هنالك بعض الجوانب الأخرى الخفية كذلك، وربَّما قد تراودك الاستفسارات حولها، كأن تسأل: لمَ عليك تجاوز منطقة الراحة؟ وما الضير في أن يكون كلُّ شيءٍ على حاله بعيداً عن أيِّ تغيير؟
عندما تدرك مدى خطورة منطقة الراحة وكيفية تخطِّيها، ستتفتَّح أمامك آفاقٌ وفرصٌ لا تُحصَى.
ما هي منطقة الراحة؟
إنَّه لمن الضروري قبل الخوض في التفاصيل، أن تكون على درايةٍ بمفهوم منطقة الراحة؛ وكما يوحي اسمها، فإنَّها حالةٌ أو منطقةٌ تشعر فيها بالارتياح. لن ينتابك أيُّ قلقٍ أو توترٍ أو ضغوطاتٍ ريثما تبلغ هذه الحالة أو الشعور، وقد يبدو لك الأمر للوهلة الأولى جيداً، ولا ضير فيه.
لمَ يعدُّ البقاء في منطقة الراحة أمراً لا يحمل لك أيَّ منفعة؟
ما السبب الذي يجعل البقاء في منطقة الراحة أمراً ينعكس سلباً عليك؟ لأنَّه بغية تحسين نفسك، عليك ألَّا تخشى المخاوف والتغيُّرات.
المشكلة مع الخوف والتغيير أنَّه عندما تشعر بالراحة، تغدو رغبتك أقلَّ في تقبُّل التغييرات، وتغرق أكثر في مخاوفك، وتُمسِي حياتك في النهاية رتيبة لا يتخلَّلها أيُّ تطوُّر.
قد لا تبدو لك القضية ظاهرياً بذلك السوء؛ لكن ومع مرور الأيام، سيتحتَّم عليك مواجهة التغييرات والتقلُّبات في حالتيها. وسواءٌ كانت هذه التغييرات كبيرةً أم صغيرة، فقد تكون محفوفةً بالمخاطر والتغييرات.
يحدِّد مدى تعلُّقك بمنطقة راحتك مقدار رفضك لأيِّ تجديدٍ وتطوُّر، حتَّى وإن كانت بالغة الأهمية وتعود بالنفع الكبير عليك.
ما الذي يمنعك من تخطِّي منطقة الراحة؟
كما ذكرنا آنفاً، ترجع مقاومتك الخروج من تلك الحالة إلى عدَّة أسباب، والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة مخاوف، نذكر منها:
- الخوف من التغيير.
- الخوف من الفشل.
- الخوف من المجهول.
تَسهُلُ السيطرة على هذه المخاوف برمَّتها، وبأخذك فكرةً عنها، يصبح بإمكانك تقسيمها بالشكل الأفضل بالنسبة إليك. إليكَ ما يمكن القيام به مع كلِّ نوع منها:
1. الخوف من التغيير:
باعتبار هذا النوع من الخوف أكثر شموليةً من بقية المخاوف، فهو يحجب الأنظار عنها أيضاً، وبإمكانك معرفة ذلك بكلِّ يسر، حيث أنَّه يقود إلى التفكير فيما يلي:
- هذه المهمَّة كبيرةٌ للغاية.
- لمَ أنا دوناً عن غيري؟
- لا يمكنني إنجازها بمفردي.
- لا أعلم من أين يجب أن أبدأ، لذا أُعلِنُ استسلامي.
إن كان يتمَّلكك الخوف من التغيير، فسوف تبرِّر الأمر، ولن تعطيه حقه؛ وهذا كلُّه من أجل المماطلة في إنجاز كلِّ ما هو مُلقىً على عاتقك. سوف تحاول أن تُبقِي الحال على ما هو عليه، عوضاً عن تجنُّب المخاطر.
يعدُّ ذلك شعوراً طبيعياً، ولربَّما اعتدت عليه منذ نعومة أظفارك حتَّى أصبح متأصلاً فيك؛ وبغضِّ النظر عن هذا كلِّه، كلُّ ما يهمُّ الآن هو العمل على تغييره.
شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من الأفكار السلبية إلى الأبد؟
2. الخوف من الفشل:
بعيداً عن خوفك من التغيير، ربَّما ما زلت تتخبَّط في منطقة الراحة خوفاً من الفشل؛ وإنَّه لمن المؤكد أنَّ معظمنا يمكن أن يربط هذا الخوف بأمورٍ عدَّةٍ تتعلَّق به، فإليكَ بعض الأمثلة على ذلك:
- قد يجعلك حدثٌ متعلِّقٌ بطفولتك أو تنشئتك تتبنَّى أفكاراً مدمِّرة.
- قد يجعلك الخوف من الفشل تسعى إلى الكمال.
- قد يجعلك الخوف من الفشل تضخِّم بعض الإخفاقات في ذهنك، سواءً أكانت بسيطةً أم هائلة.
- قد يجعلك الخوف من الفشل تتصنَّع الثقة بالنفس فيما يخصُّ قدراتك وشخصيَّتك في الحقيقة.
إذا أردنا التوسُّع في الكلام عن الخوف من الفشل، فقد نَصِفه لك بأنَّه قلة ثقةٍ بنفسك وبإيمانك بقدراتك الحقيقية في تحقيق أهدافك وإنجاز مهامك.
3. الخوف من المجهول:
النوع الثالث الشائع من الخوف هو: الخوف من المجهول.
إنَّ الحياة من وجهة نظرٍ منطقيةٍ عبارةٌ عن لغز، ولا نعرف إلى أيِّ الدروب تقودنا؛ وبدلاً من أن تنظر إلى الأمر كهبة، تراه سبباً كافياً للذعر والقلق عندما يعترض طريقك أيُّ عائق.
ربَّما يكون هذا العائق شيئاً كبيراً، مثل خسارتك لعملٍ ما، أو خسارة فردٍ من أفراد عائلتك؛ أو شيئاً بسيطاً، مثل رغبة شريكك في أن يقضي مزيداً من الوقت معك، أو أملك بأن يصبح جسدك أكثر لياقة.
أنت نفسك من تحدِّد ردَّة فعلك، كأن تقاوم التغيير بدعوى القلق من أن يطرأ على حياتك أيُّ تجديد.
كيف تتجاوز منطقة الراحة؟
الآن، وبعد أن أصبحت على درايةٍ تامَّةٍ بكلِّ أنواع المخاوف التي قد تعترض طريقك، ينبغي أن تعرف كيف تتغلَّب عليها وتتخطَّاها. أيَّاً كان الخوف الذي يتملَّكك؛ فالأساليب التي تساعدك في التغلُّب على أيِّ نوعٍ منها متشابهةٌ نسبياً؛ لأنَّ النهج الذي يختاره الناس ويتَّبعونه لتحقيق مساعيهم والنجاح في حياتهم، يختلف من إنسانٍ إلى آخر.
لا يوجد طريقةٌ محدَّدةٌ لتخطِّي منطقة الراحة، وأكثر ما عليك أن تأخذه في عين الاعتبار: أن تفعل ذلك بما يناسبك ويعينك على تحقيق مرادك:
1. اعرف عاداتك وتحدَّاها:
غالباً ما تكتسب عاداتك عبر سلسلة الأحداث في رحلة حياتك، حيث تُؤخَذ بعض العادات من المحيط (الأصدقاء والعائلة)، ويُؤخَذ بعضها الآخر من إنجازات الماضي. ركِّز كلَّ التركيز على ما قادك منها إلى النجاح فيما سلف.
تلك الإنجازات متباينة، فمنها ما هو عظيم، ومنها ما هو عادي؛ لكنَّها ترافقك طالما أنَّك ما زلت تمارسها؛ فعلى سبيل المثال: يعدُّ المشي عادةً تكتسبها إثر مواظبتك عليه، والآن يمكنك ممارسته دون أن تُلقِي بالاً إلى الفشل ما دمت قادراً أن تحرِّك كلتا قدميك.
إحدى الطرائق التي تُجدِي نفعاً للخروج من منطقة الراحة: أن تعرف عاداتك وتتحدَّاها، فإن كان لديك عادة سيئة تريد التخلُّص منها، فما عليك إلَّا استبدالها بواحدةٍ أفضل، والعمل على تعزيزها بعد ذلك. ولتحسين العادات الجيدة الموجودة مسبقاً، ابحث عن طرائق جديدةٍ ومثيرةٍ لتمضي قدماً.
مثالٌ على ذلك: لنفترض أنَّك تحبُّ ممارسة التمرينات الرياضية، وتمتلك جسداً مثالياً؛ سيكون تغيير روتينك الرياضي طريقة تساعدك في تخطي منطقة الراحة، مثل: أن تجرِّب بعض التمرينات المختلفة أو رياضةٍ جديدةٍ في النادي، أو أن تعطي نفسك فرصة التحضير لتحقيق هدفٍ ما في ماراثون.
تمثِّل كلتا الحالتين تحديَّاً وتغييراً جسيماً في حياتك، فعندما تكسر عادةً ما وتغيِّرها، يُفتَح باب التحدي على مصراعيه لتقبُّلِ كلِّ ما هو جديدٌ وتنفيذه.
2. ذكِّر نفسك بالجوانب الجوهرية للتغيير:
أن تُذكِّر نفسك ببعض الجوانب الجوهرية للتغيير طريقةٌ أخرى لتجاوز منطقة الراحة. يعدُّ التغيير رحلةً عليك المضي بها إن كنت تتطلَّع إلى النجاح، ولعلَّ الدروس المستفادة جزءٌ لا يتجزَّأ من رحلة التغيير تلك.
تُكتسَب تلك الدروس من خلال الإخفاقات والنجاحات. إليكَ بعض الأمثلة عن ذلك:
- إن كانت وجهتك هي التغيير، عليك أن تكون واثق الخطى.
- لا تقلُّ عملية التغيير برمَّتها أهميةً عن النتائج المنشودة في النهاية.
- الجهد المبذول هو جلُّ ما يهم، حتَّى وإن كان الإخفاق حليفك، فأنت تكون قد بذلت ما في وسعك، وهذا ما سيُحدِثُ الفارق.
وكما ألقى الكثيرون إلى مسامعنا سابقاً، حتَّى وإن أصابك الفشل، فلا يعدُّ هذا فشلاً ذريعاً في حال اكتسبت وتعلَّمت منه درساً ما. إنَّ الدروس المستفادة من جوهر وأسس الحياة، ولا يقلُّ التعلم منها أهميةً عن إنجاز مهمَّةٍ ما.
3. اختبار أساليب جديدة:
كما ذُكرَ سابقاً، توجد العديد من الطرائق التي من شأنها أن تساعدك في تخطِّي منطقة الراحة، ولا يمكن تصنيف أيٍّ منها على أنَّها مغلوطةٌ أو صائبة؛ فذلك أمرٌ نسبي، حيث أنَّ لكلِّ شخصٍ أسلوبه الخاصُّ في النجاح، وكلُّ ما يهمُّ هو أن تحرص على اتباع النهج الذي تراه مناسباً.
لربَّما تقع في حيرةٍ من أمرك، وتتساءل أيَّ طريقةٍ هي الأنسب. نعم، قد تجد ذلك مريباً، لكن يكمن في طياته الكثير من الحماس، وفي حال أخفقت في واحدةٍ منها، فيوجد عشرات الطرائق الأخرى التي يمكنك العمل عليها.
تغدو حياتك حافلةً بالإنجازات والرضا باتباعك أسلوباً من تلك الأساليب، وتُخلَق في داخلك الرغبة بتحقيق المزيد دوماً، والمضي قدماً في الحياة.
ويبقى السؤال هو: ما هي الطرائق المناسبة للوصول إلى ذلك؟ إليكَ بعض الأمثلة:
فكِّر بما ينتظر قدومك خارج منطقة راحتك:
عندما تأخذ فكرةً جليةً عن التغيير الذي سيطرأ على حياتك برمَّتها بعد تجاوز منطقة الراحة، يزداد حماسك وتوقك لتحقيقها؛ لذا دوِّن ثلاثة أفكار جديدةً كي تجرِّبها، وجرِّب واحدةً منها في كلِّ شهر، وابدأ العمل عليها؛ فسيبثُّ هذا فيك روح الحماس للتخطِّي بأسرع ما يمكن.
حاول التأقلمَ مع شعور عدم الراحة:
يورِثُ شعور التغيير والتقدُّم وعدم الاستقرار في نفس القابعين في منطقة الراحة الخاصة بهم القلق والخوف؛ لكن إن أردت أن تعطي حياتك حقها، فلا مناص لك من ذلك؛ فاسعَ دائماً إلى التطوير ومواكبة التغيير (كبيراً كان أم صغيراً).
هل سيبدو ذلك غير مريحٍ مع الوقت؟ نعم، ربما؛ لكن بعد فترةٍ وجيزة، ستعتاد على ذلك، ولن تتذكَّر حتَّى أنَّك لم تكن متأقلماً مع التغيير.
اجعل الإخفاق مرشدك ومعلِّمك:
لقد سبق وتطرَّقنا إلى فكرة أن تستمدَّ من فشلك عامل الإلهام، فعندما تدرِّب نفسك على أن ترَ الإخفاق مرشدك قبل مواجهته عن كثب؛ تتقبَّل الأمر أكثر، وتجد - في طرفة عين - أنَّك تكتسب الطريقة الأفضل ليُزهِر دربك بالنجاح.
بيت القصيد:
"تبدأ حياتك فيما بعد منطقة راحتك"؛ تفعل هذه المقولة فعلها عندما تدرك ماهيَّة منطقة الراحة، وتنظر إلى ما ورائها، بينما تواكب بعضاً من التغييرات في حياتك.
ولعلَّ أهمَّ ما في الأمر: أنَّه لم يفُتكَ الأوان بعد لتخطِّيها والتخلُّص من أغلالها. يمكنك أن تبدأ منذ هذه اللحظة، وتتأمَّل بعدها مسيرة حياتك نحو الأفضل مع مرور الأيام؛ وكلُّ ما عليك فعله هو أن ترسم خطةً وتتَّبع نهجك الخاص، ومن ثمَّ تَهمُّ بالتنفيذ.
أضف تعليقاً