جسمك مرآة نفسك: ماذا تعرف عن الاضطرابات النفسجسمية؟

جسمك مرآة نفسك، لغة فريدة تُحكى بصمت داخل أروقة جسدنا، فتنطق بكلمات لا تسمعها الآذان، وتروي قصة لا تلفت إليها الأنظار، وإشارات دقيقة ورسائل خفية تخبر عما يجول في داخلك، وأفكارك، وعواطفك، ومشاعرك، وتحدد في كثير من الأحيان حالة جسمك الصحية، فالعقل والجسم يشكلان نسيجاً مترابطاً، فتُتَرجَم الاضطرابات النفسية إلى أمراض جسدية تؤثر في صحتنا عامة.



يعكس الجسم حالة العقل، والتوازن النفسي يُظهِره توازن الجسم وصحته، وفي هذا المقال، سنغوص في عالم الاضطرابات النفس الجسدية لنكتشف كيف تتداخل هذه الجوانب مع بعضها، وكيف يمكن لفهم هذه التداخلات أن يلقي الضوء على الطرائق التي نعتني بها بصحتنا العامة، وكيف يمكن لتحسين الحالة النفسية أن يكون مفتاحاً للوقاية من الأمراض الجسدية وتعزيز العافية.

من هو المريض النفسجسمي؟

يمثل المريض النفسجسمي شخصاً يعاني من اضطرابات نفسية تتحول إلى مشكلات صحية عضوية؛ إذ يتداخل التأثير النفسي مع وظائف الجهاز العصبي الذاتي، ويتمحور هذا التفاعل تمحوراً أساسياً حول العلاقة الوثيقة بين الجسم والعقل؛ إذ يُعَدُّ الدماغ المحور الرئيس الذي يدير كافة الإشارات التنظيمية للجسم، وفي هذا العضو، تتم معالجة جميع العمليات العقلية من أفكار وعواطف وخطط وذكريات، وهذا يؤثر تأثيراً مباشراً في حالة الصحة العامة للفرد.

تشير الأمراض النفسجسمية إلى تلك الحالات الصحية التي تعبِّر عن التفاعل المعقد بين العوامل النفسية والجسدية، فيؤدي التوتر النفسي أو الضغوطات النفسية إلى تأثير سلبي في الصحة الجسدية، وعلى الجانب الآخر، قد يؤدي المرض الجسدي إلى آثار نفسية ملحوظة.

أسباب الأمراض النفسجسمية:

  1. قد تؤدي الضغوطات النفسية الشديدة والتوتر المستمر إلى تفاعلات جسدية، مثل زيادة مستويات الكورتيزول والتوتر العصبي المفرط الذي بدوره يؤثر في الجهاز المناعي والوظائف الجسدية الأخرى.
  2. يسبب القلق، والاكتئاب، والحزن، والضغوطات النفسية الأخرى تغييرات في الهرمونات ونقل الإشارات العصبية، وهذا يؤدي إلى ظهور أمراض جسدية.
  3. تتسبب الضغوطات في العمل، والصراعات العائلية، وظروف الحياة الصعبة في تطوير الأمراض النفسجسمية.

أعراض الإصابة بالأمراض النفسجسمية (النفسية – الجسمية):

  1. ألم جسدي مزمن، يكون الألم الجسدي الذي لا يمكن تفسيره بأسباب طبية واضحة وراءه من أهم أعراض الإصابة بهذه الأمراض.
  2. اضطرابات الجهاز الهضمي، مثل القولون العصبي والتهابات المعدة والأمعاء الوظيفية، التي يُعتقَد في الغالب أنَّها ناتجة عن التوتر النفسي.
  3. الصداع النصفي والصداع الناتج عن التوتر، قد تؤدي الضغوطات النفسية إلى تفاقم الصداع النصفي أو الصداع الناتج عن التوتر.
  4. اضطرابات النوم، مثل الأرق أو النوم المتقطع أو الشعور بعدم الراحة عند الاستيقاظ.
  5. تغيرات في الوزن، قد تحدث تغييرات في الوزن سواء زيادة أم نقص في الوزن.
  6. تغيرات في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
  7. تشنجات العضلات والآلام الجسدية العامة.
  8. الشعور بالإجهاد النفسي.

أمراض عضوية منشؤها نفسي:

أولاً: أمراض الجهاز الهضمي

1. قرحة المعدة:

قرحة المعدة هي تلف أو جرح في بطانة المعدة أو في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة، وتحدث هذه القرحة عندما تتضرر طبقة الغشاء المخاطي التي تحمي الجدار الداخلي للمعدة نتيجة زيادة إفرازات الأحماض الهاضمة والإنزيمات الهضمية التي تنتجها المعدة.

تشمل الإصابة بقرحة المعدة بعض الأسباب، ومنها:

  • أسباب نفسية، التوتر والإجهاد والإحباط والفشل والوقوع في الشدائد النفسية مثل فقدان شخص عزيز، إضافة إلى حالات الصراع التي يقع فيها الإنسان سواء في العمل أم المنزل وتنتج عنها ضغوطات نفسية مختلفة.
  • الإصابة بعدوى بكتيريا الهيليكوباكتر بيلوري، تصيب بكتيريا الهيليكوباكتر بيلوري بطانة المعدة وتؤدي إلى تهيجها وتضررها.
  • استخدام الأدوية، قد تزيد بعض الأدوية مثل الأسبرين والعقاقير المضادة للالتهابات من خطر الإصابة بقرحة المعدة عند استخدامها لفترات طويلة أو بجرعات عالية.

2. اضطرابات الإخراج:

تتمثل في الإسهال المزمن، والتهاب الغشاء المخاطي، والإمساك، والتبول اللاإرادي.

  • قد يؤثر الضغط النفسي في وظائف الجهاز الهضمي ويؤدي إلى زيادة في حركة الأمعاء، ومن ثمَّ الإسهال المستمر أو حالة عكسية، فقد يؤدي إلى تقلصات في الأمعاء ويجعل عملية الهضم أقل فاعلية، وهذا يسبب صعوبة في الإخراج والإمساك المستمر.
  • التوتر النفسي الشديد أحد العوامل المساهمة في حدوث التبول اللاإرادي عند بعض الأشخاص، فقد يؤثر التوتر في عضلات المثانة، ويزيد من التقلصات غير المنتظمة، إضافة إلى ذلك، قد يحدث التهاب في غشاء الأمعاء نتيجة للضغوطات النفسية والتوتر الشديد، وهذا يسبب مشكلات هضمية والتهابات متكررة في الغشاء المخاطي.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

3. فقدان الشهية:

فقدان الشهية هو حالة تتميز بانخفاض الرغبة في تناول الطعام، ويكون فقدان الشهية مؤقتاً أو مزمناً، وقد يكون مرتبطاً بأمراض أو حالات صحية معينة، لكن في الغالب أسبابه نفسية مثل الاكتئاب والقلق الشديد والإجهاد النفسي الكبير.

4. قرحة القولون:

قرحة القولون هي حالة تظهر عادةً في الأمعاء الغليظة (القولون)، فتتكون جروح أو تقرحات في جدار القولون، وتُعَدُّ جزءاً من مجموعة اضطرابات تُعرَف باسم مرض التهاب الأمعاء الالتهابي، وتتعدد أسباب الإصابة بقرحة القولون، لكن غالباً أسبابها نفسية.

5. السمنة المفرطة:

فرط السمنة هو حالة يصاب فيها الشخص بزيادة كبيرة في الوزن، فيتجاوز الوزن الزائد الحدود الصحية المألوفة، وهذا يؤدي إلى تراكم الدهون بشكل غير طبيعي في الجسم، ويتم قياس فرط السمنة عادةً باستخدام مقياس يسمى "مؤشر كتلة الجسم" (BMI)؛ وهو قسمة الوزن على مربع الطول، ويستثنى من ذلك الحوامل والأطفال دون سن 19، وفي الغالب تنتج السمنة عن أسباب نفسية؛ إذ يلجأ الفرد إلى التنفيس عن مشاعره في تناول الطعام.

ثانياً: أمراض القلب

1. زيادة احتمال الإصابة باحتشاء عضلة القلب وزيادة احتمال الإصابة بمرض القلب التاجي

قد تؤثر الأسباب النفسية في القلب بطرائق متعددة، مثل زيادة مستويات التوتر والقلق المستمر، وتغييرات في نمط الحياة مثل الأكل غير الصحي والتدخين، والتأثير المباشر في الجهاز القلبي، وهذا قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب مثل احتشاء عضلة القلب ومرض القلب التاجي.

2. عصاب القلب:

عصاب القلب مصطلح يشير إلى تجلِّي أعراض قلبية ذات أسباب نفسية، مثل الخفقان وعدم انتظام دقات القلب، وصعوبة التنفس، والألم المزمن، وعند التشخيص، يسعى الطبيب إلى التفريق بين هذه الأعراض وأمراض القلب العضوية المحتملة.

3. لغط ضربات القلب:

يمثل اللغط القلبي رد فعل الجسم للضغوطات النفسية، فقد ينصب تركيز الأفراد المتعرضين للضغوطات على اتساع الخلل في نبضات قلوبهم، وتُقوَّى هذه الحالة خلال المواقف الحرجة والانفعالات المفاجئة مثل الخوف، والغيرة، والصدمات العاطفية، فيزداد إفراز هرمون الأدرينالين بوصفه مؤشراً على مستويات القلق والاضطرابات.

إقرأ أيضاً: الاضطرابات النفسية حسب تصنيف الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين

ثالثاً: أمراض الجهاز التنفسي

الربو الشعبي:

بحسب الدراسات الطبية يعاني 30% من مصابي الربو من اضطراب القلق؛ والربو الشعبي هو حالة مزمنة تصيب الجهاز التنفسي وتؤثر في الشعب الهوائية في الرئتين، ويتسبب الربو الشعبي في تضيُّق مؤقت للشعب الهوائية بسبب تحفيزات خارجية معينة.

عندما يُصاب الشخص بالربو الشعبي تتورَّم جدران الشعب الهوائية وتزيد من إفراز المخاط، وتتقلص عضلات الشعب الهوائية، وهذا يؤدي إلى اضطراب في تدفق الهواء وصعوبة في التنفس، وتشمل الأعراض الشائعة صعوبة التنفس، والشهيق، والسعال الجاف أو السعال المصحوب بإفرازات مخاطية.

رابعاً: الأمراض الجلدية

1. البثور الجلدية:

قد يؤدي الضغط النفسي دوراً في زيادة اندفاعات حب الشباب.

2. فرط التعرُّق:

قد يسهم التوتر النفسي والقلق في زيادة التعرق الشديد.

3. الحكة العصبية:

حالة من الحكة الشديدة التي قد تزداد بسبب العوامل النفسية.

4. الإكزيما:

يُعتقَد أنَّ التوتر والقلق قد يزيدان من اندفاعات الإكزيما ويساهمان في تفاقم الأعراض.

5. الصدفية:

قد تزداد حدة الصدفية بسبب التوتر والضغوطات النفسية.

6. الارتكاريا:

هي حالة جلدية تتميز بظهور طفح جلدي مؤلم وملتهب، فتظهر بقع حمراء مرتفعة على الجلد وتكون مصحوبة بحكة شديدة.

7. تساقط الشعر.

شاهد بالفديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك

خامساً: أمراض الغدد

1. اضطرابات الغدة الدرقية:

قد يؤثر الإجهاد والضغوطات النفسية في وظيفة الغدة الدرقية، وهذا يؤدي إلى زيادة أو نقص في إفراز الهرمونات الدرقية.

2. اضطرابات الغدة النخامية:

قد تكون الضغوطات النفسية عاملاً مساهماً في بعض الحالات المرتبطة بالغدة النخامية، مثل فرط إفراز هرمون النمو أو انخفاضه.

3. اضطرابات الغدة الكظرية:

تتسبب العوامل النفسية في فرط إفراز الكورتيزول أو نقصه.

سادساً: أمراض الجهاز العضلي والحركي

مرض اللومباكو:

حالة صحية تتسم بالآلام في منطقة الظهر السفلية ومجموعة متنوعة من الشكاوى، بدءاً من المشكلات الغضروفية والعضلية إلى التشنجات العضلية والآلام المصاحبة للعصب الوركي.

علاج الأمراض النفسجسمية:

أولاً: العلاج النفسي

1. العلاج السلوكي المعرفي:

يركز على فهم كيفية تأثير الأفكار والمشاعر والسلوكات في بعضها بعضاً؛ إذ يساعد المعالج على تغيير الأنماط السلبية والأفكار السلبية المولِّدة للتوتر والضغط النفسي، والعمل على تحسين التعامل مع المواقف الصعبة التي يواجهها الفرد.

2. العلاج السلوكي:

يركز على تغيير السلوكات غير الصحية أو الضارة من خلال استخدام تقنيات مثل التدريب على التحكم بالتوتر.

3. العلاج الجماعي:

يتضمن مشاركة المريض في جلسات مع مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات مماثلة، ويساعد هذا النوع من العلاج على دعم المريض وتبادل التجارب والاستفادة من دعم المجموعة.

ثانياً: العلاج الدوائي

يتضمن العلاج الدوائي استخدام الأدوية لتخفيف الأعراض النفسية والجسمية للأمراض النفسجسمية، وتشمل الأدوية المضادة للاكتئاب، ومثبطات القلق، والمهدئات، وأحياناً الأدوية المخففة للألم،

تُستخدَم هذه الأدوية للتحكم في التوتر، والقلق، والاكتئاب، وتقليل الأعراض الجسمية المرتبطة بالحالة النفسجسمية، كما يجب استخدام الأدوية بتوجيه من الطبيب المختص وبمراقبة دورية للتأكد من فاعليتها ومراقبة أي آثار جانبية محتملة.

ثالثاً: إحداث التغيرات في نمط الحياة

تشمل التركيز على العوامل الصحية والنفسية التي تؤثر في الحالة النفسجسمية، مثل التمرينات الرياضية المنتظمة، والتقنيات للتحكُّم في التوتر مثل اليوغا والتأمل، والحصول على نوم كافٍ، وإدارة الضغوطات المؤثرة في النوم، واتباع نظام غذائي متوازن وصحي، والحصول على الدعم الاجتماعي من العائلة والأصدقاء أو الانضمام إلى مجموعات الدعم.

رابعاً: العلاج المتكامل

يجمع هذا النوع من العلاج بين العلاجات الطبية والبدنية والنفسية لمعالجة الجسم والعقل بوصفهما كياناً واحداً.

إقرأ أيضاً: علامات حمراء في الصحة النفسية

في الختام:

من خلال النظر إلى الأمراض النفسجسمية، ندرك أنَّ جسمنا يعكس لنا حالتنا النفسية والعقلية، فإنَّ فهم العوامل التي ترتبط بصحتنا النفسية والجسدية يُمهِّد الطريق للعناية بصحتنا بشكل أفضل، فعندما نبدأ بالاهتمام بالعلاقة بين عقولنا وأجسامنا، نبدأ رحلة الشفاء والتوازن؛ لذا دعونا نكون أكثر وعياً ورعايةً لأنفسنا، ونفهم أنَّ جسمنا يتحدث معنا بطرائق لا تُفهَم دائماً بالكلمات، ولكنَّه يشير إلينا بما يحتاج إلى العناية في عوالمنا الداخلية والخارجية.




مقالات مرتبطة