الحقيقة هي أنَّنا جميعاً نعتمد على درجة معينة من الترويج الذاتي؛ فسواء كنت ترغب في بدء مشروعك التجاري، أم بيع روايتك لدار نشر، أم إنشاء جمعية تَضُمُّ الأشخاص المهتمِّين بممارسة هوايتك المفضلة، أم الحصول على ترقية في العمل؛ فأنت بحاجة إلى لفت انتباه الناس إليك وإلى قدراتك؛ وبينما نود أن نعتقد أنَّ عملنا يستطيع الترويج عن نفسه، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ عملنا عادةَّ ما يحتاج منا إلى فعل شيء ما لجذب الانتباه إليه.
الخبر السار هو أنَّ الترويج الذاتي لا يجب أن يكون مشبوهاً؛ بل في الحقيقة، الترويج الحقيقي للذات لا يمكن أن يكون مشبوهاً في جوهره؛ فالسبب الذي يجعلنا نشعر بالاستياء من الأشخاص الذين يروجون علناً لأنفسهم هو أنَّ جهودهم في معظم الأحيان غير صادقة وغير أصيلة؛ فمن الواضح أنَّ هدفهم ليس بناء علاقة معنا، وإنَّما تحقيق مردود سريع فقط، سواء كان ذلك من خلال البيع أم التصويت أم التقييم الإيجابي للأداء؛ إنَّهم يتظاهرون بأنَّهم أصدقاؤنا لتحقيق مكاسب على حسابنا؛ وهذا واضح للعيان.
يسمو الترويج الذاتي الحقيقي فوق اعتبارات المردود الأولي، وقد يتجاوزه كلياً؛ إذ إنَّه يعطي الناس سبباً وجيهاً لإقامة علاقات طويلة الأمد معنا، وهو حقيقي وأصلي كونه يقوم على تكوين صداقات مع الناس أكثر من مجرد بيعهم شيء ما؛ وبطبيعة الحال، إذا كنت تسعى وراء المال؛ فهذا النوع من المصداقية يجعلك ضعيفاً، وهذا هو السبب في أنَّنا لا نصدق ادعاءات المروجين الذاتيين المزيفين: إنَّهم كاذبون.
القاعدة الأساسية للترويج الذاتي هي أن تطور نفسك وتصبح أفضل مما كنت عليه، وهذا بالطبع غامض بعض الشيء، ولا بد أن يعني شيئاً مختلفاً لكل واحد منا، ولكن إليك بعض الأمور المحددة التي يجب وضعها في الاعتبار عندما تروج لنفسك ولعملك:
- أضف قيمة: ما يميزك عن أي شخص آخر يفعل ما تفعله هو القيمة الخاصة التي تقدمها لعملائك أو زبائنك أو مستخدميك، وينطبق الأمر نفسه على جهودك التسويقية؛ حيث سيتجاهلك الناس إذا كنت تثرثر وتتباهي بنفسك؛ لذا بدلاً من ذلك، استخدم خبرتك الخاصة بأساليب واضحة من خلال إضافة معلومات عميقة إلى مناقشة ما أو تعليقات في مدونة، أو عن طريق إنشاء أماكن ترويجية مسلية وغنية بالمعلومات.
- كن واثقاً: إذا كنت تخبر الناس بشيء يضيف قيمة إلى حياتهم، فلا يوجد سبب يدفعك للشعور بأنَّك تتطفل؛ لذا، قف شامخاً وأظهر إيمانك بنفسك وبقدراتك وبعملك؛ ففي النهاية، إذا لم تكن تثق بنفسك، فلماذا يجب على أي شخص آخر أن يثق بك؟
- تعامل بحذرٍ مع الظروف: تعرَّف دائماً إلى الشخص أو الأشخاص الذين تتحدث إليهم في اللحظة الحالية - وتجاوب معهم - وكذلك الظروف التي جمعتك بهم؛ إذ لا يمكنك الاكتفاء بكتابة خطابٍ وسرده عن ظهر قلب كلَّما قابلتَ شخصاً ما؛ فأنت بحاجة إلى التكيف مع البيئات المتغيرة (هل أنت في حفلة عيد ميلاد أم في اجتماع مجلس الإدارة؟) ومع مستويات المعرفة التي يتمتع بها الأشخاص الذين تتحدث معهم وطبائعهم (هل تصف اختراعك لمهندس أم لأبٍ مقيم في المنزل؟)؛ إنَّ فكرة موضوع النقاش مفيدة هنا لأنَّك تعتمد على خطوط عريضة في عرضك الترويجي ولكن مستوى "التفصيل" يعتمد على مكانك وعلى الشخص الذي تتحدث معه.
- تقدَّم نحو الهدف: وجِّه رسالتك إلى الأشخاص الذين هم في أمسِّ الحاجة إليها أو يرغبون في سماعها؛ فأنت تعرف مدى الإزعاج الذي يتسبب به من يضع موقعه الإلكتروني الذي لا علاقة له بالموضوع في التعليقات أو يرسله عبر البريد الإلكتروني؛ فلو كنا نتلقى فقط عروض قانونيَّةً لمنتجات نحتاج إليها حقاً، فلن يكون ثمَّة "بريدٌ مزعج"؛ لذا، ابحث عن الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى معرفة ما تفعله؛ أما بالنسبة للبقية، فيكفي وصف بسيط من سطر واحد.
- احصل على الإذن: تأكد من الحصول على "الإذن" من الأشخاص الذين تتحدث معهم للترويج لنفسك، وهذا لا يعني أن تبدأ كل محادثة بعبارة: "هل يمكنني التحدث معك لبضع دقائق لأخبرك عن ..." (على الرغم من أنَّها ليست بداية سيئة في بعض الظروف)؛ ولكن ما يعنيه هو أنَّه يجب عليك التأكد من أنَّ الآخر يتقبل رسالتك؛ فأنت لا تريد أن يزعجك أحد بينما تتناول العشاء مع أسرتك، أو عندما تكون في عجلة من أمرك للذهاب إلى العمل، أو في أثناء استمتاعك بمشاهدة فلم؛ ففي تلك اللحظات، أنت لا تمنح أي شخص إذناً للتحدث معك؛ لذا، لا تقاطع الآخرين أو تقدِّم عرضك الترويجي عندما يكون التوقيت غير مناسب بالنسبة إليهم؛ فمن شبه المؤكَّد أنَّ ذلك سيكون له نتائج عكسية.
- لا تُضِع وقت الآخرين: إذا كنت تتقدم نحو الهدف، وتراعي الظروف، ولديك الإذن؛ فقد وصلت إلى منتصف الطريق؛ ولكن احرص على ألا تستغرق وقتاً أطول مما تحتاج إليه، ولا تلف وتدور؛ فبمجرد أن تحصل على انتباه الشخص، قل ما تريد قوله مباشرةً؛ وكن موجزاً وواضحاً وشغوفاً.
- اشرح ما تفعله: قدِّم عرضك الترويجي بوضوح وسلاسة بحيث يستطيع الجميع فهم ما تقوله دون إجهاد أنفسهم، وابتعد عن استخدام لغة معقدة وغير مفهومة؛ إذ يواجه بعض الأشخاص (والشركات أيضاً) صعوبة في إخبار الناس بما يفعلونه لأنَّهم يخفون عدم كفاءتهم باستخدام مفردات متحذلقة وعموميات.
- بيِّن ما تقدِّمه: اشرح بوضوح ماذا سيستفيد جمهورك، ولماذا يجب أن يفضلوك أكثر من شخص آخر أو شريك تجاري أو موظف أو منتج آخر؛ وكيف سيؤدي ما تقوله إلى إثراء حياتهم أو أعمالهم؟
- قل ماذا تريد: لقد قدمت عرضك، فماذا الآن؟ ماذا تريد أن يفعل جمهورك؟ اطلب منهم زيارة موقعك، أو قراءة كتابك، أو ترتيب اجتماع معك، أو الترويج لك، أو أي إجراء آخر تريد منهم اتخاذه -هذه هي القاعدة رقم 1 لمندوبي المبيعات- تأكد من طلب البيع؛ ينطبق ذلك أيضاً إذا كان ما تبيعه هو مواهبك أو قدراتك أو معرفتك.
- امنح الآخرين سبباً كافياً للاهتمام: كن مهتماً، لا تشرح فقط ما تفعله ولكن أيضاً لماذا سيجعل ما تفعله حياة الشخص أفضل، حيث تشغِّل كل من أجهزة آي بود (iPod) وإم بي ثري (mp3) الموسيقى؛ لكنَّ أجهزة آي بود تجعل حياة الناس أفضل لأنَّها أسهل من ناحية الاستخدام، وأكثر أناقة، وتجذب الانتباه وتجعل مستخدميها يبدون "مرتاحي البال"، ويكمن جزء من هذا في إظهار اهتمامك بالأشخاص الذين تُسوِّق لهم كالرد على أسئلتهم، وتلبية احتياجاتهم وتجاوزها؛ مما يجعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم، مع استثناءات قليلة، لا يمكن تزوير الاهتمام؛ حتى عندما يكون ذلك ممكناً، فمن الأسهل بكثير الاهتمام بصدق.
- حافظ على العلاقات: لا ينتهي الترويج الذاتي بمجرد إيصال رسالتك؛ لذا أعد الاتصال بالأشخاص بشكل دوري، وأطلع الناس على مشاريعك، وأظهر اهتماماً حقيقياً بمشاريعهم، ولا تقطع اتصالك بهم لأنَّهم لم يظهروا حاجة فورية لكل ما تقدمه؛ فأنت لا تعرف أبداً متى سيحتاجون خدماتك، ولا تعرف معارفهم الذين قد يحتاجون خدماتك، والأهم من ذلك، تضيف هذه الروابط الشخصية قيمة أكبر من مجرد ملف مليء بأسماء العملاء أو الزبائن أو الناخبين المحتملين.
شاهد بالفديو: صياغة حديث المصعد: كيف تقدّم شركتك باختصار وبشكل مُقنع؟
سيبدو الترويج الذاتي الذي لا يتبع هذه القواعد مزيفاً ومفروضاً وسهل النسيان؛ أو الأسوأ من ذلك أنَّه قد يتولد عنه نتائج عكسية بحيث يتجنب الناس العمل معك.
في النهاية، الترويج لنفسك ولعملك ليس بهذه الصعوبة طالما أنَّك مهتم بالآخرين وباحتياجاتهم، وطالما أنَّك صادق مع نفسك ومع عملك؛ فابحث عن الأشخاص الذين يحتاجون إلى خدماتك واعرضها عليهم.
أضف تعليقاً