لكن كيف سيكون شعورك إن كنت مجبراً على عيش حياة زائفة؟ إليك مثالاً على ذلك:
تخيَّل أن يتمُّ إجبارك على تعلّم كيف تصبح مصفف شعر، ومن ثمَّ امتهان ذلك، ليس كمهنةٍ ثانويَّة؛ بل كمهنةٍ رئيسيةٍ لك. أو ما هو أسوء من ذلك، كأن يُطلب منك أن تتخلى عن الفتاةِ التي تحبها، وتتزوج من أخرى تمقتها مقتاً شديداً.
تخيَّل لو أنَّك قد أجبرت على نسيان كل ما تعلمته وأحببته، ومن ثم أُجبِرتَ على امتهانِ مثل تلك المهنة والزواج من مثل تلك الفتاة وعيش حياتك وفقاً لذلك.
إنَّ مقدار الألم المادي والمعنوي والكرب الذي ستشعر به أشبه بالألم الناتج عن قيام أحدهم بأخذ منزلك أو حرمانك من مصدر رزقك. وهو ما سيورِدُكَ مواردَ القلق والاكتئاب وانعدام الثقة بالنَّفس، والسُّقوطَ في دوامةٍ من السَّلبية.
ومع ذلك، تجد من يعيش حياته طوعاً أو قسراً، بناءً على إملاءات المجتمع وتفضيلاته. نحن نتحدث هنا عن أشخاصٍ يعيشون باستمرار، بعيداً عن هدفهم، أشخاصٍ غير راضين عن حياتهم. وفي حين أنَّ الحزن هو عاطفة شائعة مثلها مثل السعادة؛ فإنَّ حالة الحزن المستمرة ستجعلك تنزلق إلى نمط من الأفكار السلبية التلقائية التي ستجد صعوبة فائقة في إخراج نفسك منها.
إذاً كيف يمكنك أن تحل مثل تلك المشكلة؟ وكيف تتوقف عن عيش حياة لا تمتُّ لك بصلة، وتقوم بدلاً من ذلك بعيش حياةٍ تحترم أفكارك ومعتقداتك؟
من دون مزيدٍ من المقدمات، إليك 13 طريقة تُريكَ كيف أنّ عيشَ حياةٍ هادفة، يجعلك أكثر سعادة ورضىً:
1. تشعرُ وكأنَّك ترتكز على رسالةٍ أكبر منك:
في حين أنَّ عيش حياةٍ هادفة لن يضمن لك بالضرورة دخلاً أعلى وامتلاك عقاراتٍ فخمة؛ إلا أنَّك ستمتلك تلك الرَّغبة في أن تكون جزءاً من شيء أكبر منك شخصياً. الرَّغبة في أن تكون جزءاً من التيارات التي تؤثر بشكل إيجابي على العالم، وتتركُ وراءها إرثاً تتوارثه الأجيال القادمة. سمِّه إيماناً أو وعياً ذهنياً، أو أيَّ شيءٍ تريده.
يُتيح لك ذلك النوع من المرجعية أن تخوض غمار الحياة وأنت متيقنٌ من أنَّك موجودٌ على هذه الأرضِ لسببٍ محدد، وهو ما سيتيح لك بدوره قضاء المزيد من الوقت في البحث عن رسالتك في هذه الحياة.
2. تساعدُ الآخرين على عيش هدفهم:
إحدى مزايا عيش هدفك هي اكتشاف نقاط قوتك وجعلك أكثر رغبةً في خدمة مجتمعك. وهو ما سيكون مستحيلاً من الناحية العملية إن كنت تفتقر إلى الوعي الذاتي، وكنت غير قادرٍ على توظيف مهاراتك في مساعدة الآخرين.
في بعض الأوقات، حتى لو كنت تمتلك المهارات اللازمة لمساعدة الآخرين، فإنَّ عيشكَ حياةً عبثية سوف يلقي عليك ظلالاً من الشَّك والتشاؤم، مما يعميك عن الفرص المتاحة لمساعدة الآخرين على النمو.
3. تتعامل مع الآخرين من مبدأ احترامك لذاتك:
بينما تمضي بحياتك، تتشكل شخصيتك ومواقفك من خلال التجارب التي تمر فيها. إلا أنَّ الأحداث السَّلبية تميل إلى أن تجعلك أكثر عرضةً للتَّحديات التي تسهم في تعطيل طريقة تفكيرك وزرع عقلية الشك لديك، وهو ما يمكن أن يتسبب في هبوط حادٍ في تقديرك لنفسك.
إنَّ عيش حياةٍ هادفة هو وسيلة قوية لإصلاح ضعف الثقة بالنفس. فعندما تُغيِّرُ الطريقة التي تشعر بها حيال كيفية تأثير الشدائد عليك، تزداد ثقتك بنفسك وتشعر بأنَّك تمتلك الكفاءة الكافية للتَّعامل مع الانتكاسات، إلى درجة أن تلعب دورَ "وكيل تغيير - change agent" في المواقف مجهولة النتائج.
4. سوف تشكرك صحتك البدنية والنفسية:
هذا صحيح، إنَّ صحتك النفسية (العقلية) لا تقل أهمية أبداً؛ عن صحتك الجسدية. إنَّ عيش نمط حياة ليس من اختيارك، يمكن أن يعرضك لتدهور شديد في صحتك النفسية. ليبدأ القلق بمهاجمتك عندما تواجه زيادة في التَّوتر المفرط والتهيج ونقص التركيز، وما شابهها من مشاكل أخرى.
يوضح مقال بجامعة هارفرد كيف أنَّ الباحثين الذين درسوا خطر الوفاة الناتج عن أمراض القلب والأوعية الدموية بين الأشخاص الذين أبلغوا عن أنَّهم يعيشون حياةً هادفة، وأولئك الذين لا يفعلون ذلك، قد وجدوا أنَّ خطر الوفاة أقل بنسبة 20% لدى أولئك الذين أبلغوا عن عيشهم حياةً هادفة.
5. يَسهُلُ عليك تجاوز حالات فشلك:
يصبح خوض غمار الحياة أسهل إن كنت تعيش حياةً هادفة. لاحظ أنَّني قلت "أسهل" ولم أقل "سهلاً"، لأنَّ هذا ليس بالأمر الهيِّن على الإطلاق. ذلك لأنَّ اختياركَ أن تسعى وراء حياةٍ تتماشى مع هدفك، سوف يُنهِكُكَ ويتطلَّبُ منكَ المزيد. إذ ستكون مطالباً بأن تعمل على تنمية نفسك وتلتزمَ بتطوير مهاراتك الشخصية باستمرار.
ومع ذلك، فمن الأسهل عليك أن تتخطى حالات فشلك دون تركها تتفاقم لتتحوَّل إلى جرحٍ عاطفي، ذلك لأنك تصبح قادراً على أن تتعامل مع الحياة على أنَّها مغامرة، بدلاً من أن تتعاملَ معها بعقلية "كل شيء أو لا شيء".
إن عشتَ حياةً هادفة، سَيسهُلُ عليكَ أن تتخطى حالات فشلك. لأنَّه وعلى الرغم من تعرُّضِكَ لبعض الانتكاسات، فأنت تؤمن بأنَّك تسيرُ في مسارٍ احترافيٍّ إبداعيٍّ أُعدَّ خصيصاً من أجلك.
6. يَسهُل عليك مسامحة الآخرين وتخطي شعورك بالضغينة تجاههم:
تصبح الحياة أكثر سكينةً عندما لا تضطر إلى التَّمسك بالأحقاد وأوجه سوء الفهم التي تسببت في تعاستك. وهنا لا نعني أن تصبح متلبد الشعور تجاه الظلم أو عدم الاحترام المتعمد من الآخرين. فالغفران لا يبرر التَّصرفات الخاطئة. بل إنَّ من يختارون أن يعيشوا حياة هادفة يميلون أكثر إلى تفضيل الوفاق مع الآخرين على حساب توتر العلاقات معهم.
تقول الأخصائية الأسرية الدكتورة أندريا براندت: قد تشعر بعدم رغبتك في الصَّفح عن الآخرين، على الرَّغم من تيقُّنك بأنَّك بحاجة إلى ذلك. إلا أنَّ الأمر يتطلب عملية تدريجية لتقَبُّل بأنَّ ما حدث قد حدث؛ من أجل التَّحرر من ذلك الشعور بالأذى والمعاناة الناجمة عنه، والتَّخلص من عذابه. لذا فإنَّ عيشَ حياة هادفة يجعل هذه العملية أسهل؛ لأنَّك تصبح أكثر تقبلاً لفكرة أنَّه لا وجود لإنسانٍ "مثالي".
7. يصبح الامتنان جزءاً لا يتجزأ من حياتك:
إنَّه لمن المثير كيف أنَّ عيش حياةٍ هادفة، يفتح قلبك لتشعر بالامتنان. فعندما يُمهِّدُ الامتنان لحاجاتك ورغباتك، فأنت تميل إلى عيشِ حاضرك بشكل كامل، وإلى الاستمتاع بعلاقاتك والأمور التي تملكها. فأنت عندما تعيش حياة هادفة، فإنَّك تدرك الفرق بين الاحتياجات والرغبات، وتبذل ما بوسعك لعدم التَّركيز على ما لا تملك.
8. تنخرط أكثر في السلوكيات الإيجابية:
عندما تعيش حياة أكثر سعادة، تكون أكثر قدرةً على تبني استراتيجيات تَكيُّفٍ صحية عند التعامل مع الإجهاد. وفقاً لـِ ستيفاني هوكر نقلاً عن مجلة "Psychology Today": "إنَّ من لديهم إحساسٌ أكبر بهدف حياتهم يكونون ميالين أكثر لرعاية أنفسهم، لأنَّهم يشعرون بأنَّ حياتهم أكثر أهمية".
هذا يعني المزيد من التمرينات البدنية وتمارين التأمل واليقظة، وفي المقابل الابتعاد عن شرب الكحول والتدخين والسلوكيات التي تعرض صحتك وسلامتك للخطر.
9. يوسع آفاق نظرتك للحياة:
على عكس العيش في عالم ترى فيه كل شيء بالأبيض والأسود، فإنَّك تصبح شديد الحساسية للفوارق الدقيقة والايحاءات والتحديات التي تعصف بعمليات التواصل اليومية والتواصل بين الثقافات، ذلك عدا عن نشاطاتك التجارية.
يؤدي وجود عقل متفتح إلى التَّوق لامتلاك شعور وفهم أعمق لما يجري من حولنا، وهو ما يقودُ لمستوىً أعلى من التفكير بالوصول لنتائج أفضل في أعمالنا وحياتنا المهنية.
10. يزيد من تعاطفك مع الآخرين:
بدلاً من أن تعيش حياةً ملؤها إلقاء اللوم على الآخرين لأنَّهم لا يقدرون -على ما يبدو- أن "يتغلبوا على صعابهم"، ستدرك أنَّ الحياة ليست عبارةً عن منافسةٍ بينك وبين الآخرين.
إذ ستعلم أنَّ الجميع متساوون وقد يمرون ببعض الأوقات الصعبة من حينٍ لآخر. كما ستدرك أيضاً أنَّ الأمر يتطلب بيئة دعمٍ ورعاية لا بيئة انتقاد، لإنشاء أفراد ذوي قوة ذهنية وشخصياتٍ متوازنة ممن يطمحون ويجتهدون لتحقيق أشياءَ أكبر في الحياة.
11. سوف تسعى وراء حياة ملؤها القيم:
هل سبق لك وأن سمعت عمَّن يعيشون ويتنفسون قيمهم؟ حسناً، هذا ما نعنيه بعيشِ حياةٍ هادفة. دعنا نفترض أنَّك عرضةً للمشاكل الاجتماعية التي ابتُلِيَت بها المجتمعات المحلية والعالمية. عندما تعيش حياةً هادفة، يتجه عملك على الفور صوب حل هذه المشاكل. سيبرز دور هذا التَّكامل أكثر، لأنَّك تجد صعوبةً في تخليص ما تقوم به من الطريقة التي يطلب منك القيام بها.
12. تصبحُ أكثرَ انسجاماً مع حياتك المهنية:
عندما لا تكون منسجماً مع حياتك المهنيَّة، فلن تفطن لفرص العمل المتواضعة التي تحجب نفسها باعتبارها تحديات أو مقدمات بسيطة. لذا تخاطر وتتخذ قرارات غير حكيمة بشأن عملك وحياتك المهنية.
لكن النَّجاح يأتي من الداخل قبل أن يظهرَ للخارج، والطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك والتَّعرف عليه، هي إن كنت تعيش حياتك وفقاً لهدفٍ وضعته لنفسك مسبقاً.
13. تكتسب وضوحاً بشأن المستقبل على الرغم من عدم يقينك به:
دائماً ما سيكون الغموض وعدم اليقين، جزءاً لا يتجزأ من الحياة. ولكن في أوقات الشكِّ تلك، فإنَّنا إمَّا أن ندرك إمكاناتنا غير المعلنة، أو نترك الفرص تفلت من بين أيدينا.
إلا أنَّ الحياة الهادفة تنظر لعدم اليقين على أنَّه السَّبيل لتحقيق شيءٍ أكبر. وهو ما يشجعك على الانخراط في هذه الحياة من موضع فضول حقيقي وتساؤل، بدلاً من خوضها من موضع قلق وتشاؤم.
الخلاصة:
عليك أن تكون واضحاً بشأن ما تريد أن تكون عليه حياتك، وكيف تريد أن تعيشها. وسواءً أَكنت تتبع التوجهات السائدة أم تنتهك القواعد الاجتماعية، فإنَّ سعادتك الشخصية ووصولك إليها هو أمرٌ يقع على عاتقك. فأولاً وآخراً، أنت تعيش مرة واحدة فقط، لذا يجب عليك أن تجد معنىً لحياتك.
أضف تعليقاً