المراحل النفسية التي تمر بها الحامل وكيفية إدارة مشاعرها

"أنا حامل"، تلك الكلمة التي يهدر الزوجان عمرهما ومالهما وأعصابهما في سبيل الوصول إليها، وتحويلها إلى واقع ملموس. هي تلك الكلمة القادرة على تحويل كآبة الزوجين وهدوئِهما المُبالغ فيه، إلى سعادة وهناء وتجدد روحي؛ ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ المرأة الحامل ستكون أسعد امرأة في العالم، ولا يعني أنَّ زوج المرأة الحامل هو أسعد زوج على وجه الأرض؛ إذ كما عودتنا الحياة دائماً، لا يوجد شيء كامل على سطح الأرض، ولا بدَّ من اختبار لحظات من القلق والتوتر والحزن، وأنت في طريقك للوصول إلى غاية سامية جميلة في حياتك.



وكذلك الحال بالنسبة إلى تجربة الحمل، فبينما تعيش المرأة متعة تَحوُّلها إلى أم، ويعيش الأب متعة تَحوُّله إلى مؤسس عظيم لعائلة جميلة؛ يخوض كلٌّ منهما مشاعر متناقضة ما بين الفرح والتوتر والقلق، ولكن تبقى معاناة المرأة أكبر بكثير من الرجل، بما أنَّها الحاضن الأساسي للطفل؛ حيث تعيش المرأة مشاعر من القلق والتوتر والإحساس المفرط بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، فضلاً عن اختبار حالة من الشكوك في مدى قدرتها على بناء شخصية الطفل بعد الولادة، بالإضافة إلى ذلك الخوف الذي يُخلَق لديها من المستقبل المادي للعائلة بعد ولادة طفلها.

لطالما تعامل مجتمعنا بكثير من قلة الوعي مع المرأة الحامل، حيث تتابع كثير من النساء أعمالهن المهنية والمنزلية بكامل القوة في أثناء فترة حملهن، متجاهلات المرحلة الحساسة التي يختبرنها، مع استهتار كامل من قبل الزوج والمحيط بالاهتمام بهن، وتقديم الدعم المناسب لهن؛ الأمر الذي يجعل المرأة في حالة من استنزاف الطاقة والمشاعر، فتشعر أنَّها صاحبة المسؤولية الكبرى فيما تختبره، وأنَّ عليها تدبير كامل أمورها لوحدها.

"إنَّها مدلَّلة بشكل مبالغ فيه"، "إنَّها تبالغ في رد فعلها، وفي انفعالاتها وتوترها الزائد. هي ليست الأولى أو الأخيرة التي تختبر تجربة الحمل"؛ لطالما تتعرض النساء الحوامل لهذا النمط من العبارات، التي تفضح عقلية المجتمع والرجل القاصرة عن الحالة النفسية التي تمرُّ بها المرأة خلال فترة الحمل. فبدلاً من مشاركة المرأة في تجربتها الخاصة، والإحساس بمشاعرها، وتقبُّل مخاوفها المشروعة، والعمل على تقليلها وإدارتها بالشكل الصحيح، إضافة إلى تعزيز ثقتها بنفسها، وبصورتها الخارجية المهزوزة؛ ينزع المجتمع إلى البعد عنها، والاستهتار بحالتها الشعورية.

هي المرأة الحامل؛ التي تحمل في بطنها كنزاً ثميناً وثمرة زواج ناجح، وتقاسي وتعاني الأمرين في سبيل الوصول إلى غاية سامية، والمشاركة في صناعة جيل متماسك وناضج. ومن ثمَّ تخاف على الكنز من كل شيء ومن ذاتها حتَّى، وتبقى هكذا إلى آخر يوم في حياتها. تستحق هذه الإنسانة مِنَّا كل التقدير والاهتمام، ومشاركتها في كل ما تختبره من سعادة وآلام وقلق.

ماهي المراحل النفسية التي تمرُّ بها الحامل؟

يبدو أنَّ تجربة الحمل تحمل ما تحمله من آلام وقلق وخوف وسعادة ونشوة للمرأة الحامل. وفيما يلي المراحل النفسية التي تمرُّ بها الأنثى في أثناء الحمل:

1. المرحلة الأولى (الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل):

تعيش المرأة خلال هذه المرحلة مشاعر من السعادة الغامرة بتلقِّي خبر الحمل، وتستشعر حالة من القدرة الاستثنائية على الخلق. ولكن من جهة أخرى، لا تستطيع إنكار مشاعر الخوف من فقدان جنينها في أي لحظة، ولا تستطيع منع حالات الغثيان والإقياء التي تنتابها بشكل مستمر، ولا تستطيع الهروب من حالات تقلُّب المزاج التي تسيطر عليها، والناتجة عن تغيُّر الهرمونات وارتفاع هرمون الكورتيزول، فتجدها حساسة بشكل مفرط، وتبكي من جراء أصغر المواقف وأكثرها تفاهة، إضافة إلى شعورها بالتعب والوهن الدائمين، وإصابتها باضطرابات النوم.

إقرأ أيضاً: 10 خطوات بسيطة لعلاج غثيان الحمل

2. المرحلة الثانية (من الشهر الثالث إلى الشهر السادس):

وهي الفترة الذهبية في تاريخ الحمل، حيث تعيش المرأة مشاعر من الفرح العارم والاستقرار؛ إذ تنخفض معدلات التوتر والضغط لديها، وتصبح أكثر سعادة، فلا تعود قلقة على ثبات الحمل، وتقلُّ أعراض الغثيان والإقياء وآلام الصدر، ويزداد تدفق الدم إلى منطقة الحوض؛ الأمر الذي يجعل رغبتها الجنسية، وعلاقتها مع زوجها، أفضل من الثلاثة أشهر الأولى. من جهة أخرى، تكون هذه المرحلة بمثابة فترة تحضيرية لاستشعار مشاعر المسؤولية تجاه الطفل من دون قلق أو توتر.

3. المرحلة الثالثة (الأشهر الثلاثة الأخيرة):

تعود مشاعر القلق والتوتر إلى المرأة خلال هذه الفترة؛ إذ تبدأ التفكير في آلام الولادة، وتنتابها أفكار ذات علاقة بالموت؛ موتها أو موت الجنين، فضلاً عن عدم تقبُّلها شكل بطنها الآخذة بالتضخم، فتشعر بأنَّها قد فقدت أنوثتها وجاذبيتها. ومن جهة أخرى، ينتاب المرأة كثير من المتاعب الجسدية، فلا تستطيع النوم بشكل جيد، أو الجلوس بشكل مريح، نظراً لكبر حجم الجنين، فضلاً عن شعورها بدرجة عالية من المسؤولية تجاه ابنها؛ إذ تبدأ التخوُّف من كفاءتها كأم، ومن قدرتها على الاعتناء بالطفل بالشكل الأمثل، فتطلب المساعدة من المقربين من أجل تحضير الملابس والأدوات اللازمة للوليد الجديد.

هل يتأثر الجنين بالحالة النفسية لدى الأم؟

أثبتت الدراسات أنَّ الطفل يتأثر بالحالة النفسية للأم طوال فترة الحمل، حيث تُصبَغ صفات الأم على الطفل، فإن كانت متوترة وعصبية خلال فترة الحمل، فهذا يعني ولادة طفل عصبي وعنيد وكثير الحركة وضعيف المناعة الجسدية.

أمَّا في حال كانت هادئة ومتزنة انفعالياً، فهذا يعني ولادة طفل هادئ ولطيف وذي مناعة عالية. وقد تزيد الحالة النفسية السلبية للأم من احتمالية حصول تشوهات خلقية للطفل بعد الولادة؛ إذ تسبب معدلات التوتر العالية ارتفاع السكر في الدم، لتقلَّ بالتالي نسبة الأوكسجين في الأنسجة؛ الأمر الذي يؤدي إلى نشوء تشوهات خلقية للجنين.

تنتقل مشاعر الأم وانفعالاتها إلى الطفل عن طريق المشيمة، حيث ينتقل هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر) إليه، ويجعل منه طفلاً كثير الحركة داخل بطن الأم.

إقرأ أيضاً: 7 أسباب تؤدي لضعف نمو الجنين خلال الحمل

كيف تدير الأم مشاعرها وانفعالاتها خلال فترة الحمل؟

  1. على المرأة أن تكون واعية إلى مرحلة الحمل بكل ما تحمله من تقلبات مزاجية، ومشاعر قلق وخوف وألم وسعادة، كـأن تشترك في برامج تربوية قبل اتخاذ قرار الإنجاب، وتزيد من معلوماتها عن هذه المرحلة، وعن الخطوات العملية التي يجب عليها اتباعها، للوصول إلى النتيجة المرغوب فيها بخلق طفل سليم نفسياً وصحياً.
  2. على المرأة أن تكون واعية بالعوامل الفيزيولوجية والسيكولوجية التي قد تؤدي إلى الاكتئاب خلال فترة الحمل، وبعد فترة الولادة. فقد تكون هناك عوامل وراثية في العائلة تحرض المرأة على الشعور بالاكتئاب، كوجود حالات لأشخاص مصابين بالاكتئاب في العائلة. أو قد تكون هناك عوامل سيكولوجية مثل: عدم رغبتها في الحمل، أو وجود مشكلات مع زوجها، أو امتلاكها عدداً كبيراً من الأولاد لا ترغب في أن زيادته، أو عدم نضج المرأة وسوء معرفتها وتقديرها للأمور، أو تعرُّضها لحالات من العنف الأسري؛ تجعل من المرأة عرضة للاكتئاب.
  3. على المرأة العمل على تقبُّل حملها، وإدراك قداسة الحالة التي تحياها، فهي تساهم في خلق كائن رائع إلى الحياة. وأن تسعى لاختبار مشاعر الفرح والراحة أيَّاً كانت الظروف المحيطة بها. على سبيل المثال: في حال كانت المرأة تعاني من وجود مشكلات بينها وبين زوجها، فهنا عليها محاولة الوصول إلى صيغة تفاهم بينهما، لكيلا يؤثر الأمر في صحة الجنين النفسية. وفي حال فشلها في إصلاح العلاقة على الرغم من محاولاتها المتكررة، فهنا تستطيع طلب الطلاق، لأنَّ صحتها النفسية هامة جداً لها ولجنينها.
  4. على الزوج أن يكون السند الحقيقي لزوجته طوال فترة حملها، وأن يكون صبوراً وواعياً للتغيرات النفسية والجسدية التي تنتابها، وألَّا يتأفَّف من شكواها وتقلبات مزاجها، وأن يعمل على مضاعفة ثقتها بنفسها وجمالها، من خلال إشعارها برغبته الدائمة فيها، ومن خلال مشاركتها الذهاب إلى طبيب النسائية، والاهتمام بصحتها وبنظامها الغذائي، ومشاركتها اختيار ألبسة المولود وأدواته.
  5. على الأهل الاهتمام بالمرأة الحامل، كأن تبقى والدتها بجانبها، وتدعمها نفسياً ومعنوياً، وتُهدِّئ من روعها وخوفها، وتقدِّم إليها النصائح الغنية.
  6. على كلا الزوجين الوعي التام لأهمية الحمل كخطوة أولى في بناء عائلة متماسكة وسعيدة؛ لذا عليهما التقرب من بعضهما أكثر، والنقاش حول استراتيجية بناء الأسرة، والتفاصيل الجديدة التي ستَطرأ على حياتهما بعد ولادة الطفل. ثم إنَّ عليهما مصارحة بعضهما عن المخاوف التي تشغل تفكيرهما بخصوص تلك الخطوة من حياتهما؛ وبدلاً من انعزال الزوج وابتعاده عن زوجته وانغماسه في المخاوف المادية التي ستَطرأ على حياتهما بعد ولادة الطفل؛ يستطيع مشاركة زوجته تلك المخاوف والوصول إلى حل مثالي.
إقرأ أيضاً: إدارة المشاعر: تعريفها، وأهميتها، وطريقة إدارتها

الخلاصة:

اعلمي أنَّ حملك بطفل هو أعظم مهمة لكِ على وجه الأرض، لأنَّك تساهمين في خلق إنسان قد يغير العالم يوماً ما، من خلال تربيتك الرائعة له واجتهادك وقوة إرادتك.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة