وهو تفويض الوكالة.
2- تفويض الوكالة:
يركِّز تفويض الوكالة على النتائج بدلاً من المناهج. وهو يمنح الناس حقّ اختيار الطّريقة ويحمِّلهم مسؤوليّة النتائج. وهو في البداية يستغرق بعض الوقت ولكنه استثمار جيد لهذا الوقت. فمن خلال تفويض الوكالة يُمكِنك الارتقاء لأعلى وزيادة تأثيرك على الآخرين.
- النتائج المرجوّة: ابتكر نوعاً من التّفاهم المتبادل لما تريد إنجازه وركّز على الماهيّة لا الكيفيّة، أي النّتائج لا الأساليب والمناهج وكُن صبوراً، وحاول تصوّر النّتيجة المرجوة.
- الإرشادات حدّد المقاييس التي يعمل النّاس على أساسها، ولكن ينبغي أن تكون قليلة قدر المستطاع من أجل تجنّب تفويض الأساليب، ولكنّها يجب أن تتضمّن قيوداً قاسية. وإذا كنت تعرف مسارات الفشل المتوقّعة في وظيفة ما عليك تحديدها، وحدّد ما الذي لا ينبغي القيام به ولكن لا تمل عليهم ما يفعلون. واجعلهم يتحمّلون النتائج التي حقّقوها.
- الموارد حدّد للشّخص الموارد البشريّة والماليّة والتّقنيّة والمؤسسيّة التي من شأنها مساعدته في تحقيق النّتائج المرجوة.
- المسؤولية ضع مقاييس أداء تستخدم لتقييم النّتائج والأوقات الزمنيّة عندما يحين موعد تقديم التّقارير والتّقييم.
- العواقب: حدّد ما هي العواقب المترتّبة على نتائج التّقييم سواء كانت سيّئة أو جيّدة. ويمكن أن تتضمّن تلك العواقب أشياء مثل المكافآت الماديّة والمكافآت العينيّة وتولّي مناصب مختلفة.
أضف تعليقاً