ما تأثير طريقة التنفس في التخفيف من القلق؟

ربما تتحدث مع بعض الأصدقاء في أثناء تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ووسط كل هذه الأخبار السياسية وحالات كوفيد-19 (COVID-19) المتزايدة، قد تجد بعض الأشخاص ينصحون الآخرين بتحسين طريقة تنفسهم، ولكن هل يمكن أن يُحدِث ذلك فارقاً؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المُحرِّرة وكاتبة المحتوى "كيرا. إم. نيومان" (Kira.M.Newman) والتي تخبرنا فيه عن تجربتها في تحسين التنفس ودوره في تخفيف القلق.

يناقش الصحفي "جيمس نيستور" (James Nestor) في كتابه الجديد "التنفس: العلم الجديد لفن مفقود (Breath: The New Science of a Lost Art)" أنَّ البشر في العصر الحديث لا يجيدون التنفس بطريقة صحية؛ إذ نستنشق الهواء من الفم ونمرره إلى الرئتين بسرعة كبيرة، حتى إنَّ هنالك ظاهرة تسمى "انقطاع النفس عبر البريد الإلكتروني"؛ حيث يتنفس موظفو المكاتب متعددو المهام بشكل خفيف وغير منتظم في أثناء استجابتهم إلى البريد الإلكتروني - أو حتى يحبسون أنفاسهم - لمدة نصف دقيقة أو أكثر في أثناء وجودهم لفترة طويلة خلف مكاتبهم.

وبالإضافة إلى المشكلات الصحية المثيرة للقلق جميعها التي قد يسببها هذا، والتي يُفصِّلها "نستور" في كتابه، قد يكون لهذه الطريقة السيئة في التنفس عواقب كبيرة أخرى؛ مما يساهم في زيادة القلق ومشكلات الصحة الذهنية الأخرى.

تقول "إليسا إيبل" (Elissa Epel) الأستاذة في "جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو" (UC San Francisco): "إنَّ معدل وعمق الاستنشاق اللذين نتنفسهما هما عاملان أساسيان في تحديد حالتنا الذهنية".

يكتشف باحثون مثل "إيبل" (Epel) أنَّ كيفية استخدام تقنيات التنفس - القديمة والحديثة - يمكن أن يساعد الناس على درء القلق، وما يكتشفونه هو أنَّ التنفس يمكن أن يكون وسيلةً هامة لإيجاد المزيد من الهدوء والسلام.

إقرأ أيضاً: 8 طرق لهدوء النفس

دور التنفس في توفير الهدوء:

نحن نحاول غالباً كبح الشعور بالقلق من خلال تغيير أفكارنا، والتشكيك في أسوأ السيناريوهات في رؤوسنا، أو مقاطعة اجترار الأفكار بنوع من الإلهاء أو اللجوء إلى العلاج، ولكن يعطي التنفس نهجاً مختلفا، متجاوزاً تعقيدات العقل واستهداف الجسم مباشرة؛ إذ إنَّه بدلاً من محاولة التفكير في التخلص من مشاعر القلق، يمكنك القيام بشيء ملموس، مثل التنفس ببطء أو بسرعة في إيقاع معين، أو من خلال فتحة أنف واحدة، وأحياناً تجد الراحة الفورية في ذلك.

في دراسة أُجرِيَت عام 2017، كُلِّفَ أشخاص يعانون من القلق الشديد بمتابعة دورة تدريبية في ممارسة استرخاء التنفس الحجابي وكانوا يمارسونه مرتين يومياً في المنزل؛ حيث إنَّ التنفس الحجابي، أو التنفس من البطن، يتضمن التنفس بعمق في البطن بدلاً من التنفس البطيء في الصدر، وأفاد المشاركون بعد ثمانية أسابيع، عن شعورهم بقلق أقل مقارنةً بالمجموعة التي لم تتلقَّ التدريب، كما أظهروا علامات جسدية تدل على انخفاض القلق، بما في ذلك انخفاض معدل ضربات القلب، وبطء التنفس، وانخفاض في حساسية الجلد.

لذلك، قد تساعدك ممارسة التنفس المنتظم على الشعور بالهدوء في حياتك اليومية، ولكن تشير دراسات أخرى إلى أنَّ التركيز في تنفسك في لحظات الإجهاد الحاد قد يكون مفيداً أيضاً.

دعا الباحثون، في دراسة قديمة نُشِرَت في مجلة "جورنال أوف بيرسوناليتي آند سوشال سايكولوجي" (Journal of Personality and Social Psychology)، بعض المشاركين إلى المختبر وأبلغوهم أنَّهم سيتلقون صدمات كهربائية، ومن ثم مارس بعض المشاركين التنفس ببطء قبل الصدمات - التي لم تحدث في الواقع - في حين ركَّز آخرون على التنفس بمعدل طبيعي أو لم ينظموا تنفسهم على الإطلاق، وبعد ذلك لم يشعر منفذو التنفس البطيء - الذين يتنفسون حوالي ثمانية أنفاس في الدقيقة - بدرجة أقل من القلق في أثناء توقع الألم فحسب؛ بل أظهروا أيضاً قلقاً أقل على المستوى البدني، والذي يقاس بالتعرُّق وتدفق الدم إلى الأصابع.

وتابعت دراسة أخرى هذا البحث واختبرَت ثلاث درجات تنفس مختلفة: استنشاق سريع مع الزفير البطيء، استنشاق بطيء مع الزفير السريع، أو بتساوي وتيرة الشهيق والزفير، فكان الشهيق السريع مع الزفير البطيء - ثانيتان شهيق، 8 ثوان زفير - الأكثر فاعلية في تخفيف الشعور بالقلق ذهنياً وجسدياً.

وبطبيعة الحال، يُعَدُّ التنفس عنصراً رئيساً في التأمل والعديد من ممارسات تأمل اليقظة الذهنية، وأنَّه قد يكون سبباً رئيساً لمدى فاعلية هذه الممارسات؛ حيث طلب باحثون، في دراسة صغيرة أُجرِيَت عام 2017، من أشخاص يعانون من اضطراب القلق تجربة التنفس بالتناوب بين فتحتي الأنف أو ممارسة التنفس الواعي لمدة 10 دقائق، يومين على التوالي، ووجدوا أنَّ ممارسة التنفس البديل في الأنف كانت أكثر فاعلية بحوالي ثلاثة أضعاف في الحد من مشاعر القلق لدى الناس.

وبدت هذه الفوائد بشكل كبير على المشاركين في صف صغير لتنفُّس اليوغا (Yoga Breathing) لمدة 12 أسبوعاً في المملكة المتحدة، ووفقاً لباحثين من "جامعة ساوثهامبتون" (University of Southampton): وصف المشاركون الشعور "بمزيد من السيطرة"، مشيرين إلى أنَّ "القلق لم يَعُد يشعرهم بالوهن بعد الآن"، فقد أفاد أحد المشاركين عن زيادات ملحوظة في الثقة واليقظة الذهنية والمعنويات، وقدرة أكبر على الاسترخاء، وعاد ثلاثة مشاركين إلى عمل مدفوع الأجر، وتمكَّن آخر من الحصول على وظيفة طال انتظارها، وأصبح آخر قادراً على التفكير في العودة إلى العمل، بعد أن عجز عن القيام بذلك لسنوات عدة.

إقرأ أيضاً: إرشادات مهمة لتحافظ على هدوئك النفسي مدى الحياة

تنقُّل تأثير التنفس:

يمكن أن تبدأ الطريقة التي نتنفس بها سلسلة من التغيرات الجسدية في الجسم التي تعزز إما الإجهاد أو الاسترخاء، تقول "إيبل": "إذا كنا نتنفس بشكل سطحي وسريع، فإنَّ ذلك يتسبب في تغيير انتظام نظامنا العصبي؛ مما يؤدي إلى شعورنا بالتوتر والقلق، وإذا كنا نتنفس ببطء، فهذا في الواقع يؤدي إلى استجابة مضادة للتوتر".

يؤثر التنفس من الناحية التقنية في التفرعات الودية "كر أو فر" واللاودية "الراحة والهضم" في نظامنا العصبي، ويمكن لبعض التقنيات تعزيز المزيد من الهدوء والاسترخاء، وقد يسبب لنا أيضا إفراز هرمونات مثل البرولاكتين وربما الأوكسيتوسين، هرمون الشعور بالرضا الذي يعزز الحب والترابط.

يقول "نيستور": "تتيح لك تقنيات التنفس التحكم بتنفسك بوعي، لتتمكن من التحكم بجهازك العصبي وشعورك بالقلق؛ حيث إنَّنا عندما نتنفس بطريقة معينة، تتلقى المراكز العاطفية في دماغنا رسائل عصبية تأمرها بالهدوء".

تُقوي بعض تقنيات ممارسة التنفس بطريقة اليوغا - التي تتضمن التنفس البطيء أو الشديد، وتقلصات البطن في أثناء حبس النفس، والتخيل - الجهاز العصبي الودي، وتسبب ارتفاع توتر الجسم لتنشيط استرخاء أعمق بعد ذلك، وهذه الحالة مماثلة لشد العضلات، وارتخائها بعد ذلك مرة أخرى.

ويشبه هذا نوع التنفس الذي يعلِّمه ويم هوف (Wim Hof) الملقب برجل الثلج لمتابعيه؛ وهي الطريقة التي تبحثها "إيبل" حالياً، ويشتهر "هوف" بمآثره الخارقة على ما يبدو، مثل تسلق "جبل كليمنجارو" (Mount Kilimanjaro) في السراويل القصيرة وتغيير استجابته المناعية للبكتيريا القولونية (E. coli)، والتي يعزوها إلى السيطرة الدقيقة على فيزيولوجيته الخاصة بفضل ممارسات التنفس وأكثر من ذلك.

يمكن أن يؤثر التنفس السريع في الأشخاص الذين يعانون من القلق؛ مسبباً الوخز في الأطراف والدوار الذي غالباً ما يصاحب نوبات الذعر، ولكنَّ هذا جزء من الفكرة، وعندما تتنفس بسرعة وتبدأ الشعور بالأعراض التي ترافق القلق عادةً، قد يساعدك ذلك على إعادة تفسير تلك الأعراض بطريقة أقل تهديداً؛ إذ إنَّها تصبح أقل إثارة للقلق؛ وذلك لأنَّ لديهم سبباً واضحاً، وبالطريقة نفسها التي يكون فيها ارتفاع معدل ضربات القلب في أثناء ممارسة الرياضة غير مزعج، وإذا كنت تستطيع ربط القلق بعادات التنفس الخاطئة، فهذا يعني أنَّه يمكنك تغيير الطريقة التي تتنفس بها وربما ترى بعض التحسن.

إقرأ أيضاً: فوائد تمرينات التنفس للعقل والروح والجسد

كيف تُحسِّن طريقة التنفس؟

إذا كنت ترغب في ممارسة التنفس من أجل صحة عقلية وجسدية أفضل، فهناك تقنيات لا حصر لها يمكنك تجربتها، وعلى الرغم من أنَّه لا ينبغي عَدُّ هذه العلاجات بديلاً للعلاج أو علاجاً للقلق الشديد، إلا أنَّها يمكن أن تكون أداة مجانية وبسيطة لكل من الراحة قصيرة الأمد والفوائد طويلة الأمد.

كتب الطبيب "رافيندر جيرات" (Ravinder Jerath) وزملاؤه في دراسة أُجرِيَت عام 2015: "يمكن استخدام تقنيات التنفس كعلاجات أولية وتكميلية للتوتر والقلق"، فالعديد من التقنيات التي بُحِثَت رسمياً مستمدة من "البراناياما" (pranayama)؛ وهي طريقة تنفس في رياضة اليوغا يعود تاريخها إلى الهند القديمة:

  • طريقة "يوجاي" (Ujayyi): التنفس العميق مع ضيق الحلق؛ مما ينتج عنه صوتاً يشبه المحيط، وغالباً ما يُوصَى به في أثناء ممارسة اليوغا.
  • "بهاستريكا" (Bhastrika)، أو "التنفس الخوار": الشهيق والزفير بقوة.
  • "نادي سودهان وأنولوم فيلوم" (Nadi Sodhan and Anulom Vilom): من أنواع التنفس المتناوب بين فتحتي الأنف؛ حيث يُستنشَق الهواء من إحدى فتحتي الأنف ويُزفَر من خلال الأخرى، وأحياناً مع حبس النفس.

توجد أيضاً مجموعة متنوعة من ممارسات "مربع التنفس"، المستمدة من تمرين التنفس "براناياما ساما فريتي" (pranayama Sama Vritti)؛ حيث يُستنشَق الهواء لمدة أربع ثوانٍ، ويُحبَس النفس لمدة أربع ثوان، ويكون الزفير لمدة أربع ثوانٍ، ثم يُحبَس النفس مرة أخرى لمدة أربع ثوانٍ، ويتكرر ذلك، وتشمل التقنيات الأخرى طريقة التنفس 4-7-8، وغالباً ما يُنصَح بها لمساعدتك على النوم.

كما أنَّ ممارسة اليقظة الذهنية ليست مجرد تأمل، فإنَّ التنفس كممارسة لا يقتصر فقط على الاستيقاظ كل صباح والتنفس لمدة 10 دقائق؛ إذ من الهام أيضاً أن تكون على دراية بالطريقة التي تتنفس بها في الحياة اليومية، أو في أثناء تفقُّد بريدك الإلكتروني.

تتلخص نصائح "نستور" في التنفس في قائمة قصيرة من المبادئ العامة، بما في ذلك التأكد من التنفس من خلال الأنف وليس الفم، وإبطاء تنفسك - إلى خمس أو ست ثوان شهيق، وخمس أو ست ثوان زفير - وتمديد مدة الزفير لمزيد من الاسترخاء.

الآن الكثير من الحديث عن التنفس قد يجعلك تشعر بالقلق، فربما هذا ما شعرتَ به على الأقل في أثناء القراءة عن كل الطرائق التي تكون فيها عادات التنفس لدينا خاطئة، فقد لاحظ الباحثون في إحدى الدراسات، أنَّ الأشخاص القلقين كانوا متشككين في بداية التجربة وكان لديهم بعض الصعوبة في الممارسة، لكنَّ هذه المجموعة استمرت في الشعور بالتحسن في نهاية 12 أسبوعاً من التدريب.

المصدر




مقالات مرتبطة