غالباً ما نتحدث عن كيفية تسريح الموظفين بأمان، لكنَّنا لا نفكر دائماً في الخطوة التالية؛ إذ قد يشعر الموظفون الذين ما يزالون يمارسون عملهم بالقدر نفسه من التوتر الذي شعر به زملاؤهم المُسرَّحون، لذلك من الهام التفكير في طرائق لإعادة بناء ثقة الموظفين ومعنوياتهم بعد هذه التجربة الصعبة.
قد يُساعد فهم تأثير عمليات التسريح في الموظفين الذين بقوا للحفاظ على شركتك وإعادة بنائها نفسياً واجتماعياً على تبرير هذه التغييرات الكبيرة وتحمُّلها والتعافي منها في نهاية المطاف.
3 جوانب لتأثير التسريح في الموظفين المتبقين:
عادةً عندما يفكر أرباب العمل في تأثيرات تسريح العمال، تتلخَّص توقعاتهم الأولية في أنَّ الموظفين المتبقين سيكونون ممتنين للاحتفاظ بوظائفهم ودخلهم وسيستمرون ببساطة في أدوارهم، دون أن يتأثروا بالأحداث التي أثَّرت في زملائهم، ولكن في حقيقة الأمر، ستؤثر تداعيات التسريح في الموظفين الباقين تأثيراً كبيراً للغاية من خلال إفساد العلاقات والهوية والثقة في عالم عادل.
1. العلاقات مع الزملاء:
تستهلك أيام العمل قدراً كبيراً من وقت الموظفين وطاقتهم، وهذا يعني أنَّ العديد من علاقاتنا هي مع زملاء العمل، فقد يعني فقدان زملاء العمل فقدان التواصل مع الأصدقاء والموظفين.
سوف تُرغم الثغرات المفاجئة في النسيج الاجتماعي للمؤسسة الموظفين على إعادة بناء علاقاتهم الاجتماعية والعمليات التعاونية لإنجاز العمل، وقد تؤدي هذه الفترة من إعادة تكوين علاقات العمل إلى إبطاء الإنتاجية، وإحباط الروح المعنوية، وربما تدفع الموظفين المتبقين إلى الشعور بالقلق نتيجة خوفهم من التسريح في المستقبل.
2. الهوية:
في العديد من الثقافات، قد يكون العمل محورياً لهوية الشخص، وقد يؤدي فقدان الوظيفة إلى الإضرار بشعور الشخص بذاته، والتشكيك في قدراته وقيمته الذاتية، ومن ناحية أخرى، قد يكون للاحتفاظ بالوظيفة بعد التسريح بعض التأثيرات المختلفة التي يجب أن يبحث عنها القادة.
بالنسبة إلى أولئك الذين ما يزالون يعملون في الشركة، ربما يكون لحقيقة الاحتفاظ بهم مجموعة متنوعة من التأثيرات المختلفة، فقد يشعرون بالذنب، إذا اعتقدوا أنَّ المُسرَّحين لا يختلفون عنهم، وأنَّ الحظ وحده هو الذي أنقذ وظائفهم.
ومن ناحية أخرى، قد يُفرط آخرون في الثقة بأنفسهم، إذ يعتقدون أنَّ مواهبهم العظيمة هي التي أنقذتهم، مما يجعلهم أقل تعاطفاً مع الموظفين "الأقل قدرة" (وهذا ما قد يُزعج أولئك في المجموعة الأولى).
وهناك أيضاً من يشعر بعدم اليقين من كل شيء نظراً لمدى سرعة تغير الأمور فجأة، ويُمثِّل التعامل مع مثل هذه المجموعة المُعقَّدة من ردود الفعل تحدياً كبيراً، ويجب على القادة إيجاد طرائق للتواصل مع الموظفين وتوجيههم في المجموعات الثلاث.
3. الثقة في عقد العمل النفسي:
يستند الدافع في العمل إلى الاعتقاد بأنَّه إذا كان الموظفون يؤدون واجباتهم الوظيفية أداءً جيداً، فإنَّ وظائفهم ورواتبهم الحالية مضمونة، ويمكنهم حتى الحصول على ترقية أو زيادة في الراتب، سواء كان هذا مكتوباً في العقد صراحةً أم كان مجرد استنتاج، فبدونه ليس لدى الموظفين سبب وجيه لبذل جهد في أدوارهم؛ وذلك لأنَّهم لا يثقون في قدرة رب العمل على الوفاء بوعوده في المستقبل.
تسريح العمال هو خرق لعقد العمل النفسي هذا، فحتى الموظفون المتميزون في وظائفهم مُعرَّضون للتسريح عندما تواجه الشركة بعض المصاعب، ونتيجة لذلك ينتهي الأمر بهؤلاء الذين غادروا والذين بقوا بالتشكيك في الجدوى من تكريس وقتهم وجهدهم للشركة التي يعملون لديها، وقد يدفع هذا الموظفين الذين بقوا إلى تقليص جهودهم الإجمالية في العمل أو إعادة توجيه طاقاتهم نحو البحث عن وظيفة جديدة يكون فيها عقد العمل أكثر أماناً.
الوضع الطبيعي الجديد بعد التسريح:
بعد عملية تسريح العمال، سوف يحتاج القادة والمديرون إلى التفكير في كيفية الحفاظ على تفاعل الموظفين المتبقين، ونظراً لأنَّ تسريح العمال يُقوِّض عقد العمل الضمني، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة في معدل الدوران اللاحق من جانب الموظفين الذين يشعرون بعدم الثقة في الشركة؛ فعلى سبيل المثال أظهرت الأبحاث أنَّ تسريح العمال الذي يستهدف فقط 1٪ من القوى العاملة يسبقه - في المتوسط - زيادة بنسبة 31٪ في معدل دوران الموظفين.
بعد التسريح، قد يشعر الموظفون بأنَّ عملهم أصبح أقل أماناً مما كان عليه عندما انضموا إلى الشركة لأول مرة، وسيجد بعض الموظفون هذا الخطر كبيراً جداً وسيبحثون عن عمل في مكان آخر، وسيشعر الآخرون بأنَّهم محاصرون من قِبل الاقتصاد ويصبحون إما ساخطين أو غير متحمسين، ويتطلب إبطال مفعول تلك التأثيرات تعديلات عديدة على الثقافة التنظيمية والاهتمام ببعض النقاط آنفة الذكر:
1. زيادة الشفافية والثقة:
زوِّد الموظفين بأكبر قدر ممكن من المعلومات حول تقدُّم العمل وكيفية اتخاذك للقرارات؛ إذ تنتقل الشائعات بسرعة في أثناء عمليات التسريح وبعدها، وقد تصبح أي تفاصيل مخفية مادة للقصص، وعلى الرغم من أنَّه لا يمكنك الوعد بعدم تسريح أي موظف آخر، إلا أنَّه يمكنك إقناعهم بقدرتك على ذلك إن تحسَّنت الظروف، ما قد يجعلهم يفكِّرون في العمل مرة أخرى.
2. احترام الخصوصية:
تتخلى المنظمات غالباً عن بعض أصحاب الأداء الضعيف في أثناء فترة التسريح، ولكن يجب الاحتفاظ بهذه الحقيقة بينك وبين الموظف.
بالطبع، يمكنك رفض إعطاء توصية إذا كنت تعتقد أنَّ موظفاً معيناً لا يستحق ذلك، ولكن يجب على القادة الامتناع عن التحدُّث علانية حول الصفات السلبية للموظفين الذين سرَّحوهم؛ لأنَّ ذلك قد يضر بفرصة عثورهم على وظيفة أفضل، وقد يُثير ذلك أيضاً تساؤلات كثيرة حول سبب تسريح الموظفين ذوي الأداء الضعيف فقط عندما تسوء الأمور.
3. التأكيد على أنَّ الهدف أهم من الراتب:
إذا كان أفضل الموظفين لديك ملتزمين فقط براتب مضمون، فليس هناك سبب وجيه يمنعهم من البحث عن وظيفة أكثر استقراراً بعد حدوث تسريح العمال، ولكن يمكن تحفيز الموظفين من خلال الثقافة التنظيمية الجيدة، والرسالة القوية، وتجربة العمل الإيجابية بقدر ما يمكن تحفيزهم بالمال، إذ يُعدُّ تذكير الموظفين بمهمة مؤسستك، أو الإنجازات التي حقَّقتموها معاً، أو المجتمع الذي تسعى إلى بنائه أمراً ضرورياً لإعادة توجيههم نحو إحساس أكبر بالهدف.
4. القيادة الحكيمة:
تُعدُّ عمليات التسريح صعبة بشكل خاص؛ وذلك لأنَّ القادة فقط، وغالباً كبار القادة هم من يقررون من يبقى ومن يذهب؛ إذ إنَّه تذكير قوي بالسلطة التي تتمتع بها القيادة على حياة معظم الموظفين، ولكن عندما يبدو القادة غير متأثرين بمثل هذه العملية المؤلمة، قد يشعر بقية أعضاء الفريق بالاستغلال وعدم القيمة، ويعود الموظفون إلى التفاعل عندما يكون قادتهم حاضرين، وعلى استعداد للاستماع إلى مخاوفهم ومشكلاتهم، وإظهار القدر نفسه من روح التضحية التي يطلبونها من موظفيهم.
5. إشراك الموظفين في المسؤولية:
إذا كان لا بد من زيادة أعباء العمل أو تقليل ساعات العمل أو الأجور من أجل الصمود، ففكر في كيفية إشراك الموظفين في الخطوات التي تتخذها لتنفيذ هذه التغييرات، امنح الموظفين فرصة التطوع للعمل بساعات أقل وأجر أقل كخطوة أولى، وفي حين أنَّ القليل قد يفعل ذلك، إلا أنَّ هذه فرصةٌ تساعد الموظفين على الشعور بالمسؤولية عن النتيجة.
لذا اسعَ إلى تحقيق العدالة، وليس المساواة: فقد يدل التخفيض الإجمالي للأجور بنسبة 10٪ على المساواة، ولكن في هذه الحالة، المبلغ المحسوم من راتب قدره 50 ألف دولار لا يساوي المبلغ المحسوم من راتب قدره 150 ألف دولار، وهذا ليس عدلاً.
6. إدراك القيود:
يحاول القادة بعد تسريح العمال إنجاز المزيد بموارد أقل وموظفين أقل، مما يؤدي إلى إرهاق الموظفين بسرعة، خاصةً بالنسبة إلى الموظفين المتميزين، وإذا خفَّضت عدد موظفيك، ففكر في العمل الذي يمكنك تأجيله أو حتى إلغائه، فالتخلي عن بعض الاجتماعات والمشروعات غير الهامة لتنظيم موظفيك وتمكينهم من تحقيق مكاسب كبيرة لن يساعد شركتك فحسب؛ بل سيحمي الموظفين من الشعور بالإرهاق.
7. زيادة التقدير في حال تعذَّر منح المكافآت:
يُقدِّر الموظفون الترقيات وزيادة الراتب، ليس فقط كونها مكافآت، ولكن أيضاً لقيمتها كرمز للموهبة والنجاح؛ لذا تأكد من تقدير مساهمات كل فرد بطريقة حقيقية وصادقة، ودع الموظفين يعرفون أنَّك ترى عملهم الجاد وتقدِّره، وفكر كيف ستكافئهم مع تحسن ظروف العمل بحيث يكون لديهم شيء يتطلعون إليه.
شاهد بالفديو: 6 نصائح للتفاوض حول الراتب
8. تجنب عودة دوران الموظفين:
تحدث حالات التسريح عادةً خلال الأوقات العصيبة، ولكن هناك أمور أكثر أهمية يجب معالجتها، فتجاهُل عملية إعادة الضبط بعد التسريح من شأنه أن يهيئ مؤسستك لمشكلات مستقبلية؛ إذ عادة ما ينتج عن تسريح العمال مؤسسات أصغر حجماً يؤدي فيها قلة من الموظفين المزيد من العمل.
ويتمتع هؤلاء برأس المال الفكري والمعرفة الواسعة بتاريخ الشركة، وهم أفضل الموظفين الذين ستحتاج إليهم لإعادة بناء مؤسستك عندما تتحسن ظروف العمل؛ إنَّهم أيضاً الأفراد الذين سيحاول منافسوك توظيفهم في شركاتهم في أول فرصة.
إذا غادر هؤلاء الموظفون عندما تتحسن الأوضاع، فلن تعاني فقط في أثناء فترة التسريح؛ وإنَّما بعدها بفترة طويلة نتيجة سرقة منافسيك لأفضل ما لديك، وحينئذ ستصاب بخيبة أمل من المواهب في الوقت الذي تكون فيه في أمس الحاجة إليها، قد يكون الاستخدام الفعَّال لاستطلاعات المشاركة وأدوات التغذية الراجعة الأخرى أداة أساسية لاكتشاف ردود أفعال الموظفين المختلفة على تسريح العمال والاستجابة لها.
أضف تعليقاً