هل تعزز القهوة عملية الأيض في أجسامنا؟

إذا كان أول شيء تقوم به في الصَّباح هو شرب كوبٍ من القهوة السَّاخنة، فاعلم أنَّك لست وحدك من يقوم بذلك. إذ تُشير الجمعية الوطنية الأمريكية للقهوة، إلى أنَّ (63) في المئة من الأمريكيين البالغين يشربون القهوة يومياً. وفي حين يحتسي البعض قهوة الصَّباح من أجل آثارها المنشطة التي تساعدهم على التَّركيز، يحتسيها الآخرون بُغيةَ الاستمتاع بالطَّعم والمذاق والرائحة التي تتفرد بها القهوة عن سواها من المشروبات السَّاخنة.



بيد أنَّه يوجد سؤالان يطرحان نفسيهما بشدة: هل القهوة مفيدة بالنِّسبة لنا؟ وهل تُعزِّز عملية الأيض (الاستقلاب أو التَّمثيل الغذائي) في أجسامنا؟

ولكي نُجيبَ على هذين السُّؤالين (وما شابههما من أسئلة)، سَنَسرُدُ في هذه المقالة خلاصة بعض الأبحاث التي أُجريت على القهوة (بإيجابياتها وسلبياتها). وسنخبرك عن بعض أفضل الطُّرق من أجل الاستمتاع بهذا المشروب السَّاخن، ومتى يكون من الأفضل لك تقليل أو تجنُّبَ احتساء القهوة.

أولاً: الفوائد الاستقلابية للقهوة

1. غنيَّة بمضادات الأكسدة:

مجرد عيشنا في هذا العالم هو سبب أكثرُ من كافٍ كي نصاب بالإجهاد التَّأكسدي؛ وهو خللٌ في الجُّذور الحرَّة ومضادات الأكسدة في الجسم، والذي يسبب تلف الخلايا والأنسجة. ويمكن أن تَستفحل تلك المشكلة أو تقلَّ وتنعكس تبعاً لنوعية الطَّعام الذي نتناوله والهواء الذي نتنفسه، وتبعاً إلى طبيعة نومنا ومقدار الضغط النفسي الذي نعيشه، وأنماط حياتنا اليومية.

يمكن للأطعمة والمشروبات التي تشتمل على مستويات عالية من مضادات الأكسدة -والقهوة إحداها- أن يحمي الخلايا من أضرار الجُّذور الحرة (المركبات والسُّموم التي تضر بخلايا الجسم).

لذا فإنَّ إضافة القهوة إلى نظامك الغذائي يُسهِم في التَّصدي للعديد من المشكلات الصِّحية المرتبطة بالجُّذور الحرَّة، كالالتهابات مثلاً.

تعدُّ الأحماض الفينولية نوعاً من البوليفينولات (المغذيات الدقيقة ذات النشاط المضاد للأكسدة). تتواجد هذه المواد النباتية المصدر بكميات كبيرة في كوب واحد فقط من القهوة. وتشير الأبحاث إلى أنَّ مضادات الأكسدة هذه يمكن أن تحمل أثراً إيجابياً على الأمراض التَّنكسية؛ مثل مرض الشَّلل الارتعاشي (الباركنسون) ومرض ألزهايمر.

وفي حين يجب إجراء مزيد من البحوث في هذا الشأن، تكثر الأبحاث التي تشير إلى مدى أهمية مضادات الأكسدة الموجودة في الحُبَيبَات الخَيطِيَّة، في عملية إنتاج الطاقة ومكافحة الإجهاد التأكسدي وتحسين معدل الأيض.

2. تدعم عمل الكبد في التَّخلُّص من سموم الجسم:

تُشتهر القهوة بخصائصها الوقائية للكبد. والكبد هو ذلك العضو الكبير الحجم في الجهاز الهضمي، الذي يوجد في الجانب الأيمن من البطن. والذي يعدُّ أحد الأعضاء الرئيسة التي تُسهم في إزالة سموم الجسم.

حين لا يقوم الكبد بوظائفه بالشَّكل السَّليم، تنشأ العديد من الأعراض والحالات المرضية. ولعلَّك قد سمعت عن العديد من أمراض الكبد الشائعة، مثل مرض الكبد الدهني وتليف الكبد والتهاب الكبد وسرطان الكبد والتهاب الكبد الوبائي (بدرجاته A,B,C)، وداء ترسب الأصبغة الدموية، على سبيل المثال لا الحصر.

من الواضح إذاً أنَّ قيام الكبد بوظائفه بالشكل الأمثل ضرورة ملحة للجسم البشري.

أظهرت إحدى الدِّراسات أنَّ الاستهلاك المنتظم للقهوة يؤدي إلى انخفاض معدلات تطور التهاب الكبد الوبائي، بينما أكَّدت دراسة أخرى وجود عنصر في القهوة يحمي الكبد من تليف الكبد (وخاصة الكحولي منه). يلعب الكبد دوراً رئيساً في جميع عمليات التَّمثيل الغذائي (الأيض) في الجسم. وبالتَّالي حين يعمل الكبد بأفضل صورة ويزيل سموم الجسم بكفاءة، فإنّ ذلك يقوي عملية التَّمثيل الغذائي ويمدُّ الجسم بطاقةٍ أكثر.

شاهد بالفيديو: 8 أمور تضرّ بصحة الكبد

3. تزيد من طاقة الجسم:

حين يتعلق الأمر بالقهوة، يُطرحُ سؤال جوهريٌّ ضمن المجتمع الصِّحي: هل تزيد القهوة طاقة الجِّسم فعلياً؟ وهل تدوم الطاقة التي تمنحنا إيَّاها مادة الكافيين؟

أظهرت إحدى الدراسات وجود علاقة مباشرة بين تناول الكافيين وزيادة صرف الطاقة. حيث كشفت هذه الدراسة عن دور الكافيين في تحفيز الجهاز العصبي الودي وزيادة عملية تحلل الدهون. لذا تمنحك القهوة الدفعة اللازمة لحرق الدهون أثناء ممارسة التمارين الرياضية.

وأكدت دراسة أخرى زيادة معدل الأيض في السَّاعات الثلاث الأولى التي تلي تناول الكافيين. كما لاحظ القائمون على هذه الدراسة زيادةً إجمالية في أكسدة الدهون في الساعة الأخيرة من الساعات الثلاث التي تمت فيها مراقبة المشاركين في تلك الدراسة.

يرفعُ الكافيين معدل الأيض أثناء الرَّاحة بنسبةٍ تتراوح من (3) إلى (11) بالمئة. وتزداد هذه النِّسبة بازدياد كمية الكافيين. كما يزيد الكافيين من حرق الدهون بنسبة تصل من (10) إلى (29) بالمئة لدى النِّساء.

لذا قد يكون الكافيين مجرد وسيلة أخرى موثوقة لتعزيز مستويات الطاقة والتَّمثيل الغذائي على مستوى الكيمياء الحيوية للجسم.

إقرأ أيضاً: لماذا يجب أن نشرب القهوة قبل ممارسة التمارين الرياضيّة؟

4. تزيدُ من إنتاج الكيتون:

هل سمعت عن النِّظام الغذائي الكيتوني من قبل؟ تم وضعه في الأصل كنظامٍ غذائيٍّ داعمٍ للأطفال الذين يعانون من الصرع في أوائل العشرينيات من القرن الماضي. إنَّ "الكيتو دايت" هو نظام غذائي عالي الدهون، معتدل البروتين ومنخفض الكربوهيدرات.

والهدف من ذلك هو إجبار الجسم على حرق الدُّهون للحصول على الطاقة، بدلاً من العملية الاعتيادية التي تتمثل بحرق الجلوكوز، مما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى فقدان الوزن.

حين تقوم بزيادة نسبة الكيتون في جسمك -نوع من الوقود في الجسم ينتج عن حرق الدهون- يحرق الجسم هذه الدهون على شكل طاقة. يمكن أن يكون لذلك فوائد عدة، مثل خفض درجة الالتهابات وزيادة فقدان الوزن، وتنظيم نسبة السكر والأنسولين في الدم، وتحسين الأعراض الناجمة عن الاضطرابات العصبية.

خلصت إحدى الدراسات إلى أنَّ الكافيين يزيد من إنتاج الكيتون، خاصة في ساعات الصباح. لذا يبدو أنَّ القهوة عبارة عن مشروبٍ رائع لحرق الدهون وزيادة طاقة الجسم.

ثانياً: طرق صحية لعمل وشرب القهوة

كما هو الحال مع أي شيء تضعه في جسمك، فإنَّ الحرص على أن يكون نقياً وذا جودة عالية هو أمرٌ محبَّذٌ دائماً. يسري ذلك الأمر على القهوة أيضاً. لذا ننصحك بأن تجرب هذه الاستراتيجيات البسيطة والفعالة لعمل كوبٍ من القهوة الصحية:

1. احرص على أن يكون البنُّ منتجاً عضوياً:

اتخذت صناعة القهوة -مثلها مثل العديد من القطاعات الأخرى في صناعة المواد الغذائية- العديد من المنعطفات الخاطئة حين يتعلق الأمر بالنقاء والجودة. إذ يكثر رش محاصيل البُنِّ بالمبيدات الحشرية. وفي حين لا يوجد سوى القليل من الأبحاث حول مدى تواجد رواسب المبيدات الحشرية في القهوة، فإن السُّمية المحتملة تأتي من الأساليب المتبعة في زراعة ومعالجة القهوة، وهو ما قد يتسبب بتأثيرات سلبية على صحتك.

لذا احرص قدر استطاعتك على أن تكون قهوتك عضوية.

2. استخدم ماءً نقيّاً:

 يساعد استخدام مكونات نقية مثل الماء الذي تستخدمه في صنع قهوتك على ضمان حصولك على أنقى وألذ أنواع القهوة. ويسري ذلك على كل ما تدخله إلى جسمك.

تحتوي القهوة في المقام الأول على الماء، لذا من المهم أن نحرص على استخدام ماء مفلتر حين تحضير القهوة.

3. أضف إلى قهوتك مكوناتٍ أخرى:

توجد العديد من الوسائل لإعطاء قهوتك مذاقاً وفائدةً غذائية أكثر عن طريق إضافة بعض المكونات الأخرى. لذا أضف ملعقةً من زيت جوز الهند أو قليلاً من الحليب للحصول على مذاقٍ وطعمٍ أفضل.

4. جرب صنع القهوة باستخدام ماءٍ بارد:

يفضل الكثير من الناس صنع قهوتهم باستخدام ماء بارد؛ وذلك من خلال استخدام ماء بدرجة حرارة الغرفة، وإضافة مسحوق القهوة وتركه يتخمر لفترة تتراوح بين 12 و24 ساعة.

يقال أنَّ هذا النَّوع من القهوة أكثرَ تجانساً وأقل حمضية من القهوة التي تصنع بماءٍ مغلي. ولكن يجب إجراء مزيد من الدراسات العلمية لتأكيد الفوائد الصحية للقهوة الباردة.

إقرأ أيضاً: 6 معلومات تاريخية عن القهوة

ثالثاً: متى يجب أن تتجنّب شرب القهوة

1. الضغوطات العصبية:

يمكن أن تصيبنا الحياة بالإجهاد والإرهاق، والشُّعور بالضِّيق. فقد تتسبب عوامل مثل التلوث والاضطرابات السِّياسية والاقتصادية ومهامنا ومتاعبنا اليومية، بالضَّغط على جهازنا العصبي وخلق مستوياتٍ عالية من التَّوتر والقلق. وبما أنَّ قدرة الناس على التعامل مع الضغوطات تختلف من شخص إلى آخر، يجد بعض الناس صعوبةً أكثر في التعامل مع نتائجها.

فإن كنت ممن يعانون من الإجهاد العصبي -على اختلاف أنواعه ودرجاته- لن تكون القهوة وغيرها من المشروبات التي تحتوي على نسبة عالية من الكافيين شيئاً مناسباً بالنسبة إليك. إذ ترفع القهوة -بغضِّ النَّظر عن الكميَّة المستهلكة- مستويات الإجهاد لدى الأفراد الذين يعانون من الضُّغوطات العصبيَّة.

2. الأَرَق:

يعدُّ النُّومُ الصِّحيُّ أحد ركائز الصِّحَّة الجسدية والعقلية، إذ يحتاج الجسم البشريُّ إلى النوم العميق بُغيَةَ إصلاح واستبدال خلاياه التالفة.

يعرَّفُ الأرق على أنَّه اضطرابٌ في النوم يعاني منه أكثر من ثلث البالغين، ويشتملُ على مشكلاتٍ تتضمن صعوبةَ الخلود إلى النوم، والنوم المتقطع والبقاء في حالة استيقاظٍ حتى ساعات الصباح الباكر، ورداءةٍ في نوعية النوم.

وقد ثبت بأنَّ القهوة والتأثير المنبه للكافيين يؤديان إلى اضطرابات في أنماط النوم، وإن تمَّ تناولها قبل ست ساعات من موعد الخلود إلى النوم. فإذا كنت تعاني من الأرق أو من مشكلاتٍ في النوم، عليك حينها الامتناع عن شرب القهوة والمشروبات التي تحتوي على نسبٍ عالية من الكافيين في الأوقات التي تلي فترة الظهيرة.

إقرأ أيضاً: اضطرابات النوم وأهم النصائح للحصول على نوم هادئ

3. عسر الهضم:

تعدُّ القهوة مشروباً مفيداً للجهاز الهضمي. فقد أثبتت دراسة علمية أنَّ القهوة تساهم بتعزيز وظيفة الأمعاء. وعلى الرَّغم من أنَّ هذا قد يساعد العديد من النَّاس، إلا أنّه هناك بعض الحالات التي ثبتَ فيها أنَّ القهوة تؤدي إلى تفاقم مشاكل الجهاز الهضمي لدى الأشخاص الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي أو من مرض الارتجاع المعدي المريئي.

أظهرت إحدى الدراسات تفاقم الأعراض لدى مرضى القولون العصبي الذين شربوا القهوة. إذ أتت القهوة في صدارة قائمة تشمل عشرة مشروبات وأطعمة تسببت بمشاكل في الجهاز الهضمي؛ مثل عسر الهضم (ألم ثابت أو متكرر في الجزء العلوي من البطن) وإسهال وألم في الجهاز الهضمي.

لذا عليك أن تقلع عن شرب القهوة إن وجدت أنَّها تتسبب لك بمشاكل في الجهاز الهضمي (أو أن تقلّل منها على أقلِّ تقدير).

رابعاً: الخلاصة

تختلف فوائد ومضار القهوة من شخصٍ إلى آخر. واختيار شرب القهوة من عدمه هو قرار شخصي يمكن أن يعزز (أو يعيق) عملية الأيض. وكما هو الحال مع أي شيء ذي صلة بالنِّظام الغذائي، من الأفضل دائماً اتخاذ قرار حكيم ومستنير يتعلق بكيفية ضبط نظامك الغذائي تبعاً لحالتك الصحية. لكن ومع ذلك، يبقى من الأفضل الاعتدال في تناول أي طعامٍ أو شرابٍ كان. ولا يضرُّك أبداً استشارة طبيبك الخاص أو أحد أخصائيي التغذية بخصوص أي شيءٍ يتعلق بنظامك الغذائي.

 

المصدر




مقالات مرتبطة