ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن تجربةٍ شخصيةٍ للمدون ومؤلِّف كتاب العادات الذَّرّيَّة (Atomic Habits): جيمس كلير، والذي يحدِّثنا فيه عن مساوئ تعدد المهام.
تعرَّف على أسطورة تعدُّد المهام:
نعم، نحن قادرون على فعل شيئينِ في الوقت نفسِه. على سبيل المثال: من الممكن مشاهدة التفاز في أثناء طهي العشاء، أو الردّ على رسالةِ بريدٍ إلكترونيٍّ في أثناء التحدُّث على الهاتف؛ لكن من المستحيل التركيز على المهمَّتين في وقتٍ واحد، حيث أنَّ تعدُّد المهام يُجبِر دماغك على التنقل ذهاباً وإياباً بسرعةٍ كبيرة من مهمَّةٍ إلى أخرى. لن يكون هذا أمراً غريباً إذا تمكَّن دماغ الإنسان من الانتقال بسلاسةٍ من وظيفةٍ إلى أخرى، لكنَّه لا يستطيع القيام به بفاعلية.
يُجبرك تعدُّد المهام على تحمُّل عبءٍ إضافيٍّ في كلِّ مرَّةٍ تقطع فيها مهمَّةً وتقفُز إلى أخرى، فبالنسبة إلى عِلم النفس، تسمَّى هذه التكلفة التي تؤثِّر على الصحة العقلية بتكلفة عملية التحوُّل بين المهام.
إنَّ تكلفة التَحول هي ذلك الاضطراب في الأداء الذي نواجههُ عندما نحوِّلُ انتباهنا من مهمَّةٍ إلى أخرى، وقد وجدت دراسةٌ عام 2003 نُشِرت في "المجلةِ الدولية لإدارةِ المعلومات" أنَّ المرء يتحقَّق من بريده الإلكتروني مرةً واحدةً كلَّ خمس دقائق. وفي المتوسط، يستغرق الأمر 64 ثانيةً بعدها لاستئناف المهمَّة السابقة التي كان يعمل عليها. بعبارةٍ أخرى: إنَّنا نضيِّع بسبب البريد الإلكتروني وحده دقيقةً من كلِّ خمس دقائق من وقتنا.
تزعم أسطورة تعدُّد المهام أنَّها ستجعلك أكثر فاعلية، ولكن في الواقع، فإنَّ التركيز الجيد هو ما يصنع الفارق.
بينما نحن بصدد هذا الموضوع، فقد ظهرت كلمة تعدُّد المهام لأول مرةٍ في عام 1965 في تقرير (IBM) الذي يتحدَّث عن إمكانيات أحدث جهاز كمبيوترٍ لها. هذا صحيح، فلم يكن باستطاعة أيِّ شخصِ الادِّعاء بأنَّه يجيدُ تعدُّد المهام حتَّى الستينات من القرن الماضي.
وفي يومنا هذا، نجد أنَّ أغلب الناس ينسبون إلى أنفسهم هذه المقدرة كشارة شرف، كما لو كان من الأفضل أن تكون مشغولاً بعدَّة أمورٍ بدلاً من أن تكون رائعاً ومبدعاً في شيءٍ واحدٍ محدَّد.
لا تَحِد عن مَهمَّتك الأساسية:
إنَّ القيام بعدَّة أمورٍ ليس كفيلاً بإعطاء نتائج أسرع أو أفضل، بل التركيز على الأمور التي تستطيع إنجازها بإتقانٍ هو ما يعطي النتائج المرجوَّة. بكلماتٍ أخرى: إنَّ فعل شيءٍ واحدٍ على أفضل وجهٍ يحقِّق نتائج أفضل. إنَّه يتطلَّب إتقاناً، وتركيزاً عالياً، وتناغماً.
لم أتقن فنَّ التركيز وتحديد الأولويات بعد، ولكنَّني أعمل على ذلك. فقد قمت مؤخَّراً بتطوير إحدى المهارات، وهي: تحديد أولويةٍ واحدةٍ فقط في كلِّ يوم عمل. على الرَّغم من أنَّني أخطِّط لإكمال مهامٍ أخرى خلال اليوم، فإنَّ مهمَّتي ذات الأولوية هي الشيء الوحيد غير القابل للتفاوض.
إليكم ما يبدو عليه جدولي الأسبوعي الحالي:
- الاثنين: كتابة مقال.
- الثلاثاء: إرسال رسالَتَي بريد إلكتروني (واحدةٌ للتواصل، والأخرى للشراكات).
- الأربعاء: كتابة مقال.
- الخميس: كتابة مقال.
- الجمعة: مراجعةٌ أسبوعيةٌ كاملة.
- السبت: عطلة.
- الأحد: عطلة.
إنَّ القدرة على اختيار واحدةٍ من الأولويات كفيلٌ أن يوجِّه سلوكك بشكلٍ طبيعيٍّ من خلال إجبارك على تنظيم حياتك في دائرة هذه المسؤولية المناطة بك، حيث تصبحُ أولويتك هامَّةً ودعامةً أساسية، وتُبقِي يومك في مساره الصحيح. وإذا خرجت الأمورُ عن السيطرةِ، فلن يكون هناك مجالٌ للجدلِ حول ما يجب فعله أو عدم القيام به، فقد قرَّرت مسبقاً ما هو مستعجلٌ وما هو عاجل.
قل لا للانشغال:
نحن كأفرادٍ في هذا المجتمع، وقعنا في فخِّ الانشغالِ والعملِ الزائد. لقد أخطأنا حين اعتبرنا هذا الانشغال شيئاً ذا قيمة، حيث يبدو أنَّ الفكرة الأساسيَّة منها هي: "انظر كم أنا مشغول؟ إذا كنت أقوم بإنجاز كلِّ هذه الأعمال، هذا يعني أنَّني أقوم بشيءٍ هام"، وبالتالي: "يجب أن أكون شخصاً هامَّاً؛ لأنَّني مشغول جداً".
في حين أنَّني أجزمُ أنَّ لكلِّ شخصٍ قيمةٌ ومكانة، وبأنَّنا نخدع أنفسنا بادعاء أنَّ الانشغال هو ما يعطي القيمة لحياتنا.
من خلال تجربتي، فإنَّ المعنى ينبعُ من كونك تساهم بشيءٍ ذو قيمةٍ من موقعك الحالي في هذا الكون، وكلَّما بحثتُ أكثر حول طبيعة الأشخاص الناجحين الذين يتقنون مهنهم، لاحظتُ أنَّ لديهم شيئاً مشتركاً، وهو أنَّهم يرفضون أيَّ شكلٍ من أشكالِ التشتيت، ويركِّزون على شيءٍ واحدٍ فقط.
أعتقد أنَّنا بحاجةٍ إلى أن نقول لا للانشغال بأكثر من مهمَّة، ونعم للالتزام بمهنتك.
ماذا تريد أن تتقن؟ ما هي الأولوية التي تشكِّل محور حياتك أو عملك كلَّ يوم؟
إنَّ تكريس نفسك لإتقان أمرٍ واحدٍ خيرٌ من تشتيتها بعدِّة أمور.
أضف تعليقاً