كيف تتولى رعاية ذاتك؟

لقد تمكَّنا من تجاوز السنة الأطول من القرن الواحد والعشرين، وحان الوقت لاتخاذ قرارات جديدة تخص عامنا هذا، فهذا هو الوقت المناسب لتعزيز رعاية ذاتك، لا سيَّما في ظل الخدمات التي توفرها لنا الصناعات التي تهتم بهذا المجال، إلا أنَّ للرعاية الذاتية التي تبدو فكرةً ممتعةً وفعَّالةً لأول وهلة جانباً سلبياً؛ فهي تُلحق الأذى بالضعفاء والأقل قدرةً على الوصول إلى الموارد المناسبة.



لقد تعلَّم الكثير منا الاعتماد على نفسه من جديد خلال عام 2020، لا سيَّما بعد انقطاع سبل التواصل الاجتماعي وما ترتَّب على ذلك من ارتباك ويأس، إلا أنَّنا وجدنا طرائق للتعايش مع ذلك، وعلى الرغم من أنَّ الأمر لم يكن سهلاً في البداية، فاستطعنا خلال فترة وجيزة مواجهة التداعيات المترتبة على تفشِّي الجائحة بحماسة، وذلك من خلال توظيف المهارات الجديدة التي اكتسبناها خلال فترة الحجر الصحي، كخبز المعجنات أو تعزيز رشاقتنا.

ذكَّرنا عام 2020 بضرورة تعزيز الرعاية الذاتية، إلا أنَّه قد كشف أيضاً مكامن الضعف في ثقافتنا؛ إذ ليس بمقدور الجميع مواجهة التحديات التي فرضَتها الجائحة بمرونة، أو الاعتناء بأنفسهم على نحو جيد، والسؤال هنا: ما الذي سيصيب المرضى أو العاطلين عن العمل أو أولئك الذين يعانون من الوحدة؟

لدى الكاتبة والناشطة في مجال حماية الصحة النفسية "شوبهراتا براكاش" (Shubhrata Prakash) قصة تدور حول العناية بالذات ولا علاقة لها بالجائحة؛ إذ تروي معاناتها مع الاكتئاب منذ أربع سنوات مضت عندما أرادت أغلب الأحيان إنهاء حياتها للتخلص من الألم.

تروي "براكاش" أنَّها اعتادت تناول الكثير من الأدوية النفسية التي لم تكن تُشعرها بتحسُّن فحسب؛ بل أدت إلى إصابتها بالارتعاش، وهو أحد الأعراض الجانبية المترتبة على تناول الأدوية النفسية، وعلى الرغم من إعلام طبيبتها النفسية حول رغبتها في تغيير نوع الأدوية، إلا أنَّ الأخيرة رفضَت ذلك؛ لذا كان لا بُدَّ لـ "براكاش" استيعاب ضرورة رعاية ذاتها، وأن تفعل ما هو مفيد لصحة جسدها وتخفف من تناول الأدوية.

في البداية، عانت بشدة من أعراض ترك الأدوية، إلا أنَّ بصيص أمل تراءى لها في أحد الأيام عندما بدأَت تشعر بأنَّها تعود إلى طبيعتها، وقد تمسكَت بذلك، وأخذَت على عاتقها مسؤولية رعاية نفسها؛ حيث بدأَت بممارسة اليوغا والتمرينات الرياضية وكتابة يومياتها والتأمل.

وفي غضون بضعة أشهر، شعرَت "براكاش" وكأنَّها شخص آخر، كما لو أنَّها قد أعادت ترتيب أفكارها من جديد.

شدَّدَت "براكاش" على أنَّها لا تقترح الامتناع عن تناول الأدوية النفسية لا سيَّما أنَّ ذلك مخالف لما ينصح به الخبيرون، إلا أنَّها تؤكد بأنَّ تخلِّيها عن الأدوية كان أقوى تعبير عن رعايتها لذاتها.

عند العودة اليوم إلى قصة تعافي "براكاش" من مرض يمكِن أن يودي بحياة المرء، تبدو قصةً ملهمة تنادي بضرورة الحفاظ على الصحة النفسية وتعزيز العناية بالذات، لا سيَّما في ظل تفشِّي الجائحة الذي كشف لنا حقيقةً مؤلمة مفادها أنَّ كل ما آمنَّا بقدرته على حمايتنا، تبيَّن فيما بعد عجزه عن ذلك؛ لذا كان لا بُدَّ لنا من التركيز على رعاية ذاتنا، والحفاظ على عافيتنا بأنفسنا، بالطبع، إنَّ فكرة الاعتناء بالذات ليست بأمر جديد، إلا أنَّ الظروف الراهنة كشفَت عن عدم إمكانية تجاهل ذلك.

يشرح الفيلسوف الفرنسي "ميشيل فوكولت" (Michel Foucault) في كتابه "رعاية الذات" (The Care of the Self)، أنَّ الإنسان بحسب الإغريق هو كائن مقدَّر له الاعتناء بنفسه، ورعاية الذات ليست إلا مَهمة تمنح صاحبها امتيازاً يميِّزه عن باقي المخلوقات.

بعد مرور آلاف السنين على حضارة الإغريق القدامى، فإنَّ الفكرة السائدة اليوم هي أنَّ رعاية الذات علاجٌ سحري لمشكلاتنا الوجودية كافةً، ولكن على الرغم من أنَّ الاعتناء بالذات أداةٌ فعَّالة، إلا أنَّه قاد إلى ظهور أربع مشكلات خطيرة.

1. غدت العناية بالذات أمراً مبتذلاً مما جعلها تفقد قيمتها:

ما هي مكونات رعاية الذات؟ يمكِن إيجاد الإجابة عن هذا التساؤل من خلال تطبيقَي "إنستغرام" (Instagram) و"تويتر" (Twitter)؛ إذ نرى عبر إجراء بحث سريع عن الرعاية الذاتية على هذه المنصات، اتساع نطاقها بين المستخدمين على نحوٍ مربِك، فالبحث عن الوسم selfcare# أو selflove# لإيجاد أساليب وطرائق تهدف إلى تعزيز رعاية الذات، قد يقودنا للوصول إلى نتائج غريبة لا علاقة لها بكيفية الاعتناء بالنفس، في حين تضاعفَت إيرادات الصناعات العالمية التي تهتم بمجال رعاية الذات إلى 11 مليار دولار بحسب أحد التقديرات الذي استُشهِد به مؤخراً.

تمكَّنَت "ماري كوندو" (Marie Kondo)، خبيرة الترتيب اليابانية والتي اشتُهِرَت بتعليمها أسلوب عيش حياة بسيطة، من استقطاب وسائل الإعلام استقطاباً كبيراً عندما أعلنَت عن إطلاقها موقعاً للتجارة الإلكترونية، والذي سيبيع إلى جانب العديد من الأشياء الأخرى، شوكةً رنانة يمكِن استخدامها في ضرب بلورة (متوفرة أيضاً على الموقع) لتحديد نوعية الطاقة المنتشرة حولك.

تسعى الشركات العملاقة في مختلف المجالات مثل "آيكيا" (Ikea) و"غوغل" (Google) إلى استثمار فكرة رعاية الذات لتضخيم إيراداتها باستخدام أساليبها الترويجية الخاصة؛ حيث أنتجَت شركة "توي ميكر ليغو" (Toymaker Lego) إعلاناً تظهر به عاملة مقهى ترتدي ملابس أنيقة، تجد سعادةً عارمة في صنع لعبة سفينة "ليغو"، والتي تصفها الشركة بأنَّها "تأمل على هيئة طوب".

ولكي لا نسيء الفهم، من الطبيعي أن تسعى الشركات إلى توظيف كل ما يمكِن أن يقودها إلى النجاح، إلا أنَّ الإغريق القدامى ما كانوا ليوافقوا على جعل فكرة رعاية الذات مادةً إعلامية دسمة لتسويق المنتجات التجارية، لا سيَّما أنَّ بعض الشركات عمدَت إلى إصدار تطبيقات تقوم على فكرة التأمل ورعاية الذات لجذب اهتمام الناس ودفعهم إلى شراء منتجاتها.

يغدو الأمر أكثر إرباكاً، لا سيَّما مع ظهور مرشدِين على منصة "إنستغرام" لمساعدتك على معرفة فيما إذا كنتَ تعتني بنفسك على النحو الصحيح من خلال طرحهم مجموعة من الأسئلة مثل: "كم تنفق على ذلك المنتج من المال؟" و"هل في إمكان ذلك أن يؤمِّن لك الرعاية الذاتية في المستقبل؟".

شاهد: 12 وسيلة فعالة للرعاية الذاتية لا يمكنك العيش دونها

2. غالباً ما يقع العبء على عاتق الفرد وحده:

أحد تعاريف رعاية الذات والصادر عن مراكز الخدمات الصحية في المملكة المتحدة يوضح المشكلات التي تعترض تحقيقها، وهي تشمل ما يلي: ما يقوم به الأشخاص للحفاظ على رشاقتهم وتعزيز صحتهم النفسية والجسدية، بالإضافة إلى تلبية حاجاتهم الاجتماعية والنفسية، وتجنُّب الإصابة بالمرض أو التعرض لحوادث، وكذلك الاهتمام بمعالجة أبسط الأمراض والتكيف مع الظروف المستمرة على الأمد البعيد، وأخيراً الحفاظ على الصحة والعافية بعد الشفاء من مرض حاد أو مغادرة المستشفى.

في ضوء هذا التعريف، هل يمكِن للحفاظ على صحة نفسية وجسدية جيدة، وتلبية الاحتياجات النفسية والاجتماعية، وكذلك تجنُّب الإصابة بالأمراض أو التعرض لحوادث، أن تكون مسؤوليةً وباستطاعة الفرد تحمُّلها وحده؟ إذاً ماذا يحدث عند اعتقاد الناس في إمكانية ذلك؟

تعتقد "أبارنا ميتال" (Aparna Mittal)، المؤسِّسة والمديرة التنفيذية لشركة "بايشينتس إنغايج" (PatientsEngage) - وهي منصة عبر الإنترنت في الهند، تُعنى بدعم المرضى ومقدِّمي الرعاية وإدارة الأمراض المزمنة - أنَّ الناس ما زالوا غير مدركين بأنَّ ممارسة التأمل ليست بالأمر السهل كما يبدو؛ إذ من الصعب التنفس على نحوٍ صحيح عندما ينتابك الإحساس بالتوتر أو القلق، وفي إمكانك في هذه الحالة أن تلجأ إلى ممارسة رياضة الجري أو الرسم، إلا أنَّك لن تتأكد من فاعلية القيام بتلك النشاطات إلا بالتجربة وارتكاب الأخطاء، فممارسة اليوغا قد تكون مفيدةً للتخفيف من القلق والتوتر اللذين يعتريانك، إلا أنَّك سوف تحتاج إلى وجود مدرِّب، كما أنَّ أغلب الناس لا يميلون إلى الرغبة في تجربة الكثير من النشاطات.

كما أوضحَت "ميتال" بأنَّها قلقةٌ بشأن النصائح "النابعة من حسن النية" التي يتلقاها مقدمي الرعاية الصحية باستمرار، والذين لا يتم النظر في حقيقة ظروف عملهم كما يجب عند مدِّهم بالإرشادات المتعلقة برعاية الذات؛ حيث تقول: "أرسل لي أحدهم عبر تطبيق واتساب مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق يتناول سبعة أشياء يمكِن القيام بها لرعاية الذات، ومنها أخذ قسط كافٍ من النوم، وتخصيص وقت خاص لممارسة ما تحب، وغيرها من الأمور الأخرى؛ ولكن هل يمكِن أن ننصح شخصاً يحمل على عاتقه مسؤولية الاعتناء بمريض مصاب بآلزهايمر أو بداء باركنسون بتلقِّي العلاج باستخدام الفن، هل سوف يكون لديه حقاً الوقت الكافي أو حرية الاختيار للقيام بذلك؟".

3. تسبب الرعاية الذاتية التي ترتبط بتعزيز الأداء الإرهاق:

لأولئك الذين سئموا من تبادل النصائح والإرشادات المتعلقة بكيفية رعاية الذات على نحوٍ صحيح، إليكم الإطار العملي لرعاية الذات في ظل الأمراض المزمنة الذي وضعته كل من "باربرا ريغل" (Barbara Riegel) و"تيني جارسما" (Tiny Jaarsma)، المديرتان التنفيذيتان لمركز أبحاث الرعاية الذاتية الدولي (International Center for Self Care Research)؛ إذ قُسِّمَت رعاية الذات إلى ثلاث مراحل: العناية والمراقبة والإدارة.

وفقاً لإطار العمل هذا فإنَّ الاعتناء بالذات هو سلسلة متصلة وضرورية سواء في حالات الصحة أم المرض؛ لذا فإنَّ التوجه إلى غرفة الطوارئ عند حلول منتصف الليل بعد سنوات من إهمال نوبات الهلع التي تعتريك، يتعارض مع رعايتك لذاتك؛ وذلك لأنَّك تجاوزتَ مرحلتي العناية والمراقبة وانتقلتَ مباشرةً إلى مرحلة الإدارة.

يشير الموقع الإلكتروني لمركز أبحاث رعاية الذات الدولي إلى أنَّ الأفراد يقضون عشر ساعات فقط من أصل 8760 ساعة في السنة؛ أي ما يعادل 0.001% برفقة خبيري الرعاية الصحية، فنشاطات الرعاية الصحية الأخرى من عناية ومراقبة وإدارة يمارسها الأفراد وعائلاتهم كوسيلةٍ لرعاية الذات؛ ومن ثمَّ فإنَّ ممارسة النشاطات المرتبطة برعاية الذات ضروريةٌ بغيةَ تعزيز العافية وتقليل معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات والتقليل من تكاليف الرعاية الصحية.

على الرغم من ذلك يمكِن لرعاية الذات التي ترتبط بتعزيز الأداء أن تؤدي إلى إرهاقك، ولا شكَّ في أنَّ أداء الأنشطة الهادفة إلى رعاية الذات يعود بالنفع على الفرد، إلا أنَّ العبارة هذه تستدعي منا التوقف لحظةً والتفكير بتمعُّن، وفي مقال حديث نُشِر في جريدة "ذا نيويورك تايمز" (The New York Times) لـ "بوجا لاكشمين" (Pooja Lakshmin) أستاذ مساعد في قسم الطب النفسي في كلية الطب البشري التابعة لجامعة "جورج واشنطن" (George Washington University)، يركز "لاكشمين" على الفئة الأكثر تلقِّياً للنصائح المتعلقة برعاية الذات ألا وهي الأمهات الجدد.

تتمثل الصورة التي رُوِّجَت لنا حول رعاية الذات في التطبيقات التي تساعد على ممارسة التأمل والتحفيز، وبالنسبة إلى الأمهات على وجه التحديد، واللاتي يعتمدن على استخدام التطبيقات الإلكترونية، أو ممارسة التمرينات الرياضية خارج المنزل لرعاية ذواتهن، يشعرن دائماً بأنَّه في حال إحساسهن بالإرهاق الشديد، فإنَّ عليهن تجاهل ذلك وعدم رعاية أنفسهن؛ مما يؤدي إلى شعورهن بمزيد من الإرهاق وتأنيب الضمير، يقول "لاكشمين": "أرى المزيد من الأمهات اللاتي يعشن تحت ضغط هائل ليس فقط لتلبية ما هو متوقَّع منهن كأمهات؛ بل أيضاً لمقابلة الالتزامات المترتبة على رعاية الذات التي ترتبط بتعزيز الأداء".

وقد أشارت "براكاش" وهي أم لطفلين، إلى أنَّ إحساس الأمهات بتأنيب الضمير الناجم عن شعورهن بأنَّهن لا يقمن بأداء واجباتهن كما يجب، ليس أمراً مقتصراً على الغرب فحسب؛ بل غدا منتشراً في الهند أيضاً.

تقول "براكاش": "عندما بدأتُ بممارسة الروتين اليومي لرعاية الذات، عاهدتُ نفسي ألا أشعر بالذنب لقيامي بذلك، وكنتُ على قناعة بأنَّه لا ضير بأن أستيقظ أحياناً غير راغبة في فعل شيء، وإذا كنتُ راغبةً في النوم فقط، فذلك ما سأفعله إذاً".

وقد أردفَت "براكاش": "شايوني داسغوبتا (Shayonee Dasgupta)، التي أتابعها على تطبيق "تويتر"، لما تقدِّمه من إرشادات قيِّمة للتعامل مع التحديات التي تهدد الصحة النفسية، أخبرَتني أنَّ الضغط الذي يولِّده الالتزام بأداء ممارسات رعاية الذات يجعلها تشعر بالإرهاق أحياناً، وأكَّدَت على إمكان أن تؤدي رعاية الذات التي ترتبط بتعزيز الأداء إلى الإرهاق الذي بدوره يقود إلى عدم القدرة على الاستمرار في رعاية الذات".

إقرأ أيضاً: 23 فكرة رعاية ذاتية تعيد للنساء طاقتهن

4. العناية بالذات هي سلاح ضد المحرومين:

بالنسبة إلى الشاعرة الأمريكية والناشطة في مجال الحقوق المدنية "أودري لورد" (Audre Lorde) فإنَّ رعاية ذاتها لم تكن بالأمر السهل؛ إذ تشرح "أودري" بأنَّ الحفاظ على ذاتها كان بمنزلة شكل من أشكال الحرب؛ بمعنىً آخر، فإنَّ رعاية الذات لم تكن مجرد شكل آخر من أشكال العلاج بالتسوق.

إذا كنتَ تعاني من مرض نفسي، فإنَّ الحفاظ على ذاتك في إمكانه أن يكون بمنزلة فعل ثوري للتخلص مما تعانيه دون الاعتماد على الأطباء النفسيين، وهو أمر من المفترض أن يلائم الجميع، إلا أنَّ ثورة رعاية الذات تبدو وكأنَّها لا تسير على النحو المنشود.

أوضح المنظِّر البريطاني "مارك فيشر" (Mark Fisher)، الذي أقدم على إنهاء حياته بعد صراعٍ طويل مع الاكتئاب، بأنَّ سلْبَ الأفراد القدرة على رعاية الذات هو نتيجةٌ منطقية للرأسمالية، والتي أدت إلى تحميل الفرد كامل العبء المترتب على تحقيق عافيته، ألَم تمنحك السوق الحرة القدرة على الحصول على أي شيء في أي وقت كان؟ لذا إن كنتَ غير قادر على الشعور بتحسُّن، فلا بُدَّ أن تكون المشكلة بك.

وقد أوضح "فيشر" أنَّ الأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية، يُحطَّمون تحت أوزار النظام الرأسمالي، ولوقت طويل جداً كان الحديث حول مسببات الإصابة بالاكتئاب يركز تركيزاً مبالغاً فيه على انخفاض معدلات إفراز هرمون السيروتونين في دماغ الشخص المريض، ولا يتطرق إلى الحديث عن المسببات الاجتماعية لعدم الشعور بالسعادة، ومنها التنافسية الفردية وعدم المساواة بين الأفراد.

وقد كتب "فيشر": "من الطبيعي أن يكون وصف دواء كعلاج للاكتئاب أسهل بكثير من إحداث تغيير جذري في كيفية تنظيم المجتمع، واليوم هناك العديد من رواد الأعمال الذين يحاولون القيام بما يجلب السعادة للأفراد من خلال بضع خطوات بسيطة"، ولن يشعر بمخاطر هذا التأطير سوى من هم غير قادرين على شراء المنتجات التي تساعدهم على رعاية ذاتهم.

لا تزال البلدان ذات الدخل المنخفض متخلِّفةً عن الركب العالمي، لا سيَّما فيما يتعلق بالإنفاق على الصحة العامة، وذلك وفق ما أكَّدَته منظمة الصحة العالمية، ففي الهند بلغ الإنفاق على الدفاع الحكومي خمسة أضعاف الإنفاق الصحي، في حين يمثل الإنفاق على رعاية الصحة النفسية أقل من 1% من ذلك، وهي نسبة سيئة للغاية مقارنةً بالعدد الهائل من السكان الذين يحتاجون إلى رعاية.

يمكِن للمؤسسات في جميع أنحاء العالم أن تتعلم من تجربة نيوزيلندا؛ حيث أعلنَت رئيسة الوزراء "جاسيندا أرديرن" (Jacinda Ardern) عن حملة لم يسبق أن كان لها مثيل للتعامل مع الأمراض النفسية والعنف الأسري وفقر الأطفال.

بالنتيجة، تحتاج الذات إلى ما هو أكثر من كتيِّبات وإرشادات حول كيفية رعايتها رعايةً تجعلك تشعر بأنَّك تتولى زمام الأمور؛ إذ تقول "ميتال": "حتى عندما تنصح أحدهم بفعل أمر بسيط كتناول الطعام المفيد للصحة، فإنَّ هناك مجموعة معقَّدة من المهام والأنشطة الكامنة وراء تلك الكلمات، ويجب أن تكون أساليب رعاية الذات ملكاً للذات نفسها، ولكن قبل ذلك، عليك تمكين ذاتك".

المصدر: 1




مقالات مرتبطة