لماذا يجب أن نعتمد أسبوع عمل مكون من 4 أيام؟

تصدَّرت "أيسلندا" عناوين الأخبار مؤخراً بإعلانها نجاحاً باهراً لأكبر تجربة في العالم لأقصر أسبوع عمل في القطاع العام، بعد أن انتقل أكثر من 2500 عامل إلى العمل 35 أو 36 ساعة في الأسبوع وأعلنوا أنَّهم أسعد وأصح وأقل توتراً، وتعمل الدولة الآن على إتاحة هذا الخيار لغالبية قوَّتها العاملة.



يتعارض هذا مع طريقة عمل الاقتصاد العالمي اليوم القائمة على العمل على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع؛ حيث قد تبدو ساعات العمل الطويلة حتمية ولا مفر منها؛ إذ قيل لنا: "إنَّ سنوات التعب والتركيز بقوة والعمل الدؤوب هي سر نجاح أصحاب المليارات والرياضيين المحترفين والشركات الضخمة وحتى الاقتصادات بأكملها".

لكنَّ أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام ليس حكراً فقط على القطاع العام؛ إذ تكتشف حالياً العديد من الشركات الخاصة أنَّه من خلال الانتقال إلى أربعة أيام من العمل، يمكنهم ضمان التركيز خلال وقت العمل وإعطاء الناس المزيد من وقت الفراغ، والنتائج هي زيادة في الإنتاجية والإبداع، وتحسين فرص الحصول على الموظفين والاحتفاظ بهم، وانخفاض في معدلات الإرهاق بين المؤسسين والقادة، واستمتاع الجميع بحياة أكثر توازناً واستدامة، وكل ذلك دون خفض الرواتب أو التضحية بخدمة العملاء.

في بداية الحجر الصحي، كان هناك قلق بأنَّ الجائحة ستضر في تقدم وانتشار مفهوم أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام، ولكن بمجرد انتهاء الارتباك الأولي الذي سببه الحجر الصحي والانتقال إلى العمل عن بُعد، أصبح واضحاً أنَّ التوجه العالمي لتخفيض عدد أيام العمل في الأسبوع لم يتباطأ؛ بل في الواقع، سمحَت الجائحة للمزيد من الشركات بتخفيض ساعات عملها، وسلَّطت الضوء على الحاجة الملحة لإعادة تصميم طريقة عملنا، وعلَّمَتنا بعض الأشياء الجديدة عن أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام بالإضافة إلى مستقبل العمل.

أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام قبل الجائحة:

قبل الجائحة، انتقلَت مئات الشركات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في كوريا واليابان، وهما دولتان تحتوي لغتاهما كلمات تعني "الموت بسبب فرط العمل"، إلى العمل أربعة أيام في الأسبوع أو ست ساعات في اليوم أو عدد أيام عمل أخرى أقل، كانت معظمها شركات صغيرة يقل عدد أفرادها عن 100 شخص، وتضمَّنَت شركات خدمات إبداعية ومحترفة وشركات برمجيات ناشئة ومطاعم ومصانع ودور رعاية للمسنين؛ أي المجالات حيث العمل بإفراط أمر شائع وحيث لا مرونة في المواعيد النهائية.

بالنسبة إلى الكثيرين، كان الأمر يتعلق بإحداث التغيير أو فشل الشركة، وكانت جميع هذه الشركات تقريباً تحت قيادة مؤسسين متمرسين يواجهون خطراً يهدد وجود شركاتهم مثل الإرهاق بين القوة العاملة، وخلصوا إلى أنَّه لا يمكن المتابعة على منوال ساعات العمل الطويلة، واعتقدوا أنَّ في إمكانهم ابتكار طريقة أفضل للعمل.

بالنسبة إلى الجميع، كانت فوائد عطلة نهاية الأسبوع - التي تدوم ثلاثة أيام - واضحة، من التوازن الأفضل بين الحياة المهنية والشخصية، إلى توافر المزيد من الوقت للتعامل مع الحياة والأسرة، وحتى امتلاك مخزون طاقة أكبر للعمل على التطوير المهني والشخصي والهوايات المنعشة والتمرينات الرياضية.

لم تختر أيَّة شركة يوماً محدداً وأزالته من تقويم أيام العمل ببساطة، وعوضاً عن ذلك، كان يجب عليهم إعادة تصميم طريقة عملهم بشكل هادف؛ إذ يكمن سر الانتقال إلى أسبوع عمل أقصر دون تقليل الإنتاجية في ثلاثة مجالات:

  1. تقييد وقت الاجتماعات.
  2. اعتماد مفهوم "وقت التركيز"؛ حيث يمكن للجميع التركيز على مهامهم الرئيسة.
  3. استخدام التكنولوجيا بوعي أكبر.

على سبيل المثال: تحتوي غرفة اجتماعات شركة الاستشارات الرقمية "فلوك" (Flocc) كراسٍ غير مريحة لتشجيع الناس على التحدث باقتضاب، بينما يستخدمون في شركة "آي آي إيتش نورديك" (IIH Nordic) أجهزة ضبط الوقت التي تَعُدُّ تنازلياً لضمان بقاء الاجتماعات قصيرة.

إقرأ أيضاً: 6 طرق فعالة لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية

تشير الدراسات إلى أنَّه على الرغم من أنَّ التكنولوجيا زادت الإنتاجية من حيث العمل بعد الحصول على المعلومات الضرورية كافة، لكنَّ العاملين في المكاتب يهدرون من ساعتين إلى أربع ساعات يومياً، بسبب عمليات قديمة وتعدد المهام والاجتماعات الطويلة للغاية والمشتتات؛ لذا تعامل مع تلك المشكلات وستقطع شوطاً طويلاً نحو جعل أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام ممكناً.

إنَّ التركيز أكثر يترك فائضاً من الوقت في الشركات خلال اليوم يمكن تخصيصه للتواصل الاجتماعي، على سبيل المثال: يتناوب الموظفون في شركة "فلوك" (Flocc) بين وقت العمل بتركيز وبين استراحات احتساء القهوة، بينما يقدِّم مركز الاتصال في "غلاسكو" "ماركيتينغ برسوت" (Pursuit Marketing) للعمال وجبة إفطار مجانية قبل أن يبدؤوا العمل؛ وبالنتيجة لا تخسر الشركات من أرباحها النهائية، وتكسب عاملين أسعد يتمتعون بصحة أفضل.

وجدت العديد من الشركات أنَّ معدل إنتاجيتها في أربعة أيام يمكن أن يعادل ذاك في خمسة، حتى إنَّ القليل منها شهد زيادة إنتاجية الموظفين بشكل كبير، وعلاوة على ذلك، ارتفعت الإيرادات والأرباح؛ وذلك لأنَّه كان من الأرخص تطبيق نموذج أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام، كما أنَّه جذب عملاء جدد.

نتيجة لذلك، لم تخفض الشركات رواتب الموظفين عندما خفضت ساعات العمل؛ وقد أدى هذا بدوره إلى زيادة معدلات الحفاظ على الموظفين وجذب المزيد من العمال ذوي الخبرة، ويمكن الآن للشركات الناشئة المحظوظة والشركات في المدن الصغيرة التنافس مع الشركات الضخمة في مراكز المدن الكبيرة لجذب الأشخاص الذين يتمتعون بالمواهب رفيعة المستوى.

يقول المؤسس "ريتش لي" (Rich Leigh) الذي انتقلَت شركته "راديو أكتيف بي آر" (Radioactive PR) إلى أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام في عام 2019 إنَّه يتلقى دائماً طلبات من أشخاص عظماء يملكون سِيَراً ذاتية رائعة يريدون الابتعاد عن المدينة الكبيرة، ولكنَّهم يريدون الاستمرار في العمل في هذا المجال.

وقبل بضع سنوات، استخدمَت شركة التجارة الإلكترونية الكورية "ووا برذرز" (Woowa Brothers) أسبوع عمل أقصر لجذب الموظفين من شركتي "سامسونغ" (Samsung) و"إل جي" (LG)، وتُقدَّر قيمتها حالياً بأكثر من 4 مليارات دولار أمريكي؛ أي يمكننا بسهولة استنتاج أنَّ الشركات لا تخسر أرباحها النهائية، وأنَّها تكسب عاملين أسعد يتمتعون بصحة أفضل.

قدَّمت شركة اتصالات الرعاية الطبية والصحية "سينيرجي فيجن" (Synergy Vision) خيار أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام لموظفيها في أواخر عام 2018، وبعد ستة أشهر، في استطلاع على مستوى الشركة، قال 51% من الموظفين إنَّهم "سعداء جداً" في العمل، وقد كانت النسبة سابقاً 12%، وقال 88% الآن لدينا وقت كافٍ لإنجاز المهام الشخصية، في حين كانت نسبة هؤلاء سابقاً 54%، وقال 79% إنَّ لديهم وقتاً كافياً لإنجاز جميع مهامهم في العمل على الرغم من أنَّهم كانوا يعملون يوماً أقل.

كتب أحد الموظفين: "الحياة أفضل، بفضل أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام، أقضي وقتاً إضافياً في القيام بأشياء أحبها، مثل المشي وقراءة الكتب والتخطيط لحفل زفافي"، وقال موظف آخر عن وقت الفراغ الإضافي: "كل شخص يقضي وقته بشكل مختلف، بعض الناس مارسوا هواية جديدة، وبعضهم لا يفعلون شيئاً ويستخدمونه لإعادة شحن طاقتهم، ويستخدمه الكثير منهم لضمان أنَّهم متفرغون في عطلة نهاية الأسبوع للاستمتاع بها مع الأصدقاء والعائلة".

إقرأ أيضاً: 8 نصائح للاستمتاع في عطلة نهاية الأسبوع

ساعات العمل والابتكار والجائحة:

تمكَّنت الشركات التي انتقلت إلى أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام قبل الجائحة من الاستجابة بسرعة لتحديات الإغلاق، وتعلَّم الموظفون كيفية إعادة تصميم ساعات العمل والالتزام بالجداول الزمنية واعتماد تقنيات جديدة عندما اختاروا اعتماد أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام في وكالة البرمجيات والتصميم "آبشن" (Abtion) التي مقرها "كوبنهاغن".

وعندما انتشر الفيروس، قال كبير مسؤولي الإنتاج "بو كونسكوف" (Bo Konskov): "لم نفرض حلولاً على الموظفين"؛ إذ أدركت القيادة أنَّ العمال لديهم بالفعل المهارات اللازمة للتكيف، وحين انتقلوا إلى العمل من المنزل، لم يضطر أحد إلى التأكد من أنَّ كل شخص يعمل باستمرار، وأكمل "كونسكوف": "سيكون ذلك مضيعة للوقت؛ وذلك لأنَّنا نعلم أنَّ جميع موظفينا حاضرون ويعملون".

انتقلَت الشركات إلى أسبوع عمل أقصر خلال الجائحة؛ وذلك لأنَّها وجدت أنَّ كفاءات العمل عن بُعد والاستخدام الأفضل للتكنولوجيا تركت المزيد من وقت الفراغ، وأنَّه يمكن لها بدورها رد الجميل للموظفين الذين كانوا يشعرون بالتوتر أو الإرهاق من العمل الزائد بسبب الحياة في ظل الجائحة.

وإذا كانت الشركة لا تستخدم في أوائل عام 2020 بالفعل أدوات مثل "غوغل سوت" (Google Suite) و"سلاك" (Slack) التي تسمح للموظفين بالتعاون والتواصل عبر الإنترنت وخدمة العملاء عن بُعد، فقد تعلمَت بسرعة كيفية استخدامها عند انتقالهم إلى العمل عن بُعد.

كان هذا يعني بعد بضعة أشهر أنَّ روتين وتوثيق سير العمل أصبح أفضل؛ مما أدى إلى زيادة الإنتاجية في الساعة، وفي الوقت نفسه، كانت تحديات الحياة في ظل الحجر الصحي تتزايد؛ حيث كان العمال يحاولون التوفيق بين تعليم أطفالهم من المنزل، وتلاشي الحدود التي تفصل بين الحياة المهنية والشخصية وساعات العمل الطويلة، فكان الحل في نظر تلك الشركات هو مشاركة مكاسب الإنتاجية مع العمال على شكل أسبوع عمل أقصر.

بعد شهور من التكيف مع العمل من المنزل والشك بسبب العيش في ظل الجائحة، يقول المدير التنفيذي "بول ماكنولتي" (Paul McNulty) الذي اعتمدت شركته للنشر عبر الإنترنت "3دي إشيو" (3D Issue) جدول أسبوع العمل الأقصر في منتصف عام 2020 إنَّ تأثير الانتقال إلى أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام في المعنويات كان فورياً: "على الفور، يمكن أن ترى أنَّ الموظفين كانوا أسعد، ومن الرائع حقاً رؤية ذلك"، وقبل إجراء التغيير ترك "ماكنولتي" للموظفين الاختيار بين زيادة الراتب أو تقصير ساعات العمل، وصوتوا لصالح الأخير.

الموظفون الذين لديهم أطفال يرون يوم العطلة الإضافي يوماً لأنفسهم، ويقوي ولاء الجميع للشركة، كما شجع تقصير أسبوع العمل الناس على التفكير أكثر في كيفية عملهم، فقال المدير التنفيذي "بانكس بينيتيز" (Banks Benitez) في المؤسسة غير الربحية "أنشارتد" (Uncharted): "إفساح المجال للناس لاكتشاف الأسلوب الذي يناسبهم في العمل كان تحسيناً هاماً".

إقرأ أيضاً: 10 طرق لرواد الأعمال لإنجاز العمل أثناء التعليم المنزلي للأطفال

أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام ومستقبل العمل:

قد لا تبدو الأزمة الاقتصادية والصحية العامة وقتاً مناسباً لتعتمد الشركات نموذج أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام، لكن حتى الآن، نجت كل شركة من أزمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، ويجب عليهم قريباً أن يصبحوا أكثر مرونة عموماً، وأكثر مرونة في التعامل مع الوقت وأقل صرامة فيما يتعلق بالالتزامات؛ وذلك لأنَّهم يعيدون تصميم أماكن العمل والروتين للعمال الذين اعتادوا حديثاً على العمل المرن.

لذا، في أثناء إعادة فتح المكاتب والمتاجر، يجب أن يحددوا العمل الذي يجب أن يحدث وجهاً لوجه وما يمكن فعله عن بُعد، والبدء بالاستعداد للتصدي للجائحة المقبلة أو الكساد الاقتصادي.

سيتطلب ذلك التحلي بالمرونة والتفكير بتعمق وحل المشكلات بين الموظفين وداخل الشركات، ويقدم أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام حافزاً للشركات لتطوير تلك القدرات، ويمكن أن يساعدها على التعامل مع المشكلات العملية لإعادة افتتاح مكاتبها وإصلاحها، ونظراً لأنَّ العديد من الشركات استثمرت بالفعل في التقنيات اللازمة لاعتماد نموذج أسبوع عمل أقصر، أصبح الانتقال إلى أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام أسهل من أي وقت مضى.

أظهر استطلاع حديث أجرته المنظمة غير الربحية "بي ذا بيزنيس" (Be The Business)، أنَّ 18% من الشركات في المملكة المتحدة كانت منفتحة على الانتقال إلى نموذج أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام بعد انتهاء الجائحة، و5% تقدم هذا الخيار بالفعل لموظفيها.

كما أنَّ اهتمام السياسيين والحكومات المتزايد بأسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام يزيد من أهميته في مكان العمل بعد الجائحة؛ حيث أعربَت الوزيرة الاسكتلندية "نيكولا ستورجون" (Nicola Sturgeon) ورئيسة الوزراء النيوزيلندية "جاسيندا أرديرن" (Jacinda Ardern) والسياسية اليابانية "كونيكو إينوجوتشي" (Kuniko Inoguchi) عن دعمهن لنموذج أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام.

كما وعدَ المرشحون لرئاسة البلدية في كوريا الجنوبية بإطلاق برامج لتشجيع الشركات على تجربة أسابيع عمل مدتها أربعة أيام ونصف، بينما في الولايات المتحدة، أُطلِقَت حملة في أواخر يونيو 2021 لتشجيع الشركات على اعتماد أسبوع من أربعة أيام.

طبَّقت بعض الحكومات أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام أو أنَّها تفكر في ذلك؛ إذ بدأَت مقاطعة "أودشيرد" الدنماركية فترة تجريبية مدتها ثلاث سنوات لأسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام في عام 2019، وبدأت مقاطعة "جيفرسون" و"مورغانتاون" و"وست فيرجينيا" في الولايات المتحدة بتطبيقه في عام 2020، وأعلنت مدينة "فالنسيا" بإسبانيا عن خطط لتجربته في عام 2021.

يمكن أن يساعدنا أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام أيضاً على معالجة عدم المساواة الهيكلية التي سلطت عليها الجائحة الضوء؛ حيث محت خسارة الوظائف في عام 2020 عقوداً من المكاسب التي حققَتها النساء في مكان العمل، ويمكن أن يساعدهن أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام على استعادتها؛ إذ تفضِّل الشركات التي اعتمدت هذا النموذج الأمهات العاملات؛ وذلك لأنَّهم يقدرون خبراتهن ومهاراتهن التنظيمية وقدراتهن التعاونية في إدارة الوقت وعلى تحديد الأولويات بصرامة.

تكافئ أسواق العمل التقليدية العمل حتى وقت متأخر بحيث تطغى حياة الفرد المهنية على حياته الشخصية ويَعُدُّون الأمومة أمراً يستحق العقاب، وفي المقابل، تفضِّل الشركات التي تعمل لأسابيع أقصر الأمهات العاملات؛ إذ تقول "آنا روس" (Anna Ross) المديرة التنفيذية لشركة منتجات التجميل الأسترالية "كيستر بلاك" (Kester Black) إنَّهم يرغبون في جذب الأمهات العاملات تحديداً.

يؤدي تقليل عدد ساعات العمل إلى خفض استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية ووقت التنقل بين مكان العمل والمنزل؛ حيث أظهر تقرير نشرته حملة "أسبوع العمل المكوَّن من 4 أيام" (4 Day Week) في المملكة المتحدة أنَّ الانتقال إلى نموذج العمل هذا يمكن أن يقلل من الانبعاثات الكربونية للبلد بأكمله بنسبة 21.3% سنوياً، وهو ما يعادل التخلص من جميع السيارات تقريباً، كما كان الحال في أثناء الحجر الصحي خلال الجائحة.

ووجد التقرير أيضاً أنَّ الناس يميلون أكثر إلى قضاء أوقاتهم خارج العمل في ممارسة نشاطات تبعث كربوناً أقل، مثل إعداد وجباتهم بأنفسهم والمشي أو ركوب الدراجات بدلاً من قيادة السيارة.

يمكن أن يفيد أسبوع العمل الأقصر أيضاً المناطق والبلدان التي تحاول أن تصبح نقطة جذب للأشخاص الذين يتمتعون بالمواهب حول العالم أو تشجيع الشباب على العودة إلى بلدانهم؛ حيث إنَّ الاقتصاد الذي يكون فيه للعمال أثر أكبر في كيفية أتمتة العمل ويحصلون على نصيب أكبر من فوائد زيادة الإنتاجية هو اقتصاد أقل عرضة للمعاناة من اضطرابات كبيرة بسبب الأتمتة والذكاء الاصطناعي.

يمكن أن يساعدنا أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام على تطوير رؤية صحية أكثر تجاه العمل والوقت؛ إذ أدَّت العولمة والاستعانة بمصادر خارجية والأتمتة والرقمنة وظهور اقتصاد الوظائف المؤقتة في العقود الأخيرة إلى نشوء اقتصاد يُطلَب منا فيه العمل لساعات أطول باسم العمل على شغفك، أو الحضور بالكامل في العمل أو تجنُّب الحاجة إلى تخفيض أعداد الموظفين.

ومن أهم الدروس التي يمكن أن تُعلِّمنا إياها الشركات التي تعتمد أسابيع العمل المكوَّنة من أربعة أيام هو أنَّه يمكن لأماكن العمل أن تستبدل هدف الإبداع المرهق برؤية للإبداع المستدام عند وجود الحوافز والثقافة الصحيحة؛ حيث يكون هناك توازن أفضل بين الحياة المهنية والحياة الشخصية، كما أنَّ الراحة تزيد من الإبداع؛ وبهذه الطريقة يمكن للشركات استثمار شغف الموظفين.

باختصار أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام في متناول أيدينا، يجب علينا فقط إدراك ذلك والتحلِّي بالجرأة الكافية لتحقيقه.

المصدر




مقالات مرتبطة