ولكن تذكَّر أنَّ الأداء ليس مؤشراً يتحرك بواسطة الرغبة، فلا يمكنك رفعه أو خفضه حسب رغبتك وقتما تشاء؛ وذلك لأنَّ محركات الأداء تختلف باختلاف طباع ودوافع الأفراد، وأيضاً من منصب وظيفي لآخر، ومن مؤسسة إلى أخرى؛ لذا تُعَدُّ خطوات تحسين الأداء من التحديات المستمرة لدى قادة المؤسسات.
ولذلك، تذكَّر قبل التفكير في تحسين الأداء، يجب عليك أولاً معرفة كيفية قياس الأداء، ففي البداية، قد تراه أمراً صعباً، خصوصاً إذا كان الأداء المطلوب قياسه مرتبط بوظيفة إدارية أو ليست ذات إنتاج كمي، مثل موظف في قسم موارد بشرية؛ إذ تفتقر بعض الوظائف إلى مخرجات إنتاج ملموسة يمكن قياسها.
لذا يجب على المسؤولين في المؤسسة عند وضع أسس تقييم الأداء الوظيفي أن يدوِّنوا مقاييس الأداء لكل وظيفة، ويفعلوا ذلك بحذرٍ؛ فلا بد أن تكون المقاييس قيمة ودقيقة حتى لا ينظر إليها الموظف بوصفها عملية فردية وغير مبنية على أسس علمية وتخضع لأهواء القادة الشخصية، فيجب أن تكون هذه المقاييس مدعومة بمحفزات تشجع الموظف على الوصول إلى الأهداف المرجوة منه ومن فريق العمل.
ولهذا سوف نستعرض أهم الخطوات التي تساعد على تحسين وتطوير الأداء كما يأتي:
1. وضوح وواقعية الأهداف:
من المستحيل على الموظف أن يحقق أو يتجاوز المجهول، أو أن يتخيل ما هي توقعات وأهداف المؤسسة؟ لذلك يجب على القادة أن يتواصلوا مع الموظفين بشأن الأهداف المطلوبة منهم، وأن تتسم هذه الأهداف بمجموعة الصفات الخمس كما ذكرها عالِم الإدارة "بيتر دراكر"، وهي: محددة، وقابلة للقياس، وقابلة للتحقيق، ومناسبة، ومحددة الوقت؛ وذلك حتى لا يُطلَب من الموظف تحقيق المستحيل أو ما هو خارج طاقته.
ولا بد أيضاً من تخصيص مواعيد تقييم دورية تُعرَض فيها التغذية الراجعة، وتُناقَش الأهداف ونسبة الإنجاز والإخفاقات والتوصيات، وأيضاً الآليات والخط الزمني، ويجب أن يكون للموظف دور للتحدث عن الاحتياجات اللازمة له، التي تساعده على التطور والتحسين؛ وبمعنى أدق، تقديم ملاحظات محددة، ثم التركيز على كيفية تقديم يد المساعدة حتى تُوضَع خطة عمل يتمكَّن الموظف من الالتزام بها.
2. إيجابية بيئة العمل:
تؤثر بيئة العمل وثقافة المؤسسة في الموظف وأدائه سواء كانت تلك البيئة إيجابية أم سلبية؛ فإذا كانت البيئة سلبية، فسوف تصيب الموظف بالإحباط والإرهاق، وتزيد نسبة الاستقالات وانخفاض الإنتاجية والصراع الوظيفي وإهدار الموارد، وإذا كانت إيجابية، فسوف تنمِّي التقدير والعمل الجماعي، وتحافظ على صحة الموظفين وتحفزهم على الأداء الجيد، وتصل بهم إلى الإنتاجية المطلوبة؛ وذلك نتيجة زيادة الولاء والانتماء للمؤسسة، وروح التعاون، خاصة في أوقات الأزمات، التي يظهر فيها الموظفون بصفتهم فريقاً واحداً في مواجهة التحديات.
شاهد بالفديو: 10 طرق لزيادة الإنتاجية في العمل
3. التعرف إلى الموظفين وتحفيزهم:
المكافأة على العمل والأداء الجيد تؤدي إلى بذل مزيدٍ من الطاقة والجهد في المهام وقائمة الأعمال، ومن الهام جداً أن يكون توقيت المكافأة والتحفيز توقيتاً مناسباً، وتكون المكافأة متكررة؛ وذلك لكي تجعل الأداء المتميز والجيد للموظف سلوكاً متكرراً في المستقبل، كما يضيف اعتراف القادة المتكرر بتميز الأداء إلى زرع الثقة بين الموظفين وأقرانهم، والموظفين والمديرين.
وقد يكون التحفيز اجتماعياً مثل التكريم في اجتماع أمام جميع موظفي المؤسسة، أو رسالة شكر بالبريد، أو تعليق صورة الموظف على لوحة المؤسسة أو الموقع الإلكتروني؛ وهذا النوع من التحفيز يزيد من احترام الذات، ويعزز روح الفريق والشعور بالفخر.
ويوجد أيضاً التحفيز النقدي أو العيني، الذي يشحن طاقات الموظفين، مثل المكافآت النقدية، أو إجازة مدفوعة الأجر، أو تذاكر ودعوات رحلات سفر أو حفلات؛ لذا يجب عليك بصفتك قائداً معرفة الموظفين وكافة أعضاء فريق العمل؛ إذ إنَّ المحفزات ومقدار تأثيرها يختلف باختلاف طباع وشخصيات وثقافة الأفراد.
4. الاستماع والتواصل الجيد:
من حق الموظف أن يتحدث عما يعانيه من معوقات وحواجز تمنعه من تحقيق الأهداف أو كسر سقف التوقعات، ومن حقه أيضاً أن يعبِّر عن آرائه، ويشرح كيفية المساهمة في تحقيق الأفضل للمؤسسة من وجهة نظره؛ لذا يجب على القادة أن يمنحوا الموظفين حرية التحدث والمشاركة بوجهات نظرهم وأفكارهم ومخاوفهم بحرية مطلقة.
كن على يقين أنَّ إعطاء الموظفين فرصة التحدث سيؤثر إيجاباً في سير العمل وعجلة الإنتاج، ويُثري العمل، وبعد الاستماع لآراء الموظفين ووجهات نظرهم، يجب على القادة أن يعملوا على تحليل الملاحظات والأفكار، وهذا بدوره يشجِّع الموظفين ويوضح أنَّ لديهم القدرة على التأثير في قرارات العمل والتطوير.
وبعد ذلك، يجب على المؤسسة إعادة التواصل مرة أخرى مع الموظفين؛ وذلك لتوضيح إجراءات التحسين والأفكار التي اختِيرَت، وإدخالها حيز التنفيذ، وتوضيح الرأي في الأفكار والآراء الأخرى وسبب عدم وضعها على قائمة أولويات التنفيذ.
5. الرعاية الصحية الجيدة:
إنَّ العناية الصحية والعقلية للموظفين أمر هام جداً لمنع الإرهاق والتوتر؛ لذا يجب على المؤسسة أن تضع وتضمن برامج رعاية صحية تساعد الموظفين على ممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول وجبات مُغذِّية وصحية؛ إذ إنَّ المواظبة على هذه السلوكات تزيد من طاقة الموظفين وقدرتهم على التركيز، وهنا قد تقترح المؤسسة حافزاً تشجيعياً متمثِّلاً في مكافأة الموظفين الذين أضافوا والتزموا بعادات جيدة في روتينهم الصحي.
ولا تنسَ أن تشجع الموظفين على استخدام إجازاتهم في توقيتات منتظمة؛ إذ يساعد هذا على قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، والذي بدوره يبعدهم عن توتر وضغط العمل، ويشجعهم على العودة بطاقات متجددة ومنتعشة.
وقد تشترك بعض المؤسسات في جلسات تأمل وعصف ذهني للموظفين، أو قد تتعاقد مع لايف كوتش، أو محلل نفسي، أو مؤسسات تدريبية تقدِّم برامج تدريبية تعمل على استخراج روح التعاون، والتخلص من الشحنات السلبية وبوادر الصراعات الداخلية، ونبذ التعصب للرأي وتجميع الجهود الفردية لتحقيق هدف جماعي مشترك؛ وذلك من خلال المحافظة على إبقاء الروح المعنوية مرتفعة لدى جميع فرق العمل المشاركة.
6. دعم التدريب والتطوير:
يمنح التعلم المستمر الموظفين المهارات والمعارف التي يحتاجون إليها للانتقال إلى أدوار أكثر قوةً وتأثيراً داخل منظومة العمل، ومع أنَّ التدريب يكلِّف المؤسسات أموالاً كثيرة، إلا أنَّه يزيد من الميزة التنافسية، ومن ثمَّ يؤثر إيجاباً في الإنتاجية؛ إذ يكتسب المتدربون التعرف إلى أفضل الممارسات والتقنيات المبتكرة، التي تساعدهم على تطوير آليات عمل المؤسسة نتيجة الخبرة المكتسبة.
وتزيد هذه الممارسات وتعزز الشعور بالانتماء، وتطوِّر علاقات العمل لتصل إلى تناغم وتكامل للوصول إلى الهدف المؤسسي؛ لذلك تسعى معظم المؤسسات إلى أن تكون "المنظمة المتعلمة" (Learning Organization)؛ وهي مؤسسة تسمح لكل الأفراد فيها بالمشاركة والتدخل في تشخيص ومناقشة مشكلاتها والبحث عن حلول؛ وذلك من خلال ممارسة ما لديهم من قدرات ومهارات لإحداث التغيير والتحسين، وقد يتطلب ذلك تغيير المهارات والمعارف لتحقيق الأهداف؛ لذلك إنَّ المؤسسة مسؤولة عن تطوير وتنمية هذه القدرات والمهارات.
7. الدعم وتوفير المتطلبات:
تمنح آليات الاستماع المستمر والرقابة والتغذية العكسية ميزةً للمؤسسة للتعرف إلى المعوقات والمتطلبات، وتعطي نظرة ثاقبة عن كيفية استجابة فرقهم للتحديات، فإذا شعر الموظف أنَّ المؤسسة تعمل جاهدة على توفير المتطلبات اللازمة لتسهيل وتبسيط العملية الإنتاجية، سيساعد هذا الشعور الإيجابي على الإبداع والابتكار، ويزيد من ثقة الموظف بأنَّ المؤسسة تراعي وتهتم باحتياجاته، وتوفر له البيئة المناسبة ومقومات النجاح اللازمة لتحقيق الأهداف المرجوة منه، وهذا بدوره يشجعه على العمل وزيادة معدلات الأداء، وبذل كل جهوده لتحقيق المطلوب منه.
في الختام:
تذكَّر أنَّك لن تصل إلى أفضل أداء للموظفين دون أفضل الأدوات والموارد، ويُعَدُّ تأسيس ثقافة إيجابية، وبيئة عمل تشجِّع على النجاح والاعتراف والمشاركة تقنياتٍ بديهية يستمتع الموظفون باستخدامها، والأهم من ذلك، هو عدم النظر إلى الموظف بوصفه مجرد أداة أو ماكينة؛ إنَّه شريك النجاح وأحد الموصلات الجيدة لتحقيق الأهداف، ومن دونه لن تتقدم المؤسسات.
الكاتب: د. علي فتحي
أضف تعليقاً