قوة وجاذبية الشاشة:
بسبب سهولة الحصول على البيانات فإنَّ إغراء هذه الأجهزة الإلكترونية واضح تماماً، فلم يسبق لنا أن حصلنا على هذا القدر من المعلومات في القرن الواحد والعشرين؛ فكل المحتوى والوسائط والترفيه الذي نرغب فيه متاح بسهولة من شاشة واحدة، ومع ذلك مع مرور الوقت كان هذا يعني أنَّ قدرتنا على إنشاء وسائل الترفيه الخاصة بنا قد انخفضت انخفاضاً كبيراً؛ فمن الواضح أنَّه لن يشعر أيٌّ منَّا بالملل مرة أخرى مع وجود الإنترنت الذي يلبي جميع رغباتنا وطلباتنا.
لكن مع فقدان الإبداع وتأمل الذات والصبر تظهر عدة جوانب سلبية، والجدير بالذكر أنَّ معظمنا يجدون أنفسهم الآن غير قادرين على الانفصال عن الشاشات على مدار اليوم، ونعاني أعراضاً انسحابية عندما نفعل ذلك؛ ونتيجة لذلك بدأ اعتمادنا الشاشة بالتعدي على صحتنا العقلية.
كيف تؤثر زيادة الوقت الذي نقضيه أمام الشاشة في صحتنا العقلية؟
بكل بساطة تؤثر زيادة وقت الشاشة المستمرة في احتياجاتنا البشرية الأساسية للغاية، وهذه حقيقة أشار إليها العديد من علماء النفس البارزين الذين شهدوا التداعيات مباشرة.
فجسم الإنسان هو آلة تحتاج إلى عناية دائمة للاستمرار بعملها جيداً؛ وهذا يعني لكل من البالغين والأطفال:
- الحصول على القدر المناسب من النوم والراحة.
- أن تكون نشيطاً طوال اليوم.
- اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن.
- التفاعل الاجتماعي مع الآخرين على أرض الواقع.
مع ذلك عندما يصبح أيٌّ من هذه الاحتياجات غير متوازن، يبدأ الوقت الذي نقضيه خلف شاشات الأجهزة الإلكترونية بالتدخل في السلامة العامة للجسم؛ والسبب هو التحفيز المستمر لعقولنا؛ هذا يعني، بدلاً من النوم سنبقى مستيقظين لنشاهد حلقة أخرى أو نتحقق من أحدث فيديو على موقع يوتيوب (YouTube)، وبدلاً من الحصول على القدر اليومي الموصى به من التمرينات الرياضية نجلس أمام شاشاتنا أو نستلقي على أسرَّتنا متكاسلين مدة طويلة من اليوم، كما حلَّتِ الوجبات الخفيفة محل الطعام الصحي حتى نتمكن من تناول الطعام أمام شاشاتنا، أو نأكل المزيد من الطعام الجاهز وسريع الإعداد؛ لذلك نقضي وقتاً أقل في تحضير الطعام للسبب نفسه.
لكن ربَّما تكون إحدى المشكلات الأكثر تعقيداً فيما يتعلق بالصحة العقلية هي أنَّنا لا نتفاعل مع الآخرين؛ فمع ذلك التواصل الإلكتروني والتفاعل عبر الإنترنت كله إلا أنَّنا مخلوقات اجتماعية ونتوق إلى مستوى من التنشئة الاجتماعية الحقيقية، وهذا مجرد شيء لا يمكن للشاشة توفيره.
شاهد: 8 طرق للتخلص من إدمان الهاتف الذكي
ازدياد وقت استخدام الأجهزة الإلكترونية في عالم دائم التغير:
الحقيقة هي أنَّنا نعيش في عالم يحتاج فيه معظمنا إلى الوصول إلى الشاشات؛ فهي جزء من حياتنا اليومية، وإضافة إلى ذلك مع الأوبئة مثل جائحة كوفيد (COVID) الأخيرة أصبحت الشاشة بالنسبة إلى معظمنا حبل نجاة؛ إذ يجد بعض الأشخاص أنَّهم يعتمدون الآن فقط الشاشات في عملهم، في حين يجد آخرون أنَّ الشاشات هي الوسيلة الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي.
لسوء الحظ من الطبيعي أيضاً أن نقول إنَّ معظمنا في بعض الأحيان يجدون الحياة خلف الشاشات أكثر أماناً إلى حدٍّ ما، وينطبق هذا خصوصاً على الأطفال خلال أوقات العُطَل المدرسية والبالغين في المساء؛ لذلك إذا أردنا التأكد من أنَّ استهلاك المزيد من الوقت أمام الشاشة في الوقت القادم لن يستمر في التأثير في حالة صحتنا العقلية فلا بد من إيجاد طريقة لمعاملته.
إنشاء توازن جيد بين الوقت الذي نقضيه خلف شاشات الأجهزة الإلكترونية وحالة الصحة العقلية الإيجابية:
يكمن الحل في إيجاد هذا التوازن، ربَّما من السهل التحدث عن هذا التوازن ولكن من الصعب تطبيقه، والمثابرة هنا أمر حيوي وضروري؛ وهذا يعني البحث عن حل لإنشاء سيناريو أكثر صحة على الأمد الطويل.
لا يمكن إنكار أنَّ الشاشات تسبب الإدمان ولدينا جميعاً ميول للإدمان، ومع ذلك مثل أي إدمان يمكن التغلب عليه، وعلى الرَّغم من أنَّ الفكرة ليست القضاء عليه تماماً إلا أنَّك تستطيع بناء توازن صحي من خلال ما يأتي:
1. محاولة تقدير مدى إدمانك لشاشتك:
وأن تكون صريحاً مع نفسك بشأن الوقت الذي تستخدم فيه الشاشة، ومراقبة عدد المرات التي تحاول فيها استخدام جهازك طوال اليوم، وتسجيل الوقت الذي تقضيه في استخدام تطبيقاتك المفضلة.
2. تخصيص وقت لإعادة تقييم صحتك العامة وعافيتك والانتباه لما يأتي:
هل أنت متعب طوال اليوم؟ هل تعاني وضعاً صحياً معيناً؟ هل تجد نفسك تنسحب أكثر فأكثر ممَّن حولك؟
إقرأ أيضاً: استخدام الهاتف بفعاليّة، اجعل كل اتّصال يصبّ في مصلحتك
3. الالتزام بإجراء تغيير:
على سبيل المثال إذا كنت تستيقظ متعباً كل يوم بعد قضاء ساعات في مشاهدة مقاطع الفيديو على هاتفك طوال الليل، حاول إيقاف تشغيل أجهزتك الإلكترونية قبل النوم.
4. العثور على نوع آخر من النشاط لتقليل الوقت الذي تقضيه أمام الشاشة:
لذا بدلاً من القراءة في جهازك اختر كتاباً ورقياً مكانه، وعندما ترغب في تصفح قوائم الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي اخرج وامشِ بدلاً من ذلك، وفي وقت العشاء تجاهل الشاشة واجلس على المائدة لتناول الطعام بدلاً من ذلك.
في الختام:
لا أحد يستطيع أن ينكر قوة الشاشة وجاذبيتها، لكن يمكننا جميعاً أن ندرك هذه القوة ونتوصل إلى حلٍّ وسط من أجل صحتنا وسلامتنا العقلية.
أضف تعليقاً