1- الصيام:
إنّ الصوم كفارة للذنوب، وجنة يستجن بها من النار، وإنّه شافع من الشافعين يوم القيامة، ويدخل صاحبه الجنة ولأهله باب خاص يسمى الريان إلى غير ذلك من الفضائل، واعلم أنّ هذه الفضائل على كثرتها وتنوّعها لا تكون إلّا لمن صام وهو مؤمن بالله تعالى محتسب للأجر راضٍ بهذه العبادة، لا يريد بها إلّا وجه الله تعالى، وهو أيضاً متّبع لهدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا تكون هذه الفضائل إلّا لمن صامت جوراحه عن المعاصي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (متفق عليه)، وعليه فاحذر من إضاعة الوقت ومن الإسراف في المأكل والمشرب، ومن الغضب، فإنّه: "رُبَّ صائِمٍ حَظُّهُ من صِيامِهِ الجوعُ والعَطَشُ" كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم.
2- قيام الليل:
ومن وظائف رمضان قيام الليل، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" (متفق عليه)، وهذا القيام متيسّر على أكثر الناس لما سن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يكون جماعة، فلا ينبغي لمؤمن حريص على المغفرة أن يضيعه، أو يضيع بعضه، بل علينا أن نحذر من ترك الصلاة والتهاون بها خاصة في هذا الشهر المبارك، وقد قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: "مَن تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ" (البخاري).
3- تحرّي ليلة القدر:
إنّ في رمضان ليلة عظيمة، العمل فيها خير من العمل خلال ألف شهر، ليلة رغّبنا النبي صلّى الله عليه وسلّم ترغيباً خاصاً في قيامها، فقال: "مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" (متفق عليه)، فمن غفل عن قيام ليلة من ليالي الشهر في أوله فلا ييأس، فإن في آخره هذه الليلة المباركة، فلا يضيعها عسى أن يحصل الفضل الذي فاته، وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم عن علامتها بعد فواتها فقال: "صَبيحةَ ليلةِ القَدرِ تَطلُعُ الشَّمسُ لا شُعاعَ لها" (رواه مسلم)، وليست خاصة باليوم السابع والعشرين على القول الراجح، ولكنّها تنتقل في العشر الأواخر.
4- قراءة القرآن:
من أهم وظائف هذا الشهر قراءة القرآن، ذلك أنّه شهر القرآن، قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" [البقرة:185]، وكان نبينا صلّى الله عليه وسلّم يعرض القرآن على جبريل كل رمضان.
ولا ينسى العبد فضل قراءة القرآن فإنّ له بكل حرف يتلوه حسنة، فعلينا أن نحرص على كسب الملايين في هذا الشهر المبارك، ومن كان منّا مقصراً في هذه العبادة طيلة السنة، فقد جاءته الفرصة ليكفّر عمّا فاته، ولقد كان من السلف من يختم القرآن في رمضان كل ليلة، ومنهم من يختمه في كل ثلاث ومنهم من يختمه في كل سبع، والواجب على كل واحد منّا أن يجعل لنفسه برنامجاً للقراءة يلتزم به، وعلينا أن نحرص على أن تكون قراءتنا مفيدة قراءة تفكّر وتدبّر، لا قراءة من لا يدري ما يقول سعياً منه للمباهاة بأنّه قرأ القرآن في رمضان أكثر من مرة.
5- الذكر والاستغفار والدعاء:
وممّا يرغب فيه الإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41]، وقال: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17]، والسحر: آخر الليل حين ينزل رب العزة إلى السماء الدنيا، والناس في رمضان يقومون في هذا الوقت من أجل أكلة السحر فعليهم أن لا يغفلوا عن الدعاء والاستغفار، قِيلَ للنبي صلّى الله عليه وسلّم: قِيلَ يا رسولَ اللهِ: أيُّ الدعاءِ أسمَعُ قال جَوفَ الليلِ الآخِرِ ودُبُرَ الصلواتِ المكتوباتِ" (الترمذي)، والدعاء من وظائف رمضان، فقد قال تعالى بعد أن ذكر آيات الصيام: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [البقرة:186]، فالعبد المؤمن يكثر من الدعاء في رمضان، في الليل وفي النهار وعند الفطر خاصة، وفي الحديث: "ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهُم: الصَّائمُ حينَ يُفْطِرَ وفي روايةٍ صحيحةٍ : حتَّى يُفْطِرَ والإمامُ العادلُ ودعوَةُ المظلومِ"، ومن الدعاء عند الفطر: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" (أبو داود).
6- الإكثار من الصدقة:
ومن وظائف رمضان الإكثار من الصدقة، قال ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" (متفق عليه)، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم كان جواداً كريماً في كل أيام السنة، لكن إذا جاء رمضان لم يبق لجوده حد، قال جابر رضي الله عنه: "ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال: لا" (متفق عليه)، فإن قيل: كيف يكون جواداً وهو الذي كان يمضي عليه الشهر والشهران لا توقد في بيته نار؟ قيل ذلك هو الإيثار ففي البخاري أن امرأة أهدت النبي بردة قال سهل رضي الله عنه: "فأخذها النبي محتاجاً إليها فطلبها منه أحد الصحابة، وقال: أكسنيها ما أحسنها، فأعطاه إياها صلّى الله عليه وسلّم ولم يرده".
فأكثروا من الصدقة فإنّ من جاد على عباد الله جاد الله عليه، وهو الغني الكريم بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومن الصدقة صدقة الفطر وهي واجبة، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فرض رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين" (أبو داود وابن ماجة)، ولهذا قيل: صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة".
7- إطعام الطعام:
ومن الأعمال التي يرغب فيها خلال هذا الشهر إطعام الطعام، قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: أنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرَى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها فقامَ أعرابيٌّ فقالَ لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ لمن أطابَ الكلامَ وأطعمَ الطَّعامَ وأدامَ الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ".
وكان ابن عمر رضي الله عنه يصوم ولا يفطر إلّا مع المساكين، وكان ربما أعطى طعامه للمساكين فيبيت طاوياً، وجاء الإمامَ أحمد رجلٌ يسأله، وكان عنده رغيفين أعدهما لفطره فأعطاه الرغيفين، وبات طاوياً وأصبح صائماً.
ولا يشترط أن يكون المطعَم فقيراً، فقد كان من السلف من يطعم إخوانه على سبيل الإكرام والهدية، قال بعضهم: كان رجال من عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلّا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه.
وممّا يدخل في هذا إطعام الصائم عند فطره ولو بتمرة أو شربة لبن ونحو ذلك، قال صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" (الترمذي).
8- العمرة في رمضان:
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ." (متفق عليه)، وينصح من أراد العمرة أن يجعلها في رمضان، لما ثبت أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لَمَّا رَجَعَ مِنْ حَجَّتِهِ سأل صحابية: مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ؟ فلما ذكرت عذرها أمرها بالعمرة في رمضان، وقال: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي" (متفق عليه).
9- مجالس الذكر:
ومن الأعمال المرغب فيها حضور مجالس الذكر، سواء مجالس العلم والدرس أو مجالس الوعظ والتذكير، ويكفي أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في فضلها: "وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ" (مسلم).
10- الاعتكاف:
ومن العبادات المشروعة في رمضان الاعتكاف وهو لزوم المسجد لإقامة العبادة فيه، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا" (رواه البخاري)، وهذا الاعتكاف هو الذي يمكن من التفرغ للذكر والدعاء والصلاة ومجالس العلم، ويبعده عن الفتن، وكثير من مبطلات الأجر، وخير الاعتكاف ما كان في بيت الله الحرام، أو في المسجد النبوي.
11- التوبة:
شهر رمضان هو شهر التوبة وتجديد الإنابة لله رب العالمين، وفرصة لتغيير الحياة والإقلاع عن المعاصي التي ابتلي بها العبد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من شَهْرِ رمضانَ: صُفِّدَتِ الشَّياطينُ ومرَدةُ الجنِّ ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ويُنادي مُنادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِرْ وللَّهِ عُتقاءُ منَ النَّارِ وذلكَ كلُّ لَيلةٍ" (الترمذي)، قال صلّى الله عليه وسلّم: "أتاني جبريل، فقال: مَن أدرك شهرَ رمضانَ فماتَ فلم يُغْفَرْ لهُ فأُدْخِلَ النَّارَ فأبعدَه اللهُ، قُل: آمينَ، فقلتُ: آمينَ". (صححه ابن حبان)، وإنّ شهر رمضان فرصة كل مؤمن بجوه الإيماني للإقلاع عن ذنوبه، وإنّ الله يفرح بتوبته، بل هو يبسط يديه بالليل والنهار ينتظر أوبته ورجوعه، وعليه أن يحقّق شروط التوبة حتى تكون مقبولة عند الله تعالى من الندم على ما فات والعزم على أن لا يعود إلى الذنب، قال شقيق البلخي: علامة التوبة البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء وملازمة الأخيار.
12- الدعوة إلى الله تعالى:
ومن وظائف هذا الشهر العظيم الدعوة إلى الله تعالى، ذلك أنّ القلوب تلين فيه، وهي مستعدّة أكثر من أي وقت مضى لقبول التذكير والنصح، قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا" (رواه مسلم)، والناس في انتظارك أيّها المسلم الحريص على ملء رصيدك في هذا الشهر، فساهم في نشر الشريط الإسلامي والمطوية الدعوية والكلمة الطيبة.
هذه جملة من الوظائف لمن أراد أن يستثمر هذا الشهر، ولمن أراد أن يكون من المرحومين، وقد جاء في الحديث كما في الصحيحة للألباني (1890): "افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإنّ لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، سلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم".
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
أضف تعليقاً