تنمية المجتمع المحلي

تنمية المجتمع المحلي مصطلح حديث العهد، ظهر بعد الحرب العالمية الثانية وبدأ بالانتشار رويداً رويداً حتى غدا من أهم الظواهر التي أصبحت تميز عالمنا الحديث ولا سيما في دول العالم الثالث أو البلدان النامية كما تعُرف، وتحظى التنمية باهتمام كبير من قِبل الدول سعياً منها إلى إحداث التأثير الإيجابي في شعوبها من خلال استثمار كافة الموارد والإمكانات المتاحة في المجتمع، إضافة إلى استثمار قدرات وطاقات أفراده استثماراً فعالاً لإحداث ذلك التأثير وتحقيق التغيير المنشود وإحراز التقدم والرقي والرفاهية للمجتمع المحلي.



المجتمع المحلي هنا لا يمثل وحدات منفصلة يمكن تنمية جانب منها وإهمال الآخر؛ بل هو وحدة مكونة من نسيج أكبر وأشمل هو المجتمع ككل؛ لذا عند التفكير في تنمية المجتمع المحلي توجد مجموعة من النقاط التي لا بد أن تؤخذ بالحسبان، أهمها التعرف إلى الأوضاع الجغرافية والبيئية التي تميز هذا المجتمع عن غيره، وكذلك ينبغي معرفة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسكانية التي تشتمل على البعد الإنساني وعلاقات الإنسان الاجتماعية التي تؤدي إلى معرفة طبيعة الجماعات والبناء الطبقي الموجود في المجتمع.

في الحقيقة تمثِّل تنمية المجتمع المحلي حجر الزاوية الذي تنطلق منه كافة أنواع التنمية الأخرى، فهي التي ترتقي بمستوى معيشة المواطن ليستطيع المشاركة في أنواع التنمية الأخرى، ويسهم بذلك في بناء وتطوير المجتمع الذي ينتمي إليه ويمثل جزءاً أساسياً منه.

ما هو المقصود بتنمية المجتمع المحلي؟

تنمية المجتمع المحلي هي عملية تغيير حضاري يُقصد بها تحسين الأحوال المعيشية للسكان المحليين والمجتمع عامة، والارتقاء به اجتماعياً واقتصادياً وتكنولوجياً؛ وذلك من خلال العمل المخطط لتحقيق الأهداف المنشودة، فالتنمية عملية قصدية وتدخُّل خارجي إرادي تنطوي على النمو والارتقاء، فهي استراتيجية لاستثمار وزيادة قدرات أفراد المجتمع من خلال مشاركتهم في مراحل العمل المختلفة.

غالباً ما ترى المجتمعات المختلفة أنَّ موضوع التنمية هو من اختصاصات الأنظمة الحاكمة ووظيفة أساسية من وظائف الحكومات فيها؛ إذ تلجأ الكثير من هذه الدول إلى إنشاء وزارة خاصة معنية بالتنمية، وعلى كل حال هذا ليس بالخطأ، لكن يجب معرفة أنَّ دور الحكومة هو جزء من الأدوار التي تؤدي دوراً هاماً في التنمية، فتوجد أيضاً المؤسسات الخاصة والهيئات الفنية وسكان المجتمع المحليين وغيرهم؛ بمعنى توجد أجهزة رسمية وأجهزة غير رسمية تشتركان في عملية التنمية المحلية.

إذاً يمكن التوصل إلى القول إنَّ تنمية المجتمع المحلي هي العملية المصممة لإنشاء الظروف الخاصة بتحقيق التقدم في المجتمع عن طريق إشراك السكان الفعال، وما يميز هذه العملية أنَّها تهتم بكافة الناس واحتياجاتهم على الرغم من أنَّها لا تتطلب مشاركة الجميع في التنمية، كما أنَّها تقوم على فلسفة المشاركة وتقبُّل المساعدات من جهات متعددة أهمها برامج الأمم المتحدة، وتتناول تخصصات مختلفة لإتاحة خدمات متنوعة في المجتمع، وتركز على تحقيق الأهداف المادية والمعنوية والتغيرات الفكرية والوجدانية التي تحدث لدى الناس.

كما أنَّها عامة وليست حكراً على مجتمع دون آخر أو نوع محدد من أنواع المجتمعات (الحضرية، الريفية، الصحراوية، المستحدثة)، والأهم من كل ذلك هو أنَّ التنمية ليست قراراً فردياً؛ بل هي قرار يُتخذ بالإجماع، وفي تقرير الأمم المتحدة الإنمائي الذي حمل عنوان "الأهداف التنموية للألفية في البلدان العربية 2015" حدد أهدافاً رئيسة للتنمية هي:

  • القضاء على الفقر والجوع.
  • تحقيق التعليم الابتدائي الشامل.
  • خفض نسبة وفيات الأطفال للأسباب غير الطبيعية.
  • تحسين الصحة الإنجابية لدى النساء.
  • مكافحة انتشار مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
  • ضمان الاستدامة البيئية.
  • تطوير شراكة عالمية للتنمية.
إقرأ أيضاً: بالصور: أكبر 10 مدن في العالم من حيث عدد السكان

مجالات التنمية المحلية:

1. التنمية البشرية:

هي التي تستهدف الإنسان استهدافاً مباشراً، وتعمل جاهدة لإحداث تحول جذري في حياة الإنسان ضمن المجتمع، ومواجهة التحديات المختلفة التي يتعرض لها، ومحاولة وقايته منها ودرء خطرها عنه، ففي أفضل تعريف لها منذ بداية الاهتمام بها بشكل كبير في بداية عام 1990 هو التعريف الوارد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهو "التنمية البشرية عملية تهدف إلى زيادة القدرات المتاحة أمام الإنسان".

تركز التنمية البشرية على مجموعة من النواحي، منها توفير المسكن الملائم للإنسان، ودعم المدن السكنية بالخدمات المختلفة كالصحة والمياه، وتفعيل دور المراكز الثقافية والأماكن الترفيهية، والأهم تقديم عناية خاصة بمجال تربية الإنسان وتعليمه.

2. التنمية القومية:

هي التنمية التي تقوم على تعريف الإنسان بالتحديات التي تحدق به.

3. التنمية الاقتصادية:

تعتمد الخطط التنموية في الغالب على الجانب الاقتصادي، والتنمية الاقتصادية هي عملية تحسين نوعي ودائم للاقتصاد؛ وذلك عن طريق استنباط أساليب جديدة في الإنتاج والرفع من الإنتاج من خلال التوظيف الكامل للطاقات البشرية وبناء تنظيمات اقتصادية أفضل وزيادة رأس المال المتراكم عبر الزمن، كما توجد مجموعة من المؤشرات ضمن المجتمع يمكن من خلالها الاستدلال على مدى التنمية الموجودة فيه، مثل معدل التقدم في خفض نسبة البطالة في المجتمع وملاءمة دخل الفرد للقوة الشرائية الحالية ومعدل الزيادة في الطاقة الإنتاجية والمحافظة على الموارد لاستخدامها ضمن الخطط بعيدة الأمد.

شاهد بالفديو: 7 طرق تساعدك على التكيّف مع متغيّرات الحياة

4. التنمية الاجتماعية:

تهدف التنمية الاجتماعية إلى الوصول بالمجتمع إلى أقصى درجة ممكنة من درجات الرفاهية، وتوجد مجموعة من التوجهات التي تناولت التنمية الاجتماعية بالتفسير، منها ما يرى أنَّ التنمية الاجتماعية تتمثل في الخدمات التي تقدمها الدولة لرعاية الأفراد في المجتمع مثل خدمات الصحة والتعليم، ومن يرى أنَّ التنمية الاجتماعية تقوم على استصلاح المجتمع في كل الميادين التي تمكِّنه من القيام بدوره، ويوجد اتجاه ثالث يرى أنَّ التنمية الاجتماعية تقوم على إحداث التغيير في النسيج الاجتماعي بدءاً من البناء الاجتماعي وانتهاءً بسد الثغرات الاجتماعية وتحقيق التجانس فيه.

ما يميز التنمية الاجتماعية هنا أنَّها تعنى بالاهتمام بمختلف احتياجات الإنسان، مثل خدمات الصحة والتعليم والعدالة والتربية وضرورة وصولها إلى كافة الأفراد في المجتمع على اختلاف البقع الجغرافية التي يسكنها كل منهم (مدن، قرى، صحراء)، كما تركز على الفئات العمرية وما تقوم به كل منها، والصعوبات التي تواجهها، ووضع البرامج الخاصة بها لدعمها وتوفير احتياجاتها بالشكل الذي يزيد من إنتاجية كل فرد منهم.

5. التنمية الثقافية:

التنمية الثقافية باختصار تعني رفع المستوى الثقافي والعلمي للإنسان بحيث يكون ملماً بمختلف العلوم وينعكس انعكاساً إيجابياً على شخصيته والرقي بأسلوبه واتساع مداركه الفكرية، وتعمل التنمية الثقافية على تشجيع المفكرين والمبدعين على المشاركة في المجالات الثقافية وتدعم المحافظة على التراث بنوعيه المادي والمعنوي وتشجيع الإنتاج الثقافي الجديد وتخصيص ميزانيات خاصة بتطوير الإنتاج الثقافي.

إقرأ أيضاً: التأهيل الحضاري وإيجاد روابط مجتمعية أكثر صلابة

6. التنمية البيئية:

تمثل البيئة الوسط الذي يتشاركه الإنسان مع الكائنات الأخرى للعيش والبقاء بصورة طبيعية؛ لذا من الضروري أن يكون هذا الوسط خالياً من أي عامل من شأنه الإخلال بالتوازن الطبيعي، ومن أهم الأشياء التي تعمل التنمية الثقافية عليها هي نشر ثقافة الوعي البيئي ومكونات البيئة وكيفية الحفاظ عليها لدى كافة أبناء المجتمع وإدخال المفاهيم البيئية ضمن البرامج التعليمية والتربوية؛ لرفع الوعي لا سيما عند الفئات العمرية الصغيرة، وتوضيح علاقة الإنسان بقضايا التلوث البيئي والأدوار التي يمكن القيام بها للمحافظة على البيئة في ظل التنمية.

7. التنمية التكنولوجية:

يُقصد بالتنمية التكنولوجية التنمية التي تنتقل بالمجتمع وأفراده إلى عصر الصناعة والذكاء المعرفي، ومواكبة التطور القائم، واقتناء أهم المستحدثات التكنولوجية التي تُحدِث نقلة نوعية باتجاه تحقيق رفاهية المجتمع.

8. التنمية المستدامة:

تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات الحالية وبين الوعي بمحدودية الموارد؛ بمعنى ألا يجعلنا السعي إلى تحقيق التطور والرفاهية الحالية لأفراد المجتمع ننسى التفكير بأجيال المستقبل ومتطلباتهم؛ أي يجب أن تكون التنمية مفيدة على المستوى القريب والمتوسط للجيل الحالي ومفيدة على الأمد البعيد للجيل القادم.

إقرأ أيضاً: التكيف مع التغيير: ما أهميته؟ وكيف نطبقه؟

قواعد تنمية المجتمع المحلي:

  • يجب أن تتلاءم النشاطات مع الاحتياجات الفعلية والرئيسة لسكان المجتمع وتعمل على إشباع حاجاتهم.
  • يجب أن تتطلب التنمية الكاملة عملاً جماعياً وتتضافر جهود كافة أنواع التنمية وفي كافة المجالات.
  • يجب إيجاد اتجاهات لدى السكان تتناسب مع الأعمال التنموية الجديدة، فتغيُّر اتجاه الخطة الأولى يكون بتغير الأعمال والسلوكات الظاهرة.
  • يجب أن تتمحور جميع برامج التنمية في شتى المجالات حول ضرورة إشراك السكان فيها وزيادة فاعليتهم، إضافة إلى عَدِّ اكتشاف القادة منهم وتدريبهم هدفاً أساسياً أيضاً في تلك البرامج.
  • يجب التركيز على إشراك الشباب والنساء إشراكاً أساسياً في هذه البرامج، فمثل هذا يجعل من برامج التنمية واسعة الانتشار.
  • يجب أن تمثل الحكومات العنصر الأساسي في برامج التنمية؛ لذا يجب عليها تأمين التمويل اللازم وتقديم المساعدات اللازمة للبدء واستمرار مشاريع وبرامج التنمية المختلفة، إضافة إلى التخفيف من التعقيدات الإدارية التي يمكن أن تواجه هذه المشاريع في أثناء التنفيذ.
  • يجب التعاون مع المنظمات الأهلية والاستفادة من طاقاتها والثروات التي تمتلكها في برامج التنمية.
  • يجب التخطيط المنظم لتنفيذ برامج التنمية، فالتخطيط المنظم يؤدي إلى حسن اختيار المشروع الذي سوف يعزز الدوافع الابتكارية لدى الإنسان ويوظف القوى البشرية بالشكل الصحيح ويكون تنفيذه ممكناً وسهلاً بالنسبة إلى الجميع، كما يعمل التخطيط المنظم على تحديد الموارد والأموال التي سوف نحتاجها لتلك المشاريع.
  • يجب العمل على وضع الأسس لاستمرار حركات التنمية وتعزيز الرغبة والطموح لدى السكان المحليين للعمل على المضي في رحلة التنمية من خلال زيادة المشاريع التنموية.
إقرأ أيضاً: بناء مجتمع حضاري

في الختام:

يجب على الدول التي ترغب في تحقيق التنمية أن تعمل في البداية على إنشاء معاهد تدريبية تُصمم خصيصاً لتدريب القائمين على إعداد وتنفيذ برامج التنمية المحلية؛ وذلك بهدف صقل مهاراتهم لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه البرامج، وأخيراً التنمية المحلية تمثل كافة الجهود الواعية التي يبذلها المجتمع المحلي للتحكم بأموره بشكل ديمقراطي للحصول على الخدمات التي يحتاجها بفاعلية كبيرة؛ إذ يقوم المجتمع بتحديد حاجاته وأهدافه ويرتب أولوياته، ومن ثم ينمي الإرادة نحو العمل لتحقيقها، فيحدد الموارد الداخلية والخارجية التي سوف يحتاجها ويوظفها ضمن برامج معينة لتحقيق الاستفادة القصوى منها.




مقالات مرتبطة