ويؤثر أسلوب التنشئة الاجتماعية المتبع من قبل الوالدين تأثيراً كبيراً في تكوين شخصية الأطفال، الأمر الذي يعني أن الأسرة التي هي مصدر الأمن والاستقرار، في حال لم تكن مستقرة وكثرت الخلافات بين الزوجين فيها، قد تكون مصدر للمشكلات التي تؤدي إلى اضطراب الأطفال وانحرافهم عن السلوك القويم.
المشاكل الأسرية
يتجنّب الزوجين في بداية الزواج وقوع أي خلافات زوجيَّة بينهم وذلك حرصاً منهم على إقامة حياة زوجيَّة وأسرية ناجحة، ولكن مع مرور الوقت وتراكم ضُغوط الحياة اليومية يصبح ذلك أمراً صعباً ولذلك لا يوجد بيت يخلو من المشاكل والخلافات التي تتباين بين خلافات مقبولة تعمل على كسر روتين الحياة وتعطي للحياة الأسرية شكل ومعنى وخلافات مكروهة تجعل الحياة لا تطاق، وسرعان ما تتحوّل هذه الخلافات الى صراعات بين الزوجين مما يتسبب بحدوث نفور وفتور في العلاقة بينهم ويؤثر ذلك بالسلب على أولادهم.
تظهر تأثيرات هذه المشاكل على الطفل من خلال سلوكياته، انفعالاته، وشخصيته، وطريقة توافقه مع المجتمع لذلك فإن المشكلات الأسرية مهما كانت طبيعتها وتصنيفاتها تؤثر على تنشئة الطفل سواء على المستوى القريب او المستوى البعيد.
تصنيف المشاكل الأسرية
- مشاكل الأدوار الاجتماعية التي تنجم عن الاختلافات بين الدور الممارس والدور المتوقع لكل فرد داخل الأسرة اتجاه الآخرين، كما أنّ تعدد الأدوار وتصارعها يؤدي إلى الاختلاف في الأسرة وعدم تماسكها.
- المشاكل الثقافية واختلاف القيم والعادات والتقاليد بين الزوجين مما يؤدي إلى خلق الخلاف وتفكك الأسرة.
- المشاكل الاقتصادية وتدهور الوضع المالي للأسرة، سواءً بسبب عوامل داخليّة أو خارجيّة.
- المشاكل الصّحية كتعرض أحد أفراد الأسرة لمرض مزمن أو مرض عارض.
- المشاكل الاجتماعية والتي تتعلّق بعلاقات الأسرة بأقارب الوالدين من أهل الأب أو أهل الأم وعلاقة الوالدين مع بعضهما.
- المشاكل النفسية والانفعالية والتي تعود لاختلاف الحالات المزاجية والعصبية لأفراد الأسرة، وطرق انفعالهم تجاه الظروف المحيطة.
أسباب المشاكل الأسرية
1- صعوبة التواصل: يعتبر من أكبر المشاكل الزوجية، فالضعف في التواصل أو التواصل بشكل سلبي من أحد الطرفين يدمر العلاقة بينهما، ويؤدي إلى أخذ مواقف تضر بمصلحتهم، فهو ينشأ نتيجة البعد الفكري، الثقافي، وأحياناً الأنانية وحب الذات والتسلط.
2- حدوث بعض المواقف من أحد الطرفين او كلاهما تشعل الغيرة بينهما، وعدم مراعاة أحدهما لمشاعر الأخر في بعض الاحيان والتي قد تؤدي الى مشاكل كثيرة ومشاحنات وقلة ثقة بين الطرفين.
3- الوضع المادي وصعوبة تأمين متطلبات الحياة من مأكل وملبس ومسكن على القدر المطلوب، مما يتسبب بحدوث المشاكل بينهم وعدم استطاعتهم التماشي مع هذه الظروف والوقوع في خلافات وصراعات لا حصر لها.
4- العنف الأسري بين الزوجين، وقيام الرجل بضرب بزوجته، مما يؤدي لخلق جو مشحون بالإضرابات النفسية والصراعات.
5- غياب الاحترام المتبادل بين الزوجين، وتبادل الشتائم والألفاظ السيئة.
6- التأثيرات الخارجية على الزوج أو الزوجة، وخاصة من الأقارب والأصدقاء والتدخل بشؤونهم الخاصة.
أثر المشاكل الأسرية على الأطفال
1- أضرار نفسية:
يؤثر سلوك الوالدين الخاطئ سلباً في الطفل وشخصيته، حيث أظهرت الدراسات أنّ الخلافات العائلية تنتج منها مشكلات كثيرة تصيب الأطفال، فتعوق نموهم النفسي والجسدي.
أثبتت الدراسات والأبحاث الاجتماعيّة والنفسية أنّ الطفل يتأثر كثيراً بالجو المنزلي وبطبيعة العلاقة التي تجمع والديه. فإذا كان شاهداً على خلافات عائلية، تظهر لديه قلة شهية وبطء في عملية الهضم ينتُجان من شعوره بالحزن، إضافة إلى ظهور بعض المشكلات النفسية وحتى إصابته بالاكتئاب.
في المقابل، أثبتت دراسات نفسيّة أُخرى أنّ "الأطفال الذين تربّوا في أسر مستقرة على الصعيد النفسي، والتي يُعامِل فيها أفراد الأسرة بعضهم باحترام ومحبة، ينعمون باستقرار صحي ونفسي".
2- تراجع التحصيل العلمي:
إنّ الحالة النفسية التي يعيشها الطفل في المنزل تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على أدائه المدرسي، لأن الطفل ليس كالكبير بإمكانه أن يفصل بين دراستهم وهمومه المنزلية خاصة في مرحلة تكوينه النفسي والاجتماعي.
وهناك العديد من المضاعفات النفسية والجسمانية التي تلازم الأولاد الذين يعيشون في ظل أجواء عنيفة داخل العائلة، فحالة التوتر التي يعيش فيها الطفل توقعه في أزمات تجعله يفقد القدرة على السيطرة الذاتية والتأقلم وبالتالي تؤدي إلى خطر الفشل المدرسي خاصة والفشل في الحياة عموماً.
3- انعدام الشعور بالأمان وفقدان الثقة بالنفس:
إن الشعور بالأمان والهدوء النفسي لدى الأبناء يؤدى إلى نمو شخصية سوية للطفل، فالاستقرار الأسري يلعب دورًا هامًا في منح الطفل الثقة بالنفس، فنتائج العديد من الدراسات والاختبارات الحديثة تشير إلى أن الأطفال الذين ينعمون باستقرار أسري ومشاكل أسرية أقل يتمتعون بنسبة ذكاء أعلى مقارنةً بالأطفال الذين ينشأون في جو من المشاحنات والخلافات المستمرة بين الوالدين.
حيث أن الأمان والاستقرار الأسري يمثل صمام الأمان للطفل. فكلما كانت العلاقة الزوجية بين الوالدين قوية كانت قدرات الطفل على بناء علاقات سوية مع الآخرين أفضل، على عكس الخلافات الزوجية التي من شأنها تدمير شعور الطفل بالأمان، وإحساسه بالضياع، وعدم قدرته على التفاعل مع الآخرين بشكل إيجابي وفعال.
4- خلل في الانضباط وفي السلوك:
إن الأطفال الذين ينشؤون في ظلّ المشاكل الأسرية المتكررة من المحتمل أن يتأثروا في مرحلة البلوغ. ويكونون أكثر عرضة لخطر الاكتئاب، تعاطي المخدرات والكحول، القيام بالسلوكيات المعادية للمجتمع، مع مخاطر الفشل في العلاقات الشخصية والحياة المهنية حتى بعد تخطي سن المراهقة.
وقد يشعر الطفل بالخوف من انفصال الوالدين، وقد يجد نفسه عائقاً لهم، لذا قد يحاول الهروب من المنزل ويكون هذا السلوك مدعاة لهم للاهتمام به، أو قد ينفس عن مشاعره أو يتخذ رد فعل على ذلك بمصادقة رفاق السوء.
علاج المشاكل الأسرية
أغلب الباحثون بقضايا الأسرة وشؤونها قاموا بتسليط الضوء على أهم المشكلات التي تصطدم بها الأسرة، في حين لا يوجد إلا القليل ممن اهتم بدراسة عوامل نجاحها وسعادتها، فمن أفضل الدراسات الاجتماعية التي عالجت هذه النقطة التي قام بها "ستينت" وزملائه على مدى عشر سنوات وتركزت على عوامل تماسك الأسرة ونجاحها، وقد جمعت المعلومات الخاصة بهذه الدراسات من 16000 أسرة من جميع الولايات الأمريكية وشملتا الأزواج والزوجات والأطفال والى جانب هذا قاموا بدراسة خمسة وعشرين دولة أخرى من جميع أنحاء العالم، وكان المحور الأساسي لهذه الدراسات هو ما هي عوامل نجاح الأسرة؟ وما هو طريق السعادة في ظل الأسرة؟
وتوصلت جميع الدراسات إلى وجود ستة عوامل رئيسية تؤدي إلى سعادة الأسرة ونجاحها تكمن فيما يلي:
أولاً: الالتزام
بإظهار أفراد الأسرة إحساساً بالمسؤولية نحو الأسرة وبحقوقها وواجباتها، فكل فرد فيها يعرف جيداً حقوقه وواجباته، فهم يضعون أسرتهم في المقام الأول، وهم يوجهون جزءاً كبيراً من وقتهم وطاقاتهم لها. وليس معنى الالتزام ألا يكون للفرد حرية شخصية بل على العكس، كل فرد يشعر بالحرية وبالثقة وبمحبة الآخرين له، ويشعر في نفس الوقت أن أسرته جزءاً هاماً من حياته، وكلمة الالتزام تشمل العدد من المعاني الأخرى مثل التضحية، الإخلاص، الوفاء، الأمانة والصدق.
ثانياً: التواصل الإيجابي
يعتبر التواصل مكونّاً ثابتاً وضرورياً لتطوّر الأفراد من علاقة ما قبل الزواج إلى العلاقة الزوجية، وتستمر أهمية التواصل أثناء الزواج وخلال الحياة، وهو من العوامل التي تساهم في نجاح العلاقات الزوجية بين أطرافها واستمرارها وإحساس أفرادها بالإشباع والرضا، فالتواصل ييسر العلاقة بين أفراد الأسرة ويجعلها مرنة وفي الوقت نفسه قوية في مواجهة الخلافات التي تنشأ عادة في الحياة الأسرية وفي مواجهة ضغوط الحياة اليومية، وسوء التواصل بين أفراد الأسرة له نتائج سلبية على ما يدور بينها من عمليات وتفاعلات.
ثالثاً: قضاء الوقت سوياً
تُشير العديد من الدراسات الاجتماعية على أهمية قضاء أفراد الأسرة الواحدة الوقت الكافي في الإجازات وفي عطلة نهاية الأسبوع والمناسبات والاستمتاع بالوقت معاً، فوجود أفراد الأسرة معاً واجتماعهم في أوقات المناسبات سوياً يُخفّف من ضغوط الحياة، ويمكننا القول أن من أهم عوامل التضامن قضاء أفراد الأسرة الوقت الكافي معاّ من خلال تناول الوجبات وقضاء العطلات ووقت الفراغ معاّ، وغيرها من المواقف التي تدعم أواصر المحبة بينهم. فالأسرة السعيدة تسودها علاقات مباشرة ومستمرة وتتضمن شعوراً قوياً بالانتماء والارتباط الجماعي.
رابعاً: التوافق الروحي
من النقاط الهامة التي لاحظ علماء الاجتماع أنها تدعم الروابط الأسرية هي وجود قيم روحية مشتركة بكونها تجعل ترابط الأفراد ليس ترابطاّ مادياّ فقط بل هو ترابط روحي ومعنوي يجعل هؤلاء الأفراد يعملون معاً كسمفونية واحدة ليس بها نشاز أو تضارب في المبادئ والأهداف.
ولقد توصلت إحدى الدراسات الحديثة أن توافق أفراد الأسرة فيما بينهم لاسيما منه بين الزوجين يجعلهم على قدر أكبر من التماسك والتقارب، إلى جانب ذلك تكون لديهم القدرة على حل الخلافات بطريقة فعالة، وكذلك يتسم سلوكهم بالنضج وتقل السمات العصابية في كل منهم، وتكون لديهم القدرة على التعلم من الخبرات السابقة.
خامساً: القدرة على مواجهة الضغوط النفسية
فإذا كان التكامل البنائي يعطي قوة مادية للعلاقات الأسرية فإن المقوم النفسي والعاطفي الإيجابي يؤثر على العلاقات بين أفراد الأسرة ويحولها من الصلة أو الرابطة المادية إلى الصلة أو الرابطة العاطفية، والأخيرة تتمكن في الكثير من الأحيان في التصدي للكثير من المشكلات الأسرية والنزاعات الزوجية التي تكون عادة أكثر حدة من تلك المشكلات العادية ومحاولة حلها وعلاجها.
ويمكن اعتبار التكامل النفسي والعاطفي بمثابة الخيط الرفيع الذي لا يرى ولكنه يوثق الصلة ويؤكد العلاقة بالصورة التي تساعد الزوجين على تحقيق الهدف الذي يسعيان لتحقيقه، وكذلك تساعدهم على توفير الجو النفسي والعاطفي الملائم لنمو أبنائهم وتوفير الأمن والاستقرار.
سادساً: التقدير والمحبة
تؤكد الدراسات على أهمية إظهار التقدير والمحبة بين أفراد الأسرة فكل فرد يشعر فيها بتقدير أسرته له، كما يحرص بدوره على إظهار التقدير للآخرين على أنه في الكثير من الأحيان ينشغل أفراد الأسرة في حياتهم بمشكلاتهم اليومية، فلا يظهرون أي نوع من التقدير للآخرين، فنجد الزوجة مستغرقة في أعمالها الروتينية اليومية ولا تجد كلمة تقدير واحدة من زوجها وأبنائها فتشعر بالضجر والملل، وكذلك الشأن بالنسبة للزوج يجد نفسه يكد ويمل يوم من الصباح إلى المساء ولا يجد كلمة تقدير واحدة من زوجته وأبنائه فيشعر أن عمله اليومي كالطاحونة لانهاية له، فيصيبه الاكتئاب، وهكذا نجد الملل والاكتئاب والضجر يعم جميع أفراد الأسرة، لكن ما يخفف من روتين الحياة وصلابتها كلمات الحب والتقدير التي يتبادلها أفراد الأسرة من وقت لآخر، مما يشعر كل فرد منهم بأهميته.
نصائح لتجنّب الخلافات أمام الطفل
- محاولة إخفاء المشاكل أمام الطفل قدر الإمكان وحل المشاكل الأسرية بهدوء.
- احترام الزوجين لبعضهما البعض خاصةً أمام الأطفال بالتالي سيحترمهم الأطفال وتجنب استخدام الضرب والألفاظ النابية من كلا الأبوين لبعضهم أو للأطفال.
- اشتراك الأبوان في الحوار والرأي خاصة إذا كان في موضوع يخص الطفل حتى يشعر بالاهتمام به.
- تأمين المناخ الأسري الدافئ والاستقرار النفسي للطفل.
- إظهار الود والحب لأطفالك، وتخصيص الوقت للاستماع لهم والتحدث معهم ومُشاركتهم بعض أنشطتهم.
- وضع نظام وقواعد ليلتزم بها طفلك داخل المنزل وخارجه ليتعلم الانضباط.
وأخيراً العائلة أساس النجاح للكثيرين، وهي الانتماء الأول للإنسان، والكنز الذي يجب أن نحافظ عليه، وقد قيل:"الأسرة تستند على الحب والمجتمع يستند على الأسرة".
ماذا تعني لكم الأسرة شاركونا؟!
أضف تعليقاً