ما هو الذكاء العاطفي؟ وكيف يحسن التعلم؟

بعض الناس يمتلكون سرعة بديهة عالية، إنَّهم يخرجون من المواقف المحرِجة ببراعة فائقة، ويجيبون عن الأسئلة المباغتة بحكمة متصوِّف، ويقتنصون الفرص الحياتية برشاقة الثعالب؛ لذا فنحن نراهم يحسنون تدبُّر الأمور وتصريفها بفضل ما يمتلكون من الذكاء العقلي، أما بعضهم الآخر نلمس لديهم براعة التواصل مع الآخرين، وتصدير أنفسهم والتعبير عنها بطريقة جيدة، فنراهم يستلمون مناصب مرموقة بتزكية الجماهير، ويتحدثون باسم الجماعة بتفويض كلي، ويعبرون عن انفعالاتهم بحكمة لا يشوبها تهور، وهذا بفضل ما يمتلكون من الذكاء العاطفي.



قد يبدو مصطلح الذكاء العاطفي مألوفاً، ففي أيامنا هذه ازداد الوعي لأهميته ودوره في تحسين حياة الإنسان، فهل حقاً تحتاج العواطف إلى ذكاء أم أنَّها من الممتلكات الفطرية للإنسان؟

في هذا المقال سوف نتعرف معاً إلى مفهوم الذكاء العاطفي، ثم سنغوص بدقة أكبر نحو دوره في تحسين عملية التعلم، فما هو الذكاء العاطفي؟ وكيف يحسِّن التعلم؟

ما هو الذكاء العاطفي؟

إنَّ تعريف الذكاء العاطفي أو (Emotional Intelligence) هو القدرة على تمييز المشاعر الإنسانية التي تعصف بالإنسان جراء مروره بالمواقف والأحداث؛ إذ إنَّه التفريق بين كل شعور وآخر وتسمية كل واحد منهم باسمه الصريح، ومن ثم تحديد أسبابه ومدى تأثيره في الحالة النفسية للإنسان، وبعد ذلك اتخاذ استجابة واعية له لتفريغه وتحريره أو التعبير عنه بالطريقة المثلى.

الذكاء العاطفي الذي يمكِّن الإنسان من فهم الجزء العاطفي من ذاته يجعله يسقط تجربته في الاستقراء الشعوري على الآخرين، فيحس بمشاعرهم بناءً على فرضية وضع نفسه مكانهم في كل موقف، فيتصرف بناءً على رغبته بنوع التصرف الذي رغب بالحصول عليه فيما لو كان مكانهم، وهذا يكسبه مودتهم واحترامهم.

إنَّ الذكاء العاطفي يمكِّن الإنسان من فهم أسبابه ودوافعه التي أوصلته نحو هذا الشعور، ومن ثمَّ فإنَّه يستطيع تفهُّم دوافع الآخرين التي تقف وراء تصرفاتهم، فإذا ما رأى صديقاً يبكي لأنَّه سُرِّح قسراً من عمله الذي أحبه ومارسه سنوات طويلة، فلن يمطر عليه وابل إيجابيته السامة بأنَّ عليه أن يكفكف دموعه ويبحث عن جانب مشرق ونصف ممتلئ من الكأس؛ بل يسمح له بإطلاق العنان لمشاعر الحزن والخذلان التي تعتريه ومن ثم يدعمه في رحلة البحث عن مستقبل جديد.

إنَّ الأشخاص أصحاب الذكاء العاطفي يكونون أكثر شعبية من غيرهم، وهم الأوفر حظاً في تولي المهام القيادية، وينجحون في ذلك بالتأكيد، فهم يملكون عصا سحرية تجعل أعضاء فرقهم ترغب بمزيد من العمل وبذل الجهود؛ وذلك بفضل أساليبهم التحفيزية والتشجيعية، وبسبب كونهم قدوة للآخرين في إتقانهم.

نحن لا نقصد بالعصا السحرية معناها الحرفي؛ بل نقصد المهارة في التواصل مع الآخر مهما كان مختلفاً عنهم؛ وذلك لأنَّ ذكاءهم العاطفي يتيح لهم معرفة نمطه، ومن ثمَّ أفضل طريقة في التواصل والتعامل معه؛ ذلك لأنَّ الأفراد يمتلكون طبائع مختلفة ولا يمكن التعامل معهم أبداً بنفس الأسلوب.

إنَّ المعلم الذي يمتلك ذكاءً عاطفياً هو الأكثر شعبية بين طلابه، وكذلك المدير الذي يمتلك ذكاءً عاطفياً يكون محبوباً من قِبل موظفيه، حتى إنَّ المتقدمين للشواغر الوظيفية من الأذكياء عاطفياً يكتبون إيميلات طلبات توظيفهم بطريقة تعكس توازنهم النفسي بطريقة تجبر الطرف الآخر على الرد بلباقة ورُقي.

إقرأ أيضاً: 55 اقتباساً ملهماً يظهر قوة الذكاء العاطفي

نحن لا نريد أن نقول إنَّ الأشخاص الذين يمتلكون ذكاءً عاطفياً لا يشعرون بالمشاعر السلبية كالغضب والإحباط والحزن؛ بل هم أناس طبيعيون يشعرون بكافة هذه المشاعر، لكن ما يميزهم هو تعاملهم مع الشعور، فهم لا ينكرونه ولا يواربونه؛ بل يعترفون به وبحقهم الإنساني بالإحساس به، ومن ثم يحددون أسبابه ويعملون على معالجتها أو الوصول إلى طريقة تعامل مثلى معها، ويتصرفون بحكمة ووعي واستجابة وليس كرد فعل أحمق متهور، وسنشرح قولنا بمثال:

لم تحظَ "سيما" بتعليم جيد في مادة اللغة الإنجليزية في مدرستها السابقة؛ لذا فإنَّها كانت تشعر بأنَّ زملاءها في المدرسة الجديدة سيضحكون ويسخرون منها ومن طريقة لفظها في كل مرة يحين دورها في قراءة الدرس، وهذا ما جعل "سيما" تكره درس اللغة الإنجليزية وتحاول التغيب عنه بأيَّة ذريعة بعد أن كان من صفوفها المفضلة.

حكت "سيما" لأمها الأمر، فشرحت لها بدورها أنَّ السبب في تهربها من دروس اللغة هو شعورها بالخجل والخوف من أن تخطئ أمام رفاقها فيسخرون منها، وسببه يعود إلى اعتقادها بأنَّها أقل مستوى من رفاقها، ووضحت لها بأنَّ المدرسة الجديدة والطلاب الجدد من الطبيعي أن يكونوا سبباً في خجلها فهي ليست من النوع الذي يفضل الأشياء الجديدة، ولكنَّها جاءت لتتعلم، فلتخطئ إذاً، أليس الخطأ جزءاً من عملية التعلم؟ ثم نصحتها بأن تتخذ قراراً بأنَّها إذا ما أخطأت أمام رفاقها وضحكوا فهذا لن يجعلها تتراجع أو تتخلى عن دورها في القراءة؛ بل ستتابع متجاهلة ما يحدث، أو ربما تضحك بدورها وتصحح الخطأ ببساطة.

لقد كانت هذه القصة درساً لـ "سيما" في تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي، فكان أولها تسمية الشعور وتعريفه، ومن ثم تم الحديث عن أسبابه وأخيراً عن طريقة التصرف الواعية تجاهه، وبهذه الطريقة يكتسب الإنسان ذكاءه العاطفي ويعتاد استخدامه في مواقف حياته.

شاهد بالفيديو: خمس مكونات رئيسة للذكاء العاطفي

مهارات الذكاء العاطفي:

حدد "غولمان" مهارات الذكاء العاطفي بأنَّها مجموعة الخصائص التي يتميز بها الأشخاص الأذكياء عاطفياً، وهذه الخصائص هي:

الوعي الذاتي:

هو من مهارات الذكاء العاطفي التي تتيح للفرد فهم مشاعره الخاصة وتحديدها وتسميتها بتسميات دقيقة، وهذا ما يجعله صادقاً مع نفسه وواثقاً من خطواته ومؤمناً بحدثه، وهذا ما يمكِّنه أيضاً من التحكم بمشاعره ويجنبه الانجرار خلفها.

التنظيم الذاتي:

التنظيم الذاتي أيضاً هو من مهارات الذكاء العاطفي وفيه يستطيع الأفراد ضبط سلوكاتهم الانفعالية والتحكم بأفعالهم الناتجة عن مشاعر جياشة، فلا يتصرفون بحماقة عند الغضب الشديد أو الغيرة تصرفات تجلب لهم الندامة فيما بعد؛ بل يهدِّؤون من روع أنفسهم ويفرغون مشاعرهم بطريقة صحية، ثم يقومون باستجابات واعية ومدروسة للأفعال.

من أهم المهارات التي يمنحها التنظيم الذاتي نذكر التأقلم السريع مع الظروف، والشجاعة في قول "لا" والنزاهة والتفكير العميق في تحليل الأمور والمواقف.

التحفيز:

هو ثالث مهارات الذكاء العاطفي، وهو الذي يمنح الأفراد الحماسة القوية لتكون دافعاً لهم نحو بلوغ مآربهم المنشودة، وهو الوقود الذي يزودون به في رحلة الوصول إلى الأهداف البعيدة عندما يتسلل الإحباط، فيعيد إليهم حيويتهم واتقادهم.

شاهد بالفيديو: 6 طرق لتعزيز التحفيز الذاتي

التعاطف:

هو من أهم مهارات الذكاء العاطفي؛ وذلك لأنَّه من ثمار قدرة الأذكياء عاطفياً على فهم مشاعرهم الشخصية، فيقومون بوضع أنفسهم مكان الآخر فيتفهمون دوافعهم ويتعاطفون معهم، ومن ثمَّ لا يقومون بدور الجلاد الذي يحكم على الضحية ويلومها؛ بل يدركون المسببات ويتعاملون مع المواقف بحكمة، وهذا يجلب لهم احترام الآخرين.

التواصل الفعال:

هو نتيجة طبيعية لجميع ما تقدم من مهارات الذكاء العاطفي، فالشخص القادر على فهم مشاعره وتنظيم ردود أفعاله وتحفيز ذاته والتعاطف مع الآخرين سينجح بلا شك في التواصل الفعال مع غيره، فيدعم بطريقة صحية ويطوع مهاراته في التحفيز بتشجيع غيره، كما أنَّه يقدم تعاطفاً واحتواء للآخر إذا ما مر بظروف عصيبة، وهذا ما يجعله محبوباً من قِبل الآخرين بسبب قدرته على تقبل الأمور وتفهمها.

كيف يحسن الذكاء العاطفي التعلم؟

إنَّ امتلاك الإنسان للذكاء العاطفي ومهاراته ينعكس إيجاباً على عملية التعلم، وسوف نبين كيف يحسن الذكاء العاطفي التعلم عبر توضيح أهمية كل مهارة من مهارات الذكاء العاطفي التي ذكرناها آنفاً:

  • يحسن الذكاء العاطفي التعلم عبر مهارة الوعي الذاتي، فيعترف الإنسان لنفسه بمشاعر الإحباط من صعوبة المواد الدراسية مثلاً أو الانزعاج من أسلوب الطرح أو القلق من الامتحانات، وهذا يجعله يعي التصرفات التي ترتبط بها، فيتغلب على التسويف والتأجيل، ويتحضر جيداً للامتحانات ويحاول تخفيف التوتر والقلق عن نفسه عبر الممارسات التي يجدها مجدية في ذلك.
  • يحسن الذكاء العاطفي التعلم بسبب مهارة التنظيم الذاتي التي تمنعه من الخروج من الفصل مثلاً أو إغلاق المحاضرة إذا ما شعر بصعوبتها أو عدم قدرته على فهمها، وإنَّ هذه المهارة تجنبه الأفعال المرتدة المتهورة وتدفعه إلى دراسة الاستجابة المناسبة كالصبر والتنفس العميق ومحاولة الفهم، فإذا ما طلب المعلم واجباً أو مهمة صعبة فإنَّ التنظيم الذاتي يمنع الطالب من توكيل طالب آخر أو جهة معينة لحل الواجب عنه، فهو يدرك صعوبة الواجب ويدرك أيضاً الغاية منه التي تكون تدريبه وإكسابه مهارة جديدة، فلا ينفعل ويتصرف بطريقة غير مشروعة.
  • يحسن الذكاء العاطفي التعلم بسبب مهارة التحفيز التي يبرز دورها بشكل أعظمي في عملية التعلم الذاتي؛ إذ لا رقابة على عملية التعلم إلا الرقابة الذاتية، وإنَّ مهارة التحفيز هي التي توقد حماسة الطالب دوماً تجاه عملية التعلم وتذكره بأهدافه التي يطمح للوصول إليها، وهذا يشحذ همته ويغذي دوافعه.
  • يحسن الذكاء العاطفي التعلم عن طريق مهارة التعاطف مع الآخرين، فيدفع الطالب إلى مساعدة زملائه وشرح المعلومات التي استعصى عليهم فهمها، وهذا يثير في نفسه مشاعر إيجابية من الرضى والعطاء تنعكس إيجاباً على قيمته وأهمية الدور الذي يؤديه في الحياة.
  • يحسن الذكاء العاطفي التعلم عبر مهارة التواصل الفعال مع الآخرين التي تتيح للطالب التواصل بالصيغة المثلى مع كل واحد من زملائه في فريق العمل المتعاون لإتمام مشروع ما، الأمر الذي يساعده على استخراج الطاقات الكامنة لدى أصدقائه وإقناع كل منهم بالأسلوب الذي يتلاءم معه بضرورة وضع يده بيد الجماعة لإنجاح العمل.
إقرأ أيضاً: كيف تؤثر العواطف في اتخاذ القرار؟

في الختام:

إنَّ الذكاء العاطفي هو مجموعة المهارات التي تساعد الإنسان على فهم جزئه المتعلق بالشعور والمتحكم بالسلوكات والأفكار، وهذه المهارات قابلة للاكتساب والتعلم بالوعي والتدريب، وتنعكس إيجابياتها على جودة حياة الإنسان عموماً، وتحسن عملية التعلم خاصةً.




مقالات مرتبطة