هل تشعر أنك فاقد السيطرة على وقتك؟

هل تشعر بأنَّك في مسابقة تنافسية مع الوقت؟ وهل تشعر أنَّ لديك الكثير من المهام لِتنجزها، وتتمنى لو كان اليوم عبارة عن 30 ساعة بدلاً من 24 ساعة؟ وهل تميل إلى التأجيل والتسويف، وتقوم بفعل المهام العاجلة فقط؟ وهل تعيش وفقاً لما تريد وترغب أم أنَّك تترك للأيام مهمة تخطيط حياتك بالشكل التي تراه مناسباً؟ وهل حاولت كثيراً تنظيم وقتك، إلا أنَّك لم تفلح في ذلك، فلا تزال هناك الكثير من المهام الأساسية والهامة التي لم تنجز بعد، ولا تعلم كيف تحصل على الوقت لإتمامها؟



نعيش في زمن التخدير؛ إذ أصبح الإدمان أسلوب حياة في ظل غياب الأهداف والدوافع والرسالة، "فكم عدد مدمني النوم، ووسائل التواصل الاجتماعي، والطعام، والتدخين، والسهر؟"، تدلنا أشكال الإدمان الشائعة على أنَّ هناك أزمة حقيقية يعاني منها الشباب، محولين الظروف إلى شماعة يُعلِّق عليها الكسالى إخفاقهم وعجزهم، فيَعزُون عدم سعيهم إلى انعدام الفرص وقلة الحظ، في حين أنَّ السعي لا علاقة له بالظروف؛ بل بالمهارات والإرادة والوعي والمسؤولية.

تمضي الأيام بطريقة سريعة جداً، ونحن بعيدون عن أهدافنا، وننام في كل يوم وفي أنفسنا الكثير من الأهداف التي نريد أن نحققها إلا أنَّنا نواسي أنفسنا ونقول لها: "لا تقلقي، سيكون غداً ولادة حقيقية لأهدافنا المؤجلة"، وتمضي الأيام، ولا يأتي الغد المنتظر.

يتصارع في دواخلنا حب الهدف والخوف من تحقيقه، ونشعر أنَّ الطريق للهدف غير واضح والخطوات غير ثابتة، فيزداد الخوف لدينا، ونستسلم له مع فقدان السيطرة على حياتنا، ونقنع أنفسنا أنَّنا حاولنا ولكن الظروف أكبر منا.

فُطرنا على التوازن؛ لذلك يكون الاضطراب والصراعات ضرورية في حيواتنا للوصول بنا إلى مرحلة التوازن، وفُطرنا على الأدوار المتكاملة، فتحتاج أن تعيش حقيقتك في الجوانب كافة؛ الجسدية والنفسية والروحية والعقلية.

تبدأ المشكلات في الحياة؛ عندما تُرجِّح كفةَ جانب ما على الجانب الآخر، والقوة الحقيقية هي أن تُحسِن تأدية كل الأدوار بمهارة عالية.

كيف لك أن تنام وأنت راضٍ عن أدائك خلال اليوم؟ وكيف لك أن تشعر أنَّ الوقت صديقك وليس عدوك؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.

هل سئمتَ التخطيط ليومك؟

تتصدر طريقة تخطيط الوقت المعتمدة على كتابة المهام التفصيلية مع أوقاتها الدقيقة؛ قائمة معظم مَن يسعى إلى تنظيم وقته، إلا أنَّ لهذه الطريقة آثاراً سلبية بطريقة قد يصل الشخص من خلالها إلى الملل وإلغاء تنظيم وقته تماماً؛ فعندما يحدث أمرٌ طارئٌ مع الإنسان ضمن الوقت المحدد لإنجاز مهمة ما؛ يشعر بأنَّ جدوله اليومي قد أُصِيب بالعطب كلياً، وأنَّه غير قادر على المتابعة بالمهام التالية.

من جهة أخرى، قد يعتمد الإنسان على التخطيط لأهدافه ومن ثم يعتقد أنَّ هذا الأمر سيؤدي إلى تنظيم وقته تلقائياً؛ إلا أنَّه ينصدم بأنَّه مايزال فاقد السيطرة على وقته.

ترى ما هي الطريقة المثلى لتنظيم الوقت، بطريقة تؤدي إلى أن تقضي ساعات يومك في فعل أفضل الأمور وأكثرها فاعلية؟

إقرأ أيضاً: لماذا يعدُّ التخطيط ليوم العمل أمراً حاسماً لتحسين الإنتاجية؟

هل الوقت هو ما يهم أم التوازن؟

لقد أصبحنا عبيداً للوقت، ونلهث في الحياة لمحاولة مجاراة إيقاعها السريع، ونولي الاهتمام الأكبر إلى المهام المُلزِمة لنا، والتي يترتب على إلغائها أثرٌ سلبيٌ على مستقبلنا المهني، دون معرفة إن كانت تلك المهام متماهية مع شخصيتنا وتوجهاتنا أم أنَّها قد فُرضِت علينا نتيجة المجتمع والمسار الوظيفي التقليدي، ودون تقييم موقع تلك المهام في سلم الاحتياجات وتكاملها مع باقي الاحتياجات.

وتحولنا إلى روبوتات ليس أكثر، نفكر في الوقت وفي ضرورة الانتهاء من المهام الملحة والضرورية، دون التفكير بالجودة أو بتحقيق الرسالة والهدف، ونسينا أنَّ الوقت موجود لصالحنا، وأنَّنا مَن نستطيع التحكم به،

يدفعنا التفكير بإدارة الوقت إلى التفكير في النفس أكثر، وإلى اكتشاف رسالتها وشغفها، أي أن تعرف بوصلتك، وهذا هو جوهر تخطيط وتنظيم الوقت.

المسألة هي بوصلة لا أكثر:

  • لكي تنظم وقتك بالشكل الصحيح يجب عليك أن تعي بوصلتك الداخلية؛ فهي مَن تحدد إلى أين أنت ذاهب، فيختفي توترك وضياعك، وتصبح أنتَ المتحكم بوقتك.
  • ولكي تبني بوصلتك يجب عليك بداية أن تحدد "مَن أنت"، أي أن تَعِي مهمتك ورسالتك وقيمك في الحياة، وأن تجعل ضميرك وصوتك الداخلي صاحياً، وأن تعلم أهدافك تماماً، وترسم في مخيلتك صورة نهائية لك في أثناء تحقيقك لهدفك. على سبيل المثال: كأن تقول: "أنا فلان الفلاني، رسالتي في الحياة هي مشاركة الناس الأفكار التي تُثِري حيواتهم وتقربهم إلى الله تعالى، وهدفي الأول هو تقديم برنامج يساعدني على إيصال رسالتي إلى الناس، ومهمتي هي السعي المستمر لصنع أفضل نسخة مني، ومن ثم مساعدة الناس أيضاً".
  • ومن ثم يأتي السؤال الثاني الذي يجب أن تسأله إلى ذاتك: "هل المهام التي أقوم بها يومياً متجانسة مع قيمي ورسالتي وأهدافي؟".

شاهد بالفديو: 6 طرق لتُضيف المزيد من الوقت ليومك

يجب تقسيم المهام إلى أربعة أقسام للإجابة على هذا السؤال، مما يساعدنا على معرفة مكان هدر الوقت:

1. المهام الهامة وغير العاجلة:

يجب أن تأخذ هذه المهام أغلب وقتك خلال اليوم؛ إذ يجعل هذا النوع من المهام حياتك أكثر جودة وغنى ووفرة، مثل مهام التخطيط للمستقبل والأهداف، أو التحضير لأمر ما، أو التخطيط للإقلاع عن عادة سيئة، أو مهام الوقاية من مرض ما.

2. المهام العاجلة والهامة:

وهي المهام التي تتصف بالإلحاح وأهميتها عالية، مثل: المهام المتعلقة بحدوث كوارث أو امتحانات أو مرض أو موعد تسليم نهائي.

3. المهام غير الهامة وغير العاجلة:

وهي المهام التي تهدر معظم وقتك، مثل: تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، والثرثرة بدون هدف، والنوم المبالغ فيه، واللعب.

4. المهام غير الهامة والعاجلة:

مثل الإجابة على اتصالات هاتفية أو على رسائل نصية، وفعل أشياء ترفيهية، أو وجود زوَّار.

  • اكتشف في أية مهام تستثمر وقتك خلال اليوم، واسع جاهداً إلى أن يكون معظم وقتك في إنجاز المهام الهامة غير العاجلة.
  • يجب عليك أن تعلم أنَّ عقلك يميل إلى الراحة دوماً، وسيفعل كل ما بوسعه من أجل حضك على تأجيل القيام بالمهام، فما إن تعقد العزيمة على البدء بهدفك حتى يبدأ عقلك في توليد الأفكار المشتتة للانتباه، كأن يذكرك بضرورة القيام باتصالات هاتفية مع أصدقائك، أو يدعوك إلى الترويح عن نفسك والذهاب إلى مكان جميل؛ لكي تشحن نفسك بالطاقة ومن ثم تعود للعمل، وغيرها الكثير من الأفكار التي تبعدك عن هدفك وتمنعك من التركيز؛ لذلك يجب عليك ألا تدخل في صراع مع عقلك بل يجب أن تحفزه على الاضطلاع بالمهام من خلال ربط المهمة بمكافأة فورية، كأن تقرر التركيز على القيام بمهمة ما لمدة ساعة ومن ثم ستحصل على استراحة لمدة عشر دقائق تتصفح خلالها وسائل التواصل الاجتماعي، أو تستمع إلى أغنية، أما ربط المهمة بمكافأة بعيدة الأمد يثبط عمل العقل في أغلب الأحيان. من جهة أخرى يجب تقسيم هدفك إلى مهام صغيرة جداً، بطريقة يتحمس فيها عقلك لإنجازها، كأن يكون لديك مهمة قراءة 20 صفحة من الكتاب يومياً، بدلاً من أن تكون المهمة "إنهاء الكتاب"؛ إذ يُصاب العقل بالكسل والفتور ويهرب من أداء المهمات الكبيرة.
  • اسأل نفسك الآن: "هل أنت متعدد الأدوار، أم أنَّك تقضي أيامك في تغذية جانب واحد من جوانب حياتك وتهمل باقي الجوانب؟"

يقودنا هذا السؤال إلى ضرورة التوازن بين الجوانب الأربعة في حياة الإنسان؛ الجانب الروحي والعقلي والجسدي والاجتماعي. فلن تكون سعيداً إن حصلت على مركز وظيفي مرموق إلا أنَّك لا تملك أي صديق تثق به. ولن تصل إلى الراحة والثقة إن كنت اجتماعياً جداً، إلا أنَّك غير راضٍ على نظامك الغذائي وشكل جسمك.

إذاً، يجب عليك أن تسأل نفسك في حال تقييمك لمهمة ما: "أي جانب من الجوانب الأربعة تُشبِعه هذه المهمة؟"، "وهل تُشبِع جانباً على حساب جانب آخر؟" فقد تركز جهدك وطاقتك على الجانب الفكري فقط، دون السعي إلى تأسيس علاقات اجتماعية، ودون الاكتراث بصحتك، ودون محاولة تحسين جانبك الروحي والنفسي؛ الأمر الذي يؤدي إلى اختلال التوازن وإلى الكثير من المشكلات النفسية. كلما حقق الإنسان توازناً بين الجوانب الأربعة؛ كلما كان أكثر سعادة ورضا.

إقرأ أيضاً: 100 نصيحة لإدارة الوقت وزيادة الإنتاجية كل يوم

هل ستقضي حياتك بتأنيب الضمير؟

اسأل نفسك: "كم لك من السنوات وأنت تُؤجِّل إنجاز هدف ما؟"، "كم عزمت فعل هدف ما إلا أنَّك تتراجع بفعل مخاوفك؟"، والسؤال هنا: "إلى متى ستبقى هكذا؟"، أما آن الآوان لكي تكسر هذا الخوف وتتحرر من ذاك الكسل والتسويف؟

ألا تستحق أن تنام وأنت راضٍ عن يومك، بدلاً من مشاعر تأنيب الضمير وإحساس الإخفاق والعجز وفقدان السيطرة على الأمور؟

نعم، أنت تستحق الأفضل، ويجب أن تكون أفضل نسخة من ذاتك؛ لذلك حدد هدفك، وقسمه إلى أهداف صغيرة، واسع بكل ما أوتيت من قوة إلى تحقيق المهام المرتبطة بهدفك، بطريقة تحقق التوازن بين جوانبك الأربعة.

كن مبادراً، ومتعاوناً مع الآخرين، وحافظ على نيتك الطيبة وحسن ظنك؛ لأنَّ كل ما في داخلك سيُترجم إلى أشياء مادية في محيطك.

اعلم أنَّ الحياة قصيرة فلا تقضيها في التفكير بصغائر الأمور، اجعل تركيزك على الأمور الكبيرة والهادفة، فأينما يكون تركيزك تكون حياتك.

الخلاصة:

إن كنت تشعر أنَّ الوقت غير كافٍ للقيام بما تريده من مهام، فاعلم أنَّ الثغرة في طريقة إدارتك للوقت وليس في الوقت نفسه؛ لذلك اسأل نفسك في كل ساعة من ساعات يومك، بينما تقوم بفعل مهمة ما: "هل هذه هي أفضل مهمة أستطيع القيام بها، وهل تقربني هذه المهمة من هدفي أم تبعدني عنه، وهل تُشبِع لدي جانباً أساسياً من جوانب حياتي، أم أنَّها تسعى لتدميره؟".

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة