يبدو أنَّ مشكلة الحرمان من النوم تتفاقم، ويعرف معظمنا ذلك الشعور الذي ينتابنا بعد قضاء ليلة لم ننم فيها إلَّا قليلاً أو لم ننم إطلاقاً، فلا يتصرف المرء على سجيَّته، إذ إنَّه يشعر بالنعاس والخمول والانفعال وانخفاض الطاقة، والتشوش الذهني، وقد يواجه صعوبة في التركيز، ويرتكب أخطاء فادحة، ويحتسي فنجان قهوة تلو الآخر لتُعينه على تحمُّل اليوم ريثما يحين موعد النوم.
إنَّ اضطراب النوم بين الفينة والأخرى أمر بغيض، لكنَّ الحرمان من النوم مدة طويلة يُلحق ضرراً خطيراً بصحتك ونوعية حياتك، إضافةً إلى التأثير السلبي في مزاجك وطاقتك وأدائك في العمل أو المدرسة، ويؤثر الحرمان من النوم في جهازك المناعي وصحة قلبك ودماغك وقدرتك على التعامل مع التوتر، وقد يؤدي أيضاً إلى زيادة وزنك، وفرص تعرضك للحوادث، ومشكلات صحية خطيرة طويلة الأمد، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكتة الدماغية والقلق والاكتئاب.
إذا كنت محروماً من النوم منذ مدة طويلة، فقد تعتاد الشعور بالتعب والمزاج السيئ، وتظن أنَّك قادر على تسيير أمورك بقليل من النوم دون مواجهة أية عواقب، وقد لا تعلم أنَّ الحصول على قسط كافٍ من النوم أمر ضروري لصحتك الجسدية والعقلية، وأيَّاً كانت ظروفك، فمعرفة أعراض الحرمان من النوم وأسبابه وتأثيراته هي الخطوة الأولى لمعالجة المشكلة وضمان حصولك على قسطٍ كافٍ من النوم لحماية صحتك والعمل بأحسن حال.
هل تعاني الحرمان من النوم؟
يختلف عدد ساعات النوم المطلوبة من شخص لآخر، إذ يحتاج معظم البالغين 7-9 ساعات من النوم كل ليلة (يحتاج الأطفال والمراهقون إلى ساعات نوم أكثر من هذا العدد، ويحتاج كبار السِّنِّ في بعض الأحيان إلى ساعات نوم أقل منه)، وإذا كنت لا تحصل على هذه الكمية بانتظام، فمن المرجَّح أنَّك تعاني الحرمان من النوم حتى لو لم تدرك التأثيرات الدقيقة في حالتك المزاجية وشخصيتك وأدائك، أو التأثير طويل الأمد في صحتك العامة.
لكن لا يقتصر الحل على عدد ساعات النوم فحسب، بل على جودته أيضاً، فإذا كنت تنام عدد الساعات المطلوبة، ولكنَّك تواجه صعوبة في الاستيقاظ في الصباح أو تشعر بالنعاس في النهار، فقد يكون ذلك علامة على رداءة نومك، فمثلاً قد تمنعك المقاطعات الناجمة عن الضوضاء أو الضوء أو الألم الجسدي من قضاء وقت كافٍ في مراحل النوم المختلفة، خاصة مرحلتي النوم العميق المنشِّط ونوم حركة العين السريعة، وهذا يُقلِّل من راحتك ويسهم في تفاقم أعراض حرمانك من النوم.
علامات الحرمان من النوم وأعراضه:
إليك بعض علامات الحرمان من النوم وأعراضه:
- الشعور بالتعب والانفعال والإرهاق في النهار، وكثرة التثاؤب.
- صعوبة في التركيز أو تذكُّر الأشياء.
- صعوبة في النهوض من السرير في الصباح، أو الحاجة إلى منبِّه للاستيقاظ في الوقت المحدد، أو تكرار الضغط على زر الغفوة.
- الشعور بالخمول أو النعاس في فترة ما بعد الظهر.
- صعوبة في البقاء مستيقظاً في المحاضرات والاجتماعات والغرف الدافئة، وفي أثناء القيادة أو في وسائل النقل أو بعد تناول وجبة دسمة.
- الحاجة إلى قيلولة في النهار.
- النوم على الأريكة في المساء.
- الاستيقاظ في وقت متأخر في العطلة الأسبوعية.
- تقلبات في المزاج، مثل: الشعور بالاكتئاب، أو القلق، أو التوتر، أو الارتياب، أو الرغبة في الانتحار.
ذهان الحرمان من النوم:
في حالات الحرمان من النوم الشديدة، عندما تنام قليلاً أو لا تنام إطلاقاً مدة طويلة من الزمن، قد تبدأ في إدراك الواقع على نحو مختلف أو حتى تعاني من ذهان حاد، وقد يتجلَّى هذا على شكل أوهام وهلوسة، وأفكار وكلام وسلوكات عشوائية، ومع أنَّ هذه الأعراض مزعجة جداً، فإنَّها تتوقف عادة بعد تعويض نقص النوم واتباع نظام نوم صحي.
عواقب الحرمان من النوم:
قد يبدو أنَّ الحرمان من النوم لا يمثِّل مشكلة كبيرة، لكن في الواقع، لا تقتصر عواقبه على النعاس في النهار وحسب، بل تتراكم بمرور الوقت، وتؤثر في الصحة النفسية والجسدية على حدٍّ سواء، ومن هذه العواقب:
1. انخفاض الطاقة:
يؤدي الحرمان من النوم إلى الشعور بالتعب والخمول ونقص الحافز في عملك ومدرستك وحياتك العائلية، ويحفِّز هذا لديك الرغبة في تناول السكر، أو احتساء السوائل التي تحوي الكافيين، أو في الرغبة في النوم طوال اليوم.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح للتخلص من سيطرة الكافيين على جسدك
2. أمراض عقلية:
يسبِّب الحرمان من النوم تقلُّب المزاج والانفعال، ويزيد من فرص الإصابة بالاكتئاب والقلق، ويؤثر في قدرتك على تحمُّل الإجهاد أو ضبط عواطفك المحتدمة، وفي الحالات الشديدة، يسبِّب الهلوسة والهذيان.
3. ضعف جهاز المناعة:
قد تكون أكثر عرضة للإصابة المتكررة بنزلات البرد أو الالتهابات أو أمراض الجهاز التنفسي.
4. ضعف نشاط الدماغ:
يشمل مشكلات التعلم والتركيز والذاكرة، ويحدُّ الحرمان من النوم من مهارات الإبداع وحل المشكلات، ويؤثر في حسن تقديرك للأمور وتوازنك وسرعة استجابتك، وفي الواقع، قد يؤدي الحرمان من النوم إلى إضعاف مهاراتك الحركية فتتصرف كأنَّك مُخدَّر، وهذا يزيد من احتمال تعرضك للحوادث.
5. التأثير في نظام القلب والأوعية الدموية:
قد يؤدي الحرمان من النوم إلى حدوث التهابات ضارة ورفع معدل ضربات القلب ومستويات السكر في الدم، وهذا يزيد من احتمال الإصابة بأمراض القلب.
6. مشكلات في العلاقة:
يؤدي كل من تقلُّب المزاج والغضب إلى نشوب الخلافات، وفي حين أنَّ الحرمان من النوم يحدُّ من الرغبة في ممارسة العلاقة الحميمية بين الأزواج، فإنَّه يحدُّ أيضاً من إنتاج الهرمونات ويسبِّب مشكلات في الخصوبة.
7. التغيُّرات في المظهر:
تشمل شيخوخة الجلد مبكِّراً، وزيادة الوزن.
8. زيادة احتمال الإصابة بمشكلات صحية خطيرة:
تشمل السكتة الدماغية والسكري وأمراض القلب، ومرض ألزهايمر، وبعض أنواع السرطان.
العلاقة بين الحرمان من النوم وزيادة الوزن:
هل لاحظت أنَّك عندما تعاني من قلة النوم تشتهي الأطعمة المحلَّاة التي تعطيك دفعة سريعة من الطاقة؟ ثمة سبب وجيه لذلك، ويرتبط الحرمان من النوم ارتباطاً مباشراً بالإفراط في تناول الطعام وزيادة الوزن، ويوجد نوعان من الهرمونات في جسمك ينظِّمان الشعور الطبيعي بالجوع والشبع، فيفتح الجريلين (Ghrelin) الشهية، ويُرسل اللبتين (leptin) إشارات إلى الدماغ عند الشبع، ولكن عندما لا تحصل على كفايتك من النوم، ترتفع مستويات هرمون الجريلين لديك، وهذا يفتح شهيتك ويدفعك إلى تناول مزيد من الطعام أكثر من المعتاد، وفي الوقت نفسه، تنخفض مستويات هرمون اللبتين لديك، وهذا يعني أنَّك لا تشعر بالشبع وترغب في الاستمرار في تناول الطعام، لذلك كلَّما زاد حرمانك من النوم، زادت شهيتك للطعام أكثر.
أسباب الحرمان من النوم:
توجد عدة أسباب تحرمك من النوم في الليل، بدءاً من عاداتك النهارية وبيئة نومك إلى الخلل في نظام حياتك اليومي بسبب التوتر أو السفر أو المرض، وبعد تحديد سبب حرمانك من النوم، تستطيع اتخاذ خطوات لمعالجة المشكلة والحصول على الراحة التي يحتاج إليها جسمك وعقلك.
إليك أشيع أسباب الحرمان من النوم:
1. التوتر والقلق في الليل:
نحن نعيش في أوقات مضطربة وكثير منَّا يقلق بشأن العمل، والمال، وصحتنا وصحة أحبَّائنا، ففي النهار لديك ما يشغلك، لذلك غالباً ما تساورك هذه الأفكار عند الخلود إلى النوم، ولا شيء يمكن أن يفسد نومك أكثر من القلق بشأن الأشياء التي حدثت في الماضي أو التي قد تحدث في المستقبل.
2. العمل بنظام الورديات:
يُخلُّ هذا النظام بإيقاعات الساعة البيولوجية أو دورة النوم والاستيقاظ التي تمتد 24 ساعة، وهذا يجعلك تشعر بالخمول الذهني والتعب، وإذا كنت تعمل بانتظام في الليل أو في الصباح الباكر أو في ورديات متناوبة، فقد تحصل على نوم أقل جودة مما لو كنت تعمل في وردية نهارية عادية.
3. عادات النهار المؤذية أو بيئة النوم السيئة:
قد يرجع سبب قلة النوم أو انخفاض جودته إلى سلوكك في النهار، وإنَّ احتساء كثير من السوائل التي تحوي الكافيين، أو ممارسة قليل من التمرينات الرياضية أو عدم ممارستها على الإطلاق، أو مشاهدة التلفاز واستعمال الموبايل قبل النوم مباشرة، أو النوم في غرفة مرتفعة الحرارة أو مضيئة أو صاخبة، كلها عوامل تسهم في تردِّي جودة النوم.
4. اضطراب النوم:
يُسهم انقطاع التنفس في أثناء النوم، أو النوم القهري، أو متلازمة تململ الساقين في إضعاف جودة نومك وحرمانك من النوم.
5. المشكلات الصحية:
ربَّما لمشكلات نومك سبب صحي، مثل: الألم الجسدي، أو حرقة المعدة، أو مرض الغدة الدرقية، أو مشكلة تتعلَّق بالصحة العقلية مثل الاكتئاب، أو القلق، أو الاضطراب ثنائي القطب، ويعاني كبار السنِّ المصابون بالخرف في الغالب من نوم متقطع، ولكن ربَطَ الأطباء الحالات الأخيرة من كوفيد (COVID) طويل الأمد بانخفاض جودة النوم، وقد تسبِّب الآثار الجانبية لبعض الأدوية مشكلات في النوم أيضاً.
6. واجبات الرعاية الصحية:
سواء كنت تعتني بأحد الوالدين المسنين أم برضيع مصاب بمغص، فإنَّ تقديم الرعاية لشخص عزيز على قلبك في الليل، يؤثر سلباً في نومك كماً ونوعاً.
استخدام مذكرات النوم لتتبع أعراض النوم وأنماطه:
قد يساعدك استخدام مذكرات النوم لتسجيل أنماط نومك وعاداتك النهارية، على تحديد سبب حرمانك من النوم، فاكتب فيها ملاحظات، مثل:
- توقيت النوم والاستيقاظ.
- مقدار نومك ومدى انتعاشك في الصباح.
- التمرينات التي مارستها في النهار ومدتها.
- ما تفعله عندما تستيقظ ولا تستطيع العودة إلى النوم.
- الأطعمة والمشروبات التي تتناولها قبل النوم.
- مشاعرك وحالتك المزاجية وقت النوم (متوتر، قلق، حزين).
- الأدوية التي تناولتها.
بعد تسجيل الملاحظات مدة أسبوع أو نحو ذلك، قد تتمكن من ربط سلوكات أو حالات مزاجية معينة باضطراب نومك.
شاهد بالفيديو: 7 نصائح عملية لتحظى بنوم أفضل وتستيقظ نشيطاً
علاج الحرمان من النوم أو الوقاية منه:
إذا كنت تشعر دائماً بالخمول عند الاستيقاظ من النوم وبالتعب في النهار، فقد حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحصول على حاجتك من النوم، فقد يكون من المغري تناول حبة دواء عندما تحتاج إلى الحصول على قسط من الراحة، ولكن لديك خيارات كثيرة لتحسين كمية نومك وجودته، دون الحاجة إلى الاعتماد على الأدوية، فالحبوب المنوِّمة أو الأدوية المساعدة على النوم، مفيدة للاستخدام قصير الأمد، لكنَّها لا تعالج الأسباب الكامنة وراء مشكلة النوم، وقد تؤدي إلى تفاقم الأعراض بمرور الوقت، وبإمكانك إجراء عدد من التغييرات في نمط الحياة والسلوكات لمعالجة الحرمان من النوم واستعادة نظام نومك الصحي، ومنها:
1. الاسترخاء قبل النوم:
تجنَّب الأجهزة الرقمية والعمل والمحادثات المجهدة قبل النوم بساعة على الأقل، ومارِسْ عادات مفيدة قبل النوم تمكِّنك من الاسترخاء وتهدئة عقلك، مثل: الاستحمام بماء دافئ، أو الاستماع إلى موسيقى هادئة أو كتاب صوتي، أو القراءة في ضوء خافت، أو ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق والتأمل واسترخاء العضلات التدريجي.
2. تأجيل القلق:
إذا كانت الهموم تجول في خاطرك حين تستلقي للنوم، فاكتبها على ورقة للتفكير بها في يوم الغد، وعندما تستيقظ وأنت منتعش بعد ليلة نوم هانئة، ستكون أقدر على حل المشكلة.
3. ضبط التوتر:
مهما كانت أسباب شعورك بالتوتر، يمكنك ضبطها بطريقة صحية لتخفيف التوتر والقلق وتحسين جودة نومك ليلاً.
4. ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام:
لا تقتصر فوائد التمرينات الرياضية على تخفيف التوتر فحسب، بل تساعد أيضاً على تحسين الحالة المزاجية وتخفيف أعراض عدة من اضطرابات النوم، فتمرَّن نصف ساعة على الأقل في معظم الأيام، ولكن ليس في وقت قريب من موعد نومك، وإلَّا قد تجد صعوبة في النوم.
5. النوم في موعد محدد:
ستدعم ساعتك البيولوجية عندما تنام وتستيقظ في الوقت نفسه من كل يوم.
6. تقليل تأثير العمل بنظام الورديات:
يمكنك تنظيم دورة النوم والاستيقاظ باستخدام أضواء ساطعة لزيادة تعرضك للضوء في أثناء العمل، ومن ثمَّ الحد من تعرُّضك للضوء عندما تعود إلى المنزل ويحين موعد النوم، فاستخدم ستائر تحجب الضوء لإبقاء غرفة نومك مظلمة في النهار.
7. اختيار طعامك وشرابك بعناية:
يؤدي تناول كثير من الأطعمة المحلاة واحتساء السوائل التي تحوي الكافيين في النهار إلى إفساد نومك ليلاً، ويسبِّب تناول وجبة دسمة في وقت قريب من موعد نومك صعوبة في النوم، واحتساء كثير من السوائل يوقظك في الليل.
8. تحسين بيئة نومك:
تؤدي الراحة في الليل إلى نوم أفضل، وبإمكانك مثلاً استعمال وسادة جديدة أو مرتبة جديدة، أو سرير قابل للتعديل لزيادة مقدار راحتك وتحسين نظام نومك، فنَمْ في غرفة مظلمة وهادئة وباردة، وخصِّص سريرك للنوم فقط، أي لا تستعمل الأجهزة الرقمية ولا تمارس أي نشاط على السرير.
9. طلب المساعدة من الآخرين:
إذا كنت تسهر على رعاية أحد أفراد العائلة، فإنَّك ستشعر بالإرهاق بسرعة وتُعرِّض صحتك وصحته للخطر، فاطلُبْ الدعم من الآخرين للمساعدة على تخفيف عبء تقديم الرعاية الصحية وتعويض ما فاتك من نوم.
10. طلب مساعدة مهنية:
راجِعْ طبيبك عندما تشكُّ في وجود سبب صحي لحرمانك من النوم، لمعالجة أية مشكلات صحية مزمنة جسدية أو نفسية قد تفسد نومك، أو لتغيير الدواء إذا كانت له تأثيرات جانبية تسهم في تفاقم هذه المشكلات.
أضف تعليقاً