تربية التذوق اللغوي عند الأطفال

يُعَدُّ الإنسان كائناً ذواقاً في كل المجالات، ونلاحظ أحياناً اختلاف الأذواق بين الناس، فهذا ذواقٌ في الفن، وذاك ذواقٌ في المأكولات والطبخ، وها هنا ذواقٌ في الأدب واللغة.

وفي موضوعنا الحالي، ارتأينا التحدث عن التذوق اللغوي عند الأطفال؛ إذ يُعَدُّ تذوق الأطفال للغة والأدب سلوكاً يوسّع من آفاقهم ويزيد فهمهم ويطور ويغني عقولهم، فتعليم الأطفال وتحبيبهم بالقراءة ومواكبة الأدباء والمفكرين ينشئ منهم أجيالاً قويةً مبدعةً واثقةً من نفسها وتسموا بمجتمعاتها، وتجعل منهم أشخاصاً ذوي مكانةٍ مرموقةٍ في كل المحافل.



التطور اللغوي عند الأطفال حتى عمر السنتين:

  • يبدأ الطفل بترديد أولى كلماته بين الشهر العاشر والثالث عشر، وفي أغلب الأحيان، ينطق كلماتٍ عشوائية غير مفهومةٍ تعقب الكلمة المنطوقة بشكلٍ صحيحٍ. 

عادةً ما يبدأ الأطفال باستعمال دلالاتٍ لفظيةٍ تدل على احتياجاتهم، التي يستطيع الأهل فهمها. ثم مع تقدم الزمن، تتحول هذه الدلالات إلى كلماتٍ بعد إتمامه السنة والشهرين؛ إذ يصبح الطفل قادراً على الإشارة إلى ألعابه أو جسمه أو حاجاته وأشيائه عند ذكرها من قِبل الوالدين. 

بعد تخطيه العام من عمره، نرى الطفل ينجذب إلى الموسيقى والأغاني والقصص التي يسمعها وتُروى عليه، ثم يبدأ بترديد بعض الكلمات وتسمية بعض الأشياء التي يتكرَّر ذكر اسمها على مسمعه.

بعد وصول الطفل إلى عمر السنة ونصف السنة، يبدأ قاموسه اللغوي بالتشكُّل، وتكون محصلته بين 10 إلى 20 كلمةٍ قادرٍ على نطقها بشكلٍ صحيحٍ، وبعدها يستمر قاموسه الشخصي في الازدياد. ومن المُرجَّح أن يتمكن الطفل من فهم الكلمات المستعملة يومياً والتعبير عمَّا يريد بعد بلوغه العامين؛ إذ يصبح الطفل قادراً على تمييز اسمه وترديده والتعبير عنه بإشارته إلى نفسه. 

بين عمر السنة إلى السنة والنصف يستجيب الطفل للأوامر المختلفة التي يطلقها الأهل مثل: كُل، واشرب، ونَم، واجلس، وتوقف، وغيرها. وعند بلوغه العامين، يستطيع الطفل فهم جملٍ مختلفةٍ مركبةٍ ومعقدةٍ أكثر، ويصبح قادراً على تكوين جملٍ مؤلفةٍ من كلمتين على الأقل، وفيها يشير إلى احتياجاته أو اسمه واسم والديه: أنا أتناول الطعام، أو أنا أشرب، أو أمي اللعبة، أو أبي احملني، أو أمي أريد الذهاب إلى الحمام، أو أمي جائع، وغيرها.

إقرأ أيضاً: أهم النصائح لعلاج التأخر اللغوي لدى الأطفال

أهمية الأدب اللغوي للأطفال:

أصبح الحرص على تنمية الأدب اللغوي عند الأطفال واجباً لا بُدَّ منه، وخاصةً بعد التطور الكبير في التكنولوجيا، التي إن لم تُضبَط بشكلٍ صحيحٍ فإنَّها قد تسبب نتائج كارثيةً على عقل الطفل وقدراته التعليمية؛ إذ أنَّ الاختلاف الملحوظ حالياً وتغيُّر وسائل التواصل والتقنيات التي تخاطب الطفل، كالهاتف والتلفاز واليوتيوب وغيرها، أدت إلى تراجع دور الوالدين والمدرسة تراجعاً كبيراً، وهذا ما يتضمن مخاطر شديدةً تتمثل بانسياق الأطفال خلف الثقافات المنحرفة والأدب واللغة الرديئين؛ الأمر الذي يعود بالضرر على عقول الأطفال الهشة. 

لهذا، من الواجب على العائلة والمدرسة محاربة أساليب التربية السلبية التي ظهرت بسبب التطور والتقدم في التكنولوجيا، ويُعَدُّ التذوق اللغوي والأدبي طريقةً مثلى لإعادة الأطفال للمنهج السليم في التربية.

فوائد التذوق اللغوي عند الأطفال:

تقوم تربية التذوق اللغوي عند الأطفال على وجودهم ضمن بيئةٍ وبيتٍ ومدرسةٍ مثاليين، ومن أهم فوائد التذوق اللغوي أيضاً عند الأطفال ما يأتي:

  • تعزيز الخيال وتنمية المشاعر عند الطفل:
    القراءة عموماً تغني خيال الطفل وتعزز قدرته على التعبير عن مشاعره. فالكون غنيٌّ بالجمال والسحر الذي لا يستطيع تذوُّقه إلا مَن قرأ وتذوَّق الشعر والنثر والآداب، وعاش في عالمٍ من صُنعه يتماشى مع ما يتخيله من خلال قراءته. 
  • تبيان جمالية اللغة ومفرداتها:
    إنَّ مواظبة الطفل على تذوُّق اللغة والأدب والقراءة، ومواكبة الكُتَّاب والكتب الأدبية والشعر والنثر، تغني قدراته اللغوية وتجعله حين يكبر صاحب حضورٍ وثقافةٍ عاليين، فيتميز برصيده الواسع من المفردات والمصطلحات والأحاديث الثقافية والتراكيب اللغوية المتنوعة؛ ما يجعل منه صاحب رأيٍ وعلاقاتٍ اجتماعيةٍ كثيرةٍ ومميَّزةٍ. 
  • الإفادة من خبرات الآخرين:
    عند قراءة الطفل للسِّيَر الذاتية الخاصة بالعلماء والمخترعين والشعراء والأدباء المختلفين، يصير كمن عاش حيواتٍ عدة في حياةٍ واحدةٍ؛ إذ يستفيد من خبراتهم ويتعلّم من أخطائهم وتجاربهم التي تحمل الكثير من القيم الرائعة، والتي تعزّز فيه حب التعلم والنجاح والاستمرار مهما تعددت العقبات ومهما كانت النتيجة. 
  • نقل الطفل إلى عالمٍ مناسب:
    التذوق اللغوي والأدبي يستطيع إرسال الطفل إلى عوالم عديدةٍ من الخيال أو الواقع عند قراءته لقصصٍ خياليةٍ أو حقيقيةٍ؛ إذ يتخيل الطفل أحداثها ويتشبث بالقيم المستخلصة منها، فتغرس في داخله سلوكاتٍ جميلةً تحاكي تقاليد المجتمع المحيط به من الوفاء، والمحبة، والإخاء، والكرم، ومساعدة الآخرين، وغيرها من القيم النبيلة. كما يجب ألَّا ننسَ هنا أيضاً دور الوالدين والمدرسة في جعل الطفل يميز بين الحقيقة والخيال، حتى لا يعيش واقعه وهو يتصور الخيال ويراه حقيقةً، فيُصدَم ويتأثر تأثيراً سلبياً.

شاهد أيضاً: 8 طرق لتحسين المهارات اللغوية عند طفلك

كيفية تعليم الأطفال التذوق اللغوي والأدبي:

يتم تعليم الأطفال التذوق اللغوي والأدبي بواسطة تكاتف الجهود الأسرية والمدرسية في تعليم الطفل وتوجيهه وتأمين الوسائل المناسبة لإثراء حصيلته الأدبية.

وفيما يأتي بعض الوسائل المتبعة في تعليم الأطفال التذوق اللغوي والأدبي:

  • استعمال الكتب المصورة:
    إنَّ الأطفال ينجذبون إلى الصور والرسوم والألوان التي تساعدهم على التخيّل واستيعاب الكلمات المكتوبة تحت الصور، وفهم الكلمات الجديدة من سياق النص الذي تدل عليه الصورة؛ لذا، فإنَّ لهذه الكتب أهمية ضرورية خاصةً في المراحل العمرية المبكرة. 
  • القراءة بصوتٍ عالٍ نسبياً:
    بحيث يكون الصوت متناسباً مع شخصيات القصص ويعبِّر عنها، بالإضافة إلى تغيير حدة الصوت والتماشي مع سرد القصة بطريقةٍ مشوقةٍ ومحببةٍ؛ وهذا يجعل الطفل يتخيل الأحداث والشخصيات، ويُرسِّخ في ذهنه الكلمات ذات الوقع الجميل أو المشجعة؛ ومن ثمَّ، يُغني قاموس كلماته الشخصي، ويرفع قدرة استيعابه للكلمات والجمل وفهم النصوص. 
  • المواظبة على القراءة أمام الأطفال:
    الطفل بطبعه ميالٌ إلى التعلم ممَّن يعدُّهم قدوته ومثله الأعلى في حياته؛ والده أو والدته؛ لذا، يجب الحرص على جعل الطفل يرى أهله يقرؤون مرةً على الأقل في وقتٍ محددٍ كل يومٍ، عندها يضمن الأهل تعلُّق طفلهم بالكتب والقراءة، وحبَّه وشغفَه ليصبح مثل أبيه أو أمه. 
  • مناقشة ما تعلمه الطفل من القراءة:
    وذلك للحرص على صحة تذوقهم اللغوي والأدبي؛ إذ يتم تخصيص بعض الوقت لمناقشة الطفل بما قرأه، وما هي النتيجة والفائدة التي حصل عليها من قراءته، والأثر الذي تركه الكتاب في نفسه، والتعبير عن الاختلاف والتفضيل في أنواع بعض الكتب من غيرها.
إقرأ أيضاً: أهم النصائح لزيادة ذكاء الطفل وتحقيق التفوق في المدرسة

العوامل المؤثرة في تنمية التذوق اللغوي عند الأطفال:

هناك بعض العوامل التي تؤثر في تنمية التذوق اللغوي عند الأطفال، نذكر منها:

التجانس الفكري والنفسي بين الوالدين:

  • إنَّ الانسجام بين الزوجين يؤمن حياةً نفسيةً صحيةً للأطفال، والصحة النفسية السليمة هي الأرض الغنية التي تُزرَع فيها بذور تقوية القدرات العقلية والجسدية والنفسية للطفل؛ إذ نجد الأطفال الذين يعيشون ضمن بيوتٍ تملؤها المشاحنات والمشكلات بين الوالدين، أقل استقراراً نفسياً؛ وهذا يخلق لديهم الكثير من العيوب كالتوتر والعزلة والخوف؛ الأمر الذي يؤثر في قدرات تواصلهم مع المجتمع وقدرتهم على التعلم، فنرى التأتأة والفأفأة والتردد في كلامهم، ناهيك عن الحزن البادي على محياهم.

دور الوالدين في تنمية الطفل لغوياً:

  • التحدث مع الطفل باللغة العربية الفصحى بشكلٍ متكررٍ وبكلماتٍ سهلة الفهم والترديد. 
  • الإكثار من قراءة القصص له في أوقاتٍ محددةٍ (قصص ما قبل النوم)، ومساعدته على تخيل بيئة القصة وشخصياتها، وتدريبه على القراءة بلا إكراه. 
  • اتباع سياسة المكافأة عند تحقيق نتيجة، كأن نكافئ الطفل عند إتمامه قراءة صفحةٍ صغيرةٍ من قصةٍ معيَّنة. 
  • تنمية قدرات التواصل عن طريق تعريفه إلى أطفالٍ آخرين وجعله ينخرط معهم ويتحدث إليهم؛ الأمر الذي يقوي الدافع الاجتماعي المسؤول بشكلٍ كبيرٍ عن تقوية وصقل لغته وكلامه.
  • الاعتناء بطريقة النطق وتصحيح الأخطاء اللغوية واللفظية بطريقةٍ محببةٍ وغير مؤذيةٍ.
  • الاهتمام والحرص على جعل الطفل يشاهد مواد إعلاميةً تُعنى باللغة الفصحى والمحتوى الهادف الذي ينمِّي قدرات الطفل اللغوية والعقلية.
  • تأمين الألعاب ودفاتر النشاطات التي تحفز العقل وتنشط التفكير

دور المعلمين في تعليم الطفل وتقوية لغته:

  •  من خلال الآتي:
    • إسماع الأطفال تلاوة القرآن كل حينٍ وآخر، لما فيه من الفصاحة واللغة المضبوطة والقيمة اللغوية. 
    • قراءة الشعر والأناشيد وإسماعهم الأغاني الموجهة للأطفال، التي تجذب سمعهم وتستهويهم لحفظها ومعاودة غنائها؛ وهذا ينمي لغتهم ويقوي إلقاءهم. 
    • تجنُّب العقاب والشدة في التعليم؛ إذ ذُكر في مقدمة ابن خلدون:"إنَّ الشدة على المتعلمين مضرةٌ بهم، وإنَّ العقاب البدني على المتعلمين أشد ضرراً؛ لأنَّه يُدخِل الضيق عليهم، ويذهب بنشاطهم، ويدعو للكذب والخبث لتفادي العقوبة".
    • تشجيع الطلاب على زيارة مكتبة المدرسة واختيار قراءة كتبٍ محددةٍ، ومكافأتهم عند إنهاء كل كتابٍ ومناقشتهم فيه. 
    • التشجيع على العمل المسرحي ولعب الأدوار؛ ذلك لأنَّ التمثيل يقوي ثقة الطفل بنفسه عند الإلقاء أمام الجماهير، ويغني لغته كثيراً. 
    • تفعيل النقاش والحوار الذي يعوِّد الطفل على الكلام بطريقةٍ واثقةٍ، ويُمكِّنه من مواجهة الآخرين وتوصيل المعلومات المرادة إلى من يتناقش معه.

المصادر: 1 2 3




مقالات مرتبطة