كيف تمنع العمل من المنزل من أن يستحوذ على حياتك الشخصية؟

يمكن أن يكون العمل من المنزل أمراً رائعاً حيث تتخلَّص مِن عناء المواصلات؛ ولكن عندما يكون منزلك هو مكان عملك، فقد تواجه صعوبةً في الفصل بين حياتك المهنية وحياتك الشخصية، وبدون هذا الفصل، قد يستحوذ العمل على حياتك ويبدأ بالانتشار في جميع أنحاء منزلك ويسيطر على جميع تفاصيل حياتك، مما يجعل من الصعب الإفلات من مصيدته لقضاء الوقت في أشياء أخرى هامة فعلاً مِثل قضاء الوقت مع عائلتك وأصدقائك وممارسة هواياتك والاستمتاع بحياتك.



وفقاً لأشخاص عملوا من المنزل لسنوات، فقد كان إيجاد التوازن بين إتمام العمل وتخصيص قدر سليم مِن الوقت والجهد لحياتهم الشخصية أمراً عسيراً؛ ففي الصراع بين العمل والحياة المنزلية، كثيراً ما تكون الغلبة للعمل.

لذا عليك بذلُ الكثير من الجهد لإيجاد توازن أفضل بين العمل من المنزل والعيش فيه، وقد يتطلَّب الأمر كثيراً مِن الجهد؛ لكنَّه ليس مستحيل التحقيق.

لِمَ يُعدُّ الفصل بين حياتك المهنية والشخصية أمراً بالغ الأهمية؟

بدايةً، قبل أن نتحدَّث عن كيفية السيطرة على حياتك المهنية كيلا تتخطى حدودها وتتسلل إلى حياتك الشخصية عندما تعمل من المنزل، سنتحدث عن سبب أهمية ذلك بالضبط:

1. يساعدك على تجنُّب الاحتراق الوظيفي:

تقول كيم بيركنز (Kim Perkins)، عالمة النفس وكبيرة علماء السلوك في شركة استشارات العمل والثقافة "نوبل" (NOBL): "ليس بمقدور الناس العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، هم بحاجة إلى فعلِ أشياء أخرى في حياتهم"، ووفقاً لبيركنز (Perkins)، يمكن أن يتسبب وضعُ العمل الدائم هذا بمجموعة مختلفة مِن النتائج السلبية، ومن ضمنها مشكلات في النوم والعلاقات والتعرُّض للاحتراق الوظيفي أيضاً.

يمنح قضاء بعض الوقت بعيداً عن العمل ذهنك وجسمك الوقت الذي تحتاجه للراحة والتعافي وإعطاء الجوانب الأخرى من حياتك - مثل النوم - الاهتمام الذي تستحقه، وعندما تستأنف العمل، سيكون لديك طاقة متجددة لإنجاز الأمور.

إقرأ أيضاً: الاحتراق الوظيفي: تعريفه، أسبابه، طرق علاجه، وعلاقته بالرضا الوظيفي

2. يمنحك الراحة:

من المفترض أن يكون منزلك مكاناً للاسترخاء؛ ولكن يواجه الأشخاص الذين يعملون من المنزل صعوبةً في ذلك.

تقول بيركنز (Perkins): "لقد تطوَّرنا وأصبحنا نعير اهتماماً كبيراً للبيئات التي نحن فيها، مما يدلُّنا على كيفية التصرف إزاء ذلك"، لهذا السبب إذا كان كلُّ شيء في منزلك يذكِّرك بالعمل، فستشعر أنَّك بحاجة إلى العمل طوال الوقت ولن تكون قادراً على نيل قسط من الراحة والاسترخاء الذي تحتاجه لتشعر أنَّك في أفضل حالاتك.

على سبيل المثال: قد يكون العمل في السرير مريحاً، ولكن إذا بدأت بربط سريرك بعملك، فسيكون من الصعب على عقلك الاسترخاء والنوم عندما يحين موعده.

يمكن أن يسهِّل عليك خلقُ شعور واضح بالفصل بين الحياة المهنية ونظيرتها المنزلية - جسدياً ونفسياً - التوقف عن العمل والاسترخاء بعد نهار متعِب.

3. يؤثِّر إيجاباً في الأشخاص مِن حولك:

إذا كنت غير مرتبط أو تعيش بمفردك، فأنت أكثر مَن سيتأثر في إيجاد التوازن بين العمل والحياة؛ ولكن إذا كانت لديك عائلة، فقد تصبح الأمور أكثر تعقيداً.

يجب أن تكون قادراً على التوقف عن العمل وإعطاء الأشخاص المقرَّبين الوقت والاهتمام الذي يستحقونه، وإلا أصبح لعملك تأثير سلبي خطير في علاقاتك؛ حيث تقول بيركنز (Perkins): "يتفقَّد كثير من الأشخاص الذين يعملون من المنزل هواتفهم ويعملون باستمرار، مما يُشعِر الشريك والعائلة بأنَّهم لا يعيرون أهمية لوجودهم".

نصائح كي تمنع تأثير العمل في حياتك الشخصية:

مِن الواضح أنَّ إقصاء العمل عن حياتك الشخصية أمر واجب لتنعم بالسعادة والصحة والتوازن، ولتفعل ذلك بالضبط، إليك بعض النصائح التي استقيناها مِن تجارب أشخاص حقيقيين نجحوا في تحقيق ذلك.

1. صمِّم جداول عمل تتوافق مع جداول أفراد أسرتك:

يُبعدك العمل من المنزل -خاصة عندما تقوم بذلك على مدار الساعة- عن عائلتك، وأفضل طريقة لمنع ذلك هي تحديد أوقات عمل تتوافق وجداول أعمال أفراد أسرتك.

تقول آنا كات نابير (Anna Kat Napier)، مؤسِّسة الموقع التدريبي لروَّاد الأعمال "باس غيرل لونش باد" (Boss Girl Launch Pad): "أعمل عندما يكون زوجي في العمل؛ لذا أحتاج إلى أن أكون قادرةً على التوقف عن عملي عندما يعود إلى المنزل حتى نتمكن من اللقاء وقضاء وقت العشاء معاً".

إذا كنت تعيش مع شريك أو أطفال، فمن الهام تخصيص بعض الوقت لتقضيه معهم بدلاً من توزيع انتباهك دائماً بين التزامات الأسرة والعمل، حيث سيتيح لك تنظيم ساعات عملك بصورة تناسب مواعيد عائلتك - على سبيل المثال: العمل في أثناء وجود أطفالك في المدرسة أو خلال الساعات نفسها التي يكون فيها شريكك أو أحد المقربين في وظيفته - إنجاز الأمور، فيكون لديك وقت للتواصل مع أفراد أسرتك عندما يرجعون إلى المنزل.

تقول بيركنز (Perkins): "يُظهر هذا النوع من التنسيق مع شريكك أو أفراد أسرتك أنَّك تهتم بهم"، وتمنح بذلك الأولوية لقضاء الوقت معاً دون تشتيت، فقط ضع في حسبانك أنَّ جداول العمل المتوازية لن تكون مُجدية ما لم تركز على العمل عندما يحين وقته، وتكون جاهزاً وراغباً لترك العمل عند انتهائك منه.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لوضع حدود تنظم عملك من المنزل

2. حدِّد موعداً ثابتاً تتوقَّف فيه عن العمل:

قد يكون من السهل أن تفقد الشعور بمرور الوقت عندما تعمل من المنزل، فعندما تستريح أخيراً وتنظر إلى الساعة، تكون قد مرَّت الساعات دون أن تدري، وعملت لفترة أطول بكثير مما كنت تنوي، من السهل جداً أن تقول لنفسك: "لا مشكلة إن عملت لخمس دقائق أخرى فقط" أو "دعني أرسل رسالة بريد إلكتروني واحدة فقط"؛ لكنَّ العمل لساعات طويلة يمكن أن يُخرج جسدك عن السيطرة.

تقول بيركنز (Perkins): "إنَّ جسمك معتاد على العمل وفقاً لجدول زمني، يستيقظ الأطفال في الوقت نفسه، ويذهبون إلى المدرسة في الوقت نفسه، ويبني هذا الإيقاع اليومي والعادات؛ حيث من السهل جداً معرفة ما يُفترض أن تفعله ومتى من المفترض أن تفعله، حتى عندما نكون بالغين، نحن نحتاج إلى ذلك ليمنحنا إحساساً بالاتساق، وإلا استغرَق الأمر وقتاً طويلاً لمعرفة مكاننا وما الذي من المفترض أن نفعله".

يمكن أن يساعدك تحديد موعد ثابت للتوقُّف عن العمل كل يوم والالتزام به على إبقاء عملك تحت السيطرة ومنعِه مِن التعدي على الأشياء التي تريدها وتحتاج إلى إنجازها بعد العمل.

حددت كاثرين بولين (Katharine Bolin)، صاحبة ومديرة التسويق الرقمي في موقع "سويت ريتش ميديا" (Sweet Reach Media) للتسويق الرقمي للأعمال التجارية الصغيرة، موعداً ثابتاً للتوقُّف عن العمل لنفسها في الساعة 5 مساءً، وإذا شعرَتْ برغبة في العمل في ساعات المساء، فإنَّها تذكِّر نفسها بأنَّ حياتها الشخصية تفيد وظيفتها أصلاً على الأمد الطويل؛ فتقول: "أحتاج إلى حياة خارج العمل؛ لأنَّ هذا هو مصدر الإلهام، وهذا ما سيجعلني في النهاية أقوم بعمل جيد في حياتي المهنية".

3. جِد حافزاً لإنهاء يوم العمل:

يمكن أن تكون المحفزات أو الإشارات طريقةً فعالةً لتكوين عادات جديدة؛ حيث يرسل وجود روتين تقوم به كل يوم عند الانتهاء من العمل إشارةً لجسمك وعقلك بأنَّ العمل قد انتهى حقاً وقد حان الوقت للمضي قدماً والاستمتاع بوقتك الخاص.

تقول ميغان وينكلر (Megan Winkler)، صاحبة شركة "لايم لايت فيزيبيلتي ماركيتيغ" (Limelight Visibility Marketing) التسويقية: "في نهاية اليوم، أُعدُّ قائمة مهام ليوم غد قبل إغلاق جهاز الحاسوب ومغادرة طاولة مكتبي، فبالنسبة إلي ذلك بمثابة طريقتي الافتراضية في تعويض المسافة التي أقطعها بين عملي والمنزل".

لديك كامل الحرية بما تفعله كجزء مِن روتينك لإنهاء وقت العمل وبدء الوقت الخاص، كأن تذهب في نزهة مع صديقك أو التأمل لمدة خمس دقائق، أو تنظيف مكتبك، أو تنظيم مهامك في قائمة مهام اليوم التالي.

ما تفعله أقل أهمية مِن القيام به كلَّ يوم؛ حيث تقول بيركنز (Perkins): إنَّ الروتين "يعوِّدك على الاستراحة بعد أن تنجز جزءاً مِن عملك، ولذا فهو يخلق فاصلاً بين شخصيتك في العمل وخارجه، وأنت بحاجة إلى هذا للاسترخاء التام و التفكير في أشياء أخرى".

إقرأ أيضاً: ما هي طقوس الانتهاء من العمل؟ وكيف يستفيد العاملون عن بُعد منها؟

4. أغلقْ باب المكتب:

يُقال إنَّ البعيد عن العين بعيد عن القلب؛ وينطبق الأمر ذاته على الابتعاد عن مكان العمل أيضاً؛ حيث تقول أنجيلا زيد (Angela Zade)، مديرة التسويق الإلكتروني لشركة برمجيات السفر "تروندينت ديفلوبمنت كورب" (Trondent Development Corp): "إحدى الحيل التي استخدمها لفصل حياتي الشخصية عن المهنية عندما أعمل مِن المنزل هي إغلاق باب غرفة مكتبي خلال فترة العطلات، هذه طريقتي في أن أقول إنَّ المكتب مغلق".

إذا كنت تستخدم غرفة مخصصة كمكتب في منزلك، فاخرج في نهاية اليوم واترك جميع معدات عملك فيها مثل: الحاسوب المحمول وهاتف العمل الخاص بك؛ وبعبارة أخرى أغلق الباب حرفياً ومجازياً على العمل كي تتمكن من متابعة مشاريعك الشخصية أو قضاء الوقت مع الأسرة أو الاسترخاء جيداً دون الشعور بالحاجة إلى العمل. 

لا تقلق إذا لم يكن لديك مساحة عمل خاصة يمكنك إغلاقها، فيمكنك أن تفصل المكان الذي تعمل فيه بستارة أو رف كتب موضوع في مكان مناسب، أما إن لم يتوفر لديك ذلك، فما عليك سوى إزالة أدوات مشروعك الذي تعمل عليه كي تتجنب عودتك إلى العمل.

وفقاً لـ بيركينز (Perkins)، يترك الكثير مِن الناس الأمور المتعلقة بعملهم مبعثرةً على مرأى الجميع، مما يجعل من الصعب التوقف عن العمل؛ لذا يمكن أن يساعدك تنظيف مكتبك ووضع أدوات عملك بعيداً عن نظرك - على سبيل المثال: ضع الحاسوب المحمول وأية أوراق مبعثرة في درج المكتب - في إحداث إحساس مرئي ونفسي بالانفصال حتى لو لم تستطع إغلاق مساحة العمل الخاصة بك فعلياً عن بقية منزلك.

إقرأ أيضاً: 7 مشاكل تواجهك في العمل من المنزل

5. خطِّط لأوقات تبتعد فيها عن شاشات الأجهزة الإلكترونية:

من أكبر التحديات التي تواجهنا في الفصل بين عملنا وحياتنا الخاصة هو التسمر أمام الشاشات، فإذا كنت أمام جهاز الحاسوب المحمول أو الجهاز اللوحي أو الهاتف و حتى بالقرب منه، فعليك محاربة الرغبة الملحة في التحقق من بريدك الإلكتروني خارج أوقات العمل وتستمتع بوقت الفراغ.

يمكن أن تكون هذه العادة السيئة مزعجةً خاصة للشريك، فلا أحد يريد إجراء محادثة من جانب واحد مع شريكه في أثناء تصفُّحه بريده الإلكتروني دون انتباه لما يقول، فلهذا السبب تخلَّص مِن الهواتف المحمولة في الوقت المخصص للشريك والعائلة.

يَسمح تحديد الوقت الذي تكون فيه الهواتف وأجهزة الحاسوب المحمولة والأجهزة اللوحية وشاشات التلفزيون أمراً محظوراً لك بالانفصال التام عن عملك وحياتك الرقمية والتفاعل الكامل مع حياتك الواقعية، فعندما تجتمع بالعائلة في المنزل بعيداً عن المكتب، احرص على إغلاق هواتفكم والاستمتاع ببعض الوقت الخالي من مراقبة الشاشة للتحدث عن آخر مستجدات حياتكم.

جرِّب أيضاً تحديد موعد على الأقل لبضعة أيام في نهاية الأسبوع دون هواتف محمولة أو حواسيب مِن كلِّ شهر، أو استخدام تطبيقات للهواتف الذكية التي تُقيِّد البرامج المشتتة للحد من إغراء قضاء الكثير من الوقت في التحديق في الشاشة.

عندما تعمل من المنزل، من السهل جداً أن تنجرَّ إلى العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع؛ لكن تذكَّر أنَّ منزلك هو لراحتك أولاً ولعملك ثانياً، وإن رغبت في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الذي تتوق إليه وتستحقُّه؛ فعليك العمل بالنصائح المذكورة في المقال.

 

المصدر




مقالات مرتبطة