هل تهدد مواقع التواصل الاجتماعي صحتنا النفسية؟

نحن نعيش اليوم في عالم يدور في فلك الرقمنة والإنترنت والهواتف الذكية، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعية "السوشيال ميديا" تُحاصر حياتنا من كل اتجاه، (فيسبوك، تويتر، إنستغرام، سناب تشات، وكثير غيرها).



حسب آخر الإحصائيات وصل عدد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي ثلاثة مليارات شخص حول العالم، أي ما يُعادل 40% من سكان العالم، ووفقاً لبعض الدراسات الحديثة، نقضي في المتوسط نحو ساعتين يومياً في تصفِّح هذه المواقع والتفاعل معها، كما تُنشر نحو نصف مليون تغريدة وصورة على منصة سناب تشات للتواصل الاجتماعي كل دقيقة!

كيف تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي في صحتنا النفسية؟

توصَّلت أغلب الدراسات التي درست تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في صحتنا النفسية، إلى تسبب هذه المواقع بآثار نفسية على مستخدميها؛ مثل:

1. التوتر:

يَعدُّ الناس مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة تنفيس لما في داخلهم من مشاعر غضب أو استياء حول موضوعات مختلفة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وعندما يقرأ الإنسان هذه التعليقات والآراء الغاضبة، تنتقل إليه باللَّاشعور مشاعر الغضب والتوتر تلك.

قام باحثون في مركز "بيو" للدراسات -مقرُّه في الولايات المتحدة- بدراسة في عام 2015 حول: "هل تزيد مواقع التواصل الاجتماعي في التوتر لدى مستخدميها، أم أنَّها تُخفِّفه؟" وقام المركز باستطلاع آراء (ضمَّ 1,800 شخص) لمعرفة الإجابة عن هذا التساؤل؛ حيث عبَّر المستخدمون (خاصة النساء منهم) أنَّهم يشعرون بالتوتر عند استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

2. المزاج السيئ:

اكتشف باحثون في النمسا في دراسات أجروها عام 2014 على مستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي، تحدثوا فيها عن تراجع حالتهم المزاجية بعد استخدام موقع "فيسبوك" مدة 20 دقيقة، مقارنة بأشخاص تصفَّحوا بعض مواقع الإنترنت فحسب في الفترة الزمنية نفسها، وفسَّر المشاركون انخفاض حالتهم المزاجية؛ لأنَّهم شعروا بعد استخدامهم موقع "الفيسبوك" أنَّهم أهدروا وقتهم دون أي قيمة.

تنتقل المشاعر أيضاً سواء كانت إيجابية أم سلبية بين الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، فوفقاً لباحثين من جامعة كاليفورنيا قيَّموا المحتوى العاطفي لأكثر من مليار منشور، كتبه أكثر من 100 مليون مستخدم على فيسبوك بين عامي 2009 و2012؛ وتوصل الباحثون على سبيل المثال إلى أنَّ منشوراً واحداً سلبياً عن حالة الطقس السيئ من شخص يعيش في مدينة مُمطرة، أثَّر في منشورات أخرى لأصدقاء له يعيشون في مدن جافَّة!

شاه بالفيديو: سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي

3. القلق والاضطراب:

حاول الباحثون دراسة مشاعر القلق والاضطراب التي تُثيرها مواقع التواصل الاجتماعي، وما يُرافق هذه المشاعر من شعور بعدم الراحة، ومشكلات في النوم وعدم التّركيز. ونتج عن دراسة نُشرت في دوريَّة "الكمبيوتر والسلوك البشري" أنَّ الأشخاص الذين يستخدمون سبعاً أو أكثر من منصَّات التواصل الاجتماعي، كانوا أكثر عُرضة إلى مستويات مرتفعة من القلق، تزيد على ثلاثة أضعاف مُقارنة بالأشخاص الذين يستخدمون منصَّة أو اثنتين من منصَّات التواصل الاجتماعي، أو الذين لا يستخدمونها مطلقاً!

4. الاكتئاب:

توصَّلت دراسة شملت أكثر من 700 طالب إلى وجود مستويات عالية من أعراض الاكتئاب لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؛ مثل: الحالة المزاجية السيئة واليأس والشعور بعدم قيمة الذات، وأنَّ حياة الآخرين أفضل من حياتهم وأوفر حظاً!

والأسباب وراء ذلك أنَّهم بعد قضائهم ساعات من تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، يشعرون بأنَّهم هدروا وقتهم دون أي فائدة، وأحد الأسباب الأخرى أنَّ الناس لا ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي إلَّا الجوانب السعيدة في حياتهم، كالحفلات والرحلات وتناول طعام في مطعم فاخر وشراء أشياء جديدة، دون نشر الجانب المظلم، رغم أنَّه لا توجد حياة إنسان تخلو من جوانب مظلمة.

كل تلك المنشورات قد تكون سعادة مُزيَّفة، إلَّا أنَّها تُسبب الاكتئاب لمن يشاهدها، وتجعله يشعر بالتعاسة وأنَّ حياته ليست سعيدة كحياتهم!

إقرأ أيضاً: معلومات تفصيلية عن مرض الاكتئاب

5. النوم:

توصَّل "بريان برايماك" (مدير مركز أبحاث وسائل الإعلام والتكنولوجيا والصحة في جامعة بيتسبرغ) -الذي درس وزملائه العلاقة بين الوسائل التكنولوجية والصحة النفسية- إلى أنَّ متابعة مواقع التواصل الاجتماعي قبل الإيواء إلى الفراش بثلاثين دقيقة، يزيد من احتمالات الأرق، ويُضيف برايماك: "وهذا لا علاقة بالوقت الذي أمضيته في متابعة مواقع التواصل طوال اليوم".

قام باحثون بجامعة بيتسبرغ بإجراء استطلاع شمل 1,700 شخص تترواح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، ووجَّهوا لهم أسئلة حول استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي وعادات النوم لديهم؛ توصَّل الباحثون إلى وجود صلة بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واضطرابات النوم، وإلى أنَّ الضوء الأزرق للشاشات يلعب دوراً في ذلك.

وتفسير الأمر -كما يقول الباحثون- أنَّ هذه الأضواء تُؤثِّر في إنتاج الجسد للميلاتونين، وهو الهرمون الذي يُنبِّهنا إلى حلول وقت النوم، فيتضاعف القلق ويُصبح من الصعب التوقف عن التفكير عند الإيواء إلى الفراش. يقول برايماك: "ثمَّ تُراودنا الأفكار والمشاعر وتُلحُّ علينا عندما نتهيَّأ للنوم".

لذا يجب أن نتوقف عن استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بنصف ساعة على الأقل.

إقرأ أيضاً: 7 عادات مسائية يقوم بها الشخص الناجح يوميّاً

6. التشتت وتبلُّد العقل:

تُسيطر مواقع التواصل الاجتماعي على عقل الإنسان لدرجة الإدمان، ويُصبح لديه هوس في متابعة آخر أخبارها، لا يترك جهازه الذكي من يده إلَّا فيما ندر. إنَّ مراجعة الهاتف الذكي باستمرار تُشتِّت الانتباه، وتجعل العقل في حالة تبلُّد؛ لأنَّه اعتاد على عدم التفكير والاكتفاء بالقراءة فحسب!

7. الرضا عن النفس:

تُهدِّد وسائل التواصل الاجتماعي بشدة شعور الرِّضا والثقة في النفس لدى مستخدميها، وتساهم في جعل أكثر من نصف مستخدميها غير راضيين عن أشكالهم وعن ذاتهم وما يملكون؛ لأنَّها مليئة بأشخاص مشاهير أو غير مشاهير، يُغذُّون فكرة الكمال والجسد المثالي، والوظيفة المثالية والحياة المُرفَّهة، والشريك المثالي والأطفال المهذَّبين المثاليين، وغيرها من الأفكار التي غالباً ما تكون مُزيَّفة ومبالغاً فيها؛ لكنَّها تجعل المتلقي يعتقد أنَّ هذه المثالية هي الحالة الطبيعية، فيُعيد النظر في حياته ليلحظ فرقاً كبيراً بينها وبين ما يرى؛ عندها تبدأ مشاعر سلبية تُسيطر عليه دون أن يشعر، كالإحباط واليأس وعدم الرِّضا لا عن نفسه ولا عن حياته ولا حتى عن عائلته!

في دراسة أجراها باحثون في جامعة "بن ستيت" الأميركية عام 2016، توصَّل فريق البحث إلى أنَّ رؤية صور السيلفي لأشخاص آخرين، يُقلل من الثقة في النفس لدى المستخدمين؛ لأنَّهم يُقارنون أنفسهم بهذه الصور التي تُظهر مدى سعادة أصحابها، وكم هم أشخاص سعداء في الحياة.

8. العلاقات الاجتماعية:

أثَّرت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خطير في العلاقات الاجتماعية، فأصبح تواصل الناس مقتصراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وقلَّت مشاركتهم المناسبات والأعياد مع بعضهم، لدرجة أنَّ معايدة العيد باتت عبارة عن رسالة مؤلفة من أربع كلمات "كل عام وأنتم بخير"، بعد أن كان العيد قبل مواقع التواصل عبارة عن لمَّة العائلة والأقارب، يتشاركون الأحاديث والضحكات وحلويات العيد!

كما سبَّبت مواقع التواصل الاجتماعي كثيراً من المشاكل ومشاعر الشك والغيرة في العلاقات العاطفية خاصة بين الأزواج، ففي دراسة أجراها باحثون كنديون عام 2009 حول "الغيرة" على موقع فيسبوك، ومن خلال استطلاع آراء 300 شخص تتراوح أعمارهم بين 17 و24 عاماً وجَّهوا لهم سؤالاً: "هل من المحتمل أن تشعر بالغيرة، إذا أضاف شريك حياتك شخصاً جديداً لا تعرفه من الجنس الآخر إلى حسابه في فيسبوك؟"؛ توصَّل الباحثون إلى أنَّ المرأة تقضي وقتاً أطول من الرجل على موقع فيسبوك، وأنَّها تختبر مشاعر الغيرة أكثر من الرجل بكثير، وأنَّ بيئة فيسبوك خَلقت لدى الشريكين كثيراً من مشاعر الشك والغيرة، وعزَّزت لديهم مخاوف بشأن مدى قوة علاقاتهم.

9. الحسد والمشاعر السلبية:

قد تجعل مواقع التواصل الاجتماعي الناس يشعرون بمشاعر سلبية تجاه بعضهم كالحسد والغيرة. في دراسة ضمَّت 600 شخص بالغ، قال ثلثهم تقريباً أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي شكَّلت لديهم مشاعر سلبية تجاه الآخرين، وأنَّ السبب الرئيس وراء ذلك كان الحسد، خاصة عندما يُقارنون حياتهم بحياة الآخرين، وأنَّ المُتسبب الأكبر في ذلك كانت صور السيلفي التي يلتقطها الآخرون في أثناء الرحلات.

10. العزلة:

تُعدُّ العزلة التي يدخل فيها الإنسان دون أن يشعر أكبر خطر ينتج عن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يُصبح التواصل عبر الأجهزة الإلكترونية بديلاً لديه عن التواصل وجهاً لوجه مع الآخرين، وقد يصل به الأمر مراحل أسوأ فيُصاب ب "الرهاب الاجتماعي" ويفقد قدرته على التواصل الحقيقي وإقامة العلاقات الواقعية، ويشعر أنَّ بينه وبين الآخرين حاجز يمنعه من التعامل معهم بسلاسة، ويحاول الهرب من التجارب الاجتماعية؛ لأنَّه اعتاد التحدث من وراء الشاشات.

قامت دراسة (نُشرت في المجلة الأمريكية للطب الوقائي) باستطلاع أراء 7,000 شخص ممَّن تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاماً، وكانت نتيجة هذه الدراسة أنَّ الأشخاص الذين يقضون وقتاً أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، يُصبحون أكثر عُرضةً مرَّتين للشكوى من العزلة الاجتماعية، والتي يُمكن أن تتضمَّن نقصاً في الشعور بالانتماء الاجتماعي، وتراجعاً في التواصل مع الآخرين والانخراط في علاقات اجتماعية أخرى.

ويقول بريان برايماك: "إذا نظرت إلى الأمر بموضوعية، فعندما ترى شخصاً يتفاعل مع أصدقائه ويبتسم ويضع رموز "الإيموجي" التي تُعبِّر عن مشاعره، قد تقول إنَّ هذا الشخص له كثير من الأصدقاء والمعارف، وأنَّهم متفاهمون وتربطهم علاقة وطيدة، ولكنَّنا وجدنا أنَّ هؤلاء الأشخاص ينتابهم شعور بالعزلة الاجتماعية".

إقرأ أيضاً: النجاح في العلاقات: 6 نصائح للخروج من العزلة ولتكوين الصداقات

11. الخمول وقلة الحركة:

قد يقضي بعض الأشخاص ساعات طوال يتصفَّحون مواقع التواصل الاجتماعي، جالسين على كراسي أو حتى مُستلقيين في الفراش دون أن يقوموا بأيَّة حركة أو نشاط بدني، ممَّا يدفع للكسل والخمول وتبلُّد الجسد والفكر.

يقول أريك سيغمان (مُحاضر مستقل في مجال صحّة الأطفال): "إنَّ قضاء وقت طويل أمام الشاشات، يحملنا على الجلوس وقلَّة الحركة أثناء اليوم، فإذا كنت مُمسكاً بهاتف ذكي في يدك، لن تؤرجح ذراعيك بالسرعة المعتادة ولن تُحرِّك ساقيك. ولو تضاعف معدَّل الجلوس أمام الشاشات على مدار ستة أشهر، سيُصبح لدينا جيل جديد قليل الحركة".

إقرأ أيضاً: 8 آثار سلبية تسببها مواقع التواصل الاجتماعي

كيف نتجنب سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي؟

تَجنُّب الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي لا يعني الامتناع عنها تماماً، وإنَّما الحل هو الاعتدال في استخدامها، وللوصول إلى هذا الاعتدال دون أن نسمح له أن يتحول إدماناً، هذه بعض النصائح:

  • كُن واعياً لمصلحتك، واجلس بعد قضائك ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي، واسأل نفسك أسئلة مثل: "ماذا حقَّقت في هذه الساعات؟"، "أيُّ قيمة أضفتها إلى حياتي؟"، "هل طوَّرت مهاراتي ومعارفي بحيث اقتربت في هذه الساعات أكثر من أهدافي التي أحلم في تحقيقها؟". عندما تكون الإجابة بالنفي، سوف تقتنع حينها بضرر إدمان هذه المواقع.
  • قلِّل وحدد ساعات استخدامها، ويُفضَّل أن تكون الفترة قليلة (أقلَّ من 60 دقيقة يومياً)، وأن تكون مرات الدخول مضبوطة. ومن الأشياء المفيدة في هذا الخصوص أن تقوم بتعطيل الإشعارات على هاتفك النقال، والانتباه إلى عدد المواقع التي تستخدمها ولتجعله محدوداً، وأن تكون المنصَّات والصفحات التي تشترك بها ذات محتوى مفيد.
  • لا تلجأ إليها هرباً من ضغوطات الحياة، لأنَّك بذلك تقصد المكان الخطأ الذي غالباً ما سيزيد ضغوطك ضغوطاً!
  • عَمِّق أكثر علاقاتك الواقعية مع العائلة والأصدقاء والأقارب، وابقَ مُتيقِّظاً لفكرة أنَّ هذه العلاقات أكثر صحية من العلاقات مع أشخاص افتراضيين لا تعرفهم، وهذا لا يعني التخلص من الأصدقاء الافتراضيين نهائياً، وإنَّما الحذر من الموضوع وعدم السماح له أن يُصبح بديلاً عن علاقاتك الحقيقية.

الوعي والاعتدال هو الحل:

وسائل التواصل الاجتماعي ليست أمراً ضاراً بالمطلق، فهي مكان للتسلية والاستمتاع والتواصل مع العائلة والأصدقاء، كما أنَّها من التقنيات التي جعلت الحياة والتواصل بين أنحاء العالم أمراً يسيراً، لكن من المهم أن يبقى التواصل الافتراضي مُكمِّلاً للتواصل الحقيقي وليس بديلاً عنه، فما يحدد ضررها بنا وببناء مسار حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، هو كيفية استخدامنا لها، ويبقى الوعي والاعتدال معاً خط الدفاع الأول في مواجهة أضرارها.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة