لكن ومع ذلك، إنَّه لمن الذكاء دوماً أن تُشرِكَ أعضاء فريقك في وضع رؤية واستراتيجية تَحْكُمُ عَمَلَ الفريق، وأن تُشجعهم على التفكير في المستقبل؛ إذ لا يتوجّب عليك معرفة كلِّ شيءٍ قبل أن تتحدّث عنه، بل في الحقيقة، من الأفضل ألا تفعل ذلك.
صحيحٌ بأنَّك قد تقلق من فقدان مصداقيتك إن ظهرتَ أمامهم بمظهر من لا يملك كافة الإجابات حول وضع الرؤية والاستراتيجية؛ بيد أنَّك ستكسب ثقتهم، وتمتلك رؤيةً أقوى وأكثر فاعليةً وقابليةً للتنفيذ؛ وخصوصاً إذا ما ساهم فيها الجميع.
يعالج هذا المقال كيفية تحديد رؤية ورسالة واستراتيجية فريق عمل ناجح، والتي تتضمن:
- الرسالة: لماذا نحن هنا؟
- الرؤية: أين نحن ذاهبون؟
- الاستراتيجية: كيف يمكننا الوصول إلى هناك (تحقيق الرؤية)؟
دعونا نلقي نظرةً معمّقةً في رؤية بعض الشركات العالميّة، أو ما يُسمى "بيان المستقبل":
- مايكروسوفت (Microsoft): "كمبيوتر لكل مكتب".
- نايك: "تحقيق الإلهام والابتكار لكل رياضي في العالم".
- أبل: "كمبيوتر في أيدي الناس كل يوم".
- ديزني: "جعلُ الناس سعداء".
- غوغل: "جعل سكان العالم يصلون إلى المعلومات بنقرة واحدة".
كيف تصل إلى رؤية فريقك؟
1. كُن جريئاً وطموحاً:
لكي يمتلك الناس الإلهام حقاً، يجب أن تكون الرؤية طموحة، يجب أن يوجَد شيءٌ صعب المنال يجعل فريقك يلجؤون إلى أفضل ما لديهم من إمكانيات، ليُخرِجوا أقصى طاقاتهم من أجل أن يتمكنوا من تحقيقه.
عندما لا يتوافق فريقك مع أحلامك وطموحاتك؛ فلن يكون لديك سوى اختيارين اثنين: التخلّي عن حلمك، أو تنمية قدرات فريقك.
2. ابحث عن القوّة الدافعة:
يقول هنري ديفيد: "لا يكفي أن تكون مشغولاً؛ فالنمل مشغولون أيضاً. السؤال هو: ما الذي نحن مشغولون فيه؟"، لذا ابحث عن القوّة الدافعة وراء رؤيتك المشتركة، واسأل عن سببها. فأنت بحاجةٍ إلى خلق معنىً قوياً لرؤيتك؛ بحيث تشكل قوة دافعة هائلة للفريق. فعندما يَجِدُ الفريق معنى لعمله وجهده، سيكون أكثر حماساً للتركيز على الخطوة التالية، وهي: "كيف؟".
إنَّ التحدي الذي يواجه القادة -وفق دراسةٍ أجرتها مؤسسة ماكينزي الدولية في مجال الاستشارات- هو أنَّ الناس يختلفون في الواقع اختلافاً كبيراً حينما يتعلق الأمر بما هو مُلْهِمٌ وذو معنى بالنسبة إليهم. لذا -وفقاً لدراسة ماكينزي- إنَّ أفضل طريقةٍ لخلق رؤيةٍ مُلْهِمَة؛ هي محاولة تَلَمُّس أبعاد متعدّدة أثناء طرح الرؤية، وعدم الاعتماد على بُعدٍ واحدٍ فقط؛ والذي قد لا يكون مُلهِمَاً للجميع.
عندما نُدرِك القوّة الدافعة للفريق، فإنَّنا نُخضِعُ كُلَّ مصالحنا الشخصية وأهدافنا الذاتية لمصلحته.
3. اربط رؤية الفريق بالمؤسسة:
لا يعمل الفريق بمعزلٍ عن واقعه ومحيطه؛ فهو جزءٌ أصيلٌ من المنظمة التي يعمل فيها؛ إذ يجب أن تتوافق رؤية الفريق مع رؤية المنظمة وتصب فيها، وتعززها أيضاً. لذا احرص على أنَّ يفهم الجميع الصورة الكبيرة لنجاح المنظمة، حيث ينبغي لرؤية الفريق أن تدعم الرؤية العامة للشركة واستراتيجيتها بشكلٍ مباشر.
بعد أن نُدركَ ما هي الرؤية وما هي مواصفاتها؛ تكون الخطوة التالية تحديد الاستراتيجية المناسبة. يقول المؤلف البريطاني الأمريكي، والمتحدث التحفيزي "سايمون سينك" عن الرؤية والاستراتيجية: "الرؤية هي وجهة؛ نقطة ثابتة نركز عليها كامل جهدنا، في حين أنَّ الاستراتيجية هي الطريق؛ طريق قابل للتكيف للوصول بنا إلى حيث نريد الذهاب".
ما هي مواصفات استراتيجية الفريق؟
1. تحقيق احتياجات العملاء (Customer Needs):
من هذه النقطة تحديداً، تنبثق مجموعة أسئلة؛ مثل:
- من هم عملاء الفريق؟
- ماذا يريدون من الفريق أن يُحققه؟
- ما هي توقعاتهم من الفريق؟
- كيف يتم تحقيق ذلك؟
- كيف تُقاس النتائج؟
لابد أن يكون العملاء واحتياجاتهم ضمن أولويات استراتيجية الفريق؛ فالفريق معنيٌّ أن يضع العملاء نصب عينيه. وفي نظرةٍ أكثر تعمّقاً؛ ليست احتياجات العملاء فقط من يجب الالتفات إليها، وإنَّما أصحاب المصلحة (Stakeholders) أيضاً؛ والذين قد يدعمون الفريق ويساندونه في إنجاز مهامه، أو يقفون حجر عثرة في طريقه. كما قد يقررون ما هو مناسبٌ بالنسبة إليه؛ وذلك بحكم تأثيرهم وسلطتهم، فهم يتفاوتون بتفاوت سلطاتهم وتأثيرهم واهتمامهم. لذا نجد أنَّ العملاء وأصحاب المصلحة جزءٌ أصيلٌ من رؤية الفريق.
2. قدرات الفريق (Team Capabilities):
يحتاج الفريق إلى قدراتٍ خاصّة تتوافق وطموح الرؤية، ومع تحديات تنفيذ الاستراتيجية؛ فوجود رؤية واضحة للفريق خطوة مهمّة في الاتجاه الصحيح. بيد أنَّ التمكين لا يتحقق بالرؤية وحدها؛ إذ يجب أن يمتلك الفريق قدرات خاصة تناسبُ رؤيته: نقاط قوة يجب المحافظة عليها وتعزيزها.
كما قد توجد في الفريق فجوات يجب التغلب عليها من خلال الدعم والتدريب والمساندة المتبادلة بين أعضائه. ولعلَّ بعض الظروف قد تتطلّب ما هو أكثر من ذلك؛ إذ قد يتطلّب الأمر وجودَ شخصٍ موهوبٍ لتحقيق رؤية واستراتيجية الفريق. وأحياناً يكون كلّ ما تحتاجه لإحداث الفارق هو شخصٌ إضافيٌّ ذو موهبةٍ في مجالٍ ما.
3. السياق (Context):
ينبغي أن تخدم جهود وقدرات الفريق المنظمة التي يعمل فيها؛ فالفريق جزءٌ منها، لذا يجب أن تصب هذه الطاقات في استراتيجيتها الأعلى وتنسجم بشكلٍ متكاملٍ معها. إذ ينبغي أن يستجيب الفريق للتغيرات والتحديات التي تواجه المنظمة؛ سواءً أكانت تغييرات في القيادة، أم في الميزانية أم في الاستراتيجية أم في المنافسين أم في نموذج الأعمال، أم في تغيُّرات الأنظمة والسياسات والقوانين.
تنعكس كلّ هذه التغيرات على استراتيجية الفريق، وتشّكل منعطفاتٍ مهمّةً في أدائه؛ لذا ينبغي له أن يمتاز بالمرونة والتفاعل مع المتغيرات تفاعلاً إيجابياً وسريعاً.
4. القيمة المضافة (Added Value):
ما هي القيمة المضافة التي يقدمها فريقك للمؤسسة؟ هل يسعى إلى تحقيق الأهداف المتعلقة بزيادة الإنتاجية؟ أم إلى تحقيق النموّ السريع؟ أم إلى إدارة التكلفة والربحية؟ أم إلى غيرها من مقاييس الأداء الرئيسة ويساهم فيها بشكلٍ مباشر؟
هل سيقدّم مبادرات تتعلق بالتعلّم والتطوير، والتي ترتبط مباشرةً بالنتيجة النهائيّة لتحسين بيئة العمل؟ هل يسعى إلى تعظيم المواهب في المؤسسة من خلال تطوير قدرات القادة على التواصل، وتحفيز وتدريب القيادة حول مساهمتهم في رفع أداء المؤسسة؟
هل سيقدم مستويات أعلى من المساءلة عن النتائج في كلّ مجال من مجالات العمل، مما يؤدي إلى نجاح تنظيمي طويل الأجل؟
إنَّ وجود الفريق مهمٌّ، ولكن الإجابة عن سؤال القيمة المضافة أهمّ بكثير.
بهذا الأسلوب من العمل المتقنْ في بناء فريق العمل ذي الرؤية والاستراتيجية الواضحة، ننقل مفهوم بناء الفريق إلى أداة فعّالة تخدم المؤسسة في صميم عملها، وتضيف إليها بُعداً احترافياً جديداً؛ بعيداً عن الروتين والتقليدية في فرق العمل التي تتشّكل يومياً في المؤسسات، ولا تكاد تُذْكَر من قِلّة إنتاجيتها وضعف مردودها العملي.
المراجع:
أضف تعليقاً