يمكن عَدُّ الذكاء العاطفي مجموعة من المهارات يربط بينها عنصر رئيس وهو التنظيم الذاتي العاطفي، فهل سمعت بهذا المصطلح سابقاً؟ وما هي أهميته لنا؟ سوف نجيب عن السؤال السابق، كما سنلقي نظرة عميقة على التنظيم الذاتي العاطفي وأهميته واستراتيجياته في مقالنا الحالي، وهذا سوف يساعدك على معرفة كيفية اكتسابه.
مفهوم التنظيم الذاتي العاطفي:
هو آلية تسمح للإنسان بالحفاظ على توازن نفسي ثابت، وهو أحد عناصر الذكاء العاطفي الهامة، ويعرف بأنَّه قدرة الفرد على السيطرة على العواطف والمشاعر على اختلافها الحزينة منها والمتعبة والجميلة أيضاً، لذلك يتمكن من التعامل مع المواقف الحزينة مثل وفاة شخص مقرب أمامه أو السعيدة مثل زواج أخ أو صديق، فالتنظيم الذاتي العاطفي يساعد الإنسان على التخفيف من الألم، كما يساعده على التعبير عن المشاعر السعيدة براحة وحرية فيعيش كل لحظة سعيدة ولا يحبس أياً من العواطف داخله.
فوائد التنظيم الذاتي العاطفي:
غالباً ما يتسبب لنا التعبير عن العواطف بمشكلة أو إحراج وكذلك كبت هذه المشاعر، وعدم التعبير بحرية ليس بالأمر الجيد، وهذا ما يجعل التنظيم الذاتي العاطفي مفيداً جداً، وأهم فوائده هي كالآتي:
1. تشغيل التفكير العقلاني:
الذي يلزمنا في المواقف الصعبة التي يكون فيها الخضوع للمشاعر أمراً كارثياً.
2. التخفيف من شعور الحزن:
وخاصةً عند موت شخص مقرب لا يمكن للإنسان حينها التحكم بردود أفعاله وبكلامه، فكثيراً ما نسمع عن أشخاص قاموا بتصرفات جنونية عند موت شخص عزيز عليهم، ومن ثمَّ التنظيم الذاتي العاطفي يحمي الإنسان من الوصول إلى تلك المرحلة.
3. تقدير الأشياء الجيدة:
يساعد التنظيم الذاتي العاطفي على الانتباه إلى الإيجابيات الموجودة في المحيط والإحساس بأهميتها وتقديرها، وهذا يزيد من شعوره بالسعادة فلا يسمح لأي من المؤثرات الخارجية بالتقليل من أهمية المشاعر الجميلة.
4. اتخاذ القرارات الصحيحة:
البنود السابقة التي تحدثنا عنها تضمن للإنسان اتخاذه القرار الصحيح في الأوقات السعيدة والحزينة دون الاعتماد على المشاعر فقط فلا يندم فيما بعد.
5. بناء علاقات متينة:
يمكِّن التنظيم الذاتي العاطفي الإنسان من بناء علاقات جيدة ومتينة ومستمرة سواء اجتماعية أم عاطفية وشخصية.
شاهد بالفيديو: 6 صفات تدلّ على صاحب الذكاء العاطفي
استراتيجيات التنظيم الذاتي العاطفي:
استراتيجيات التنظيم الذاتي العاطفي كثيرة، ولكنَّ الأبرز هي الاستراتيجيات الآتية:
1. إدراك المشاعر:
فلا يمكن الوصول إلى تنظيم المشاعر دون تحديدها بدقة، فأحياناً يكون الإنسان بحالة من التشويش لا تسمح له بتعريف ما يمر به، لكن يجب التفكير قليلاً وتحديد حالته هل هي حزن أم غضب أم توتر حتى يعرف كيفية التصرف بناءً على ذلك.
2. التقبل:
الذي يُعَدُّ أمراً ضرورياً عند المرور بمواقف فقدان شخص مقرب مثل وفاة أحد أفراد العائلة أو عند الانفصال عن الشريك العاطفي أو الابتعاد عن صديق عزيز في حياتك، فعلى الإنسان مواجهة الواقع وتقبله كما هو لأنَّ النكران لن يغير من الأمر شيئاً؛ بل يجعله أصعب فالشخص المقرب اختفى من حياتك سواء أنكرت الموضوع أم تقبلته.
3. تقييم الحالة:
عند المرور بموقف وقبل أخذ قرار هام أو الاندفاع والتصرف بتصرفات قد تندم عليها فيما بعد عليك التفكير بمدى تأثير هذا الموقف في حياتك لاحقاً، وتقييم الأضرار سواء الجسدية أم المعنوية، فالكثير من الأمور والمواقف قد تبدو كارثية عند حدوثها، لكن بالتفكير فيها على الأمد البعيد قد لا يكون لها أي تأثير فسرعان ما يزول الغضب أو الحزن الناتج عنها.
مثلاً عند الانفصال عن الشريك العاطفي يدخل الإنسان بحالة من الحزن والمعاناة لكونه فقد الحب والاهتمام والسعادة المرتبطة بوجود هذا الشريك، لكن ربما فقدان هذا الشخص هو راحة وفرصة للتقدم في الحياة العملية وبناء النفس ودرس لك كي لا تعود إلى بناء علاقات مع أشخاص غير أسوياء.
كذلك الأمر عند الانفصال عن عمل وخاصةً إن لم تكن صاحب القرار بالانفصال فستعتقد أنَّك فاشل ولست أهلاً للمسؤولية، لكن قد يكون الانفصال هو فرصة للدخول في عمل أفضل وربما في مجال مختلف تماماً مناسب لأحلامك وطموحك.
4. قمع الأفكار:
وينطبق الأمر على الأفكار السلبية التي يسبب التفكير فيها القلق والحزن والخوف من المستقبل وغيرها من المشاعر السلبية، لذلك يجب على الإنسان أن يقمعها عن طريق إلهاء نفسه بأشياء أخرى إما بالعمل أو بالذهاب إلى نزهة والتمتع بالمظاهر الطبيعية الجميلة أو بالاستماع للموسيقى مثلاً، لكن لا بد لك أن تعرف أنَّ هذه الطريقة في التخلص من الأفكار مؤقتة غالباً على الرغم من توفيرها للراحة، لكن دائماً ما ينتهي بنا الأمر إلى معاودة التفكير بالأشياء السيئة وبشكل أقوى أيضاً.
5. التباعد المعرفي:
الذي يُعَدُّ أمراً صعباً أو حتى معقداً، ولكنَّه أمر هام عند اتخاذ القرارات كي تكون سليمة وصائبة قدر الإمكان، ونقصد بالتباعد المعرفي قدرة الإنسان على اتخاذ موقف محايد ومستقل عند مواجهة أي حدث سيئ، والتفكير بنمط الاستجابة التي ستصدر عنه لهذا الموقف، وهذا يساعد على التقليل من هول المشاعر السلبية والسيئة وتهدئة النفس مهما كان الحدث صعباً وصادماً.
كيفية الوصول إلى التنظيم الذاتي العاطفي:
بعد التحدث عن أهميته وضرورة اكتسابه لكل منا أصبحنا بحاجة إلى معرفة كيفية الوصول إليه والتمتع به، وإليك بعض الاستراتيجيات التي تفيد بذلك:
1. في الطفولة:
الطفل هو الأكثر قدرة على التعلم واكتساب المهارات بسهولة، لذلك وعلى الرغم من تركيز الجميع على التحصيل الأكاديمي منذ الطفولة، إلا أنَّ أول ما يجب على الأهل تعليمه لطفلهم هو كيفية تحديد مشاعره؛ وذلك لأنَّ الطفل يواجه صعوبة في هذا الأمر فتحديد المشاعر هو الخطوة الأولى نحو تحديد المشكلة، ومن ثم محاولة حلها ومعالجتها.
2. في مرحلة المراهقة:
تُعَدُّ المراهقة من الفترات الصعبة في حياة الإنسان نوعاً ما؛ وذلك لأنَّ الحساسية تكون زائدة في تلك الفترة، لذلك وعلى قدر الصعوبة يُعَدُّ التنظيم الذاتي العاطفي هاماً، ويمكن ذلك من خلال كتابة المواقف التي مر بها المراهق ومحاولة تحديد الشعور المرافق لكل منها، ومن ثم التفكير بالأسباب التي أثارت هذه المشاعر وما هو التصرف الذي نتج عنها؛ أي كيفية التفاعل مع تلك المشاعر لتحديد ما إن كان التصرف صحيحاً أو سيئاً ليتمكن المراهق من اتخاذ القرار الأفضل في المرة القادمة والسيطرة على المشاعر السلبية.
شاهد بالفيديو: 12 سبباً وراء أهمية تطوير الذات
3. عند البالغين:
الإنسان البالغ هو الأكثر قدرة على تحديد مشاعره في مختلف المواقف، فالعواطف لن تكون جياشة كما هي في مرحلة المراهقة؛ بل يمكن للعقل السيطرة عليها أكثر، ومن ثمَّ يمكن ضبط النفس بشكل أكبر، وعلى الرغم من ذلك فالإنسان دائماً بحاجة إلى التنظيم الذاتي العاطفي ليتخذ أنسب القرارات كما شرحنا آنفاً، وللوصول إليه يمكن القيام ببعض الأمور المساعدة مثل:
1. الاستماع للموسيقى:
يجب على الإنسان تخصيص القليل من الوقت يومياً للتمدد والاسترخاء مع سماع موسيقى هادئة للتخلص من التوتر والقلق والارتباك المرتبط بالأحداث اليومية.
2. علاج الذكريات:
يمكن اتباع هذه الطريقة للتخلص من النزاعات العاطفية والعمل على حل المشكلات مع الآخرين دون التخلي عنهم أو قطع العلاقة، وذلك بالجلوس والتأمل وتذكُّر الذكريات الجميلة والمواقف الإيجابية التي جمعتك مع الشخص الذي تختلف معه حالياً.
3. ممارسات تساعد على الاسترخاء:
للتخلص من الإرهاق المرافق للمواقف السلبية يمكن القيام ببعض النشاطات التي تساعد على الاسترخاء لاحقاً، مثل ممارسة التمرينات الرياضية، أو المشي لمدة نصف ساعة، أو القيام بتمرينات التنفس، أو الاهتمام بالنفس كإعداد طعام لذيذ وأخذ حمام ساخن، أو القيام بالمساج والتدليك المريح، أو الذهاب في رحلة مع الأصدقاء.
كل ما سبق يساعد الإنسان على تحسين التنظيم الذاتي العاطفي لديه ليتمكن من جعل حياته بمختلف جوانبها أسهل وأفضل.
في الختام:
يُعَدُّ التنظيم الذاتي العاطفي أحد الوسائل التي نتمكن من خلالها من تنظيم العواطف الجيدة والسيئة فنظهر ما نريد منها ونكبت ما يجب إخفاؤه، ويُعَدُّ أمراً هاماً لمختلف البشر؛ فبفضله يمكن التخفيف من الحزن وغيره من المشاعر السلبية، كما يمكِّن الإنسان من الشعور بالسعادة أكثر، وكل ما سبق يمكِّننا من اتخاذ القرارات الصحيحة في مختلف المواقف.
للتنظيم الذاتي العاطفي استراتيجيات تبدأ بإدراك المشاعر بدقة وتقبُّل المواقف السيئة والواقع عموماً، ومن ثم إعادة تقييم الحالة التي يعيشها الإنسان ليدرك مدى تأثير المواقف الحالية في المستقبل.
كما أنَّ قمع الأفكار السلبية من خلال شغل النفس عن التفكير أحد تلك الاستراتيجيات، ويمكن تنمية هذه المهارة منذ الطفولة بتعليم الطفل كيفية تحديد مشاعره وإظهارها ليستطيع التعامل معها، أما المراهقون فحساسيتهم مضاعفة، لذلك يمكنهم تنمية هذه المهارة بتدوين المواقف والنتائج لكل منها، والبالغون يمكنهم تطبيق استراتيجيات التنظيم الذاتي العاطفي بالاستعانة ببعض النشاطات التي تساعد على التفكير والاسترخاء كالاستماع للموسيقى وممارسة الرياضة وتمرينات التنفس.
أضف تعليقاً