إذا كنت قد عرفتَ شخصاً يُشعرك كلامه وسلوكاته بأنَّ سماً قد دخل في قلبك أو عقلك أو روحك، فقد تعاملت مع شخصيَّةٍ سامّةٍ إذاً. ورغم أنَّه لمن السهل علينا النظر إلى الخارج وتوجيه أصابع الاتهام إلى أشخاصٍ غيرنا؛ بيد أنَّ المشكلة أنَّنا نكون جميعاً أشخاصٌ سامون في لحظةٍ ما من لحظات حياتنا. ولأنَّ السلوكات السامة سلوكات خطيرة تدمر العلاقات والعقول والقلوب والنفوس، يُصبح لزاماً علينا معرفة السلوكات التي تجعل من يقوم بها شخصيةً سامة. فتابع معنا عزيزي القارئ قراءة قادم سطور هذا المقال لكي تتعرف عليها.
السلوكيّات السّامة:
غالباً ما تنبع السلوكات السامّة من أذىً نفسيٍّ بالغ؛ فقد تكون في بعض الأحيان نتيجة إساءةٍ تعرّض إليها الشخص في مراحل الطفولة، أو صدمةٍ نفسيّة نتج عنها آليات تكيّفٍ ضارّة. كما قد تكون في حالاتٍ أخرى ضرباً من الأنانية وعدم الاكتراث بمشاعر الآخرين، ونتيجة أمراضٍ نفسيّةٍ أحياناً.
لكن وبغض النظر عن منشئها، توجد بعض السلوكات السّامة الرئيسة التي قد تعكّر صفو صداقاتك وعلاقاتك وحياتك. وسواءٌ أَكنتَ تعاني من تبعاتِ علاقةٍ سامّة، أو تتساءل عما إذا كنت أنت ذاك الشخص الذي يُسمّم حياة الآخرين؛ إليك بعض السلوكات التي يجب أن تحترس منها.
1. القسوة واللؤم:
الرغبة المتعمّدة في إلحاق الأذى بشخصٍ أو مخلوقٍ آخر هو السلوك الأكثر وضوحاً الذي قد يُظهره الشخص السّام، وعندما يختار أحدهم استخدام كلماته وأفعاله لتدمير أو إلحاق الضرر بشخصٍ آخر دون أدنى شعورٍ بالنّدم فهو يمتلك حينئذٍ ميولاً ساديّة؛ وهذا أسوأ بكثيرٍ من الشخصية السّامة.
والساديّ هو من يتلذّذ بآلام ومعاناة الآخرين، وفي حين يعاني عددٌ قليل من الناس من الساديّة الإجراميّة؛ فقد كشفت دراساتٌ حديثةٌ مستوياتٍ متباينةٍ من الساديّة التي يمارسها الناس يومياً، إذ كتبت الدكتورة "إرين باكلس" في دراستها الأخيرة حول درجات السادية: "تُظهِر النتائج التي توصلنا إليها أنَّه يجب التسليم بوجود ميول سادية عند الأشخاص غير المتزنين. هؤلاء ليسوا قتلة متسللين أو منحرفين جنسياً بالضرورة، لكنَّهم يتلذذون في التسبب في معاناة الآخرين أو في مجرد مشاهدتهم وهم يعانون".
يستمتع الأشخاص السامون بالتسبب في درجةٍ من درجات الألم والانزعاج لمن حولهم. وقد يتجاوز هذا النوعُ من السلوكاتِ الأنانيّة القسوةَ المتعمَّدة والرغبة في إيذاء شخصٍ آخر أو حرمانه من شيءٍ جيّد. قد يتجلّى ذلك في زوجٍ يستمتع بضرب زوجته، أو والدٍ يُحطِّمُ لعبة طفله المفضلة لا لشيءٍ سوى النظر إليه وهو يبكي. وفي حين أنَّ الساديّة هي أسوأ أنواع السلوكات السّامة، إلا أنّ هناك عدداً من السلوكات الأقلّ وضوحاً قد تؤثّر سلباً على علاقاتك وصحتك العاطفية.
2. الأنانيّة:
الأنانيّة هي وضع المرء مصلحته فوق مصلحة الآخرين، حتى وإن كانت باهظة التكلفة بالنسبة إليهم. صحيحٌ أنَّنا نرغب جميعاً في الحصول على أجود الأشياء وعيش أفضل التجارب، لكن عندما تؤدي تكلفة الحصول على شيءٍ نريده إلى إلحاق الضرر بشخصٍ أو علاقةٍ ما، فإنَّها تندرج حينئذٍ تحت مسمى السلوكات السّامة.
وفي حين قد تكون الأنانيّة خفيّةً في بعض الأحيان، تكون واضحةً وضوحاً صارخاً في أحيانٍ أخرى؛ فالتصرفات التي نتجاهل تأثيراتها على الآخرين هي تصرفات أنانية يمكن أن تؤدي إلى تدهور العلاقة وخلق بيئةٍ سامّةٍ لكلا الشريكين في حال تكررت. لذا إن فضَّلَ الشريك أو أصدقاؤك مصالحهم على مصلحتك بصورةٍ دائمة، فقد يكون الوقت قد حان لتفكّر فيما إذا كانت علاقتك وإيَّاهم سامّةً أم لا.
إنَّه لمن الممكن معالجة معظم حالات الأنانية، كما يمكن أن يتعلّم الناس ألا يكونوا أنانيين؛ وذلك من خلال تعليمهم تقديرَ احتياجات الآخرين ومشاعرهم، حتى وإن عنى هذا وضع احتياجاتهم ورغباتهم الشخصيّة جانباً. كما سيتعلّمون مع الممارسة كيف يستمتعون بتلبية احتياجاتهم الخاصة جنباً إلى جنب مع احتياجات الآخرين.
3. الكذب:
الكذب هو سمةٌ مشتركةٌ لدى بعض الناس السامّين الذين يستخدمونه كوسيلةٍ للحصول على شيءٍ يريدونه، أو للتهرّب من عواقب أفعالهم، أو محاولة الظهور بمظهرٍ أفضل مما هم عليه حقيقةً. وسواءٌ أكانَ القصد من وراء الكذب أهدافاً نبيلةً أم خبيثة، فإنَّه يؤدي حتماً إلى تدهور العلاقات وفقدان الثقة فيها؛ إذ تتصدع الأسس الحقيقية للعلاقات إن كذب المرء باستمرار، أو اختلق أعذاراً أو اتخذ من المبالغة والتهويل نهجاً.
لكن ما هي أشكال الكذب؟ تُجيب المؤلفة وخبيرة العلاقات الأسرية دارلين لانسر عن هذا قائلة: "يشتمل الخداع على إدلاء أقوالٍ غامضة ومبهمة، أو إخبارِ أنصاف الحقائق والتلاعب بالمعلومات؛ وذلك عبرَ التأكيد على الأقوال أو المبالغة فيها أو التقليل من أهميتها، أو إخفاء المعلومات التي يحقُّ للطرف الآخر أن يعلم بها".
لذا نجد من هذا المنطلق أنَّ الكذب في حقيقته شكلٌ من أشكال السيطرة على طرفٍ آخر عبر إخباره معلوماتٍ زائفةٍ مُضلِّلة؛ مما يؤدي إلى عدم تمكُّنِه من اتخاذ قرارات مستنيرة.
يضرُّ الكذب بطرفَي أيِّ علاقةٍ كانت؛ فقد يبدأ الكاذب في تجنّب الشخص الذي يخدعه خوفاً من أن يُكشف. وبطبيعة الحال، إذا كان لدينا ما نُخفيه، نبدأ بالشعور بالذنب حيال ذلك. ومن أجل تجنُّبِ هذه المشاعر تحديداً، يُصبح الشخص الكذوب مشتتاً أو مشغولاً بشكلٍ متزايد، وتزداد تأثيرات كذبه مع مرور الوقت، وتزيد حياته تعقيداً وتدمِّرُ علاقاته وتضرَّ بأعزِّ الناس إلى قلبه.
وتضيف دارلين إلى أنّه قد يعاني الشخص المخدوع أيضاً: "قد يستجيب المخدوع إلى مثل تلك السلوكات من خلال الشعور بالارتباك أو القلق أو الغضب أو بأنَّه قد تمّ التخلّي عنه. كما قد يشك في نفسه وتقل درجة احترام الذات لديه. وإن كانت العلاقة حميميةً أو هامّة، يكون لذلك تداعياتٌ مدمّرة، وغالباً ما يحتاج ضحايا الكذب حينئذٍ إلى تلقّي مشورةٍ من أحد أخصائي الصحّة النفسيّة للتعافي من فقدان الثقة، ورفع درجة تقديرهم لذواتهم".
4. التلاعب وحب السيطرة:
يُعدُّ الكذب على أحدهم وسيلةً للسيطرة عليه؛ إذ تُشَوِّه المعلومات المُحرَّفة أو المحجوبة أو المُبَالَغ فيها الواقعَ وتتيح للشخص السيطرة على العلاقة، وتُشعِرُ "المُسَيطَر عليه" بأنَّه خاضعٌ لا قيمة له، وبلا حولٍ ولا قوّة.
كتبت الدكتورة "أندريا بونيور" في مقالها الذي يتحدث عن "سلوكات السيطرة ضمن العلاقات" قائلة: "غالباً ما يجد الشريك "المُسَيطِر" وسيلةً لاستخدامكَ كسلاحٍ ضد نفسك عبر زرع بذور الشكّ في نفسك -كأن تَشُكَّ إن كنت موهوباً أو ذكياً أو مجتهداً بما يكفي لتحقيق أشياء جيدة في حياتك- ويحرمك من استقلاليتك ويجعلك خاضعاً له وأكثر عرضةً للتلاعب".
لكن لماذا يسعى الناس إلى السيطرة على الآخرين؟ إنَّه لمن الصعب معرفة هذا؛ فقد تُسهِم عدّة عوامل في حدوث سلوكات السيطرة، مثل انعدام الثقة في النفس والغيرة وسوء المعاملة في الماضي وسوء استراتيجيات المواجهة.
يمكن للناس السيطرة على الآخرين عن قصدٍ أو دون قصدٍ منهم، لقد تصرّف الكثيرون منّا بهذا الأسلوب من وقتٍ إلى آخر كي نحصل على ما نريد، لكن يمكن أن يتسبّب لنا صديقٌ أو شريكٌ "مُسَيطِرٌ" بضررٍ كبيرٍ مع مرور الزمن.
كما ويمكن أن تتجلى بعض سلوكات السيطرة على العلاقات في التهديد والوعيد وتسجيل نقاط عقيمة وكَيلِ الاتهامات وعدم احترام وقت الشخص الآخر. لكن أيَّا كان السلوك، فالشخص "المُسيطِر" يكتسب سطوته تدريجياً، ويفقد "المُسيطَر عليه" زمام أموره.
5. ردود أفعالٍ سامة:
يحدث في كثيرٍ من الأحيان أن تزيد ردود أفعالنا الأمر سوءاً إزاء التعرّض للأذى، تقول أخصائية العلاج النفسي "آمي تاتسومي": "ما تشعر به من سوءٍ إزاء السلوكات السّامة هو ردُّ فعلٍ من قبلِكَ تجاهها. قد تتضمن ردود أفعالك تلك التراجع أو الذهول أو التأخّر في استيعاب الموقف. يحدث هذا غالباً عندما يتم تجاوز الحدود ونتخلى عن قيمنا؛ فنتصرّف تصرفاتٍ لم نعتد على القيام بها، ونمنح الآخرين سلطةً غير مبررة. أو نبدأ في التصرّف بشكلٍ يسيء لأنفسنا، كأن نتخذ موقفاً دفاعياً أو نتصرّف بعدوانية أو نشعر بالارتباك والقهر".
عندما نتصرّف بشكلٍ دفاعيٍّ مثلاً، نشعر وكأنَّنا نحمي أنفسنا من هجومٍ نتعرّض له؛ وهو ما لن يُجدي نفعاً على المدى الطويل، وغالباً ما ينتج عنه مزيدٌ من المشكلات؛ فما من منتصرٍ في معركةِ إلقاءِ اللوم.
إنَّ خوض علاقةٍ سامّةٍ مع أحدهم أمرٌ صعبٌ للغاية، لذا تعلّم كيف تتعامل مع السلوكات السّامة بطريقةٍ صحيّة؛ فمن شأن الاستجابة بردودٍ تَنُمّ عن درجةٍ عاليةٍ من ضبط النفس أن تحافظ على كرامتك وتمنحك المساحة التي تحتاجها لاتخاذ قراراتٍ جيدة تحميك من أذاهم.
أضف تعليقاً