سنسلط الضوء في هذا المقال على هذه العلاقة المعقَّدة، مستعرضين كيف يمكن أن تؤثر الضغوطات النفسية في خياراتنا الغذائية وسلوكنا، وسنتناول أيضاً أسباب التوتر وأنواعه، لتحافظ على صحتك النفسية والجسدية، فدعنا نبدأ رحلة الفهم والتحكم في هذه الظاهرة.
هل توجد علاقة بين التوتر وزيادة الوزن؟
كشفت دراسة حديثة عن وجود ارتباط وثيق بين التعرض المستمر للتوتر وزيادة الوزن، وهو ما يُعزى إلى إفراز هرمون الكورتيزول في الجسم خلال فترات الضغط النفسي، وأظهرت الأبحاث التي أجريت في المملكة المتحدة، والتي اعتمدت على تحليل شعر المشاركين لقياس مستويات الكورتيزول على الأمد الطويل، أنَّ التوتر المزمن يرتبط باكتساب الوزن وصعوبة التخلص منه.
في السابق ربطت دراسات أخرى بين ارتفاع مستويات الكورتيزول في الدم والبول واللعاب والسمنة، ولكنَّ فريق الباحثين في دورية السمنة (أوبيزيتي) أشار إلى أنَّ قياسات الكورتيزول قد تختلف خلال اليوم، الأمر الذي شكَّل عائقاً في تحديد مستويات التوتر على الأمد الطويل، وأوضحت "سارة جاكسون"، التي قادت الدراسة من جامعة كوليدج لندن، أنَّ التعرض للتوتر يحفِّز الجسم على إفراز الكورتيزول، وهذا يؤثر في عمليات الأيض وتوزيع الدهون.
أضافت "جاكسون" أنَّ هذا الهرمون يجعل من الصعب مقاومة الأطعمة غير الصحية أو ممارسة النشاط البدني، ويُنشِّط التوتر بعض ردود الفعل في الدماغ، وهذا يؤدي إلى إفراز هرمونات تُعزِّز الانتباه وتسرِّع النبض، لكنَّ التعرُّض المتكرر له يمكن أن يعطِّل وظائف المناعة ويؤدي إلى مشكلات صحية متعددة، ومن ذلك السمنة.
في الدراسة التي شملت 2527 شخصاً تتراوح أعمارهم من 54 عاماً وما فوق، حلَّل الباحثون قصاصات الشعر على مدار سنوات، ليكتشفوا أنَّ المشاركين الذين أظهرت نتائجهم مستويات مرتفعة من الكورتيزول، كانوا أكثر عرضة للسمنة وارتفاع محيط الخصر، وهذه النتائج تؤكِّد أهمية فهم العلاقة بين التوتر والسمنة، وهذا بدوره يساعد على اتخاذ خطوات فعالة للحفاظ على الصحة العامة.
يقلِّل التوتر قدرة الجسم على حرق الدهون
كشفت دراسة أميركية حديثة أنَّ التوتر يمكن أن يعقد عملية فقدان الوزن الزائد، فيُحفِّز إنتاج بروتين معيَّن يُعرف باسم "بيتاتروفين"، والذي يعوق قدرة الجسم على تفتيت الدهون، وأوضح الباحثون من جامعة فلوريدا أنَّ عدداً من الأشخاص يعانون من التوتر اليومي بسبب الظروف المحيطة بهم، وهذا يؤدي إلى مشكلات متعددة، بما في ذلك صعوبة خسارة الوزن.
وفقاً لصحيفة ديلي ميل، أظهرت الدراسة أنَّ التوتر المزمن يُعزز إنتاج هذا البروتين، الذي كان يُعدُّ سابقاً علاجاً محتملاً لمرض السكري لقدرته على زيادة عدد خلايا بيتا المنتجة للأنسولين، ولكن اتَّضح لاحقاً أنَّ ليس له تأثير فعَّال في هذا المجال، وتعمَّق الباحثون في خصائص البيتاتروفين من خلال إجراء تجارب على خلايا مأخوذة من الفئران والبشر لتحديد دوره في تنظيم الدهون بالجسم، وقد وجدوا أنَّ الفئران التي تعاني من توتر بيئي، أظهرت زيادة في إنتاج هذا البروتين، وهذا يُشير إلى ارتباطه بمعدلات التوتر.
كما أظهرت النتائج أنَّ البيتاتروفين يُعرقل الإنزيم المسؤول عن تفتيت الدهون المتراكمة، وهذا يسلِّط الضوء على التحديات التي يواجهها الأفراد في رحلتهم لفقدان الوزن بسبب التوتر.
أعراض التوتر
يُعرف التوتر بأنَّه الشعور المستمر بالضغط والإرهاق على مدى فترة طويلة، وهذا يستنزف الطاقة النفسية والجسدية للشخص ببطء، وتظهر علامات هذا الاستنزاف في شكل مجموعة من الأعراض التي قد تستمر لأسابيع، ومن أبرزها آلام متفرقة في الجسم، والأرق، وتغيرات في السلوك الاجتماعي مثل الانعزال والبقاء في المنزل لفترات طويلة، كما يعاني الأشخاص من انخفاض مستويات الطاقة وصعوبة التركيز، وهذا كله يؤدي إلى انسحاب عاطفي، فإذا لم يُتعامَل مع هذه الحالة، فقد تتطور إلى اضطرابات نفسية أكثر خطورة، مثل الاكتئاب والوسواس القهري، ومن الهام فهم هذه الأعراض والتعامل معها بجدية لضمان الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية.
شاهد بالفيديو: 11 استراتيجية تساعدك على إدارة التوتر
ما هي أسباب التوتر؟
يمكن أن يتسبَّب التوتر في ظهور عدد من العوامل المختلفة، ومنها:
1. التجارب المؤلمة
يمكن أن تؤدي الذكريات المؤلمة أو سوء المعاملة أو الأحداث المفاجئة إلى شعور بالتوتر.
2. المشكلات الصحية
التعامل مع الأمراض المزمنة أو رعاية أحد أفراد الأسرة المرضى يمكن أن يكون مصدراً للضغط النفسي.
3. التغييرات الكبيرة في الحياة
مثل الانتقال إلى مكان جديد، بدء وظيفة جديدة، أو الزواج، أو تجربة الخسارة، جميعها يمكن أن تؤدي إلى التوتر.
4. الضغوطات اليومية
المتطلبات، أو المواعيد النهائية، أو عبء العمل الكبير، أو الضغط الأكاديمي يمكن أن تساهم في زيادة مستويات التوتر.
5. المخاوف المالية
القلق بشأن الاستقرار المالي، أو الديون، أو عدم اليقين الاقتصادي يمكن أن يشكل ضغوطات كبيرة.
6. المشكلات العائلية
الصعوبات في العلاقات أو النزاعات الأسرية يمكن أن تسهم في شعور بالتوتر العاطفي.
7. البيئة المحيطة
التعرض للضوضاء، أو التلوث، أو ظروف المعيشة غير المريحة يمكن أن يزيد من مستويات التوتر.
أنواع التوتر
1. التوتر المرتبط بالزمن
يمكن أن تتعرض للتوتر الزمني عندما تشعر بالقلق حيال الوقت المتاح لك، خاصة عندما يبدو غير كافٍ لإنجاز مهمَّة معيَّنة، فقد تساورك المخاوف بشأن بعض الأمور التي يجب عليك القيام بها ضمن فترة محدودة، وهذا يجعلك تشعر بالخوف من الفشل في تحقيق أهدافك في الوقت المناسب، وهذا الإحساس يمكن أن يجعلك تشعر وكأنَّك محاصر، وهذا بدوره يؤدي إلى مشاعر الحزن واليأس، وأحد أبرز الأمثلة عن هذا النوع من التوتر هو ما نشعر به عندما يقترب موعد تسليم مشروع التخرج أو الامتحان، فيتزايد الضغط ونتوقَّع أنَّنا لن نتمكن من إنهاء ما بدأناه في الموعد المحدد.
2. القلق المتعلِّق بالمستقبل
يُعدُّ القلق المتعلِّق بالمستقبل نوعاً من التوتر الذي يمكن أن يتَّخذ أشكالاً متعددة، فقد يكون هذا القلق مرتبطاً بحدث محدد، مثل خطاب يتعيَّن عليك إلقاؤه، فتساورك المخاوف بشأن الأداء أو ردود فعل الجمهور، ولكنَّ الأمر لا يقتصر على ذلك، فقد يظهر القلق أيضاً ظهوراً غير محدد، كخوف عميق من حدوث شيء مروِّع في المستقبل أو شعور دائم بأنَّ شيئاً سيئاً لا بد أن يحدث، وهذا النوع من القلق يمكن أن يؤثر تأثيراً كبيراً في حياتنا اليومية، وهذا بدوره يجعلنا نشعر بالضغط والتوتر المستمرَّيَن.
3. القلق اللحظي
تشعر بالتوتر الظرفي أو اللحظي عندما تواجه مواقف مخيفة أو مفاجئة تخرج عن سيطرتك، فقد يحدث هذا في حالات الطوارئ، أو عندما تصطدم بأشخاص آخرين، أو تشعر بفقدان مكانتك أو قيمتك في نظر الآخرين، كما يمكن أن يتجلى هذا التوتر عندما تتعرض لفصل من عملك أو ترتكب خطأ جسيماً أمام زملائك في الفريق، ففي مثل هذه اللحظات، يزداد الشعور بالضغط والقلق، وهذا يؤثر في قدرتك على التفكير بوضوح أو اتخاذ قرارات سليمة.
4. التوتر عند التواصل مع الناس
يتميَّز التوتر الناجم عن التواصل بأنَّه يتعلق بتفاعلاتك مع الآخرين، وتشعر بهذا النوع من التوتر عندما تكون قلقاً بشأن التفاعل مع شخص أو مجموعة قد لا تحبهم أو لا تشعر بالراحة معهم، أو عندما تبدو تصرفاتهم غير متوقَّعة بالنسبة إليك، وهذا النوع من الإجهاد يمكن أن يتفاقم إذا كانت وظيفتك تتطلب تواصلاً مستمراً مع الناس، كما هو الحال مع مندوبي المبيعات أو العاملين في قسم خدمة العملاء.
تزداد حدة هذا الضغط خاصة عندما يتعامل هؤلاء مع أشخاص يمرون بمواقف صعبة أو مأزق، مثل الأطباء والاختصاصيون الاجتماعيون، الذين يواجهون مواجهة روتينية مرضى غير أصحاء أو مستائين، لذا فإنَّ طبيعة العمل التواصلي قد تساهم إسهاماً كبيراً في مستويات التوتر التي يشعر بها الأفراد في هذه المهن.
أسباب أخرى للسمنة
توجد أسباب متعددة وكثيرة للسمنة إليك بعض منها:
1. النوم السيئ
تؤثر التغيرات المرتبطة بالتقدم في العمر تأثيراً ملحوظاً في جودة نومنا، وفي هذا السياق، توضح "أبوفيان" أنَّ قلة النوم المزمنة، التي تعني النوم لمدة 6 ساعات أو أقل كل ليلة، يمكن أن تؤثر في هرمونات تنظيم الشهية، فقد أظهرت الدراسات أنَّ النوم لفترات قصيرة يرتبط بزيادة مستويات الهرمونات التي تحفِّز الشعور بالجوع، بينما تنخفض مستويات الهرمونات التي تُشعرنا بالشبع، كما تزداد مستويات الكورتيزول، وهذا يعزز التأثير السلبي في الصحة العامة، لذا من الهام الانتباه لجودة النوم وتأثيرها في تنظيم الشهية.
2. تغيُّرات في الهرمونات
يعاني الرجال والنساء الأكبر سناً من تراجع في مستويات بعض الهرمونات المرتبطة بالجنس، وهذا يؤثر في صحتهم عموماً، وبالنسبة إلى النساء، فإنَّ انخفاض مستويات الأستروجين يرتبط بمشكلات في النوم وزيادة الدهون في الجسم، وهذا بدوره قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية في نوعية حياتهنَّ، وفي المقابل، يعاني الرجال من انخفاض مستويات التستوستيرون، الذي يؤدي إلى تراجع كتلة العضلات، وهذه التغيرات الهرمونية تتطلب اهتماماً خاصاً، فيمكن أن تؤثر تأثيراً كبيراً في الصحة الجسدية والنفسية لكلا الجنسين.
3. مقاومة الأنسولين
يمكن أن يؤدي الارتفاع المستمر لمستويات الكورتيزول، الناتج عن عوامل مثل الوراثة وقلة النشاط البدني، إلى مشكلة مقاومة الأنسولين، ففي هذه الحالة، تنخفض استجابة الجسم لإفراز الأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم وتحويله إلى طاقة، ونتيجة لذلك، تضعف استجابة خلايا العضلات والدهون والكبد للأنسولين، وهذا يمنعها من امتصاص السكر أو تخزينه تخزيناً فعالاً، وهذا يترتب عليه ارتفاع مستويات السكر في الدم وتراكم الدهون في منطقة البطن، الذي بدوره يزيد من المخاطر الصحية المرتبطة بالسمنة ومشكلات الأيض.
4. قصور الغدة الدرقية
تُفرِز الغدة الدرقية هرمونات أساسية تنظِّم عملية التمثيل الغذائي، وهذا يُزوِّد الجسم بالطاقة اللازمة، وعندما تعاني الغدة من الخمول، فتتباطأ بعض وظائف الجسم، وهذا يؤدي غالباً إلى زيادة الوزن، وخاصة في منطقة البطن، وهذه الزيادة في الوزن تعكس تأثير ضعف نشاط الغدة الدرقية، وهذا يبرز أهمية الحفاظ على صحة هذه الغدة لضمان التوازن في الجسم والتحكم الفعَّال في الوزن.
5. مقاومة الليبتين
يؤدي هرمون الليبتين، الذي تفرزه الخلايا الدهنية، دوراً حيوياً في تنظيم الوزن، فهو يعزِّز الشعور بالشبع بعد تناول الكمية المناسبة من الطعام، وعندما يعمل هذا الهرمون عملاً طبيعياً، يرسل الجسم إشارات إلى الدماغ للتوقف عن الأكل، ولكن عند حدوث مقاومة الليبتين، تتعطل هذه الإشارات، وهذا يؤدي إلى زيادة الوزن، وغالباً ما تتجمع الدهون في منطقة البطن، لذلك فإنَّ الحفاظ على توازن مستويات الليبتين يعدُّ أمراً أساسياً لتحقيق وزن صحي والحد من السمنة.
في الختام
إنَّ الضغط النفسي لا يؤثر فقط في صحتنا النفسية؛ بل يمتد تأثيره ليشمل جوانب متعددة من حياتنا البدنية، وفي النهاية، الاعتناء بصحتنا النفسية والجسدية هو المفتاح لتحقيق التوازن والرفاهية، لذلك دعونا نبدأ اليوم باتخاذ خطوات صغيرة نحو حياة أكثر صحة وخالية من التوتر.
أضف تعليقاً