كيف تكسب المال بشكل واقعي من شغفك؟

إنَّ اتباع شغفك دون تفكير هو سببٌ في الكوارث المالية، ولكن إذا تعلَّمتَ القليل عن كيفية دمج الأعمال والشغف معاً في العصر الحديث، يصبح جني المال من الأمور التي تثير اهتمامك شيئاً واقعياً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن ورائد الأعمال "سيث جاريد هايم" (Seth Jared Hymes) والذي يُحدِّثنا فيه عن كسب المال من الشغف.

ربما سمعتَ بالمقولة الشائعة: "اتبع شغفك وسيتبعك المال"، لكن لو كانت صحيحة، فلن ترى مبدعين يواجهون صعوباتٍ على المستوى المادي؛ لذا تُعَدُّ هذه نصيحةً خاطئة؛ وذلك لأنَّها لا تستند إلى الواقع، ولكن يمكن أن تصبح واقعية إذا تعاملتَ مع شغفك بذكاء واحترام وفهم لكيفية ارتباط المال والعواطف، وللبدء نحتاج إلى تحديد هذين الأمرين.

ما هو الشغف؟

يتضمن الشغف بالنسبة إلى معظم الناس إبداعهم، وتعطُّشهم للمغامرة، والتعبير عن أنفسهم، والرياضة، والهواية، أو الفن، فقد يرغب بعض الأشخاص في التمثيل، أو تأليف الموسيقى، أو صناعة الأفلام، أو تأليف الكتب، أو السفر حول العالم، أو ممارسة الرياضة، أو ألعاب الخفة، أو لعب ألعاب الفيديو، أو حياكة الألبسة أو آلاف النشاطات الأخرى المثيرة للاهتمام، وهناك الكثير من الناس يريدون مساعدة الآخرين، والتعليم وتقديم المعرفة.

هذه كلها أشياء رائعة لكن في حد ذاتها، ليس لديها علاقة بالمال على الإطلاق، وربما هذا من الأسباب التي تجعلها مرضية وممتعة.

لا يحلم الإنسان العادي بقضاء أيامه في تداول الأسهم أو تحليل الأرقام المالية؛ بل يريد القيام بأشياء تجعله يشعر أنَّه مفعم بالحياة أو يساهم في إثراء حياة الآخرين، ولكن أيضاً هم يريدون المال لشراء احتياجاتهم، لكنَّهم غير مهتمين بفكرة النقود نفسها؛ لذلك علينا أن ننظر إليه عن كثب لفهم كيفية الحصول على المال.

ما هو المال؟

نعرف جميعاً أنَّ المال هو وسيلة تبادل متفق عليها، يُعطَى مقابل سلع وخدمات، ولكن إذا قمتَ بالربط بين الاثنين، فسوف يبدأ عالم كامل من الاحتمالات الملهمة والواقعية بالانفتاح.

المفتاح هو أن تفهم أنَّ شغفك ليس مجرد شغف؛ إذ إنَّه سلعة أو خدمة جاهزة للشراء من قِبل المستهلكين المتحمسين إذا قدمتَها بشكل صحيح، ويمكن أن تقع معظم الأفكار التي ذكرناها آنفاً في مجالين رئيسين هما: الترفيه والتعليم.

بلغت قيمة صناعة الأفلام العالمية 136 مليار دولار في عام 2018؛ وهذا يعني أنَّ الملايين والملايين من الناس قرروا إنفاق أموالهم على الاستمتاع بمنتجات الأفلام السينمائية هذه، وتبلغ قيمة صناعة الموسيقى وكتابة الكتب أيضاً مليارات الدولارات؛ حيث يحب البشر أن ينفقوا أموالهم على رفاهيتهم.

لنفترض أنَّ شغفك ليس ترفيهاً، ولكن بدلاً من ذلك يُحدث فارقاً في العالم، كمجال التعليم، والذي يبلغ قيمته أيضاً مليارات الدولارات.

شاهد بالفديو: كيف تكتشف شغفك وتصل إليه؟

كيف تربط شغفك بالمال؟

بدلاً من مجرد كونك شخصاً لديه شغف، فأنت حقاً رائد أعمال تعمل في واحد من مجالين: الترفيه أو التعليم، ولكن حتى من هذا المنظور، فإنَّ كسب المال من شغفك ظلَّ حلماً بعيد المنال خلال الثمانينيات والتسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين؛ وذلك لأنَّه كان من المستحيل تقريباً الانخراط في التجارة مع أي من هذه المجالات.

فإذا كنت ترغب في توفير الترفيه لأشخاص آخرين في الثمانينيات، فسوف تقتصر على أي مكان قريب منك؛ حيث يمكنك أن تقوم أنت وفرقتك الموسيقية بالعزف في المقهى المحلي، ويمكنك التمثيل في مسرح المجتمع المحلي، ومن المحتمل أن تقوم بتوزيع نشرات إعلانية ودفع الكثير لمطبعة محلية لعمل نسخة من الكتاب.

إذا كنت ترغب في توفير التعليم لأشخاص آخرين، ففي إمكانك أن تبحث عن معهد أو مدرسة في مكان قريب، وإذا كنت ترغب في التدريس في المعهد، فعادةً ما تحتاج إلى شهادة أكاديمية مُكلِفة والتنافس على فرصة عمل واحدة أو اثنتين.

كان هذان المجالان قوَّتين ضاربتَين ولهما تأثير كبير في قلوب وعقول الكثير من الناس، وسيطرت الشركات متعددة الجنسيات على جميع دور السينما ومحلات تأجير الفيديو والمكتبات ومحطات التلفزيون في العالم، وسيطرت الجامعات العملاقة على جميع الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات في العالم؛ حيث يعمل في هذين المجالين أشخاصٌ لهم وزنهم وملايين من الفنانين والمعلمين المتحمسين يتنافسون على عدد قليل من المناصب التي يتوق الجميع لشغلها.

إقرأ أيضاً: 9 طرق لتحويل شغفك إلى مصدر ربح

الإنترنت غيَّر كل شيء:

في غضون عقد من الزمن بعد أن جاء الإنترنت، انقلب هذان المجالان رأساً على عقب؛ حيث أخرجت شركة "نتفلكس" (Netflix) شركات تأجير الأفلام من السوق، ودفع موقع "أمازون" (Amazon) مراكز التسوق إلى حافة الهاوية، وأتاح "يوتيوب" (YouTube) للأشخاص العاديين أن يصبحوا نجوماً، ومكَّن نظام "كيندل" (Kindle) أي شخص من نشر كتبه.

حوَّل الناس انتباههم إلى شاشات هواتفهم المحمولة وشاشات الحاسوب وإلى مواقع الإنترنت، وعلى عكس المسارح أو دور عرض السينما، لا تحتاج إلى صفقة بملايين الدولارات أو شهرة للوصول إلى هذه المواقع، أنت فقط بحاجة إلى فهم شيء واحد، وهو كيفية تسويق وتقديم شغفك.

مشاركة شغفك:

كانت مشاركة شغفك في أيام ما قبل الإنترنت صعبة للغاية:

  • إذا أردت أن تُظهر للناس فيلمك، فسوف تحتاج إلى حمل تسع بكرات من الفيلم ووضعه على جهاز عرض، وكان هذا بالطبع شريطة أن يكون لديك 400000 دولار إلى مليوني دولار لصنع الفيلم في المقام الأول.
  • إذا كنت ترغب في مشاركة الموسيقى الخاصة بك، فسوف تحتاج إما إلى الوقوف شخصياً أمام الناس أو دفع رسوم ضخمة لتسجيل عينات من الموسيقى التي تعزفها وحمل نسخ من الأشرطة معك أو إرسالها بالبريد.
  • إذا كنت ترغب في مشاركة كتابك أو بيعه، فعليك استئجار مطبعة لطباعة مئات النسخ فعلياً على أمل أن تبيعها جميعاً.

الآن، مع وجود جميع المنصات الجديدة عبر الإنترنت، تغيَّر الوضع بالكامل:

  • إذا كان شغفك هو تصوير الأفلام، فيمكنك تصوير فيلم مستقل بأقل من 400000 دولار، وتحميله على "أمازون برايم فيديو" (Amazon Prime Video)، والوصول إلى ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، ويمكنك العمل مع موقع مثل "فيلم هاب" (Filmhub) للوصول إلى منصات مثل "غوغل تي في" (Google TV) و"آبل تي في" (Apple TV) و"توبي" (Tubi) و"بليكس" (Plex).
  • إذا كان شغفك هو الموسيقى، فيمكنك وضع الموسيقى الخاصة بك على موقع "سبوتيفاي" (Spotify) أو "آي تيونز" (iTunes) بمساعدة منصة مثل "تون كور" (TuneCore).
  • إذا كنت قد كتبت كتاباً، فتوقف عن الأمل في الحصول على وكيل أو صفقة نشر؛ إذ يمكنك تحميله وبيعه على موقع "أمازون كيندل" (Kindle)، ليس ذلك فحسب؛ بل من خلال تقنية الطباعة عند الطلب، ستقوم "أمازون" بطباعة نسخ فردية من كتابك عندما يطلبها أحد العملاء.
  • إذا كنت رساماً أو نحاتاً أو أي نوع آخر من الفنانين، فيمكنك بيع مصنوعاتك وإبداعاتك من خلال متجر "إتسي" (Etsy).
  • إذا كنت تريد أن تكون معلماً، فيمكنك إنشاء دورة تدريبية عبر الإنترنت عن أي موضوع تقريباً، بدءاً من الرقص في قاعة الرقص إلى إنشاء الموسيقى الإلكترونية إلى ألعاب الخفة؛ حيث يمكنك الوصول إلى ملايين الطلاب المحتملين عبر المنصات مثل منصة "يوديمي" (Udemy).
  • إذا كنت شغوفاً بأي موضوع آخر، من السفر إلى التزلج على الجليد إلى الأعمال الخشبية، فيمكنك إنشاء مدوَّنة عن هذا الموضوع، ويمكنك تحقيق الدخل من مدونتك عن طريق بيع الإعلانات باستخدام "غوغل أدسنس" (Google Adsense) أو الترويج لمنتجات الآخرين عبر التسويق بالعمولة.
  • إذا كنت لا ترغب في بيع أي شيء، ولكنَّك تحصل على المال مقابل التأليف والتصميم، فيمكنك العمل ككاتب وفنان ورسام رسوم متحركة ومصور فيديو ومحرر وغير ذلك من خلال سوق مستقل مثل "أبوورك" (Upwork).
إقرأ أيضاً: كيف تحوّل شغفك إلى طاقة إيجابية؟

التسويق لشغفك:

الجزء الأخير من اللغز هو شيء يتجاهله معظم المبدعين تماماً، ولكنَّه أيضاً هامٌ جداً، وهو التسويق؛ إذ يعتقد الكثير من الناس أنَّهم إذا وضعوا أعمالهم الفنية أو إبداعاتهم أو الدورة التدريبية على موقع ويب، فسوف يشتريها الناس، وهذا ليس صحيحاً.

هل سبق لك أن شاهدتَ "براد بيت" (Brad Pitt) أو "مارجوت روبي" (Margot Robbie) في برنامج حواري تلفزيوني؟ هما لا يفعلان ذلك من أجل الترفيه والمتعة؛ بل إنَّهم يروِّجون لأحدث مشاريعهما الإبداعية. وحتى أكبر نجوم السينما في العالم لا يمكنهم فقط صنع شيء وبيعه؛ إذ إنَّهم يقضون أسابيع وأسابيع في الترويج لإبداعاتهم؛ حيث تنفق استوديوهات الأفلام وشركات التسجيل الموسيقية وناشرو الكتب ملايين الدولارات كل عام في تسويق منتجاتهم.

لحسن الحظ، لا تحتاج إلى ميزانية بمليون دولار لتسويق ومشاركة منتجات شغفك عبر الإنترنت، وهذه بعض النصائح:

  • أنشئ موقعاً مخصصاً أو مدونة من أجل أعمالك، وهذا محور مركزي لديك سيطرة كاملة عليه، ويمكن أن يكون مكاناً ليس فقط لبيع منتجاتك أو خدماتك ولكن أيضاً للبقاء على تواصل مع معجبيك وعملائك.
  • احصل على عناوين البريد الإلكتروني لزوار موقعك الإلكتروني باستخدام خدمة الرد الآلي مثل منصة "ميل تشيمب" (Mailchimp)، وهناك مقولة مشهورة: "المال موجود في القائمة البريدية"؛ لذلك فكر في قوة قائمتك البريدية إذا قام حتى 50 أو 100 شخص بالتسجيل فيها.

قد يستغرق الأمر ساعات لإرسال رسائل شخصية إلى كل هؤلاء الأشخاص، لكن باستخدام المجيب الآلي، يمكنك إرسال رسائل إلى آلاف الأشخاص بنقرة زر واحدة.

  • شارك الناس جزءاً من شغفك على وسائل التواصل الاجتماعي، بطريقة تجعلهم يرغبون في المزيد، وبهذه الطريقة يروِّجون للأفلام، وكذلك الأغاني الفردية الصادرة من الألبومات المشهورة.
  • ابحث عن جمهورك المستهدَف واستخدم أدوات مثل "أبر ساجيست" (Ubersuggest) لتحسين محركات البحث ولمعرفة الأسئلة والاهتمامات التي يبحثون عنها على "غوغل" (Google)، ثم اكتب المحتوى والمقالات والمنشورات للإجابة عن هذه الأسئلة.
  • روِّج على "غوغل" (Google) و"فيسبوك" (Facebook) و"إنستغرام" (Instagram)، مقابل أقل من 5 دولارات أو 10 دولارات في اليوم، كما يمكنك الترويج في مثل الشركات الكبرى ومشاركة إبداعك مع الجمهور المستهدف؛ حيث تتيح لك الإعلانات على "فيسبوك" (Facebook).

على سبيل المثال، استهداف الأشخاص حسب اهتماماتهم وإعجاباتهم؛ لذلك إذا كنت تروِّج الموسيقى، فيمكنك استهداف الأشخاص الذين يحبون الموسيقى المشابهة لشغفك.

تجربتي لتحقيق الربح من الشغف:

في عام 2017، صورتُ فيلمي الكوميدي بعنوان "ضياع ويلي" (Wally Got Wasted)، وعرضتُ الفيلم للبيع على "أمازون برايم فيديو" (Amazon Prime Video)، وروَّجتُ للفيلم باستخدام الإعلانات على "فيسبوك" (Facebook) و"إنستغرام" (Instagram)، وبدأتُ الحصول على المبيعات والمشاهدات والمراجعات.

وفي بعض الأحيان، كان المئات من الأشخاص يشاهدون فيلمي يومياً؛ حيث كان الأمر مثيراً، ولم أكن أكسب الملايين، لكنَّ القدرة على جعل حتى عدد قليل من الناس في جميع أنحاء العالم يقدرون فنِّي، ويدفعون لي مقابل ذلك، كان مُرضياً للغاية، وآمل أن تكون لديك فرصة لتجربة رضا مماثل عن شغفك وأن يكون هذا المقال قد ساعدك على رؤية مسار واقعي للقيام بذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة