كيف تميِّز المدير السام؟

تخيَّل عزيزي القارئ السيناريو الآتي: تدخل إلى مكتبك وكتفيك مشدودين إلى الخلف؛ حيث تتهيأ ليوم آخر من الذل والمعاملة التي تحطُّ من قدرك، وتخشى بالفعل دقات الساعة التي تُنذر بإيقاظ الشيطان، ذلك الشيطان الذي يقبع في مكتبه ويرتدي ملابس أنيقة، إنّه مديرك السَّام.



لم يكن الأمر كما لو أنَّك لم تسهر طوال الليل يوم أمس وأنت تُعِدُّ عرضاً تقديمياً رائعاً لدرجة أنَّك نسيتَ تناول فنجان قهوتك في الصباح، في الوقت الذي كان بإمكانك فيه أن تستمتع برفقة أصدقائك؛ إلا أنَّ ذلك كله لم يشفع لك؛ فبغضِّ النظر عما تفعله أو لا تفعله، يُقابَل عملك غالباً بنظرات ساخرة، ونوبات غضب لا مبرر لها، وطلبات غير مسوغة لإعادة القيام بالعمل. لا تقلق عزيزنا القارئ، إذا مررتَ بتجربة كهذه؛ فاعلم أنَّ العيب ليس فيك؛ فما أنت سوى ضحية أخرى من ضحايا الشيطان المتجسد بهيئة إنسان، وهو ما يمكِن تسميته بالمدير السام.

إذا كنتَ تشعر بعدم الرضا الشديد وعدم التقدير في العمل؛ فقد حان الوقت للتفكير في التغيير. ففي النهاية، ربما يكون لأماكن العمل السامة أيضاً تداعيات سلبية على صحتك، إذ يؤدي الضغط الإضافي الناتج عن العمل في مكتب غير متآلف إلى الاكتئاب والتعب والاحتراق الوظيفي. ولكن، لستَ أنت الوحيد مَن يعاني من ذلك؛ فقد كشفَ علم النفس مؤخراً أنَّ 60-75% من المديرين غير مؤهلين للقيادة.

أجرَت شركة جوجل (Google) دراسةً شاملة عن السلوك الإداري اشتملت كل شيء تقريباً، بدءاً من تقييم الأداء ووصولاً إلى استبيانات الموظفين، واستفادت من مصادر متعددة لتسليط الضوء على الاختلافات بين المديرين الأعلى والأدنى تقييماً، واستغرقَ الباحثون الذين يعملون في أحد مختبرات "جوجل" (Google) عاماً كاملاً لإكمال الدراسة، ثم لخَّصوا نتائجها، وأطلعوا موظفيهم عليها، وفي هذا المقال، نستعرض هذه النتائج من خلال سبع صفات مؤكدة وخطيرة يتمتع بها المديرون السامون:

1. الإدارة التفصيلية والمبالغة في تدقيق عملك:

هناك فرق شاسع بين كيفية عمل المدير السام وكيفية عمل القائد المُقتدر؛ فالمديرون الجيدون يعملون على تمكين يُمكِّنون الموظفين دائماً، بينما يميل المديرون السامون إلى إدارة الموظفين إدارةً تفصيلية والتحقق من عملهم دائماً، وقد تعتقد أنَّه لا ضير في ذلك؛ ولكن للأسف هذا هو الخطأ الذي يقع فيه معظم الناس، وفي حقيقة الأمر، يبالغ المديرون السامون في أسلوب إدارتهم هذه لدرجة تغيظ الموظفين وتدفعهم نحو الهروب، فعندما يتدخل المدير في كل شاردة وواردة، ويُدقق عمل كل موظف في جو يسوده التشاؤم والتشكيك؛ فإنَّه يترك انطباعاً لدى الموظفين بأنَّه لا يثق بهم، ولا يحترمهم، ولا يؤمِن بمهاراتهم وقدراتهم، مما يؤدي إلى شعورهم بالسخط، وهذا ما أكده استطلاع أجرَته مؤسسة غالوب (Gallup) عام 2015، حيث ذكرَ أكثر من نصف المشاركين أنَّ المدير السيئ هو السبب الرئيس لترك وظائفهم.

إقرأ أيضاً: متى يجب أن تلجأ إلى التفويض؟ ومتى يجب أن تعتمد الإدارة التفصيلية؟

2. إصدار الأوامر:

يقول رئيس الولايات المتحدة السابق، "كوينسي آدامز" (Quincy Adams): "إذا ألهمَت أفعالك الآخرين على التحلي بمزيد من الطموح والمعرفة والقيام بالمزيد والتطور المستمر؛ فأنت قائد ناجح".

هل يقبع مديرك في مكتبه طوال الوقت ويطلب من الآخرين القيام بأعماله المشبوهة؟ فالمدراء السامون مغرورون ومتعالون، ويُظهِرون ميولاً معادية للمجتمع ولا يتواصلون مع فِرقهم باستثناء ما يجب شرحه بوضوح؛ مما يخلق فجوة في التواصل، ويؤدي إلى إرباك الموظفين بسبب فشل مديريهم في توضيح ما يريدونه منهم بالضبط؛ ويؤدي هذا بدوره إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء ويزيد الموقف تعقيداً، كما يمكِن الخروج من هذه الحلقة المفرغة بسهولة إذا بدأ المديرون في التواصل مع فِرقهم باستمرار، أو استخدموا برنامج إدارة مهام عملي لهذا الغرض.

3. الفشل في تقديم الكوتشينغ:

وفقاً للدراسة التي أجرَتها "جوجل" (Google)، قيَّم الموظفون المديرين الذين يُظهرون مهارات كوتشينغ رائعة تقييماً أعلى، ولسوء الحظ، لا يتقن المديرون السامون هذه المهارة إطلاقاً؛ فاطلب من أي مدير سام أن يُقدِّم لك الكوتشينغ وشاهِد كيف ستتغير ملامح وجهه؛ إذ سيصاب بالإحباط عندما يُطلَب منه تدريب الموظفين وتقديم كوتشينغ لهم، وحتى عندما يرأس جلسة كوتشينغ، يُمكِنك أن تشعر بعدم رغبته في ذلك؛ وبالتالي، لن تكون هذه الجلسات سوى مضيعة للوقت والموارد، ومن المستحيل أن تُحقِّق أهدافها المنشودة.

إقرأ أيضاً: الكوتشينغ: الخيار الأفضل لبدء التدريب

4. عدم الاهتمام بالنمو الوظيفي للموظفين:

ثمَّة سمة مشتركة أخرى يتمتع بها المديرون السامون جميعهم، وهي أنَّهم يعتقدون أنَّ النمو الوظيفي هو شأن خاص بكل موظف، وأنَّهم ليسوا مسؤولين عن ذلك. وفي الواقع، يجب أن يكون الأمر عكس ذلك؛ فما يفشل معظم المديرون السلبيون في إدراكه هو أنَّ الاستثمار في النمو الوظيفي والتنمية الشخصية للموظفين يمكِن أن يُؤثِّر تأثيراً كبيراً في تعزيز ولاء الموظفين وكسب ثقتهم ورضاهم، فعندما يكون الموظفون راضين عن وظائفهم، يرتفع معدل الاحتفاظ بهم ارتفاعاً ملحوظاً؛ إذ لا يمكِن لأيَّة شركة أن تتحمل خسارة الموظفين بعد أن أنفقَت موارد كبيرة لتوظيفهم وتدريبهم. وفِّر لموظفيك فرصاً للنمو الوظيفي، وستجد أنَّهم سيبقون معك لفترة طويلة.

5. التحرك باتجاهات مختلفة:

يقول الكاتب "وارين بينيس" (Warren Bennis): "القيادة هي القدرة على تحويل الرؤية إلى واقع".

كيف يُمكِنك أن تتوقع من شخص ما أن يتخذ القرار الصائب عندما يبدو متقلقلاً ويتحرك في اتجاهات مختلفة في الوقت نفسه؟ لسوء الحظ، هذا ما يَحدث مع المديرين السيئين كما أظهرَت دراسة "جوجل" (Google)، وعلى العكس من ذلك، يتصرف القائد الجيد وفقاً لرؤية واستراتيجية واضحتين، مما يُمكِّنه من قيادة فريقه في اتجاه واحد فقط، وهو الاتجاه الصحيح، والأهم من ذلك، تُخفِّف معرفة أهدافه في البداية من المخاطر ويعزز فرصه في النجاح.

6. عدم الاهتمام بموظفيهم:

لا يهتم معظم الرؤساء بموظفيهم؛ إذ يعتقدون أنَّهم مجرد كيانات يمكِن استبدالها بسهولة، والشيء الوحيد الذي يهتمون به هو ما إذا كان موظفوهم يؤدون مهامهم بالطريقة الصحيحة أم لا، وهذا ما يجعل منهم مديرين سيئين، وإذا كنتَ تريد أن يحترمك موظفوك ويثقوا بك؛ فيجب أن تهتم بهم أولاً، حيث يُظهِر القادة الجيدون التعاطف مع الموظفين، ويصغون إلى مشكلاتهم، ويبذلون قصارى جهدهم لحلِّها، وعندما يشعر الموظفون بالتقدير، فإنَّهم يردُّون الجميل من خلال زيادة إنتاجيتهم.

إقرأ أيضاً: لأصحاب العمل: سر الاحتفاظ بالعمال المنتجين عن بُعد يكمن في اهتمامك بهم

7. عدم الاعتماد على الآخرين:

يظن المديرون السامون أنَّهم يعرفون كل شيء حتى عندما يكونون جاهلين للغاية؛ حيث يمنعهم غرورهم من طلب المساعدة أو السماح لأي شخص بأن يعترض على حكمهم، وحتى إذا كان لدى الموظف معرفة أوسع حول موضوع ما، فإنَّهم يفضلون ارتكاب الأخطاء بدلاً من الاعتراف بجهلهم وطلب رأي الخبراء، فهم لا يحبون الاعتماد على الآخرين، ويريدون الحفاظ على مناصبهم مهما كلفهم الأمر. على الجانب الآخر، يَعرف المديرون الناجحون نقاط قوَّتهم وضعفهم ولا يترددون أبداً في طلب مساعدة الموظفين، وإشراكهم في جميع قرارات الشركة الهامة.

الخلاصة:

وفقاً لدراسة أجرَتها مؤسسة "غالوب" (Gallup)، تتخذ 82% من الشركات قرارات خاطئة عندما يتعلق الأمر باختيار المدير، وهذا أمر مقلق؛ إذ لا يَصلُح كل شخص لإدارة وقيادة مؤسستك، ولا يتمتع كل شخص بالشخصية المناسبة لتلائم هذه الأدوار، فمِن أجل تحقيق النجاح، يجب على الشركات اختيار الشخص المناسب للقيادة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة