فكيف يمكن للذكاء العاطفي أن يحول القائد العادي إلى قائد استثنائي؟
سوف نستكشف في هذا المقال أهمية الذكاء العاطفي في القيادة، وكيف يمكن أن يُترجم إلى أداء أعلى وعلاقات أقوى وثقافة عمل أكثر تعاوناً، كما سنستعرض أحدث الأبحاث في هذا المجال وكيف يمكن أن تساهم في تطوير قادة المستقبل.
الذكاء الأخلاقي والذكاء العاطفي: تلاقي العقل والقلب
الذكاء الأخلاقي والذكاء العاطفي هما وجهان لعملة واحدة، فيرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما بعضاً، فإذا كان الذكاء الأخلاقي هو بوصلتنا التي توجهنا نحو اتخاذ القرارات الصحيحة والمبنية على القيم والمبادئ، فإنَّ الذكاء العاطفي هو الوقود الذي يدفعنا للتحرك باتجاه هذه القرارات.
إنَّ التعاطف، وهو ركن أساسي من أركان الذكاء العاطفي، يؤدي دوراً حاسماً في صقل قدرتنا على اتخاذ قرارات أخلاقية سليمة، فعندما نستطيع فهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم، نصبح أكثر قدرة على تقييم آثار قراراتنا فيهم، ونختار الخيارات التي تحترم كرامة الإنسان وتحقق المصلحة المشتركة.
يشير الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) إلى القدرة على التعرف إلى المشاعر الذاتية وفهمها وإدارتها، إضافة إلى فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معها بفاعلية، ووفقاً لعالم النفس دانييل جولمان، الذي روَّج لفكرة الذكاء العاطفي في كتابه "الذكاء العاطفي: لماذا قد يكون أهم من الذكاء الأكاديمي" (Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ)، يتضمن الذكاء العاطفي خمسة مجالات رئيسة ألا وهي، الوعي الذاتي وإدارة الذات والدافع والتعاطف والتواصل الفعال.
تساعد هذه المجالات الأفراد على التعامل بفاعلية مع مشاعرهم ومشاعر الآخرين، وتعزز التفاعل الاجتماعي وإدارة العلاقات بشكل إيجابي.
من ناحية أخرى، في كتابه "الذكاء الأخلاقي: تعزيز الأداء التجاري والقيادي" (Moral Intelligence: Enhancing Business and Leadership Performance)، عرَّف الكاتب دينيس كارول (Dennis Carroll) الذكاء الأخلاقي (Moral Intelligence) على أنَّه القدرة على التصرف وفقاً للقيم والمبادئ الأخلاقية، ويشمل الذكاء الأخلاقي الالتزام بالضمير والنزاهة والعدالة والرحمة، وهو ما يساهم في بناء الثقة والاحترام في العلاقات الشخصية والمهنية.
لكن عندما يتعلق الأمر بالقيادة، فإنَّ القادة الذين يتمتعون بكل من الذكاء العاطفي والأخلاقي يكونون أكثر قدرة على إدارة فرقهم بفاعلية، على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد أنَّ القادة الذين يمتلكون مستويات عالية من الذكاء العاطفي قادرون على بناء علاقات قوية مع فرقهم وتحفيزهم بشكل أكثر فاعلية.
في الوقت نفسه، القادة الذين يظهرون نزاهة وقيماً أخلاقية ثابتة، مثل تلك التي تمت دراستها في كتاب "القيادة الأخلاقية: نموذج للنجاح" (Brown & Treviño, 2006)، يساهمون في تعزيز بيئة عمل قائمة على الثقة والاحترام، وهذا يؤدي إلى تحسين الأداء الجماعي والنجاح التنظيمي.
إضافة إلى ذلك، أكدت دراسات عديدة على العلاقة الوثيقة بين الذكاء الأخلاقي والعاطفي، على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها جامعة ييل الأمريكية أنَّ الأطفال الذين يتمتعون بقدر كبير من التعاطف هم أكثر عرضة لاتخاذ قرارات أخلاقية صحيحة.
كما أشارت دراسات أخرى إلى أنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفي عالٍ هم أكثر قدرة على إدارة صراعاتهم الداخلية والتصرف بطريقة أخلاقية حتى في المواقف الصعبة.
خلاصة القول، يتكامل الذكاء العاطفي مع الذكاء الأخلاقي لتعزيز القيادة الفعالة واتخاذ القرارات الأخلاقية، وهذا يساهم في بناء علاقات قوية وتعزيز النجاح في بيئة العمل.
في ضوء ما تم استعراضه عن الذكاء الأخلاقي والذكاء العاطفي بوصفهما مفهومين يتكامل فيهما العقل والقلب لتحقيق سلوك قيادي متوازن، يتضح أنَّ القيادة الفعالة تتطلب مهارات متقدمة في كلا الجانبين.
يمثل الذكاء الأخلاقي البوصلة التي توجه القائد نحو اتخاذ قرارات مسؤولة وأخلاقية، بينما الذكاء العاطفي يسهم في بناء علاقات متينة مع الموظفين، وفهم مشاعرهم، وتحفيزهم نحو تحقيق الأهداف المشتركة.
هنا يبرز دور الذكاء العاطفي بشكل خاص في بيئة العمل، إذ يحتاج القادة إلى مهارات تمكنهم من إدارة عواطفهم وفهم مشاعر الآخرين، وهذا يعزز القدرة على التواصل الفعال والتأثير الإيجابي في فريق العمل.
لا تقتصر القيادة اليوم على توجيه الأوامر فقط، بل تعتمد بشكل كبير على قدرة القائد في التعاطف مع الموظفين، وتفهُّم احتياجاتهم النفسية، وبناء بيئة عمل محفزة.
شاهد بالفيديو: 6 عادات يومية لتنمية الذكاء العاطفي
ما هو دور الذكاء العاطفي للقادة في بيئة العمل؟
1. تحسين الأداء الفردي والجماعي
يرتبط تحسين الأداء الفردي والجماعي في بيئة العمل ارتباطاً وثيقاً بقدرة القادة على تطبيق مهارات الذكاء العاطفي بشكل فعال، إذ إنَّ القادة الذين يتمتعون بذكاء عاطفي عالٍ يمتلكون القدرة على فهم دوافع الموظفين واحتياجاتهم ونقاط قوتهم وضعفهم.
يمكِّنهم هذا الفهم العميق من تخصيص المهام بشكل يتماشى مع مهارات كل فرد، ويعزز شعورهم بالانتماء والمسؤولية، فيشعر الموظفون بأنَّ قائدهم يفهمهم ويقدرهم، فتزداد ثقتهم به وبقدراتهم، وهذا بدوره يعزز الالتزام بالعمل ويؤدي إلى تحسين الأداء الجماعي.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ القادة ذوي الذكاء العاطفي العالي يتسمون بقدرتهم على إدارة الصراعات بطرائق بناءة، فيتعاملون مع المشكلات بشكل عادل ومنصف، وهذا يعزز من التعاون ويحسن بيئة العمل بشكل عام.
مثال من واقع العمل
في أحد المشاريع الكبرى التي تتولى إدارة تطوير منتج جديد، لاحظ أحمد، مدير المشروع، أنَّ إحدى أعضاء الفريق، تبدو متوترة وتفتقر إلى الدافع خلال الاجتماعات الأخيرة، وبدلاً من توجيه اللوم لها بسبب أدائها المتراجع، قرر أحمد اتخاذ خطوة إيجابية.
عقد أحمد اجتماعاً شخصياً مع الموظفة في مكتبه وبدأ الحديث بسؤال لطيف عن كيفية سير الأمور معها وكيف تشعر تجاه العمل الحالي، وفي أثناء المحادثة، اكتشف أحمد أنَّ الموظفة كانت تشعر بضغط كبير بسبب مهمة معينة كانت مُكلَّفة بها، وأنَّها كانت تواجه صعوبة في إتمامها بسبب قصر الوقت وتراكم المهام الأخرى.
نتيجة لذلك، بدلاً من تجاهل المشكلة أو محاولة فرض الحلول، قرر أحمد أن يتصرف بطريقة إيجابية، فقام بإعادة تقييم توزيع المهام في المشروع وقرر تعديل بعض المهام بين أعضاء الفريق، إضافة إلى ذلك، قدم لها دعماً إضافياً من خلال تخصيص وقت لتوجيهها ومساعدتها على تجاوز التحديات التي كانت تواجهها.
أدى ذلك إلى ظهور نتائج إيجابية ملحوظة على الموظفة، فبدأت في استعادة حماستها وتحسين أدائها بشكل كبير، كما أثنى الفريق على التعديلات التي قام بها أحمد، وهذا ساهم في تعزيز الروح المعنوية العامة وتخفيف الضغط على الجميع.
النتيجة: بفضل فهمه العميق لدوافع الموظفة وتطلعاتها، تمكَّن أحمد من تقديم الدعم والتوجيه اللازمَين، وهذا أدى إلى تحسن ملحوظ في أدائها وارتفاع معنويات الفريق.
شاهد بالفيديو: ما العلاقة بين الذكاء العاطفي والقيادة؟
2. تعزيز التواصل الفعال
يُعد تعزيز التواصل الفعال في بيئة العمل أحد الجوانب الأساسية للذكاء العاطفي لدى القادة، فالقادة الأذكياء عاطفياً يتميزون بقدرتهم على الاستماع الفعال، فينتبهون انتباهاً كاملاً لما يقوله الآخرون ويحاولون فهم وجهات نظرهم، وهذا يساعد على بناء علاقات قوية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.
كما أنَّ قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بشكل واضح وبنَّاء تساهم في تجنب سوء الفهم والصراعات، الأمر الذي يؤدي إلى توفير بيئة عمل أكثر شفافية وفاعلية.
إضافة إلى ذلك، يركز القادة ذوو الذكاء العاطفي على تقديم ملاحظات بناءة تساعد الموظفين على تطوير أنفسهم وتحسين أدائهم، وهذا يعزز نموهم المهني ويدفعهم نحو تحقيق الأهداف المشتركة، فمن خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن للقادة تعزيز التواصل وبناء علاقات قوية تسهم في نجاح الفريق وتحقيق أهداف العمل بفاعلية.
على سبيل المثال، توضح دراسة أجرتها مجلة علم النفس التطبيقي (Journal of Applied Psychology) أنَّ القادة الذين يجيدون مهارات الاستماع الفعال والتعبير الواضح عن أفكارهم يحققون تحسينات ملحوظة في أداء الفرق وكفاءتها.
فوفقاً للدراسة، فإنَّ القادة الذين يوظفون تقنيات مثل التغذية الراجعة البنَّاءة يشجعون على النمو المهني للموظفين ويعززون من التفاعل الإيجابي بينهم، وهذا يؤدي في النهاية إلى تحقيق الأهداف المشتركة بكفاءة أعلى.
3. اتخاذ قرارات أفضل
يتميز القادة الأذكياء عاطفياً بقدرتهم على اتخاذ قرارات أفضل من خلال استخدام مهارات التفكير النقدي والتحليل الدقيق للمعلومات المتاحة.
إضافة إلى ذلك، فهم يتمتعون بقدرة على تقييم العواقب المحتملة للقرارات التي يتخذونها، وهذا يساعدهم على اتخاذ قرارات مدروسة تعزز نجاح الفريق، إضافة إلى ذلك، يركز هؤلاء القادة على الصورة الكبيرة والأهداف طويلة الأجل بدلاً من التسرع في اتخاذ قرارات مبنية على المشاعر اللحظية، وهذا يساعدهم على تحقيق رؤى استراتيجية مستدامة.
كما أنَّ قدرتهم على التكيف مع التغيرات في بيئة العمل تمكِّنهم من اتخاذ قرارات مناسبة حتى في ظل الظروف المتغيرة، وهذا يعزز مرونة الفريق ويضمن الاستجابة الفعالة للتحديات الجديدة.
مثال عملي
في عام 2008، عندما ضربت الأزمة المالية العالمية، واجهت معظم الشركات تحديات هائلة، لكنَّ إندرا نويي، الرئيسة التنفيذية لشركة بيبسيكو (PepsiCo, Inc.) آنذاك، أظهرت ذكاءً عاطفياً كبيراً في قيادة الشركة خلال تلك الفترة الصعبة.
بدلاً من اتخاذ قرارات متسرعة مبنية على الذعر أو ردود الفعل اللحظية، قامت نويي بتحليل الوضع بعناية مستخدمة مهارات التفكير النقدي لتقييم العواقب المحتملة لقراراتها.
ركزت على الصورة الكبيرة من خلال الحفاظ على التزام الشركة بالاستدامة والنمو طويل الأجل، حتى في ظل الضغوطات الاقتصادية الشديدة.
إحدى القرارات الحاسمة التي اتخذتها كانت تعزيز استثمارات الشركة في خطوط إنتاج صحية ومستدامة، مثل الأطعمة الصحية والمشروبات منخفضة السعرات الحرارية، وهذا ساهم في تعزيز مكانة الشركة في السوق على الأمد الطويل.
كما أظهرت نويي قدرة كبيرة على التكيف مع التغيرات من خلال إعادة هيكلة بعض قطاعات الشركة لتكون أكثر مرونة وكفاءة في مواجهة الأزمة، ونتيجة لذلك، مكَّنت هذه القرارات المدروسة بيبسيكو من الحفاظ على مكانتها القوية في السوق وتعزيز مرونتها في مواجهة التحديات الاقتصادية.
فرويد والذكاء العاطفي: ربط اللاوعي بالعواطف القيادية
قدمت نظرية سيجموند فرويد (Sigmund Freud)، مؤسس التحليل النفسي، رؤى عميقة عن العقل البشري، خاصة فيما يتعلق بدور اللاوعي والعواطف في توجيه سلوكنا، وعلى الرغم من أنَّ هذا قد يبدو بعيداً عن مفهوم الذكاء العاطفي الحديث، لكن تربط بعض الروابط الجوهرية بينهما.
يرى فرويد اللاوعي جزءاً كبيراً من حياتنا النفسية، وهو ما يظهر في أعماله مثل "تفسير الأحلام" و"التحليل النفسي"، ففي تلك الأعمال، يشير فرويد إلى أنَّ الرغبات والدوافع اللاواعية تؤثر في السلوك بشكل غير مباشر.
أما فيما يتعلق بالذكاء العاطفي، فيرى دانييل جولمان (Daniel Goleman)، أحد المنظرين البارزين في هذا المجال، أنَّ الوعي الذاتي، وإدارة العواطف، والقدرة على التعاطف هي عناصر أساسية في الذكاء العاطفي.
بينما لا يربط جولمان نظريته مباشرة بنظرية فرويد، فإنَّ فكرة أنَّ العواطف والقرارات والسلوكات قد تتأثر بعوامل غير واعية يمكن عدها جزءاً من الذكاء العاطفي.
كما يذكر جولمان أنَّ كثيراً من تفاعلاتنا العاطفية والاجتماعية تحدث بطرائق غير واعية، وهذا يتفق مع فكرة فرويد عن تأثير اللاوعي في السلوك.
في هذا السياق، أكد فرويد على أهمية العواطف في توجيه سلوك الإنسان، ورأى أنَّ العواطف المكبوتة يمكن أن تؤثر سلباً في صحتنا النفسية وسلوكنا، وهو ما يتصل مباشرة بالذكاء العاطفي الذي يركز على فهم وإدارة العواطف.
إضافة إلى ذلك، وصف فرويد آليات دفاعية يستخدمها العقل لحماية نفسه من الضغوطات النفسية، وهذه الآليات يمكن أن تؤثر في كيفية تفاعلنا مع الآخرين وكيف نتصرف بصفتنا قادة.
يهدف التحليل النفسي الذي أسسه فرويد إلى استكشاف اللاوعي وفهم الدوافع الكامنة وراء السلوك، وهذا يساعد القادة على فهم أنفسهم بشكل أفضل وتحسين مهاراتهم في التعامل مع الآخرين.
كيف يمكن تطبيق هذه الأفكار على القيادة؟
يمكن تطبيق أفكار فرويد على القيادة بعدة طرائق تعزز الذكاء العاطفي وتحسن الأداء القيادي.
على سبيل المثال، من خلال الفهم الذاتي، يمكن للقادة أن يصبحوا أكثر وعياً بدوافعهم وآليات دفاعهم اللاواعية، وهذا يساعدهم على إدراك كيفية تأثير هذه العوامل في تصرفاتهم وتفاعلهم مع الآخرين.
قد يؤدي هذا الفهم إلى قرارات أكثر حكمة وسلوكات أكثر اتزاناً، وعلى صعيد آخر، يمكن للقادة تطوير تعاطف أعمق مع فريقهم بفهمهم أنَّ الآخرين لديهم أيضاً دوافع وعواطف لا واعية تؤثر في سلوكهم.
على سبيل المثال، إذا كان أحد أعضاء الفريق يعاني من انخفاض في الأداء، بدلاً من توبيخه، يمكن للقائد التعاطف معه ومحاولة فهم الضغوطات النفسية التي قد تكون وراء هذا السلوك.
في إدارة الصراع، يمكن للقادة استخدام مفاهيم فرويد لفهم الأسباب الجذرية للنزاعات وكيفية حلها بشكل فعال.
على سبيل المثال، إذا كان هناك خلاف بين الموظفين، يمكن للقائد تحليل الوضع من خلال التفكير في الآليات الدفاعية اللاواعية التي قد تكون في اللعب، مثل الإسقاط أو التبرير، ومن ثم تقديم حلول تتجاوز السلوك الظاهري إلى المشكلات النفسية الأساسية.
أما في التنمية الشخصية، فإنَّ استخدام أدوات التحليل النفسي يمكن أن يساعد القادة على تطوير أنفسهم وتحسين مهاراتهم القيادية، مثل زيادة الوعي الذاتي، والتحكم بالعواطف، وتعزيز القدرة على فهم الآخرين بشكل أعمق.
باختصار، رغم أنَّ نظرية فرويد قديمة، لكنَّها تقدم إطاراً مفيداً لفهم النفس البشرية والعواطف، ويمكن للقادة الاستفادة من هذه الأفكار لتعزيز ذكائهم العاطفي وتحسين أدائهم القيادي، وهذا ينعكس إيجاباً على الفريق والعمل ككل.
شاهد بالفيديو: كيف يمكن للذكاء العاطفي أن يحسن أداءك في العمل؟
أمثلة عملية عن تطبيق فلسفة فرويد في القيادة
يساعد تطبيق فلسفة فرويد في القيادة القادة على فهم الدوافع اللاواعية التي تؤثر في سلوكهم وتفاعلاتهم مع الفريق، على سبيل المثال، القائد الذي يضغط على فريقه بشكل مفرط قد يكون مدفوعاً بدوافع لا واعية تتعلق برغبته في إثبات الذات أو خوفه من الفشل، وبفهم هذه الدوافع، يمكن للقائد أن يدرك كيف يؤثر سلوكه سلباً في معنويات الفريق وأدائه، وهذا يدفعه لتعديل نهجه وتحسين بيئة العمل.
مثال آخر هو القائد المتردد في اتخاذ القرارات، فقد يكون هذا التردد ناتجاً عن صراع داخلي بين الرغبة في التحكم والخوف من تحمُّل المسؤولية، ومن خلال استكشاف هذه الصراعات النفسية، يمكن للقائد أن يتعلم كيفية اتخاذ قرارات أكثر حزماً وفاعلية.
كذلك، القائد الذي يفتقر إلى التعاطف قد يكون قد مرَّ بتجارب مؤلمة في الماضي جعلته يبني جداراً عاطفياً حول نفسه، وبفهم هذه الجذور النفسية، يمكن للقائد العمل على تطوير مهاراته في التعاطف والتواصل العاطفي مع فريقه.
تشير هذه الأمثلة إلى أنَّ استكشاف الدوافع اللاواعية وفهم تأثير التجارب السابقة يمكن أن يساعد القادة على تحسين أدائهم وتفاعلهم مع الآخرين، وهذا يعزز فاعلية القيادة بشكل عام.
يمكن القول إنَّ تطبيق أفكار فرويد في القيادة يسهم في تعزيز الذكاء العاطفي وفتح آفاق أعمق لفهم النفس البشرية، فمن خلال فهم الدوافع والآليات النفسية اللاواعية، يصبح القادة أكثر قدرة على التعامل مع التحديات الشخصية والمهنية بطريقة واعية ومدروسة، وهذا لا يعزز الأداء القيادي فحسب، بل يساعد أيضاً على بناء بيئة عمل صحية تدعم التعاون والتفاهم العميق بين الأفراد.
التوجهات المستقبلية والأبحاث المتعلقة بالذكاء العاطفي للقادة
تشهد التوجهات المستقبلية والأبحاث المتعلقة بالذكاء العاطفي للقادة اهتماماً متزايداً؛ نظراً للدور الحاسم الذي يؤديه الذكاء العاطفي في تحسين أداء القادة وتطوير بيئات عمل إيجابية، وتشمل بعض التوجهات المستقبلية والأبحاث في هذا المجال:
1. دمج التكنولوجيا والذكاء العاطفي
مع تقدم التكنولوجيا، ظهرت تقنيات حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي لتحليل الذكاء العاطفي وتطويره، فتساعد أدوات مثل تحليلات المشاعر (Sentiment Analysis) وبرامج التدريب المدعومة بالذكاء الاصطناعي القادة على فهم ديناميكيات فرقهم بشكل أعمق.
على سبيل المثال، تستخدم بعض الشركات برمجيات تعتمد على تحليل البيانات الكبيرة (Big Data) لتحليل نبرة البريد الإلكتروني وتفاعلات الاجتماعات، وهذا يوفر للقادة بيانات عن كيفية تأثير سلوكهم في الفرق، وأظهرت دراسة من MIT Sloan أنَّ هذه الأدوات يمكن أن تعزز القدرة على التواصل الفعال وتوفر رؤى قيمة لتحسين القيادة العاطفية.
2. تأثير الذكاء العاطفي في الابتكار والإبداع
تظهر الأبحاث أنَّ القادة ذوي الذكاء العاطفي العالي يوفرون بيئات تشجع الابتكار والإبداع، وأشارت دراسة نشرتها مراجعة هارفارد للأعمال (Harvard Business Review) إلى أنَّ الذكاء العاطفي يساعد القادة على بناء علاقات أكثر عمقاً مع أعضاء الفريق، وهذا يحفز الثقة ويعزز التعاون.
إذ تدفع هذه البيئة الآمنة عاطفياً الأفراد إلى التعبير عن أفكارهم وتجربة حلول جديدة دون الخوف من الفشل، وهو ما يزيد من الابتكار، على سبيل المثال، وجدت دراسة أجراها جولمان أنَّ الفرق التي يقودها قادة ذوو ذكاء عاطفي مرتفع قد أظهرت مستويات أعلى من التفكير الإبداعي والقدرة على حل المشكلات.
3. الذكاء العاطفي والصحة النفسية في مكان العمل
تعد الصحة النفسية في مكان العمل موضوعاً حيوياً في معظم الشركات، فيرتبط الذكاء العاطفي بشكل مباشر بقدرة القادة على توفير بيئة عمل داعمة للصحة النفسية.
وجدت إحدى الدراسات أنَّ القادة ذوي الذكاء العاطفي المرتفع يمكنهم تخفيف مستويات الإجهاد والاحتراق الوظيفي من خلال تقنيات التعاطف وإدارة العواطف، وتشير الأبحاث أيضاً إلى أنَّ القادة الذين يراعون الجوانب النفسية والاجتماعية لأعضاء الفريق يساهمون في تعزيز الرضى الوظيفي وتقليل معدلات التغيب عن العمل، وهذا يؤثر بشكل إيجابي في الأداء العام.
في الختام
يتضح أنَّ الذكاء العاطفي هو عنصر حاسم في تحقيق قيادة فعالة ومستدامة، فالقادة الذين يجمعون بين فهم وإدارة عواطفهم والتفاعل الإيجابي مع مشاعر الآخرين يمكنهم تحسين الأداء الفردي والجماعي، وتعزيز التواصل، واتخاذ قرارات مدروسة.
يعزز دمج الذكاء العاطفي مع الذكاء الأخلاقي من قدرة القادة على بناء علاقات قائمة على الثقة والاحترام، ويشجع على اتخاذ قرارات أخلاقية قوية.
كما أنَّ استكشاف الأفكار النفسية من منظور فرويدي يوفر للقادة أدوات لفهم دوافعهم اللاواعية وتحسين تفاعلهم مع الفريق، وبالنظر إلى التوجهات المستقبلية والأبحاث المستمرة، يظل الذكاء العاطفي مفتاحاً لتطوير قادة ناجحين وقادرين على التأثير الإيجابي في بيئات العمل المعاصرة.
أضف تعليقاً