كيف يساعدك الامتنان على التخلص من الاستياء وآثاره السلبية؟

كنتُ أُجري أبحاثاً عن الشعور بالامتنان، وقد استمرت 25 عاماً؛ خاصةً في مجال التعليم، وكلما طرحتُ موضوع الاستياء، كان مسار النقاش يتغيَّر بصرف النظر عن السياق أو البلد.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "كيري هويلز" (Kerry Howells)، ويُحدِّثنا فيه عن فوائد الشعور بالامتنان على صعيد الصحة والسعادة.

يكون المشاركون عموماً أكثر تفاعلاً ويشعرون بالارتياح عند معرفتهم أنَّه لا بأس من رفض فكرة أنَّ الشعور بالامتنان يمكن أن يكون قابلاً للتطبيق في جميع الحالات، ويأتي إليَّ الكثير من الأشخاص بعد ذلك قائلين إنَّهم بدؤوا يشعرون بالامتنان، ولكنَّهم يتساءلون كيف يمكنهم أن يكونوا ممتنِّين بينما يشعرون باستياء شديد.

وكان تركيزي في بحثي عن العلاقة بين الاستياء والامتنان مُنصبَّاً على الاستياء اليومي الأقل شأناً، وليس الاستياء الذي ينشأ بفعل الصدمات الشخصية أو تراكم الأحداث أو الإساءات الفادحة أو الماضي السيئ.

على سبيل المثال: لا بد أنَّك شعرتَ باستياء لأنَّ أخيك أو أختك محبوبان من قِبل والديك أكثر منك، أو لأنَّ زميلاً يحيك لك المؤامرات من وراء ظهرك، أو بسبب شريكك الذي لا يقوم بواجباته المنزلية كرعاية الأطفال أو غيرها، والقائمة تطول.

يُعرَف الاستياء باسم عاطفة العدالة، وعادةً ما يكون مصحوباً بفكرة أنَّنا بحاجة إلى الاستياء لنتخذ موقفاً أخلاقياً من السلوك غير المقبول؛ ولذلك لا نتخلى عن استيائنا؛ وذلك لأنَّنا نشعر في هذه الحالة بأنَّنا نسمح للطرف الآخر أن يفلت من العقاب أو نتغاضى عن سلوكه.

يُظهر تحليل الفيلسوف "روبرت روبرتس" (Robert Roberts) لمفهومي الاستياء والامتنان أنَّهما متناقضان مع بعضهما، ويتكوَّنان بفعل حالات وطرائق متناقضة تماماً.

هذا لا ينفي أنَّ لدى كل واحد منا شعور الاستياء والامتنان بوصفهما جزءاً من هويتنا، فلا يمكن أن تكون لدينا علاقات مُثمرة دون الامتنان، وأيضاً فإنَّه من النادر أن يتخلَّص أحدنا من الشعور بالاستياء تماماً، لكنَّ ما يقصده "روبرتس" أنَّه إذا أردنا أن نكون ممتنِّين تجاه شخص ما فلا يمكننا في الوقت نفسه أن نشعر بالاستياء تجاهه؛ بل نحتاج أولاً إلى معالجة شعورنا بالاستياء تجاه هذا الشخص.

ربما يمنحنا هذا المنظور طريقة جديدة للتفكير في الامتنان، فالأمر لا يقتصر على المشاعر والأفعال التي تجعلنا أكثر امتناناً لما لدينا؛ بل يصبح أي إجراء نتخذه للابتعاد عن الاستياء خطوةً للشعور بالامتنان أكثر.

أستعرضُ في كتابي الجديد "التخلص من التناقضات: كيف يمكنني الشعور بالامتنان بينما أشعر باستياء شديد؟" (Untangling You: How Can I Be Grateful When I Feel So Resentful) العديد من الاستراتيجيات التي تساعدنا لنقوم بهذا التغيير.

شاهد بالفديو: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم

الاستياء عائق في وجه السعادة:

كلمة الاستياء باللغة الإنكليزية (Resentment) مُشتقَّة من الكلمة الفرنسية القديمة (Resentir)، التي تعني إعادة تجربة شعور قوي، وهناك سمتان أساسيتان للاستياء، الأولى أنَّه يدفعنا إلى اجترار الأفكار؛ أي أن نعيد الفكرة في أذهاننا مراراً وتكراراً، والثانية أنَّه يبقى مع مرور الوقت.

غالباً ما نشعر بالصدمة في البداية بسبب ما حدث لنا لدرجة أنَّ مشاعر خيبة الأمل أو الإحباط أو الغضب التي نشعر بها تستقر لدينا ويصبح من الصعب تجاوزها.

على الرغم من أنَّ الأبحاث عن الآثار الصحية للاستياء لا تزال في مهدها وليست كثيرة مثل الأبحاث عن الامتنان، إلا أنَّ بعض الأدلة تشير إلى أنَّ الاستياء ينعكس تأثيره على سعادتنا أكثر من الامتنان.

من الكتب القليلة التي تعالِج بطريقة بحثية موضوع الاستياء كتاب: "حول الاستياء: الماضي والحاضر" (On resentment: past and present) ويصف العديد من الأشخاص المساهمين في هذا الكتاب الآثار السلبية للاستياء، بما فيها القلق والاكتئاب والشعور بالحزن.

إحدى المساهمين في إنجاز الكتاب "بيلار ليون سانز" (Pilar León Sanz) تُلخِّص آثار الاستياء بالتفصيل في أكثر من 270 مقالاً نُشِرَ في "مجلة الطب النفسي الجسدي" (journal Psychosomatic Medicine) من عام 1939 حتى عام 1960.

وتخلص هذه الدراسات إلى أنَّ الاستياء يمكن أن تكون له علاقة بتطور القرحة، واضطرابات المعدة، والحرقة المَعدية، وأمراض القلب، والجهاز التنفسي، وعدم القدرة على أداء التمرينات الرياضية، والصداع، وآلام الظهر، وآلام المفاصل، والأرق، والتوتر.

طبعاً هذا لا يعني أنَّ الاستياء هو السبب الوحيد لهذه الأمراض، لكنَّ الدليلَ هامٌّ بما يكفي لنستنتج بأنَّه يمكن أن يكون أحد العوامل.

في الواقع، من الشائع أن تتم مناقشة آثار الاستياء من خلال لغتنا اليومية مثل الشكوى من أنَّ شخصاً ما يُسبِّب لنا ألماً في الرأس، أو أنَّ شخصاً ما أذانا على نحوٍ سبَّبَ لنا ألماً في البطن، أو أنَّ شخصاً ما جعلنا قساة القلوب، أو تركنا مجروحي الفؤاد.

تشير الأبحاث إلى أنَّ عدم التسامح واجترار الأفكار والمشاعر يؤديان إلى آثار مماثلة للاستياء على صعيد تراجع الصحة.

فوفقاً لعالِم الأعصاب "إيميليانو ريكياردي" (Emiliano Ricciardi) وزملائه، فإنَّ الأشخاص في هذه الحالات الشعورية قد يواجهون صعوبة في النوم، ويعانون من تغيُّرات في نشاط القلب والأوعية الدموية والهرمونات المرتبطة بالتوتر، ومع مرور الوقت يصابون بحالات إكلينيكية مثل الاكتئاب.

ووجدت دراسات أخرى أنَّ الأشخاص الذين لا يستطيعون التسامح هم أكثر عرضة للشعور بالتوتر الذي يُعجِّل الشيخوخة ويؤدي إلى مجموعة متنوعة من الأمراض.

إقرأ أيضاً: 19 طريقة بسيطة لتحقيق السعادة

الشعور بالامتنان هو الطريقة للتخلص من الاستياء:

الامتنان له قوة مذهلة في كشف الآلية الغامضة التي يعمل بها الشعور النقيض له؛ ونعني هنا الاستياء، ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال المواقف التي نريد فيها التعبير عن الامتنان ولكنَّنا نجد صعوبة في ذلك؛ لأنَّنا نشعر فعلاً بالألم أو لدينا نوع من التحفُّظ تجاه هذا الموقف.

هذه الحالة يكتنفها الغموض غالباً؛ وذلك لأنَّنا نشعر بأنَّ شيئاً ما ليس صحيحاً تماماً، ولكن في الوقت نفسه يصعب علينا أن نسميها أو نعترف بها تماماً لأنفسنا، وقد يكون كذلك الشخص الآخر.

في البداية، يمكننا أن نأخذ علاقة صعبة ندرك فيها أنَّنا نشعر بالاستياء ونمنحها تركيزنا لفترة من الوقت، ومن الأفضل أن تختار موقفاً بعيداً قليلاً عن منطقة الراحة الخاصة بنا بدلاً من أن نختار شيئاً مؤلماً جداً أو يحتاج إلى مساعدة خبير.

مثلاً إذا رُقِّي زميلك في العمل في الوقت الذي كنتَ تعتقد فيه أنَّك المرشح الأوفر حظاً، فقد تسوء علاقتك به بسبب ما حدث، ولكنَّك في الوقت نفسه مضطر إلى العمل معه، وتحتاج إلى طريقة ما لتتجاوز الأمر والشعور بالظلم المُتمثِّل بعدم اختيارك، ومع ذلك، فقد تكون خائفاً جداً من الاعتراف بأنَّك مستاءٌ لأنَّك تريد الحفاظ على صورتك اللطيفة والإيجابية، أو أنَّك لا تريد الإخلال بالوضع القائم.

فعلى عكس المشاعر الأخرى الصريحة مثل خيبة الأمل أو الغضب أو الإحباط، فإنَّ الاستياء يجعلنا نشعر بالخجل، ويكشف حقيقتنا فنبدو ضعفاء نوعاً ما، ويجعلنا نظهر بصورة لا نُريد أن يرانا بها الآخرون كما لا نُريد أن نكون عليها.

ولكي نتخلص من هذه الحالة الغامضة يجب أن نعترف بالاستياء؛ لذلك نحن بحاجة إلى طرائق نعبِّر بها عنه صوتاً أو شكلاً أو أبعاداً تجعله قابلاً للنقاش، وكل ذلك يجب أن يكون دون شعور بالذنب ودون تقييم ذاتي أو تقييم من الآخرين، عندها يمكننا أن نرى مقدار استيائنا وكيف يحرمنا من الشعور بالامتنان ويدمِّر علاقاتنا وشعورنا بالسعادة.

فقط من خلال تسمية المشاعر الغامضة والمؤذية والمؤجَّلة باسمها الحقيقي "الاستياء"، والاعتراف بآثارها الضارة في سعادتنا وسعادة مَن حولنا يمكننا أن نصبح أكثر قوة وحماسةً لفعل شيء تجاه هذه المشاعر.

وعلى الرغم من أنَّ الأمر قد يستغرق بعض الوقت، إلا أنَّه يمكننا اكتساب إحساس أكبر بالموضوعية، وإحساس أكبر بفاعليتنا في الموقف؛ وذلك لأنَّنا نرى أنَّه يمكننا اختيار التجاوز كاستجابة للموقف، ويفسح هذا لنا المجال لنتذكر ما هي أوجه الامتنان تجاه هذا الشخص، التي كنا نشعر بها في الماضي.

وعندما نتذكر هذا الامتنان يكون لدينا قدرة أكبر على الاهتمام بعلاقتنا مع هذا الشخص بدلاً من الشعور بالألم بسبب ما حَدَث.

إقرأ أيضاً: أهمية التعبير عن الامتنان

التوجُّه أكثر تجاه الشعور بالامتنان:

يوجد نقطة أخرى هامة وهي أنَّ كل خطوة بعيدة عن الامتنان هي قريبة من الاستياء بالقدر نفسه؛ بعبارة أخرى عندما نتخلى عن شعورنا بالامتنان فإنَّنا نسمح بتسلل الاستياء.

يطرح "فيليب واتكينز" (Philip Watkins) أحد الباحثين في مجال الشعور نظريَّةً يسميِّها "تضخيم الامتنان" يَذكُر فيها أنَّ شعورنا بالامتنان يؤدي دوراً حاسماً في مساعدتنا على تذكُّر الأشياء الجيدة في الشخص الآخر؛ وبذلك لا تسيطر سلبياته على ذكرياتنا.

وانطلاقاً من ذلك، إذا بنينا عائلات وأماكن عمل يشعر فيها الناس بالتقدير والاحترام، فإنَّنا نحدُّ من التأثير السام للاستياء، الذي يمكن أن يؤدي إلى العداوة أو تدنِّي الروح المعنوية.

وإحدى الطرائق الفعالة لتطبيق ذلك هي التحيات الدافئة، فمن خلال بحثي وجدت أنَّ التحية النابعة من شعور الامتنان؛ بمعنى أنَّها نابعة من القلب الذي يعترف بفضائل الشخص الآخر، تجعل الآخرين يشعرون بأنَّهم مرتبطون بنا وينتمون إلينا؛ ولا يعني ذلك أنَّه يجب أن نستخدم عبارات الشكر والتعبير عن مقدار تقديرنا في أثناء التحية؛ بل يجب أن نترك حالتنا الداخلية تُعبِّر عن ذلك.

طريقة أخرى لتنمية تأثير الامتنان وهي من خلال زيادة وعينا بالثقافات الأخرى، وما الذي يعنيه الامتنان في هذه الثقافات؛ فيمكننا أن نبذل بعض الجهد لفهم الطريقة التي يفضِّلها شخص ينتمي لخلفية اجتماعية وثقافية مختلفة في التعبير عن الامتنان أو تلقِّيه.

وبدورنا نقدِّم الامتنان بطرائق ذات مغزى بالنسبة إليه، فقد يكون تقديم الامتنان بإفراط أو عَلَناً أمراً يُسبِّب له الخجل أو الإحراج؛ وبهذه الطريقة نتعرف إلى جوانب جديدة في شخصية الطرف الآخر ونعزز العلاقة والشعور بالانتماء.

والأكثر أهمية من كل ما سبق أن نحذر من التظاهر بالامتنان لنغطي استياءنا؛ فهذا من شأنه أن يغلِّف المشاعر السلبية التي تستدعي الانتباه بمظاهر إيجابية، بدلاً من ذلك، يجب أن يتحوَّل الامتنان إلى ممارسة بحيث نتخذ خطوات صغيرة بعيداً عن الاستياء، ومن ثمَّ نتجه نحو الامتنان.

وعندما نقول ممارسة؛ فإنَّ هذا يعني أنَّ الامتنان ليس شيئاً نشعر به لمرة واحدة فحسب؛ بل هو شيء نحرص على الشعور والتعبير عنه مع مرور الوقت، وبهدف واضح ومن خلال عمل مستدام؛ وهذا يعني أيضاً أن نقبل عدم الشعور بالامتنان طوال الوقت؛ وذلك لأنَّنا لا نحاول أن نكون مثاليين خاصةً أنَّ ما نتدرب عليه هو شيء جديد.

في الختام:

كتبتُ كتابي الجديد للإجابة عن سؤال كان ضمن بحثي، كما طرحه المشاركون في ورشة العمل وأتمنى أن يساعد الناس في جميع أنحاء العالم على اتخاذ خطوات شجاعة؛ حيث تسمح معالجة الاستياء للامتنان بتأدية الدور الهام لمنحنا المزيد من السلام والوفاق الذاتي والجماعي.

المصدر




مقالات مرتبطة