تُعَدُّ الضوضاء مرضاً ومشكلةً تواجه العالم بالاجتماع مع الملوثات الأخرى التي تزداد يوماً بعد يومٍ، وقد انتشرت العدوى بها حتى طالت المجتمعات كلها، ووصلت إلى المناطق البدائية لتساهم في تلويثها وزعزعة تجانسها. سنتحدث في مقالنا هذا عن أنواع الضوضاء وأسبابها وآثارها وطرائق معالجة آثارها؛ لذا تابعوا معنا.
أنواع الضوضاء:
تقسم الضوضاء إلى ثلاثة أنواعٍ وهي:
- الضوضاء أو التلوث البصري.
- الضوضاء أو التلوث الإعلامي.
- الضوضاء أو التلوث السمعي.
وسنبدأ بشرح كل نوعٍ على حدة:
التلوث البصري:
هو تلاشي المظهر الجميل والأنيق للأرياف والمدن، والشكل المميز للطبيعة المحيطة بنا من مبانٍ وأنهارٍ وشواطئ وطرقٍ وأشجارٍ وغيرها، وانتشار المظاهر المشوهة الباعثة على الانزعاج والتوتر.
أسبابه:
- مناظر الأدخنة المتصاعدة من المصانع وعوادم المركبات وغيرها.
- مناظر النفايات والحشرات والروائح الكريهة المرتبطة بها.
- مناظر الشواطئ الملوثة بمخلفات المصانع.
- مناظر العشوائيات وسوء التنظيم العمراني.
- انتشار غابات الإسمنت وانحسار الغابات الخضراء.
- الأرصفة والطرق المليئة بالقمامة.
وغيرها الكثير مما يسيء إلى مظهر عالمنا الجميل.
التلوث الإعلامي:
أمسى الإعلام المرئي قادراً على تحديد مصير الشعوب ومستقبل العالم. والمعرفة الإعلامية لا تقتصر على المواطن العادي؛ بل تصل إلى أعلى مراكز القرار.
إنَّ غياب الإعلام الموضوعي المدروس عن بلداننا يشبه غياب الأب عن أسرته، ولكي نصل إلى إعلامٍ مميزٍ، يجب العمل بحريةٍ لتداول الحقائق مع عنصرٍ بشريٍ مؤهلٍ ووجدانيٍ، يرصد الواقع بدقةٍ دون تشويه.
من هنا نجد الأثر الخطير للتلوث الإعلامي؛ إذ إنَّنا في عصر التلفاز والصور، معرَّضون لفقد البصيرة لكثرة الأفلام والصور الموجهة التي نشاهدها، ولا أحد يسأل ما هو الهدف منها؟ ومن أين تأتي؟ وما هي معانيها؟ ولماذا نستعملها؟
هي نوعٌ من الضغط الإعلامي الاستهلاكي الذي يصيب بالعمى الفكري والعلمي. ووُجدت هذه الضوضاء الإعلامية لحرفنا عن الحقيقة، وبقائنا بعيدين عن التوازن العقلي والمعرفي، ومن ثم غياب الرؤية والتوجه الصحيحين، وصولاً إلى الأمكنة المقصودة لقطف الثمار لاحقاً.
يجب ألا ننسى دور وسائل الإعلام والصحافة الصفراء، بضخها للأفكار المُلوِّثة للنفس البشرية المليئة بالفساد والمال والحروب وهذا أخطر ما يواجه الإنسان؛ تلوث نفسه وإفسادها بالمال والسياسة والاستهلاك الإعلامي، وهذا يغوي النفس البشرية ويقنعها بأفكارٍ محددةٍ وإجبار الناس على شراء موادٍ وسلعٍ لا يحتاجون إليها.
شاهد بالفديو: 14 طريقة لتخلّص دماغك من الفوضى
التلوث السمعي:
هو التلوث المتشكِّل عن الأصوات المزعجة المتنوعة مثل أصوات الآلات، والأجهزة الكهربائية، ووسائط النقل، والورش الصناعية وغيرها من الأصوات التي تؤثر سلباً في نمط الحياة الهادئ والصحي.
ولعل الزيادة السكانية، وارتفاع نسبة الساكنين في البيت الواحد أو الوحدات السكنية المكتظة، ومفرزات الحضارة الحديثة، والتكنولوجيا؛ هي من أهم المصادر المسببة له، والتي يمكن حصرها بالآتي:
- وسائط النقل المتنوعة: سيارات، وطائرات، وقطارات، وسفن وغيرها.
- الحياة اليومية: بقدر الراحة والرفاهية التي جلبتها تكنولوجيا الحياة، أفرزت سلبياتٍ ومشكلات ضد الإنسان، من الأجهزة الكهربائية المستعملة في كل منزلٍ، كالغسالة والمكنسة الكهربائية والمكيفات والتلفاز ومكبرات الصوت والمراوح وغيرها. وتزداد خطورة هذه الأجهزة في الوحدة السكنية وتجاور الشقق، وخاصةً في حال ترافقت مع حركةٍ مروريةٍ وأصوات الآليات، وتجاوز المدة الزمنية لسماعها أكثر من 3 ساعاتٍ.
- ضوضاء العمل: من أصوات الآلات الصناعية ومكنات الورش وسماعها يومياً لأكثر من 6 ساعاتٍ.
- مصادر أخرى للتلوث السمعي كالنشاز الصادر عن الأغاني الهابطة والموسيقى العصرية التي يغلب فيها الإيقاع والطبول على الأنغام المضبوطة، وأكبر فئةٍ تتعرض لهذا النوع من التلوث هي المراهقون.
قياس التلوث السمعي:
تُقاس شدة الصوت بالديسبل، وهو مقياسٌ للضغط المتشكل عن الموجات الصوتية المتولدة من مصدرها ورمزه DBA.
بالنسبة إلى الإنسان هو قياس قوة إزاحة الهواء من الرئتين وطرده إلى الخارج عبر الأنف مروراً بالحبال الصوتية، مع العلم أنَّ قدرة البشر على الصياح بأعلى صوتٍ لا تتجاوز الـ 100 ديسبل.
ويتراوح مستوى الضوضاء بين 30 إلى 150 ديسبل، ومع ارتفاع أحاديث الهمس والهدوء والراحة تحتاج إلى مستوى بين 30 إلى 50 ديسبل، وعند ارتفاع الصوت في المنزل وخارجه وازدحام الشوارع يصل المستوى إلى 70 ديسبل.
بينما ترفع أصوات الورش والمكنات الصناعية مستوى الضوضاء إلى 90 ديسبل، وهذا يُعَدُّ ضاراً وغير قانونيٍ حسب القوانين الغربية. وعند تجاوز مستوى الضوضاء الـ 120 ديسبل، ترتفع الخطورة على السمع والقلب مع أصوات الطائرات وآلات الحفر والتنقيب والطَّرق والضغط. وفي حال تجاوزها مستوى الـ 150 ديسبل تسبب الصمم الدائم، وإذا وصلت إلى 200 ديسبل فإنَّها قد تسبب الموت.
آثار الضوضاء أي التلوث السمعي:
- أثر الضوضاء في الصحة: تتعدد الآثار الناجمة عن الضوضاء في الصحة، وتتناسب طرداً مع طول الفترة الزمنية للتعرض لها، ومن تلك الآثار "ارتفاع التوتر الشرياني، وضعف السمع أو فقدانه، واضطرابات الجهاز العصبي، واضطرابات الجهاز الهضمي، والداء السكري، واضطرابات القلب والأوعية الدموية" وغيرها الكثير.
- أثر الضوضاء في الحالة النفسية: تعكس الضوضاء علاقة الشخص بمحيطه الخارجي ومن ثم سلوكه. ويختلف شعور الضيق والتوتر والعصبية وتغيُّر المزاج والتعب بين شخصٍ وآخر. ويزداد الضرر سوءاً في حال ترافقت الضوضاء مع نمط حياةٍ مليءٍ بالتدخين، والكحول، والتعرض الدائم للأصبغة والبخاخات والدهانات وغيرها من المواد التي تكون موجودةً في بيئة عملٍ ضارةٍ ومستمرةٍ، وهذا يسرِّع الضرر في الكلى والقلب والجهاز العصبي والنفسي.
- أثر الضوضاء في عملية التعليم: تؤثر الضوضاء في قابلية التعلُّم عند الصغار والكبار، ناهيك عن الضرر السمعي الناجم عنها؛ إذ نرى طلاب المدارس القاطنين في المناطق القريبة من المصانع والأماكن المزدحمة، أقلَّ قدرةً على التركيز والدراسة نتيجة التعرض المزمن للضوضاء مقارنةً مع الطلاب القاطنين في الأرياف والمناطق الهادئة الأخرى.
- أثر الضوضاء في الناحية الفكرية: تسبب الضوضاء الإرهاق الفكري وانعدام القدرة على التركيز وتصفية الذهن والتأخير في الإنتاجية والأداء؛ وهذا يؤدي إلى ارتكاب العديد من الأخطاء وسوء العلاقة مع زملاء العمل وأفراد الأسرة، وما ينشأ عنها من اكتئابٍ وعزلةٍ اجتماعيةٍ وأضرارٍ عقليةٍ ونفسيةٍ أخرى.
علاج آثار الضوضاء:
تُعالَج آثار الضوضاء في الشخص باتباع نمط حياةٍ صحيٍ، وسنذكر فيما يأتي بعض التدابير الناجحة:
- ممارسة الرياضة والتأمل وتمرينات التنفس العميق والاسترخاء لتحسين المزاج وتخفيف الضغوطات.
- الخلود للنوم والراحة باكراً وتجنُّب السهر قدر الإمكان.
- احترام الإجازات وممارسة الهوايات وسماع الموسيقى الهادئة التي تقلل التوتر وتُشعر بالاسترخاء.
- تقليل ساعات العمل في الأماكن العرضة للضوضاء العالية، والفحص الدوري للسمع والقلب.
- المشاركة بحملات التشجير في المدن خاصةً؛ وذلك لما للأشجار من قدرةٍ على بعثرة وامتصاص الأصوات وتنقية الجو.
- إجراء الحملات الإعلامية للتوعية من مخاطر الضوضاء بأنواعها كافة.
- نقل الورش الصناعية خارج المدن والمناطق السكنية، واستعمال حاميات الأذن في الأعمال التي تتطلب الوقوف قريباً من الآلات الصناعية التي تصدر أصواتاً عالية لفتراتٍ طويلةٍ يومياً.
- توسيع الطرق الحديثة والقديمة للحد من مشكلات الازدحام والضوضاء.
- بناء جدران المنازل والشقق السكنية من طبقتين مع فراغٍ عازلٍ بينهما من الفلين أو المطاط.
- توعية الناس بالأخص العمال بضرورة الالتزام بقواعد الهدوء، وتحديد أوقات العمل، واستعمال واقيات الأذن عند استعمال الآلات التي تصدر أصواتاً عالية.
- إخماد الاهتزازات وعزل المنشآت الصناعية صوتياً بالطرائق المتاحة.
- اعتماد معايير المسافة بين المصانع والمناطق السكنية، مصانع الاحتراق على بعد 2300 مترٍ، ومصانع التعليب على بعد 200 مترٍ عن المناطق السكنية.
- ضبط قوانين القيادة والسرعة للحد من الأصوات العالية الصادرة عن الآليات ووسائط النقل ومخالفة مَن يخرج عنها.
كيف تتسبب الضوضاء في فقدان السمع؟
تنتقل الأصوات بشكل أمواجٍ متواليةٍ في الغازات التي يتشكل منها الهواء المحيط بنا، وتتوزع وتنتشر في الاتجاهات كافة، وتستقبلها الأذن البشرية. وهذه الموجات أو الهزات وتواترها سواء البطيء أم السريع، المرتفع أم المنخفض تدعى بالتردد الصوتي ويقاس بالهرتز، وهي وحدة قياس عدد الهزات في الثانية الواحدة. تتميز كل موجةٍ صوتيةٍ بترددٍ معينٍ، وتستطيع الأذن البشرية سماع الترددات التي تتراوح بين 20 إلى 6000 هرتز.
وتتم عملية السمع عندما تستقبل الأذن الموجات الصوتية، ويوجهها صيوان الأذن لتدخل عبر المجرى السمعي الخارجي إلى أن تصل إلى غشاءٍ رقيقٍ موجودٍ في بداية الأذن الوسطى يدعى غشاء الطبل، وعندما تضربه يهتز هذا الغشاء وتُرسَل هذه الاهتزازات إلى عُظيمات السمع الثلاث المطرقة، والسندان، والركاب، فتهتز هذه العظيمات وتتحرك حسب شدة الصوت، لترسل الإشارات إلى الأذن الداخلية التي تضم النافذة البيضية والمدورة ومن ثم إلى الحلزون، لتصل بعدها إلى المستقبلات العصبية التي ترسل سيالةً عصبيةً على شكل نبضاتٍ كهربائيةٍ إلى الدماغ، الذي بدوره يترجم هذه النبضات ويتعرَّف الصوت.
وفي حال استقبال الأذن لأصواتٍ عاليةٍ ولفترةٍ مستمرةٍ وطويلةٍ، سيؤدي هذا إلى إضعاف الخلايا العصبية السمعية، وقد يتأثر غشاء الطبل ويتمزق، ومن الممكن أن تنفلت عُظيمات السمع؛ وهذا يؤدي إلى خسارة السمع إلى الأبد.
في الختام:
إنَّ مسؤولية خفض مستوى الضوضاء تقع على المجتمع برمته من المصنع إلى العمال والناس جميعاً والمسؤولين عن تطبيق القانون، ويجب علينا العمل على الحد من التلوث البصري الذي يخرب جمال طبيعتنا، والتلوث الإعلامي الذي يهدد عقول أطفالنا وشباب مجتمعنا. ويجب ألا ننسى أنَّ الأكثرية الصامتة لا تصنع ضجيجاً؛ بل تصنع التاريخ.
المصادر:
- البيئة والتلوث: د. محمد الطويل.
- العالم في خطر: علي اورفلي.
- الضجيج: أخطر أمراض العصر
أضف تعليقاً