طوال السنوات القليلة الماضية، لوحظ وجود أشخاص يتحدثون كثيراً عن أهمية العمل الجماعي والتعاون وبناء فريق عمل؛ لذلك أصبحت تصاميم المكاتب المفتوحة هي الأساس، وازدادت شعبية أدوات إنتاجية الفريق من برامج وتطبيقات وأدوات تكنولوجية جديدة مختلفة ومتنوعة.
يرى بعض الأشخاص أنَّ هذا التركيز على فريق العمل بدعة عابرة أو فكرة رائجة (Trend) أو وسيلة لخفض النفقات العامة وسوف تختفي قريباً، لكن هناك مجموعة كبرى من الأبحاث تؤكد أنَّه عندما يعمل الناس معاً بذكاء، يمكن الوصول إلى الطاقة التي تعزز الإبداع والإنتاجية والمشاركة والتواصل والكفاءة.
يقول "جون جيه مورفي" (John J. Murphy)، المتخصص في تطوير الأعمال ومؤلف كتاب "معاً: 10 قواعد للعمل الجماعي عالي الأداء": "يتمتع كل فرد بمواهب وقدرات ومهارات فريدة، وعندما نطرحها على الطاولة ونتشاركها لغرض مشترك، يمكن للشركات أن تمنح ميزة تنافسية حقيقية". يضيف "مورفي" أنَّ العمل الجماعي ضروري لنجاح الشركة، وقد نتفق مع ذلك؛ ولكن كيف يمكننا إثباته؟
تُظهِر مجموعات من الدراسات الحديثة أنَّ أعضاء الفريق أنفسهم يستفيدون بقدر استفادة الشركات التي يعملون بها من ميزات العمل في فريق؛ ففي عام 2020، أصدرت مجلة (The Journal American Psychologist) عدداً خاصاً تحت عنوان "علم العمل الجماعي" - وهو عدد كامل مخصص لعلم نفس التعاون - مليء بالأدلة التي تثبت أنَّ العمل في فريق يمكن أن يجعلك أكثر ذكاءً وإبداعاً ونجاحاً.
إنَّه لمن المحتمل أنَّك سمعت المقولة: "الكل أكبر من مجموع أجزائه"، التي تُنسب للفيلسوف اليوناني "أرسطو"؛ لم يكن "أرسطو" يشير إلى العمل الجماعي، لكنَّ المقولة تُعبر بصدق عن الهدف الرئيس لبناء فريق عظيم؛ إذ يمكن للفريق أن يحقق أكثر بكثير من أي فرد يعمل وحده. هذا واضح، ولكن عند العمل ضمن فريق، يجب أن يكون الفريق قادراً على تحقيق إنجازات أكثر بكثير من تلك التي يحققها الأعضاء الذين يعملون وحدهم.
قد يتبادر إلى ذهننا تعارضاً مع ذلك، ولسان حالنا يقول: "هذا الكلام النظري الجميل عن فريق العمل لا ينجح دائماً"، وقد يقول قائل: "لقد مررنا بتجارب عمل ضمن فريق في فترة من فترات حياتنا، ربما في المدرسة أو الجامعة أو في مكان العمل أو حتى في الحي الذي نسكنه أو مؤسسات العمل الاجتماعي التي ساهمنا فيها بصفتنا متطوعين أو متعاونين، لم ينجح العمل الجماعي كما توقعناه".
انتبه؛ يتطلب الأمر أكثر من عقول لامعة لتحقيقِ هدفٍ ما، خاصةً أنَّ المشكلات التي نحاول حلها أصبحت معقدةً جداً، فلا يوجد شخص واحد لديه كل المعلومات ضمن السياق والمهارات اللازمة؛ لذا يتطلب الأمر فريقاً لكي تظهر الأفكار الرائعة على أرض الواقع.
لا يمكنك وضع مجموعة من الأشخاص في غرفة وتوقُّع حدوث المعجزات؛ إذ يتطلب الأمر الاستفادة من المواهب والعقول النيرة المتنوعة لأعضاء الفريق، مع وجود هدف مشترك واضح، وتعاون فعَّال. هذه الأُسس وغيرها هي ما يساعد الفريق على النمو والنجاح؛ وعندما ينمو الفريق ويتعلم، فإنَّ ذلك يعني أيضاً قدرة الشركة على النجاح، الذي يؤدي بدوره إلى أن تكون مرنة وخلاقة وتعطي قيمة للعملاء.
دعونا نتوقف عند قصة نجاح لفرق العمل في مجال الضيافة، وهو مجال حساس ويحتاج إلى دقة في الملاحظة والتنفيذ:
فنادق فور سيزون والكرواسون الطازج:
شارك "ستيف وين" (Steve Wynn) - مؤسس (Wynn Resort & Casino) - قصة فريق عمل مبدع ومتميز خلال إجازة عائلته في باريس؛ حيث كانوا يقيمون في فندق "فور سيزون" وطلبوا الإفطار في غرفتهم بدلاً من تناوله مع بقية نزلاء الفندق. لم تأكل ابنته سوى نصف قطعة من كرواسون، وتركت النصف الآخر لوقت لاحق في الغرفة.
غادر "ستيف" وعائلته الفندق لاستكشاف "باريس"، وعند عودتهم إلى غرفة الفندق، اختفت القطعة. شعرت ابنته بخيبة أمل، وافترض الجميع أنَّ فريق الضيافة والتنظيف في الفندق قد تخلص منها. ولكنَّهم تلقَّوا اتصالاً هاتفياً ورسالة من مكتب الاستقبال؛ وكان فحوى الرسالة: "معذرةً؛ فقد أزال فريق الضيافة نصف قطعة من الكرواسون، لا شك أنَّكم تفضلون المعجنات الطازجة عند الوصول؛ لذا اتفق مكتب الاستقبال وفريق الضيافة بالمطبخ على وضع الكرواسون جانباً، وأبلغنا خدمة الغرف أنَّه عند وصول الضيوف في الغرفة، يجب أن يقدِّموا معجنات طازجة بديلة عن قطعة الكرواسون الذي أُخِذَت".
كان مستوى العمل الجماعي والتواصل بين الأقسام المختلفة في الفندق ساحراً جداً. فهِم المشاركون جميعهم النتيجة النهائية؛ أي رضى العملاء، وتقبَّل الجميع دورهم في جعل التجربة رائعة. هذه القصة توضح أنَّه من أجل تحقيق الرضى على المستويات المختلفة داخل المنظمة، يجب تمكين الموظفين ليكونوا مبدعين وكرماء أيضاً.
دراسة شركة "غوغل" (Google) عن فرق العمل:
بعد سنوات من التحليل المكثف، تكتشف شركة "غوغل" (Google) مفتاح النجاح في فرق العمل. ففي العقد الماضي، أنفقت ملايين الدولارات على قياس كل جانب من جوانب حياة موظفيها تقريباً؛ بدءاً من البحث عن أفضل السمات في المديرين، وصولاً إلى عدد المرات التي يأكل فيها أفراد معينون معاً، محاولة في ذلك استكشاف كل شيء، فقد كان عملاق التكنولوجيا مصمماً على اكتشاف كيفية تجميع "الفريق المثالي".
عمل المسؤولون التنفيذيون في الشركة بحرص شديد لإيجاد المزيج المثالي من الأفراد الضروريين لتشكيل فريق عمل ممتاز، وكانوا يظنون أنَّ بناء فرق جيدة يعني الجمع بين أفضل الأشخاص؛ لكنَّ الأمر لم يكن بهذه السهولة.
في عام 2012، أدارت شركة "غوغل" (Google) مشروعاً يُعرَف باسم "مشروع أرسطو" (Project Aristotle)، استغرق الأمر سنوات عدة وشمل مقابلات مع مئات الموظفين وتحليل البيانات عن الأشخاص في أكثر من 100 فريق نشط في الشركة.
وقد عبر عن ذلك "أبير دوبي" (Abeer Dubey)، مدير قسم تحليل الشخصيات في شركة "غوغل" (Google) بقوله: لقد "عملنا مع 180 فريقاً من جميع أنحاء الشركة، كان لدينا الكثير من البيانات، ولكن لم يكن هناك ما يدل على أنَّ مزيجاً من أنواع الشخصية أو المهارات أو الخلفيات المحددة أحدثت أي فرق. يبدو أنَّ "شخصيات أعضاء الفريق" ليست جزءاً هاماً من معادلة نجاح الفريق".
أدى جمع البيانات المكثف من شركة "غوغل" (Google) إلى الاستنتاجات نفسها التي لطالما عرفها القادة الجيدون: ففي أفضل فرق العلم، يُظهر أعضاء الفريق الاهتمام، والأهم من ذلك، يُشاطرون مهارة الاستماع والتعاطف.
كان "مات ساكاغوتشي" (Matt Sakaguchi)، مدير من الإدارة الوسطى في شركة "غوغل" (Google)، حريصاً على وضع نتائج "مشروع أرسطو" موضع التنفيذ. أخذ فريقه خارج موقع الشركة للتحدث عن تشخيص إصابته بالسرطان. على الرغم من الصمت الذي ساد المكان في البداية، إلا أنَّ زملاءه بعد ذلك بدؤوا بمشاركة قصصهم الشخصية.
بالرجوع إلى استراتيجية "ساكاغوتشي" التي استعملها مع فريقه، والنتائج التي توصلت إليها شركة "غوغل" (Google) تبيَّن أنَّ سر النجاح هو مفهوم "الأمان النفسي"؛ إذ يُعرَّف بأنَّه "اعتقاد مشترك بأنَّ الفريق آمن لمواجهة المخاطر الشخصية، والقدرة على التعبير عن مخاوفه وأخطائه دون خوف من العقاب أو الفصل أو حتى الاستهزاء".
تصف شركة "غوغل" (Google) الأمان النفسي بأنَّه عامل هام جداً في بناء فريق ناجح. وانتهى الأمر بها إلى تسليط الضوء على ما عرفه القادة في عالم الأعمال لفترة من الوقت: تدرك أفضل الفرق أنَّه يجب على جميع الأعضاء المساهمة في المحادثة على قدم المساواة، واحترام مشاعر بعضهم بعضاً؛ فمعرفة مَن هم أعضاء الفريق أقل أهمية مِن معرفة كيفية تفاعلهم مع بعضهم بعضاً، التي تشكل جوهر الفريق.
يساعد العمل الجماعي على تحسين الإنتاجية وتحقيق نتائج أعمال جيدة، وقد ثبت ذلك علمياً، وهنا نحن نستعرض مجموعة حقائق مثبتة علمياً:
العمل في فريق يلهم الناس للعمل بجدية:
لقد وجد العلماء أنَّ أعضاء الفريق في الواقع يحفزون بعضهم بعضاً ليكونوا منتجين جداً. يمكننا تفسير ذلك كما يأتي: الأعضاء يشعرون بضغط مجتمعي لأداء وإنجاز الأشياء، وخاصة عندما يكونون محاطين بأشخاص آخرين، لكنَّ هذا ليس كل شيء؛ فهناك نموذج نظري رائع يشرح بالضبط سبب فائدة العمل الجماعي للشركات؛ إنَّه بمنزلة خارطة طريق مفيدة لفهم أدوار أعضاء الفريق، وخصائصهم النفسية، ونقاط القوة والضعف في أثناء المشروع.
يسمى النموذج (Z-Process) - الذي تراه في الصورة أدناه - لتحقيق أفضل النتائج، من الهام تحديد الأدوار داخل الفريق وإدارتها وفقاً لذلك، وتعيين المهام المناسبة إلى الأشخاص المناسبين.
أدوار الفريق هامة جداً:
حتى مع كل الكفاءات اللازمة، فإنَّ القيام بكل العمل من خلال شخص واحد يمكن أن يكون صعباً جداً. قد يكون ذلك الشخص مبدعاً وماهراً ولكنَّه قد يواجه صعوبة في التعامل مع التفاصيل الدقيقة، أو قد يكون رائعاً في التفاصيل الدقيقة ولكنَّه يعاني من ندرة الأفكار الإبداعية الجديدة. في كلتا الحالتين، وجود فريق يساهم في سد الثغرات وتوزيع الأعباء. وإليك النموذج التالي في فهم المسؤوليات وتوزيعها:
- "المبُدِع" (Creator): يأتي بالأفكار الجديدة الأصيلة، ويقدم الحلول غير الاعتيادية، ويرى الصورة الكبرى للفريق.
- "المُطوِّر" (Advancer): يستطيع معرفة وتسويق الأفكار المميزة، ولديه القدرة على تطوير الأفكار تطويراً مبدعاً.
- "المرِن" (Flexer): يستطيع نقد الأفكار القائمة وتحليلها، وكذلك رؤية التحديات المحتملة فيها.
- "المُنتَقي" (Refiner): يستطيع وضع الأساس المناسب لبدء العمل ومتابعة عملية التنفيذ حتى نهايتها.
- "المُنفِّذ" (Executer): يقود عملية توزيع الأدوار والمسؤوليات للأشخاص المناسبين.
الدرس المستفاد هو: استفد من قوة أعضاء فريقك؛ أي يجب أن تضع هذا النموذج في الحسبان عند إدارتك للفريق، وعندها ستلاحظ تحسُّناً في جودة المخرجات التي ينتجها الفريق، ومنها:
1. العمل في فرق يرفع معنويات الموظفين ويحفِّزهم:
قد نسمع بعض الجمل عندما نعمل في فريق: "نحن في هذا معاً"، أو "حالنا واحدة؛ فلا تقلق"، أو بلغة محلية محكية: "كلنا في الهوا سوا"؛ تصف هذه الجمل السهلة إحدى فوائد العمل في فريق؛ وهي زيادة الرضى العام في العمل.
نحن كائنات اجتماعية ومع حقيقة أنَّ بعضنا يفضل العمل وحده، فإنَّنا نستمتع بمشاركة الخبرات مع الآخرين. وفقاً للعلم، نحن مرتبطون بيولوجياً ونفسياً بالشعور بالتحسن والعمل الجيد في فريق وليس وحدنا، وتتعدد مزايا العمل الجماعي في هذا الصدد؛ وإليك بعضها:
- الطاقة الاجتماعية: عندما نشعر بالتعب أو الإرهاق، يمكن لزملائنا في الفريق تزويدنا بدفعة إضافية من الطاقة التي نحتاج إلى تعزيزها.
- المشاركة الفعّالة: تعمل مشاركة النجاح على تحسين دافع الفريق، بينما تجعلنا مشاركتنا مع الفريق للإخفاقات والأحداث المؤسفة أقل عرضة للكآبة، وتُمكِّننا من التوصل إلى حلول للتغلب عليها.
- الشعور بالملكية: بصفتنا جزءاً من فريق، لدينا مستوىً عالٍ من السيطرة على القرارات، الذي يمكن أن يؤدي إلى شعور كبير بملكية المشروع والاعتراف العام.
- الانتماء: العمل ضمن فريق يضيف الشعور بالانتماء؛ فعندما يكون الموظفون جزءاً من هدف مشترك، فإنَّهم يشعرون بأنَّهم مرتبطون جداً بالشركة، ومن ثمَّ فخورون بعملهم.
- بيئة عمل مشجعة: إنَّ فائدة العمل الجماعي المُدار إدارة جيدة، هي بيئة عمل مجزية جداً؛ وهذا يؤدي إلى تحسين الولاء للشركة والاحتفاظ بالموظفين وتقليل معدل دوران الموظفين؛ باختصار، هي كل الأشياء الإيجابية لأي عمل تجاري، فالشعور بالانتماء للمجتمع هو مفتاح العمل الجماعي الجيد.
2. عندما نعمل معاً؛ نتعلم بسرعة:
عند تكوين فريق من الأشخاص معاً، هناك فرصة كبرى لتحقيق إنجازات كبرى؛ وذلك لأنَّه سيتألف من أشخاص من مختلف الأعمار، والخلفيات والمهارات والخبرات. ومع وجود بعض التحديات في سد الفجوات بين هذه الاختلافات، فإنَّ ثراء المعرفة المشتركة يتجاوزها بكثير؛ هذا يعني فرصة مستمرة للناس للتعلم من بعضهم بعضاً مهنياً وشخصياً.
مزايا العمل الجماعي من حيث التعلم ونقل المعرفة:
- يمكن لأعضاء الفريق الجدد أن يتعلموا الأمور ويصبحوا منتجين بسرعة إذا كان لديهم مرشد بدلاً من تعلُّم الأمور وحدهم.
- تتاح لأعضاء الفريق فرصة للتعرف إلى أساليب التواصل المختلفة. هذه المهارة يمكن استثمارها في الفريق عند التعامل مع العملاء أو مع الفرق أو الأقسام الأخرى.
- يمكن للموظفين الذين يعملون في فريق واحد أن يتعلموا أيضاً من خلال مراقبة زملائهم في العمل، الذي يطلق عليه "التدريب بالمحاكاة" (On-the-Job-Training)، الذي يؤدي إلى التقليل من الوقت المخصص للتدريب التقليدي في "الفصول التدريبية" (Class Training).
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث إلى أنَّ أدمغتنا تعمل عملاً أفضل عندما نمارس العمل الجماعي، ممارسة قابلة للقياس.
تظهر الأبحاث، على سبيل المثال، أنَّ الاستماع والمشاركة في محادثة بين شخصين هو في الواقع أقل إرهاقاً ذهنياً للدماغ من الاستماع لمونولوج. وتظهر دراسات أخرى أنَّ الأطفال يتعلمون تعلُّماً أفضل من خلال التفاعل مع الآخرين بدلاً من الملاحظة.
3. العمل الجماعي يخفف التوتر في الفريق ويزيد من سعادة أعضائه:
يعاني الموظفون الذين يعملون معاً من انخفاض مستويات التوتر؛ وذلك لأنَّهم يشاركون عبء العمل - بشرط ألا يكونوا جزءاً من فريق ضعيف -، فالموظفون الذين يعملون معاً، على الأمد الطويل، يعانون من انخفاض مستويات التوتر؛ وذلك لأنَّهم يشاركون عبء العمل؛ لذا يمكن للموظف الذي يتعامل مع عبء العمل الثقيل وحده أن يصبح مرهقاً؛ وهذا قد يؤدي إلى التوتر.
إلى جانب العمل لساعات طويلة، هناك عوامل نفسية تؤدي دوراً أيضاً؛ فمن السهل بدء عمل متعدد المهام أو كثير المهام إذا كان هناك أشخاص عدة يتشاركون ويتحمَّلون العبء معاً. ويكمن السر في توزيع المهام والمسؤوليات؛ إذ يرى جميع أعضاء الفريق أنَّ المهمة أصبحت سهلة جداً.
عندما استطلعت مجموعة من المتخصصين آراء أكثر من 1000 من أعضاء الفِرق في مجالات عمل مختلفة، وجدت أنَّه عندما تُقدَّم الملاحظات الصادقة، ويُتبادَل الاحترام، ويُمارَس الانفتاح الشخصي، يشعر أعضاء الفريق بالرفاهية بنسبة 80%.
إنَّ وجود موظفين سعداء هو هدف جدير بالاهتمام في حد ذاته، كما أنّ الشركة تستفيد من ذلك أيضاً؛ إذ تشير الأبحاث من جامعة "وارويك" في "إنجلترا" إلى أنَّ الموظفين السعداء منتجون بنسبة تصل إلى 20% من الموظفين غير الراضين.
يساعد العمل في فريق في مجال الصحة العقلية أيضاً، ومن ذلك أنَّ أعضاء الفريق يعينون بعضهم بعضاً، ويساهمون في إنجاز المسؤوليات العائلية مساهمة غير مباشرة؛ فكلما كان عليك اصطحاب الأطفال إلى المدرسة، أو الذهاب إلى موعد طبيب الأسنان، أو إذا احتجت فقط إلى ساعة راحة، يمكن لفريقك أن يقوم بإنجاز بعض أعمالك. ينتج عن ذلك جدول عمل مرن جداً وراحة ذهنية؛ وذلك لأنَّ حياتك الشخصية لن تتأثر سلباً بأعباء العمل.
4. العمل معاً يحسن خدمة العملاء:
إذا كان عمل الفريق يرتكز على خدمة العملاء ارتكازاً أساسياً، فلا يمكن تفويت ميزة العمل ضمن فريق؛ إذ يميل الناس إلى تجنب الشركات التي يكون الموظفون فيها غير سعداء، وفي أغلب الأحيان يكون هذا الاستياء متجذراً بسبب ضعف فريق العمل؛ وذلك لأنَّ فريق العمل السعيد سيكون مُرحِّباً وإيجابياً تجاه العملاء أكثر من غير السعيد.
لماذا تستطيع الفرق التي أتقنت التعاون التعامل مع طلبات العملاء تعاملاً أفضل؟
- يمكن لأعضاء الفريق مشاركة خبراتهم وتطبيق أفضل الممارسات؛ وهذا يجعل خدمة العملاء أفضل.
- عندما يتعلق الأمر بحل المشكلات، فإنَّ فريق العمل يستطيع إيجاد حلول مبتكرة من خلال مجموعة كبرى من الحلول التي يقدمها الفريق. قد لا يأتي شخص واحد بحل مثالي، ولكنَّ الفريق يفعل ذلك.
- ستكون الخدمة التي يتلقاها العميل جيدة جداً؛ وذلك لأنَّ أعضاء الفريق يتواصلون بفاعلية، ومتناغمون فيما يتعلق بأهداف الشركة وقيمها.
- لأنَّ خدمة العملاء عمل مرتبط بالوقت، فإنَّ الاستجابات السريعة لها أهمية جوهرية؛ إذ يمكن لمجموعة من الأشخاص تسريع عمليات التجاوب مع العملاء، وهذا يجعلها أكثر كفاءة وسرعة.
إذا كان الفريق يتمتع بطاقة جيدة -من خلال التشجيع المتبادل والاستماع والتعاطف- فسيشعر بتوتر أقل، كما يقول "مورفي" (Murphy): "تُظهِر الدراسات أنَّ التوتر يجعلنا أغبياء، ويقودنا إلى ارتكاب مزيدٍ من الأخطاء". والعكس صحيح أيضاً: عندما يشعر الفريق بأنَّه أقل إرهاقاً، سيرتكب أخطاء أقل، وهذا أمر يستحق أن يُوضع في الحسبان، خاصة إذا كنت واحداً من 61% من الموظفين الذين يعدُّون العمل مصدراً هاماً للتوتر.
توزيع العمل في الفريق يساهم في تنمية مهارات أعضائه الذاتية:
لا يختلف فريق العمل في مكان العمل عن فريق كرة القدم؛ فعندما يتفوق اللاعبون في تأدية المهام الفردية بجدارة، يكون للفريق فرصة أفضل للفوز. وخارج الملعب، أصبحت هذه الفكرة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
يقول "ويجرت" (Wigert): "إنَّ التغييرات في التكنولوجيا وزيادة العولمة تعني أنَّ المؤسسات تواجه مشكلات معقدة جداً لدرجة أنَّ فرداً واحداً لا يمكنه امتلاك كل المعرفة اللازمة لحلها"، بينما يؤكد "مورفي" (Murphy) الحقيقة الآتية: "عندما يستعمل أعضاء الفريق مهاراتهم الفريدة للتألق في أدوارهم الخاصة، فإنَّ ذلك يجعل بيئة العمل قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون الذي يفيد المجموعة بأكملها".
إضافة إلى ذلك، لدينا جميعاً –بصفتنا أعضاء في فريق– نقاط سلبية لا ندركها ونقاط قوة لا نستثمرها، التي يمكن أن تُكشف من خلال ردود أفعال أعضاء الفريق. وفي هذا الصدد يشير "ماك دانيل" (McDaniel): "إنَّ التعرف إلى نقاط القوة هذه ومعالجة نقاط الضعف، يمكن أن يجعلك عضواً جيداً في الفريق، وحتى شخصاً أفضل". ربما من خلال العمل في فريق سوف يكتشف أحد الأعضاء أنَّه يمكنه أن يكون مستمعاً أفضل. لاحقاً، هذه مهارة يمكنه تطويرها، وتطبيقها واستثمارها مع العائلة، وستؤثر إيجاباً في علاقاته الأسرية.
5. التقدير المتبادل من أعضاء الفريق الآخرين يحسن الإنتاجية ويزيد الرغبة في أخذ المخاطرة في العمل:
يمكن أن يؤدي الحصول على تَرْبِيْتَة من قائد الفريق أو الرئيس إلى تحفيز الموظف، ولكن إليك المفاجأة؛ إنَّ تلقِّي كلمات التقدير والثناء من أحد أعضاء الفريق قد يكون أكثر فاعلية من تَرْبِيْتَة القائد. فقد أوضح استطلاع للرأي عن "مشاركة الموظفين والثقافة التنظيمية" عام 2014، شارك فيه أكثر من 200,000 موظف؛ أنَّ احترام المشاركين لأقرانهم هو السبب الأول الذي يدفعهم إلى بذل جهد إضافي في العمل.
والأهم من ذلك عندما يعمل عضو ضمن فريق عمل جيد، فإنَّه يعلم أنَّ لديه دعم المجموعة بأكملها للرجوع إليها في حالة الفشل أو الخطأ. ويسمح هذا الأمان للفرق بأخذ نوع من المخاطرة التي تخلق حالة من تدفق الأفكار، مع ملاحظة هامة في عدد المشاركين؛ إذ يقترح بحث حديث في مجلة (Nature)، أنَّ في أغلب الأحيان تأتي الأفكار الجريئة من فِرق ذات أعداد قليلة؛ ربما السبب في ذلك أنَّ الفِرق ذات العدد الكبير تجادل أكثر، وهذا قد يعوق خروج الأفكار الجريئة إلى العلن ناهيك عن تنفيذها.
إضافة إلى ذلك، اكتشف باحثون في (Wharton Business School) أيضاً أنَّ الفريق الصغير هو سر النجاح: فقد وجدوا أنَّ الفرق المكونة من شخصين استغرقت 36 دقيقة لبناء شخصية في لعبة "ليغو" (Lego) بينما استغرقت الفرق المكونة من أربعة أشخاص 52 دقيقة للعمل ذاته؛ بفارق تجاوز أكثر من 44%.
لا يوجد عدد معين لأعضاء الفريق المثالي، ولكن ضع في حسبانك اتباع قاعدة البيتزا الثانية، التي وضعها الرئيس التنفيذي لشركة أمازون "جيف بيزوس": "بصرف النظر عن حجم شركتك، يجب ألا تكون فرق العمل أكبر مما يمكن لعدد 2 بيتزا أن تطعمهما".
في الختام:
حتى الأبطال الخارقون في الأفلام يحتاجون إلى العمل معاً؛ ففي فيلم "المنتقمون" (The Avengers)، الذي يضم "آيرون مان" (Iron Man)، و'كابتن أميريكا" (Captain America)، و"هالك" (The Hulk)، و"ثور" (Thor)؛ هناك درس كبير عن فريق العمل ربما لم ينتبه له كثيرٌ من المشاهدين؛ ليس فقط العمل الجماعي وفريق العمل، ولكن قيمة الفرق نفسها.
الدرس هو أنَّ الواحد (ONE) الذي يشير إلى الفريق الواحد، أفضل من الفرد الواحد (one) الذي يشير إلى بطل من الأبطال؛ وهذا يعني أنَّ فريقاً واحداً أفضل من شخص واحد؛ إنَّه يختلف عن خمسة أشخاص مقابل شخص واحد؛ إذ يمكن لمجموعة من خمسة أن تنجز أكثر من شخص واحد وحده، ولكن عندما يعمل هؤلاء الأشخاص الخمسة معاً بصفتهم فريقاً واحداً يحدث السحر.
الجزء الصعب في القصة هو جعل هؤلاء الأبطال الخمسة يضعون غرورهم جانباً ويثقون ببعضهم بعضاً ويعملون بصفتهم فريقاً واحداً؛ فلدى "كابتن أميركا (Captain America)، وآيرون مان (Iron Man) نظرة مختلفة تماماً عن العالم مقارنة بالآخرين، والتسوية وتحقيق التنازلات ليست سهلة، لكنَّهم يحترمون ويثقون ببعضهم بعضاً رغم خلافاتهم، ويمكنهم رؤية القيمة التي يجلبها الآخر إلى الطاولة.
إنَّ التخلي عن الأنا هو ما يسمح لك بأن تصبح جزءاً من كُلّ أكبر من مجموع أجزائه. عندما تكون جزءاً من فريق، ووحدة متماسكة حقاً تعمل لغرض واحد، عندها يمكنك تحقيق العجائب.
أضف تعليقاً