ما هي الأسباب التي تجعل العلاقةَ تنبع من نفس الجذور وتتغذَّى بذكرياتٍ مشتركة تتحوَّل في بعض الأحيان إلى علاقاتٍ فاترة وسيِّئة بين الأخوة.
يتساءل كثيرٌ من الآباء إن كان التشاجر بين الأخوة هو مُجرَّد جزءٍ طبيعيٍّ من الحياة الأُسرية أم توجد أسباب أعمقَ يجب الكشف عنها؟ والأهمُّ من ذلك إن كانَت تقفُ وراء هذه المُشاجرات أسبابٌ حقيقيَّةٌ، كيف يمكن التعامل معها لتجنُّب تفاقمها وحفظ سلامة العلاقة الأُسرية؟
أسباب الخلافات والمشاجرات بين الأخوة:
تمتاز العلاقة بين الأخوة الأطفال بتعقيداتها وتنوُّع مظاهرها، فهي مزيجٌ من المحبة والتنافس والغيرة والتعاون، ومن بين هذه المظاهر تبرز المشاجراتُ بوصفها ظاهرة شائعة ومُتكرِّرة بين الأشِقَّاء، يُعَدُّ فهم أسباب هذه المشاجرات أمراً هاماً جداً لتفاديها ومعالجتها معالجةً فعَّالةً، فإليك فيما يأتي أبرز الأسباب الشائعة وراء المشاجرات بين الأخوة الأطفال:
1. الغيرة:
تنشأ الغيرة عندما يشعر أحد الأطفال بأنَّ الآخر يتمتَّع بمزايا أو مواقف أو اهتمامات تبدو أكثر قيمةً بالنسبة إلى الوالدين أو إلى المجتمع، وقد يؤدِّي هذا الشعور بالغيرة إلى ردود أفعالٍ سلبيَّةٍ ومشاجراتٍ، على سبيل المثال إذا كان أحدُ الأطفال يحصل على انتباهٍ كثيرٍ من الوالدَين بسبب تحقيق نجاحٍ مدرسيٍّ أو رياضيٍّ، فقد يشعر الأخ الآخر بالغيرة لأنَّه لا يحصل على القدر نفسه من الانتباه، أو الغيرة بسبب امتلاك أحدهما لعبة يرغب بها الآخر، والأمثلة كثيرة.
2. الشعور بالنقص:
الشعور بالنقص هو عامل آخر يمكن أن يؤدِّي إلى المشاجرات بين الأخوة، فعندما يشعر الطفل بالنَّقص، قد يَنشأ شعورٌ بعدم القدرة على المنافسة أو الحصول على احتياجاته الأساسية أو الانتباه والمحبة، وقد يَدفَع هذا الشعور بالنَّقص الأطفال إلى المنافسة أو السعي بطرائقَ سلبيةٍ إلى الحصول على ما يشعرون به نقصاناً منه.
3. الشعور باضطهاد الكبار:
عندما يشعر الأطفال بأنَّهم يتعرَّضون للظُّلم أو الضغط من قِبَل الكبار، قد يتطوَّر لديهم شعورٌ بالإحباط والغضب والاستياء، وهذا يؤدي في بعض الأحيان إلى استجابات سلبية مثل المُشاجرات، فمثلاً إذا كان هناك تطبيقُ قواعد مُختلِفة بين الأطفال في الأسرة، مثل عقوبات مختلفة للسلوك نفسه أو تفضيل الأخ الأصغر على حساب الأخ الأكبر، قد يُثير ذلك شعوراً بالظلم والاضطهاد.
4. انشغال الأبوَين عن الأطفال:
عندما يكون الوالدان مشغولَين بأعمالهما ومسؤولياتهما اليومية انشغالاً مُفرِطاً، يؤدِّي ذلك إلى انخفاض مستوى الاهتمام والتوجيه الذي يحصل عليه الأطفال من الوالدين، فقد يشعر الأطفال بالإهمال والوحدة، وهذا يؤدِّي في بعض الأحيان إلى تصاعد الصراعات بينهم.
5. محاولة الأطفال الذكور السيطرة على الإناث:
يحاول الأطفال الذكور تمريرَ سلطتِهم أو سيطرتهم على الأخوات الإناث بطرائقَ مختلِفة، سواء من خلال الاستخدام القسري للقوَّة أم التهديد أم الضغط النفسي، وهذا يتسبَّب في نشوء مشاجرات.
6. المنافسة على ملكية الأشياء:
يحدث هذا الأمر عندما ينشأ صراعٌ بين الأطفال بشأن ملكيَّة الأشياء مثل: الألعاب أو الأجهزة أو الأغراض الشخصية الأخرى، فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك جهازُ لعبٍ إلكترونيٍّ واحدٍ في المنزل، فقد ينشأ صراع بين الأطفال بشأن من يَمتلِك الحق في استخدامه ولمدَّة كم ساعة، وهذا يؤدي إلى نشوب المشاجرات بينهم.
7. المناقشة على حبِّ الوالدين:
يُمثِّل التنافس على حبِّ الوالدين سبباً شائعاً لحدوث المشاجرات بين الأخوة، فيشعر كلُّ طفلٍ بالرغبة الطبيعية في أن يكون محبوباً ومحظوظاً بحبِّ واهتمام الوالدين، وعندما يظنُّ أحدُ الأطفالِ أنَّ الآخر يَحظى بمزيد من الحبِّ أو الاهتمام، قد يؤدي ذلك إلى زيادة التنافس والصراع بينهم.
8. التنمُّر:
تنشأ المشاجرات عندما يلجأ الأطفال إلى استخدام الألقاب السلبية أو الإساءة لبعضهم بعضاً بهدف الإهانة أو التفوق، فقد يتنمَّر أحدُ الأطفال على شقيقه بتسميته بلقبٍ مُهينٍ أو استخدام لغةٍ جارحةٍ مثل "غبي" أو "سخيف" مسبِّباً بذلك سُخط الآخر وغضبه ومؤدِّياً إلى نشوء خلافات ومشاجرات بينهم.
9. الحسد:
يحدث الحسد عندما يشعر الطفل برغبةٍ قويةٍ في الحصول على ما يمتلكه الآخر، بسبب شعوره بالإعجاب أو الرغبة في التميُّز، فإذا كان أحدُ الأطفال يمتلك لعبةً جديدةً أو حقَّق إنجازاً معيَّناً مثل الحصول على درجةٍ عاليةٍ في الامتحان، قد يشعر الأخ الآخر بالحسد والرغبة في الحصول على الشيء نفسه.
10. الاختلاف في الشخصيات:
يتمتَّع كلُّ طفلٍ بشخصيةٍ فريدةٍ، بها ميِّزات وصفات مختلفة، فلكلٍّ منهم طريقة في التفكير والتصرف واختلاف في الاهتمامات والهواجس، وفي المستوى الاجتماعي والانفتاح؛ لذا قد يحدث الصراع بسبب عدم الفهم المُتبادَل وصعوبة التواصل بينهم.
11. الغضب وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر:
الغضب وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر تعبيراً صحيحاً، من الأسباب الرئيسة وراء المشاجرات بين الأطفال، عندما يشعر الطفل بالغضب، وخصوصاً إذا لم يكن قادراً على التعبير عن هذه المشاعر تعبيراً صحيحاً، فقد يلجأ إلى العنف اللَّفظي أو الجسدي بوصفه وسيلة للتعبير عن غضبه.
شاهد بالفيديو: كيف يمكن للآباء أن يتعاملوا مع نوبات غضب أطفالهم؟
12. الفروق في العمر والنضج:
يمكن أن يشعرَ الأطفالُ الأكبرَ سناً بالتفوق أو بالحقوق الخاصة بهم مقارنةً بالأطفال الأصغر سناً، فإذا كان ثمة فارقٌ كبيرٌ في العمر بين الأخوة، فقد يشعر الأخ الأكبر بأنَّه يحِقُّ له مزيد من الحرية أو المسؤوليات أو الممتلكات، وهذا يؤدي إلى اندلاع المشاجرات بينهم بشأن هذه القضايا.
13. الحقوق والمسؤوليات:
يمكن أن تنشأ المشاجرات بسبب توزيعٍ غير عادلٍ للحقوق والمسؤوليات في المنزل، وهذا يؤدِّي إلى شعورٍ بالظُّلمِ ومن ثم الاحتجاج العدائي.
14. المساحة الشخصية:
تُعَدُّ المساحةُ الشخصيةُ هامَّةً لجميع الأفراد ومنهم الأطفال، فعندما يشعر الطفل بانتهاك المساحة الشخصية الخاصة به، قد يؤدي ذلك إلى حدوث المشاجرات، وتشمل المساحة الشخصية الحاجة إلى الخصوصية والحرية الشخصية والاحترام المُتبادَل، فعلى سبيل المثال، إذا كان أحدُ الأطفال يشعر بأنَّ شقيقه يتدخَّل في مساحته الشخصية دون احترام خصوصيته، مثل دخول غرفته دون إذن أو استخدام أغراضه الشخصية دون إذن، فقد يشعر بالغضب والاستياء ويؤدي ذلك إلى حدوث المشاجرات.
15. التأثيرات النفسية:
قد يتأثَّر الأطفال بعددٍ من التأثيرات النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث المشاجرات بينهم، وقد تشمل هذه التأثيرات النفسية الضغوطات الدراسية، والقلق، والاكتئاب، والتغيرات في الحياة الأسرية مثل الانفصال أو الانتقال، أو حتَّى التأثيرات النفسية الناتجة عن التنمُّر أو الإهمال.
16. نقص المهارات الاجتماعية:
عندما يفتقر الأطفال إلى المهارات الاجتماعية مثل حلِّ المشكلات، ومهارات التواصل، ومهارات التفاوض، ومهارات التعاون، قد يجدون صعوبة في التعامل مع الصراعات والمواقف الاجتماعية تعاملاً فعَّالاً وبنَّاءً، وهذا يزيد من احتمالية التصعيد إلى المشاجرات والنزاعات.
17. الملل والإجهاد:
في بعض الأحيان، قد يؤدي الشعور بالملل أو الإجهاد إلى زيادةِ توتُّر العلاقات بين الأخوة ومن ثم إلى حدوث المشاجرات.
18. التأثيرات الاجتماعية والبيئة الخارجية:
تشمل التأثيرات الاجتماعية والبيئة الخارجية جميع العوامل التي يتعرَّض لها الأطفال من خلال تفاعلاتهم مع المحيط الاجتماعي والبيئة التي ينتمون إليها، وقد تؤدِّي هذه العوامل دوراً في تشكيل سلوكهم وتفاعلاتهم مع بعضهم بعضاً، وهذا بدوره قد يؤدي إلى حدوث المشاجرات.
كيف تتعامل مع المشاجرات بين الأخوة؟
1. التدخل الفوري والهادئ:
عندما تنشأ مشاجرةٌ بين الأطفال، يجب على الوالدين التدخل فوراً تدخُّلاً هادئاً ومُهدِّئاً للوضع، ويمكن استخدام الكلمات اللَّطيفة والهادئة لتهدئة الأطفال وتوجيههم نحو حلِّ المشكلة حلَّاً بنَّاءً.
2. تعزيز المهارات الاجتماعية:
يتضمَّن تعزيزُ المهارات الاجتماعية تعليمَ الأطفال كيفيَّة التعبير عن مشاعرهم تعبيراً صحيحاً، والتفاوض وحلِّ المشكلات بطريقة بنَّاءةٍ، وإيجاد حلول مُشترَكة، فعن طريق هذه الطريقة يتعلَّم الأطفال كيفيَّة التعامل مع الصراعات تعاملاً أكثرَ فاعليَّةً وإنتاجيةً، ويمكنهم بناء علاقات أقوى وأكثر تفاهماً مع بعضهم بعضاً، فعندما يأخذ أحدُ الأطفال لعبةً من الآخر دون إذن، يمكن للوالدين تعليم الطفل كيفيَّة التعبير عن استيائه بطريقة هادئةٍ ومُحترمةٍ والتفاوض على استرداد اللعبة بإعادتها، كما يمكن للوالدين تعليم الأطفال تطوير اللعبة نفسها بفِكَرٍ جديدةٍ للعب معاً.
3. تعزيز العدالة والمساواة:
يُعدُّ تعزيز العدالة والمساواة أساسياً في حلِّ المشاجرات بين الأطفال، يجب على الوالدين التعامل مع الصراعات بطريقة عادلةٍ ومُنصِفةٍ دون أن يُظهروا تحيُّزاً لأحد الأطفال على حساب الآخر، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستماع إلى وجهات نظرِ كلِّ طفلٍ ومحاولة فهم مشاعره ومَطالبه.
على الوالدين أن يبحثوا عن حلولٍ تُناسِب الجميع وتلبِّي احتياجاتهم تلبيةً عادلةً، مثلاً عندما يُقسِّمُ أحد الأطفال الحلوى بينهم بطريقة غير عادلة، يجب على الوالدين التدخُّل وتعزيز مبدأ العدالة والمساواة، فيمكنهم شجب السلوك غير العادل وشرح أهمية مشاركة الموارد بالتساوي بين الأطفال.
4. تعزيز الفهم والتعاطف:
يجب على الوالدين تعزيز الفهم والتعاطف بين الأطفال، وتشجيعهم على فهم مشاعر بعضهم بعضاً وتقديم الدعم لبعضهم بعضاً في اللحظات الصعبة.
5. تعزيز التفاهم العائلي:
يمكن للوالدين تعزيز التفاهم والتواصل العائلي من خلال إقامة جلسات حوار منتظمة مع الأطفال لمناقشة كيفية التعامل مع المشكلات والصراعات بشكل بناء.
6. تخصيص وقت متساوٍ لكلِّ طفلٍ:
عندما يحصل كل طفل على نصيب متساوٍ من الوقت والاهتمام من الوالدين، يمكن تقليل المنافسة والغيرة بينهم، ومن ثم الحدُّ من حدوث الصراعات، مثلاً إذا كان لديك طفلان توأم، يجب عليك تخصيص وقت متساوٍ لكلٍّ منهما وحده، سواء في اللعب معهما أم في قضاء وقت النوم أم في الاستماع إلى قصصهما، هذا يجعل كل طفل يشعر بالتقدير والمساواة، وهذا بدوره يقلِّل من الشعور بالغيرة والرغبة في المنافسة.
7. تعليم أطفالك طرائقَ جذب انتباهك بطرائقَ صحيحةٍ:
عزِّز السلوكات الإيجابية التي ترغب في رؤيتها في أطفالك، عندما يُبدي طفلُك سلوكاً مثل الانتظار بصبرٍ أو مساعدة الآخرين، أظهِرْ الاهتمام والثناء على هذا السلوك، واشرحْ أيضاً كيفية التعبير عن احتياجاتهم ورغباتهم شرحاً واضحاً ولطيفاً، على سبيل المثال، يمكنهم استخدام الكلمات بدلاً من الصراخ أو السلوك العدواني لجذب انتباهك، على سبيل المثال يمكن تعليمه الجمل الآتية:
- أمي، هل يمكنني الحديث إليك بضع دقائق؟
- أبي، لديَّ شيءٌ هامٌّ أودُّ أن أخبرك عنه.
- ماما، هل يمكنك مساعدتي في شيء صغير؟
- بابا، أريد مشاركة شيء معك؟
- أمي، هل يمكنك الاستماع إليَّ لحظة؟
- ماما، أريد أن أعرض لك شيئاً مثيراً للاهتمام.
- بابا، هل يمكنك أن تشاهدني وأنا أفعل شيئاً؟
- أمي، هل يمكننا قضاء وقت معاً اليوم؟
- تجنب مقارنة الأطفال ببعضهم بعضاً
تؤدِّي المقارنة المستمرة بين الأطفال إلى شعورهم بعدم القبول أو الضغط؛ لذا بدلاً من ذلك، قدِّر كلَّ طفلٍ على حدة واستخرج الجوانب الإيجابية لكلٍّ منهم دون مقارنة.
8. شجِّع اللعب الإيجابي:
شجِّعْ الأطفال على اللعب معاً بطريقة إيجابية وبنَّاءةٍ، على سبيل المثال، يمكنك تقديم الألعاب التعاونية التي تتطلَّب تعاون الأطفال معاً بدلاً من الألعاب التنافُسية التي تزيد من الصراعات بينهم، كما يمكنك مكافأة الأطفال عندما يلعبون معاً بسلامٍ ويظهرون سلوكاً إيجابياً تجاه بعضهم بعضاً.
9. البحث عن أصدقاءٍ جُددٍ لكلٍّ من أطفالك:
من خلال توفير فرص لكل طفل للتفاعل مع أصدقاء جدد، يمكن تقليل الضغط والتوتر بين الأشِقَّاء، على سبيل المثال، يمكنك تسجيل أطفالك في نشاطات مجتمعية مثل دورات فنية أو رياضية، فيمكنهم من خلالها التفاعل مع أطفال آخرين وتطوير علاقات صداقة جديدة.
في الختام:
إنَّ فهمَ أسبابِ المشاجرات بين الأطفال وكيفيَّة التعامل معها هو أمر حيوي لصحة الأسرة وسعادتها، وقد تكون المشاجرات بين الأطفال جزءاً طبيعياً من نموِّهم وتطوُّرهم، ولكن باتِّباع استراتيجيات مُحدَّدة، يمكننا تقليل حدوثها وتحويلها إلى فرص لتعلُّم المهارات الاجتماعية والتعاون.
بناءً على فهمٍ عميقٍ لأسباب المشاجرات، يمكننا تبنِّي استراتيجيات فعَّالة للتعامل معها، مثل تعزيز المهارات الاجتماعية وتحديد أسباب الصراعات وتوجيه الأطفال لتطوير طرائقَ إيجابيةٍ للتَّعبير عن مشاعرهم، فيتعلَّم الأطفال من الأمثلة التي نقدِّمها لهم ومن الطرائقَ التي نتعامل بها مع المواقف الصعبة، فيمكننا بتوجيههم ودعمهم بحبٍّ وحنانٍ مساعدتهم على التغلُّب على المشاجرات وبناء علاقاتٍ صحية ومتينة مع بعضهم بعضاً.
أضف تعليقاً