بدأ الفيسبوك بفكرة طالبٍ جامعيٍّ أمريكي، والذي لم يكن يتخيَّل أنَّها ستكون بهذا الإشعاع، إلَّا أنَّه سرعان ما عمل جاهداً على التطوير المستمر، ليصبح الفيسبوك موقع التواصل الاجتماعي رقم واحدٍ في العالم.
الشاب الأوكراني الذي صمَّم تطبيق واتساب الشهير أيضاً وباعه بأكثر من 19 مليار دولار، انطَلَق من فكرة.
مؤسس موقع أمازون، المنافس الأول في ساحة التجارة الالكترونية العالمية، بدأ بمكتبٍ بسيط، وتمكَّن من بلوغ كلِّ هذا المجد بفضل فكرةٍ آمن بها وعمل على تطبيقها على أرض الواقع.
قصص نجاحٍ ملهمةٌ للشباب العربي:
أردت أن أُفرِد لهذه القصص المميزة فقرةً، رغم أنَّها لا تفيها حقها؛ ذلك لكي لا نبقى مرتبطين بعقدة أنَّ الأجانب وحدهم من يستطيعون تحويل الأفكار إلى واقع، بل هناك شبابٌ عربيٌّ طموحٌ حققَّ مشاريع هامَّة، لعلَّها تحفز الكثير من الشباب الذين يقرؤون هذه المقالة.
- رونالدو مُشَحْوَر، ابن مدينة حلب السورية، والذي أسَّس شركة وموقع (سوق.كوم) الشهير قبل 15 سنة، بالضبط في يوم 25 أكتوبر 2005، وكان مقرُّها الرئيس في مدينة دبي العالمية. من هناك توهّجت شعلة المشروع الذي أسال لعاب شركة أمازون الأمريكية، والتي عقدت صفقة استحواذها على سوق.كوم بمبلغٍ يُقال أنَّه وصل إلى 650 مليون دولارٍ سنة 2016.
- خالد وليد الخضير، الشاب السعودي الذي استطاع أن يوفِّر فرص عملٍ للآلاف من النساء عبر منصة "تمكين المرأة"، والتي تربط بين الشاغر الوظيفي والباحثات عن العمل في مختلف أقطار العالم العربي، ومنطقة الشرق الأوسط خاصة.
- علاء السلال: الشاب الأردني الذي اجتمع وإخوته وأسَّسوا موقع بيع الكتب من المنزل. هذه هي الفكرة في الأصل، وقد ثابروا وجاهدوا وسهروا وطوّروا المشروع إلى أن وصلوا إلى بناء براند موقع اسمه: "جملون" لبيع الكتب، والذي يضمُّ 10 مليون كتابٍ متاحٍ لمن أراد أن يقتنيها عبر الانترنت، والتوصيل مجاناً داخل الأردن، وبثمنٍ مناسبٍ للدول الخارجية.
- الكويتي حسين البطاح، صاحب التطبيق العربي الشهير "المصمم العربي" لتحرير الصور والتعديل عليها بالكتابة. برنامجٌ غنيٌّ عن التعريف، ويعمل على الأندرويد والأيفون، ويسمح للمستخدمين بتحويل الصور العادية إلى أخرى أكثر تميزاً.
والأكيد أنَّ هناك عدة قدواتٍ ناجحةٍ بالقرب منكم في محيطكم، والذين استطاعوا إخراج الأفكار من صندوق الأحلام وتحويلها إلى واقعٍ متميزٍ يفخرون به.
فكرةٌ خارج الصندوق في زمن كورونا:
تقرَّر مؤخراً بدء البطولة الألمانية لكرة القدم بعد فترة الحجر التي مرَّت بها البلاد في الشهرين السابقين بسبب فيروس كورونا، ولكن بتدابير صحيةٍ صارمةٍ حتَّى لا تحصل انتكاسة، ومن بين أقصى الإجراءات: لَعِبُ الفرق الألمانية داخل ملاعب دون جمهور. هنا ستفقد كرة القدم إثارتها، وستفقد معها النوادي مورداً هامَّاً من التمويل، والذي يتمثَّل ببيع تذاكر المباريات.
اقترح نادي بوروسيا مونشنجلادباخ الألماني فكرة، وهي: بيع أوراقٍ من الكرتون عليها صور المشجعين، ووضعها في أماكنها على المدرجات. بدت الفكرة مجنونة، لكنَّها لقيت إقبالاً كبيراً من طرف المشجعين الذين تهافتوا على التطبيق لحجز أماكنهم الكرتونية بمبلغٍ مناسبٍ للجميع، بتكلفة 19 أورو.
كيف تحوِّل الأفكار إلى مشاريع؟
والآن، نتطرَّق إلى محور الموضوع، وهو: كيفية التعامل مع الأفكار التي تمرُّ على أذهاننا وتحويلها إلى مشاريع. قد تبدو في البداية صغيرة، لكنَّها الشجرة التي تخفي وراءها غابة النجاحات.
لن أخوض معكم في أهمية القرار والشغف والقراءة؛ لأنَّها الأساسيات التي سبق وتطرَّقنا لها بالتفصيل في مواضيع سابقة، بل حديثي اليوم منصبٌّ على الخطوات العملية. تابع معنا إذا كانت عندك فكرةٌ وتبحث عن تحويلها إلى مشروع.
1. شروطٌ يجب أن تتوفَّر في الفكرة:
أن تكون الفكرة واقعية، يعني أنَّها قابلةٌ للتحقيق وللقياس، وهناك أهدافٌ من وراء الفكرة. يُنصَح دائماً بكتابة الفكرة على الورق حتَّى تخرجها من ذهنك وتصبح شيئاً ملموساً وواقعاً تراه بالعين، وهذا أمرٌ هامٌّ جداً؛ لأنَّ الفكرة مرتبطةٌ دائماً بالذهن، فإذا كتبتها أصبحت فكرة مشروع.
2. دراسة فكرة المشروع:
هنا تبدأ الخطوة التالية، وهي: دراسة فكرة المشروع.
قمْ بما يسمَّى بالعصف الذهني لتستخرج من الفكرة تفاصيلها، واكتب كلَّ الأفكار الفرعية التي تأتي إلى عقلك، ولا تهمل أيَّ شيء؛ بعدها ستصبح لديك رؤيةٌ أكثر شموليةً عن الفكرة.
ستشرع الآن في البحث عن مثيلاتها، وإن وُجِدَت، وجب التميُّز عنها؛ لأنَّ هؤلاء هم المنافسون. والتميُّز هو البحث عن تقديم أفضل خدمةٍ للعملاء حتَّى تستطيع جذبهم.
في حال لم تجد هناك مثيلةً لها ولاحظت أنَّك من خلال الفكرة تستطيع حلَّ معضلةٍ متواجدةٍ عند العملاء، أو سدَّ ثغرة، أو تلبية احتياجٍ في سوقٍ تنافسي؛ فذاك التميُّز الحقيقي.
3. دراسة العملاء:
يجب أن يكون هناك عملاءٌ للمنتج الأخير الذي ستقدِّمه، بغض النظر إن كان المنتج خدمةً أو سلعة، فلا بدَّ من توفُّر شريحةٍ من الناس مهتمَّةٍ بمنتجك، وإلَّا ما الفائدة من أيِّ شيءٍ لا يرغب به أيُّ أحد؟ إن كانت الفكرة تطبيقاً أو موقعاً أو سلعةً أو أيَّ شيء، فراقب العملاء القريبين من فكرتك، وحدِّد من هم الفئة التي ستستهدفها.
4. دراسة الجدوى:
من الضروريات التي يجب تنفيذها حتَّى تنجح الفكرة وتتحوَّل إلى مشروعٍ قائمٍ بذاته، هي: دراسة الجدوى، والتي تتمثَّل بجمع أكبر قدرٍ من البيانات حول كلِّ جوانب المشروع المستقبلي، من: الجوانب المالية والقانونية، وأيضاً المعلومات حول تسعير السوق وطرائق التسويق، والموارد البشرية والفنية التي يحتاجها المشروع. تفاصيلٌ عديدةٌ وهامَّةٌ تحويها دراسة الجدوى، والتي كلَّما كانت دقيقةً ومنظمَّةً وواقعية، كان المشروع أقرب للنجاح.
وتتبقى خطوةٌ واحدة، وهي التمويل.
5. التمويل:
هذه الخطوة ترتكز على ما سبق ذكره، خاصةً قوة الفكرة وتميُّزها ودقة دراسة الجدوى للمشروع؛ حيث يمكن الحصول على التمويل من خلال إقناع الممولين الخارجيين -سواءً كان الوالد أم الأهل أم جهةً حكومية أم بنك- بمدى ربحية المشروع، حتَّى يستطيعوا الاستثمار فيه.
تكوين فرق عمل:
بعد الحصول على الدعم المالي، تبدأ تطبيق المشروع على أرض الواقع باتباع الخطة التي وضعتها في البداية، وبمساعدة فريق عملٍ يؤمن معك بالفكرة ومستعدٌ لبذل الجهد حتَّى ينجح المشروع؛ لأنَّه في البداية تكون المهام كثيرة والضغط كبير، وإنَّ فريق عملٍ متماسكٍ يمكنه اجتياز كلِّ الضغوطات.
وضع خطةٍ تسويقية:
لا غنى لأيِّ مشروعٍ -مهما كان حجمه- عن خطةٍ تسويقيةٍ تضع المنتج المناسب أمام أعين العميل المناسب.
هنا يتبقَّى فقط إطلاق المشروع.
أتمنَّى أن تكون خارطة الطريق من الفكرة إلى المشروع مفيدةً لكم، وإلى اللقاء في الموضوع المقبل.
دمتم في عافية.
أضف تعليقاً