قواعد سايكولوجية في تربية الطفل سيتفاجأ الأهل بوجودها

إنَّ تربية الطفل هي من أكثر العمليات تعقيداً، وتحتاج إلى فهم معمق من الأهل للطبيعة الخاصة الموجودة لدى طفلهم. سنقدم لكم في هذا المقال أهم القواعد السايكولوجية التي لا يتبعها معظم الأهل في تربية أطفالهم.



تهديد الطفل أسوأ من ضربه:

عندما يهدد الأهل طفلهم، فإنَّهم يجعلون ذهنه في حالة تخيُّل لأبشع وأخطر حالات الخوف والرعب والألم، وقد تكون أشد تأثيراً وأقوى مفعولاً من الحقيقة ومن تطبيقها في الواقع؛ وذلك لأنَّ دماغ الطفل بيئة خصبة جداً للخوف والخيالات المخيفة؛ وهذا يجعله في حالة دائمة من التوجس والخوف؛ وهذا يؤدي إلى انكماش الأنا في داخله، وضعفها في المستقبل.

على الرغم من أنَّ الطفل في المستقبل سيعلم أنَّ كل هذا الخوف والهلع والألم المبالغ فيه ليس موجوداً إلَّا في خيالاته، ولكنَّ هذا يحدث بعد فوات الأوان؛ إذ تكون هذه الأمور السلبية قد تمكنت منه وتركت آثارها السلبية الدائمة، ومن ثم أثرت سلباً في نموه وتطوره.

علاقة الأم بطفلها وتأخر النطق:

كثيراً ما يأتي الأهل إلى العيادات النفسية وهم يحملون طفلهم الذي يعاني من تأخر في النطق، وبعد استبعاد الأمراض التي قد تسبب تأخر النطق مثل التوحد والتخلف العقلي، فإنَّ المشكلة تكون غالباً بسبب علاقات أسرية غير طبيعية؛ وخاصةً الأم، والتي من الممكن أن يكون حضورها في البيت ناقصاً أو معدوماً، أو من الممكن أن يكون دورها مفرط الحماية ويخنق الطفل؛ إذ لا تسمح له بالتعبير عن نفسه، وتُحضِّر له كل شيء دون أن تتركه يجرب.

عقاب الطفل راحة للأهل، وعقدة للطفل:

إنَّ عقاب الطفل قد يؤدي إلى تفادي أو منع تصرفاته المزعجة أو المؤذية أو المسيئة، ولكنَّه في حقيقة الأمر لا يفيد؛ وذلك لأنَّه لا يُعدِّل السلوك السلبي بشكل بنَّاء؛ وإنَّما يكبت هذا السلوك؛ بل ويعرقل نمو الأطفال وتطورهم.

إنَّ العقاب في حقيقة الأمر يشذب الخلايا العصبية بشكل زائد عن الحد، ومن ثم يقلل من المرونة الذهنية أو العقلية لدى الطفل، ويقلل أيضاً من تنوع ردات الفعل التي من الممكن حدوثها أو تعلُّمها عند الطفل.

إذ إنَّ العقوبة تجعل الطفل غارقاً في مستنقع مخيف من المشاعر المتناقضة من ناحية الأب والأم؛ حيث تنتابهم مشاعر الحب والخوف والكره والعدائية تجاه الشخص نفسه؛ وهذا يسبب إرباكاً كبيراً في الحالة العامة للطفل.

شاهد بالفديو: 8 تصرفات تشير إلى أنَّنا نسيء تربية أطفالنا دون أن نعلم

كبح الغضب عند الطفل، إنسان مسلوب المهارات والقدرات:

إنَّ ما يحتاج إليه الأطفال في نهج التربية السليمة لزرع روح القانون في نفسه وتطوير إمكاناته وتحقيق أفضل أداء يمكن الوصول إليه، هو حب مطلق دون أي شرط، مع مناقشته وفق حوار عقلاني منطقي، بدلاً من ممارسة ضغط عاطفي تجاهه.

يُعَدُّ الغضب لوناً أساسياً من ألوان المشاعر والأحاسيس، والتي تشكل منفساً من منافس الحياة النفسية الصحية؛ فلا يمكن إلغاء الغضب أو الاستغناء عنه؛ إذ إنَّه مثل اللون الأزرق فهو يؤثر في الألوان الأخرى، وقد يؤدي إلى إلغاء بعضها، فالعديد من السلوكات الناضجة فيها لمسة مشذبة من الغضب مثل المهارات الدفاعية والتفاوضية والتوكيدية والشخصية القوية ورد الاستهزاء أو الإساءة.

انطلاقاً من هذه الفكرة، من غير الممكن قمع غضب الطفل أو رفضه أو كبته بتطبيق غضب أكبر منه؛ بل من الأفضل احترام هذه المشاعر وفَهم وظيفتها وسببها، سواءً كانت تعبيراً عن إحباط الطفل أم أنَّها عبارة عن طاقة يمكن إعادة صياغتها من أجل صناعة سلوك توكيدي.

إنَّ الاستمرار في كبت غضب الطفل والثناء عليه عندما يكبح غضبه، وعدم النظر إليه كونه نموذجاً سلوكياً يتطور مع الوقت ليصبح نموذجاً سلوكياً ناضجاً، قد ينتج عن في المستقبل إنساناً محبطاً وصاحب طبع عدائي تجاه ذاته وتجاه الآخرين، وقد تسير الأمور على عكس ذلك؛ حيث ينتج في المستقبل إنساناً خانعاً ومستسلماً؛ وذلك لأنَّه فقد الكثير من القدرات والمهارات التي يدخل الغضب في تكوينها وتطويرها.

الحب المشروط، طفل متردد ومرتبك:

إنَّ حب الأهل المشروط لولدهم الصغير يضعه في موقف مربك، فهو مضطر إلى الاختيار بين أشياء صعبة ومقلقة؛ فيشعر بأنَّه في حالة من الخطر والإرباك التي تهدد امتلاكه لأقصى ما يريده؛ ألا وهو تحقيق حب والديه في حال لم ينجح في تلبية رغباتهم أو تحقيق شروطهم؛ إذ إنَّ هذه الرغبات لا تتناسب مع المستوى النفسي والعقلي والفيزيولوجي للطفل.

عندما يفشل الطفل في تحقيق مطالب ورغبات أهله، يقع في حالة من الإحباط، بالإضافة إلى خوفه الشديد من أن يفقد حبهم واهتمامهم بسبب فشله، وكل هذه الأمور تشكل عقبة حقيقية في طريق تطور شخصيته وتحقيق ذاته، وتجعله هشاً لا يملك القوة على مجابهة رياح الحياة العاتية.

قد يظهر الطفل العنيد أو العصبي أو العدائي بهيئة لا تدل على أنَّه يكترث بالمشاعر، ولكنَّ هذا لا يعني في حقيقة الأمر أنَّه لا يريد مشاعر الحب أو لا يتوق لها؛ بل على العكس تماماً؛ إذ إنَّه في أمس الحاجة إلى الحنان والعطف.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح لتقوي شخصيّة طفلك وتُنميها

محاولة السيطرة على الطفل العنيد، يزيد الطين بلة:

إنَّ تربية الأب لطفله تتركز في جانبين أساسيين؛ الجانب الأول هو الحنان والحب والمودة، أمَّا الجانب الثاني هو إحكام الضبط والسيطرة، وبحسب انضباط الطفل والتزامه بالسلوكات الجيدة التي يمليها عليه الأهل، فإنَّهم يميلون إلى جانب على حساب الآخر.

فعندما يكون الطفل باراً ومطيعاً، فإنَّ الأهل يغدقون عليه مشاعر الحب والمودة والعطف، أما في حال كان الطفل صاحب إرادة قوية مستقلة مختلفة عن والديه، وهو ما يسميه الناس بالطفل العنيد، فإنَّ التربية تكون حينها مرتكزة في جانب السيطرة، وقد تصل إلى درجة الأوامر المتشددة أو التهديد بالعقاب أو التوبيخ.

إذ يختفي جانب المودة ونجد الأهل يكثرون من الكلام المؤذي؛ وهذا يجعل الطفل يشعر بالرفض وبأنَّه لم يَعُد محبوباً، وهذا يدفعه إلى أن يصبح أكثر استعمالاً للعنف والقوة، وأكثر إصراراً على عناده؛ فإنَّه وبهذه الطريقة يحاول تعويض مكانته.

إنَّ التعامل مع سلوكات الطفل العنيدة أو العصبية أو حتى العنيفة، يكون من خلال أن نُجريَ توازناً بين الجانبين؛ أي يجب أن يكون هناك حب وسيطرة بالمقدار نفسه تقريباً، ويجب علينا أيضاً أن ننوه إلى فكرة جوهرية ألا وهي أنَّ تقديم الحب والمودة للطفل العنيد أو العدواني لا يزيد من عناده أو عنفه أو تمرده؛ بل على العكس يقلل من هذه السلوكات السيئة، ولو أبدى الطفل لامبالاته حيال مشاعر أهله، إلَّا أنَّه في حقيقة الأمر في حاجة ماسة إلى هذه المشاعر.

إذ إنَّ هذا التوفيق بين المودة والسيطرة هو موضوع صعب وشائك في أغلب الحالات، ولكنَّه وبكل تأكيد أسهل بكثير من المتاعب الدائمة التي يسببها الطفل جراء عصبيته أو عناده أو عنفه.

سوء التعلق، انخفاض في الذات والأنا:

إنَّ الطفل الذي يعاني من سوء التعلُّق بأبيه أو أمه، ستكون لديه مشكلات في تكوين شخصية متماسكة في المستقبل؛ إذ إنَّ التعلق السيئ أو الضعيف بأبيه أو أمه، يجعل عملية بناء الطفل لعلاقة متماسكة أو صحية مع مكوناته الذاتية والداخلية أمراً صعباً، وقد يكون انشغال الأب أو الأم في مشكلات الحياة اليومية عائقاً أمام الاهتمام بتفاصيل نمو وتطور الطفل.

ومن ثم فإنَّ الطفل لن يستطيع رؤية نفسه على أنَّه كائن مميز، وتتشكل لديه معرفة سطحية حيال تطور الذات في داخله، فعلى سبيل المثال: لم يسألهم أحد حيال علاماتهم في الاختبارات المدرسية أو حياتهم الشخصية أو علاقاتهم مع أصدقائهم، ومن ثم لم تكن لديهم سوى فرصٌ قليلة من أجل إنشاء قصص أو التكلم بحديث يبدأ بكلمة أنا.

لذا فإنَّ تجارب التعلق الصحية والسليمة هي حجر الأساس في الإحساس بالذات والبيئة الخارجية المحيطة، وعلى المقلب الآخر، فإنَّ تجارب التعلق السيئة، تعني وجود القليل من الذات المتفردة والقليل من الأنا التي يُنشئ الطفل أيَّة قصة عنها.

الطاعة الكاملة تعني طفلاً اعتمادياً، وكلمة "لا" تعني طفلاً قوياً:

إذا كان الأهل يعملون على برمجة أطفالهم على طاعة أوامرهم وقول كلمة "نعم" على جميع ما يُطلَب منهم، فسيبقى أطفالهم اعتماديين على الوالدين لفترة أطول مما هو متوقع في هذه الحالة، فكلمة "لا" التي ينطقها الطفل تجاه والديه، والتي يضفي عليها الأهل طابعاً شيطانياً بامتياز، تعني أنَّ هذا الطفل يعمل على تشكيل نواة شخصيته المتفردة والمتميزة في الحياة، والتي تحمل بصمته الخاصة وليست استنساخاً عن أحد.

وعندما يقول الطفل كلمة "لا" دون وجود عواقب وخيمة، فإنَّه يسير على الدرب الصحيح من أجل بناء ذاته المستقلة، ويصبح متحملاً لمسؤولياته حيال قراراته الشخصية ومسؤولياته تجاه نفسه وحياته.

إقرأ أيضاً: سيكولوجيا الطاعة: لماذا ننفذ الأوامر؟

كلمة أخيرة:

لا يوجد ما يمكن أن يعزز ويحافظ على صحة الطفل النفسية أكثر من تعويده على اتباع نظام حياة واضح ومنظم، تكون فيه أوقات الطعام والدراسة والنوم والاستيقاظ وأداء الواجبات المدرسية وممارسة الهوايات المختلفة، كلها ضمن جدول معروف وواضح.

إذ إنَّ هذا التنظيم يؤدي دوراً هاماً في إعطاء الطفل شعوراً بأنَّه يتحكم في حياته ويسيطر على مفاصلها، بما يعزز تطوره وصحته الجسدية والعقلية والذهنية والعاطفية.




مقالات مرتبطة