تساعد العلاجات النفسية على التعافي من هذه الاضطرابات، ولكنَّها لا تصلح في بعض الحالات، فكما يقول الطبيب "ديباك شوبرا" (Deepak Chopra): "ينجح 75% من المصابين بالاضطرابات النفسية في التعافي بالاعتماد على أنفسهم دون تلقِّي المساعدة الطبية".
دور الإبداع في التغلب على الضغوطات النفسية:
الإبداع هو الحل المثالي للتغلب على ضغوطات الحياة والتوتر النفسي المرافق لها.
تزداد مستويات السعادة باطراد مع تنمية القدرات الإبداعية، وهو حل يعتمد على المجهود الشخصي بشكل كامل ولا يحتاج إلى طلب مساعدة المختصين.
يقول الباحث في علم النفس في "جامعة ماكماستر" (McMaster University) "أندرو برينك" (Andrew Brink): "الإبداع هو مضاد الاكتئاب الأساسي في الحياة الإنسانية".
أُجرِيت عدة أبحاث عن الإبداع ودوره في علاج الاضطرابات النفسية، وقد ورد في كتاب "التداوي بالإبداع" (The Creativity Cure) للمؤلفَين "كاري بارون" (Carrie Baron) و"ألتون بارون" (Alton Baron) ما يأتي: "النشاطات الإبداعية ضرورية للصحة النفسية والشعور بالسعادة والرضى في الحياة".
يساعد الإنتاج الإبداعي على زيادة مستويات السعادة وتحسين الصحة وإنتاجية العمل، فضلاً عن دوره في تحديد مصدر المعضلات والنزاعات النفسية الداخلية، وتحسين القدرة على اتِّخاذ القرارات والتخلص من العوائق والتعقيدات، وتفريغ مشاعر التوتر والقلق، فقد لا يتسنى لك أن تتجنب كافة العوائق والمشكلات، لكنَّك ستكون قادراً على التعامل معها بحكمة.
تقول الكاتبة "جوليا كاميرون" (Julia Cameron) مؤلفة كتاب "طريق الفنان" (The Artist’s Way): "الإبداع هو المصدر الأساسي للعنفوان والهمة في الحياة الإنسانية، فضلاً عن دوره في تخفيف التوتر والعصبية، والشفاء من الأمراض بشكل طبيعي عن طريق تفريغ العواطف السلبية الناجمة عن الصدمات، والمآسي، والفقدان، والتغيير، وتنشيط طاقة الجسم وتعزيز القدرة على التفكير الإيجابي".
تشرح المؤلفة "باربرا ديان بيري" (Barbara Diane Barry) في كتابها "الإبداع طريقك للتعامل مع التغيرات الحياتية" (Painting Your Way Out of a Corner) عن حاجة الفرد إلى الإبداع لاجتياز المراحل الانتقالية في الحياة، واكتشاف الخيارات المتاحة للتعامل مع التغييرات، وخوض التجارب الجديدة.
4 فوائد للأعمال الإبداعية:
- تعزيز شعور الرضى والاكتفاء، وزيادة قدرة الفرد على التحكم في حياته وتنظيمها بدل أن يستسلم للظروف وما يحدث معه.
- زيادة قدرة الفرد على الاعتماد على نفسه واستثمار مواهبه وإمكاناته.
- تقديم تجربة مُرضية وممتعة للفرد، إذ ينجم شعور الإنجاز والرضى عن المشاركة الإبداعية بحدِّ ذاتها أكثر من تحقيق النتيجة النهائية من المشروع.
- زيادة الإنتاجية والرغبة بالعطاء ومساعدة الآخرين.
شاهد بالفديو: 6 أمور يحتاجُها الناس لتحسين صحتهم النفسية
الحاجة إلى الإبداع في الوقت الحالي:
لقد سيطرت التكنولوجيا على كافة جوانب الحياة الإنسانية، وأدت إلى تخفيض مستويات الوعي الذاتي، وإعاقة قدرة الفرد على التعبير عن نفسه، والشعور بالرضى والقناعة في حياته.
يحفز العمل الإبداعي على الاندماج والتركيز على الحاضر، في حين يؤدي تلقي التنبيهات المستمرة من الأدوات التكنولوجية المحيطة بالفرد إلى إعاقة قدرته على التركيز، وبناءً على ما سبق، يجب أن يكون استخدام الأدوات التكنولوجية ضمن الحد المسموح بغية الحفاظ على مستوى جيد من التركيز والانتباه.
الفوارق بين الأعمال الإبداعية:
تشمل النشاطات الإبداعية الفنون، والكتابة، والطهي، وغيرها من الأعمال التي تتطلب الذكاء والفطنة.
تزداد فاعلية النشاطات الإبداعية عندما تكون يدوية كما في حالة الرسم والنحت على سبيل المثال، وقد أثبتت الأبحاث العلمية أنَّ استخدام اليدين في إنتاج عمل إبداعي يساعد على تحسين المزاج.
استخدام اليدين هو بمنزلة تمرين لتحسين وظائف الدماغ، فضلاً عن دوره في تفريغ التوتر النفسي، وتحفيز التفكير الإبداعي، والوعي الذاتي، والشعور بالسكينة والاطمئنان، وزيادة القدرة على التركيز والتحمل وتقدير الذات.
استثمار النشاطات الإبداعية في تحسين جودة الحياة:
تحرم بعض الأسباب الفرد من استثمار الفنون الإبداعية في التغلب على الاضطرابات النفسية وتحسين جودة الحياة، ويُذكَر منها جهل الناس لهذه الفوائد.
يعتقد الأطفال أنَّ الإبداع يقتصر على موهبة الرسم، وقد ينجم هذا الاعتقاد الخاطئ في معظم الحالات عن جهل المعلمين والأهالي لطبيعة الإبداع ومراحل تطوره عند الطفل الصغير.
يجتاز الطفل مجموعة من المراحل الطبيعية الواحدة تلو الأخرى في أثناء نموه، وتبدأ بالجلوس ثم الزحف ليتمكن من المشي في نهاية المطاف، فيصدر الطفل أصواتاً عشوائية ثم يهتف بكلمات غير مفهومة قبل أن يتمكن من تكوين جمل مفيدة ويبدأ الكلام.
لن يتمكن الطفل من بلوغ مرحلة معيَّنة قبل أن ينتهي من سابقتها مهما شجَّعه والداه، ولا بد أن يحتاج إلى تلقي جلسات علاج فيزيائي في حال تمكَّن من المشي مباشرةً قبل أن يجتاز مرحلة الزحف.
يحدث الإبداع وفق مراحل متتالية أيضاً، إذ يحتاج الطفل للتعرف إلى المواد الإبداعية، وفهم آلية عملها، واستخدامها مرة تلو أخرى في أثناء اللعب حتى يتقنها في نهاية المطاف.
لا يدعم البالغون الجانب الإبداعي والتعبيري الذي يظهر عند الطفل في أثناء اللعب، بل إنَّهم كثيراً ما يفرضون عليه نشاطات منظمة وهادفة تقوِّض قدراته الإبداعية بسبب نفاذ صبرهم من الفوضى التي يخلفها في أثناء اللعب.
يفقد الطفل نتيجة هذه الممارسات الأبوية ثقته بإمكاناته، ولا يتسنى له أن يكتشف قدراته الإبداعية ما لم يكن موهوباً بالرسم بالفطرة، وقد يصل لمرحلة البلوغ دون أن تُتاح له فرصة اكتشاف قدراته الكامنة بسبب خوفه من تجريبها، فيخشى الفرد عندما يكبر أن يتعرض للانتقاد بسبب الذكريات المؤلمة المرتبطة بالإنتاج الإبداعي في مرحلة الطفولة.
لكل إنسان قدرات إبداعية فطرية تميزه عن غيره، ولكن تتمتع فئة معيَّنة من الأفراد بموهبة فنية تتمثل بالقدرة على الرسم بشكل تلقائي دون تلقي تدريب.
أصبح الرسم معياراً متعارفاً عليه بين الناس لتقييم القدرات الإبداعية، فيرفض معظم البالغين فكرة الاستفادة من الفنون الإبداعية في التعافي من أزماتهم النفسية بسبب تجارب الطفولة المؤذية والانتقادات التي تعرضوا لها في مراحل الطفولة نتيجة رفض المحيط لميولهم الإبداعية وإجبارهم على الرسم الذي لا يتقنونه.
يقول المؤلف والمحاضِر "سير كين روبنسون" (Sir Ken Robinson) الذي قدم خطاب "تيد" (TED) الشهير "هل تقوِّض المدارس القدرات الإبداعية للأطفال؟": "ينجح معظم الأفراد في حياتهم بعد تجاوز القيود التي فُرِضت عليهم في مراحل الدراسة".
تقتضي الخطوة الأولى لتجاوز الذكريات المؤذية التي تعود لمراحل الطفولة، خوض تجارب إبداعية جديدة لم تكن تجرؤ على الإقدام عليها في طفولتك.
يجب أن تكون قادراً على الاستمتاع بالتجربة والاندماج مع المواد الفنية عندما تبدأ باستخدامها، بحيث تطلق العنان لقدراتك الإبداعية دون أن تفكر أو تحلل الوضع.
ذكر المؤلفان "ديفيد كيلي" (David Kelly) و"توم كيلي" (Tom Kelly) في كتابهما "الثقة الإبداعية" (Creative Confidence): "يمكن التخلص من قلة الثقة بالقدرات الإبداعية عن طريق تحقيق النجاحات التدريجية".
حاول أن تستمتع بتجربة اللعب واستخدام المواد والأدوات الخاصة بالفنون قبل أن تبدأ بإنتاج الأعمال الإبداعية، فيساعد إنتاج الفنون التجريدية على زيادة الثقة بالنفس والحدِّ من المقارنات المؤذية مع الآخرين.
تزداد شجاعة الفرد وقدرته على خوض التجارب الجديدة عندما يشعر بالرضى والاكتفاء بعد إنتاج الأعمال الإبداعية.
اكتشاف القدرات الإبداعية:
ثمة ألوان كحولية متوفِّرة في السوق تساعد الفرد البالغ على اكتشاف القدرات الإبداعية المكبوتة منذ مراحل الطفولة، وهي ممتعة جداً، وتساعد على إنتاج الأعمال الإبداعية التجريدية واستعادة شعور الإلهام واكتشاف القدرات الإبداعية الخاصة بالفرد.
أضف تعليقاً