البطالة مشكلة عالمية تعاني منها جميع الدول في العالم، وإن كانت درجات المعاناة مختلفةً ومتفاوتةً من بلدٍ لآخر، حسب إمكانية كلِّ بلد وموارده وقوانينه، ومقدار تفشِّي الفساد والمحسوبيات فيه؛ لذا سنسلط الضوء في هذا المقال على مفهوم البطالة، ونحاول ما أمكن معرفة أسبابها وأنواعها ودرجاتها.
معنى البطالة:
نستطيع أن نعرِّف البطالة بأبسط صورةٍ لها، أنَّها عدم وجود فرص عمل للشباب الذين دخلوا لتوِّهم سوق العمل، وبصورة أخرى، عدم قدرة سوق العمل على إيجاد أماكن شاغرة واعتمادات مالية قادرة على استيعاب أمواج الشباب الداخلة في معترك الحياة الفعلية يومياً، وأما عن معنى البطالة بشكل رياضي، فهي نسبة الشباب العاطلين عن العمل والقادرين عليه، إلى عدد الشباب الكلي الذي يقدر على العمل.
ويمكننا أيضاً القول: إنَّ انتظار الشباب لفرص عملهم وهم جالسون في منازلهم دون سعي أو جهد هو تعريفٌ آخر من تعريفات البطالة العديدة، وتتفرع البطالة تحت هذا العنوان إلى العديد من الأنواع والأقسام والأشكال، وذلك بحسب أسباب نشوئها وطرائق تموضعها، فبعضها يحدث بسبب الاختلاف الكبير بين مهارات ومكتسبات العمال وبين متطلبات الموقع الجغرافي الذي يعيشون فيه.
يؤدي عدم التوافق إلى الركود في سوق الإنتاج، ويضرُّ بالعامل المفترض وبربِّ العمل على حدٍ سواء، وهنالك نوع للبطالة هو الذي نجده في المؤسسات التي توظِّف عدداً كبيراً من العمال، وذلك ما نراه بشكل واضح في المؤسسات الحكومية والدوائر الرسمية التي تتبع للدولة، وفي الأغلب لا يتلاءم هذا العدد من العمال مع مستوى الجهد المطلوب، ومع مقدار الإنتاج المحدود، وبهذه الحالة يضطر العاملون إلى قبول وظائف دون مستوى إمكاناتهم ودون مستوى طموحهم المادي.
أماكن انتشار البطالة:
البطالة كمصطلح اقتصادي وكحالة حتمية واقعية مفروضة منتشرة في جميع دول العالم بلا أي استثناء، وبما أنَّها مؤشر رئيس لمقدار ازدهار اقتصاد دولة ما، ومقدار بحبوحتها الاقتصادية، سوف نرى أنَّ دول العالم الثالث - إذا صحَّ التعبير - ودول حوض البحر الأبيض المتوسط الآسيوية والإفريقية وباقي دول إفريقيا الوسطى وبعض من دول القارتين الأمريكيتين، هي الأكثر ابتلاءً بداء البطالة، والأكثر وقوعاً تحت ثقلها من باقي الدول.
والأسباب الرئيسة المشتركة لمعدلات البطالة المرتفعة في هذه الدول، هي انتشار الحروب بين فينة وأخرى؛ إذ لا تلبث هذه الدول أن تنهض من حرب استنزفَتها استنزافاً كاملاً، حتى تغرق في حرب أخرى.
ونضيف أيضاً إلى الأسباب القلاقل الداخلية التي تمنع قيام مجتمع إنتاجي صحي، ومن ثمَّ ندرة في فرص العمل، ونلاحظ انتشار الفساد في هذه الدول بشكل غير مقبول وخارجٍ عن حدود السيطرة، كما نوضِّح أنَّ الفساد شيطانٌ يعوق تكافؤ الفرص بشكل مباشر وصريح، ومن ثمَّ فهو يقتل الرغبة في العمل عند الشباب المنتج صاحب العلم والمعرفة والخبرة المكتسبة.
وهناك الكثير من الأسباب الأخرى، كضعف الموارد المتاحة في هذه البلاد، وسوء إدارة هذه الموارد في حال وجودها، وسوء التنظيم الناتج عن الضعف في القدرة الإدارية للمسؤولين في إدارة العملية الإنتاجية، وفي الدول التي نَعُدُّها غنيةً، يمكن أن يظهر شكل من أشكال البطالة نتيجة الأعداد الكبيرة التي تهاجر إلى هذه البلاد بحثاً عن فرص عملٍ لم تجدها في مواطنها الأصلية.
وسواء كانت الهجرة إلى هذه البلاد الغنية مُقَونَنةً، أم هجرةً غير شرعية، فإنَّ نتائج ازدياد الأعداد المهاجرة سوف يؤدي بشكل حتمي إلى ظهور نسبة بطالة، أو فلنقل لازدياد نسبة البطالة؛ وذلك لأنَّنا اتفقنا على أنَّها موجودة في كل دول العالم.
ومن أحد أسبابها أيضاً، سببٌ يمكن أن نَعُدَّه إيجابياً، أو يمكن أن نقول عنه إنَّه سبب فطري، وهو رغبة جميع الناشئة الصاعدة والداخلة في معترك الحياة جميعها بالعمل، والبدء بصنع استقلال مادي مبدئي، وتشكيل شخصيةٍ مستقلة، فحتمية الصراع بين الرغبة والواقع سوف تتجلى بكل حيثياتها هنا.
قياس نسبة البطالة:
كما ذكرنا آنفاً، البطالة ما هي إلا نسبةٌ وتناسب ما بين أعداد العاطلين عن العمل القادرين عليه والراغبين فيه والباحثين عنه، وبين الأعداد الكلية النشيطة الصحيحة التي تستطيع العمل في مجتمع ما.
إذاً، النسبة المئوية للبطالة في دولةٍ ما هي عدد العاطلين مقسوماً على عدد اليد العاملة مضروباً بالعدد مئة، والأعداد النشيطة الصحيحة في هذه المعادلة حسب منظمة العمل الدولية، هم الأشخاص الذين ما يزالون في سنٍّ تسمح لهم بممارسة العمل، ولا فرق إن كانوا يعملون أو عاطلين عن العمل، ولا فرق إن كانوا يعملون عملاً بأجرٍ أو دون أجر.
وللأسف فإنَّ هذه النسبة التي تقوم بحسابها منظماتٌ دوليةٌ مختصة تكون مصداقيتها دائماً محلِّ شك، بسبب تدخُّل السياسة في هذه الأمور، وتدخُّل الدول العظمى التي تموِّل هذه المنظمات؛ إذ إنَّ هذه الدول تحاول من خلال تلك النسبة ومن خلال معلومات مغلوطة أخرى فرض رأيها و سيطرتها على الدول الضعيفة، وتحاول من خلال تمريرها هذه المعلومات الاقتصادية المسيَّسة الضغط على الدول المستهدفة للقبول باتفاقيات وشروط تخدم مصالح الدول العظمى، وربما لأخذ قروض عالية الفائدة واستحداث مشاريع على أراضيها تكون ذات فائدةٍ كبيرة لمصلحة هذه الدول.
ما هي أنواع البطالة؟
أما عن أنواع البطالة، فلها أنواع عدة نذكر منها:
- البطالة الهيكلية.
- البطالة العامة.
- البطالة الاحتكاكية.
- البطالة المؤسساتية.
1. البطالة الهيكلية:
وهي التي تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتقدم التكنولوجي، والتحديث الدائم للآلات وخطوط الإنتاج؛ إذ إنَّ جمود الموظفين وعدم نشاطهم الوظيفي يؤدي بهم مع مرور الزمن إلى عدم فهم القواعد الجديدة في العمل، وهذا يؤدي بطريقة ما إلى فقدانهم وظائفهم، لعدم مواكبتهم التطور المهني الحاصل.
وأحد أسباب هذه البطالة هو العامل الجغرافي، الذي قد يؤدي دوراً في فقدان الوظائف أو عدم الحصول عليها، لعدم رغبة الأيدي العاملة في ترك مناطقها ذات نسبة البطالة المرتفعة، والاتجاه نحو مناطق توفُّر فرص عمل جيدة.
2. البطالة العامة:
وهذا النوع مرتبط ارتباطاً أساسياً بفترات القبض والبسط المتعلقة باقتصاد البلد، وبشكل منطقي، نرى ازدياداً في أعداد الأيدي العاملة التي لا تتوفر لها وظائف أو فرص عمل في أثناء مرور الدولة بمرحلة انكماش أو ركود اقتصادي، ومن مفرزات هذا النوع من البطالة نوع آخر نطلق عليه البطالة المقنَّعة، وهي اشتغال الأيدي العاملة بوظائف أقل من خبراتهم وإمكاناتهم وطموحهم المادي لسدِّ الرمق في أثناء فترات الانكماش.
شاهد بالفديو: كيف تسوق لنفسك في سوق العمل؟
3. البطالة الاحتكاكية:
وهي نوع من أنواع البطالة المؤقتة إذا جاز التعبير، وتحدث عندما يقرر فرد ما يمتلك وظيفةً تغيير وظيفته لسبب معيَّن، فهو في أثناء بحثه عن عملٍ جديد يُعَدُّ عاطلاً عن العمل، ويمكن أن نطلق على هذا الوضع البطالة البحثية، وقد يكون للجهة الموظِّفة أحياناً دور في هذه البطالة، بسبب الوقت الزائد عما يلزم لمراجعة ملفات الأشخاص المتقدمين للوظائف، وأخذ القرارات حول ذلك.
4. البطالة المؤسساتية:
وتظهر هذه البطالة في المؤسسات التابعة للدولة عموماً، وذلك بسبب نظام الرواتب والتحفيزات المتَّبع، والمتعلق غالباً بسياسة الدولة، وتظهر أيضاً بسبب تقلبات الأجور في سوق العمل، وارتباطها أحياناً بالقدرة الإنتاجية للعامل، ويمكن أن تكون مسبباتها هي النقابات العمالية التابعة للسوق والتي تفرض قوانينها على السوق نفسه.
حلول مشكلة البطالة:
لا علاجات جذرية لمشكلة البطالة للأسف؛ إذ إنَّها مشكلة ناتجة عن أمورٍ متشعبة جداً، وتنتج عنها مشكلات أشد تشعباً وصعوبة، ولكن يمكن تلخيص بعض المقترحات التي من الممكن أن تجد حلاً للمشكلة فيما يأتي:
- قيام المؤسسات المعنية بمشاريع إنتاجية تخلق بعض فرص العمل.
- الاتجاه نحو الأيدي العاملة المحلية قدر الإمكان ومحاولة توظيفها حسب إمكاناتها، وعدم الاعتماد على العمالة الوافدة من خارج البلد.
- الاهتمام بالتعليم المهني والصناعي، الذي ينتج أيدي عاملة ماهرة تدخل سوق العمل وهي مسلحة بالخبرة التعليمية، وهذه المدارس تخلق فرص عملٍ أيضاً.
- البدء بنشر ثقافة تحديد النسل لمعالجة الازدياد المطرد للسكان، والذي خلق نسبة بطالة عالية.
- الاتجاه الفعلي لدعم القطاع الخاص والمشترك، الذي يخلق فرص عمل ولو كانت قليلةً نسبياً
- الحث على الاستثمار الداخلي، وجلب عقود خارجية تخلق بيئة عمل كبيرة للعمالة الداخلية.
- التقليل من الوظائف الإدارية التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع، وصرف اعتماداتها المالية لتحسين الرواتب والأجور وخلق فرص جديدة.
في الختام:
تكاد تكون البطالة مع التضخم وانخفاض القوة الشرائية للعملة أكبر المشكلات الاقتصادية التي تواجه مجتمعاً ما، ولا تنحصر تأثيراتها السلبية على فئة معيَّنة، أو طبقة معيَّنة، إنَّما تتجاوزها إلى جميع أفراد المجتمع، ويبقى إيجاد حلول ممتازة لمشكلة البطالة، هو التحدي الأكبر للمهتمين بالشأن الاقتصادي والمالي، وعسى أن يأتي علينا يومٌ نعيش جميعنا فيه ونحن مكتفون وسعيدون.
أضف تعليقاً