العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال

العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال هو أخطر الظواهر المنتشرة بكثرة على مستوى العالم أجمع، وتمثل التحدي الأكبر أمام البشرية في طريق تقدمها ونجاحها، وللأسف فإنَّ نسبة كبيرة من الأطفال موزعين على بقاع العالم كافة يتعرضون لنوع من العنف أو أكثر سنوياً؛ وهذا ما يؤدي إلى نتائج سلبية جداً على الأطفال سواء كان من الناحية النفسية أم الجسدية.



وسنتحدث في مقالنا هذا على مفهوم العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال، وعن تعريف العنف، وأنواعه، وأسبابه، وآثاره، والحلول المقترحة للحد من هذه الظاهرة الهدَّامة.

تعريف العنف ضد الأطفال:

العنف عموماً هو تصرفات مقصودة ومحدَّدة الهدف موجهة نحو شخص معين بهدف السيطرة عليه والتحكم به، وتختلف أنواع هذه التصرفات بين الإيذاء الجسدي والتعنيف اللفظي والضغط النفسي، ودائماً ما تكون هذه التصرفات متصفة بالقسوة والخشونة.

وما العنف ضد الأطفال إلا شكل من أشكال فرض السيطرة والتحكم من خلال القسوة معهم وتعنيفهم، وللأسف ربما يتعرض كثيرٌ من الأطفال للعنف سواء كان في البيت أم المدرسة أم الشارع، وينقسم العنف ضد الأطفال إلى نوعين رئيسين وهما العنف النفسي والعنف الجسدي.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة قبل أن تفكّر بضرب طفلك

العنف النفسي ضد الأطفال:

 يمكن تعريف العنف النفسي ضد الأطفال على أنَّه التصرف الموجَّه ضد الأطفال الذي يؤدي إلى شعوره بالدونية وتحقير النفس؛ كالصراخ الدائم من قِبل الوالدين على جميع تصرفات الأطفال، وإلقاء اللوم عليه بسبب سلوكه أو مظهره، وترهيبه والحط من قيمته أمام أقرانه، ويمتد العنف النفسي ضد الأطفال إلى تقييد حريته في الحركة والتعبير.

ومن أشكال العنف النفسي ضد الأطفال أيضاً تحميل الطفل فوق طاقته في بعض المهمات التي يمكن أن تُلقى على عاتقه، وإكسابه الشعور المخزي إذا فشل في إنجازها أو أنجزها بشكل خاطئ، ويمتد العنف النفسي ضد الأطفال إلى عدم المساواة بين الأبناء، ومنعهم من حقوقهم الطبيعية كالرعاية والاهتمام والتربية اللائقة والتنمية الفكرية، وأيضاً دفع الأطفال إلى تصرفات خاطئة ومشينة وتشجيعهم عليها؛ كالسرقة، والتنمر، والكذب، والاعتداء.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

العنف الجسدي ضد الأطفال:

العنف الجسدي ضد الأطفال هو استخدام اليد أو الرِّجل أو أشياء أخرى لضرب الطفل وإيذائه وإلحاق أضرار مختلفة في أنحاء جسده، وقد يكون هذا التصرف موجَّهاً من قِبل أفراد الأسرة أو أشخاص غيرهم، ولهذا السلوك تأثير وخيم في الصحة الجسدية للطفل؛ فقد يتعرض للكدمات والبقع الداكنة في أنحاء جسده، كما يمكن أن يتعرض للكسور والتمزقات، وإذا كانت شدة الضرب قويةً أكثر مما يستطيع جسد الأطفال تحمُّله، فيمكن أن يؤدي هذا إلى فقدان الحياة.

ويندرج تحت العنف الجسدي ضد الأطفال نوع من الأنواع وهو العنف الجنسي الذي يمكن تعريفه كما يأتي:

العنف الجنسي ضد الأطفال هو شكل من أشكال العنف النفسي والجسدي، وهو تعرُّض الطفل للتحرش والاعتداء الجنسي وإلحاق الضرر فيه من قِبل أفراد الأسرة أو من قِبل أشخاص آخرين، عن طريق محاولات المعاشرة من قِبل أشخاص بالغين، أو لمس الطفل وتقبيله بطريقة شهوانية، وهذا له آثار نفسية مدمرة في شخصية الطفل عند وصوله إلى مرحلة البلوغ.

ومن أنواع العنف الجنسي ضد الأطفال أيضاً، استخدامه في أمور جنسية تجارية كالصور الخليعة وتسهيل دعارة الأطفال بهدف الربح، وكون الأطفال ضعفاء ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، فهم يُعَدُّون لقمة سائغة للمعتلِّين الاجتماعيين والمعتدين الجنسيين الذين يجب أن تُطبَّق بحقهم أقسى العقوبات الرادعة.

أسباب العنف ضد الأطفال:

توجد عدة أسباب للعنف ضد الأطفال في مختلف المجتمعات، وفيما يأتي سنورد أهم هذه المسببات:

1. أسباب متعلقة بالبيئة:

 يزداد العنف ضد الأطفال في المجتمعات المكتظة بالسكان التي تكون ذات كثافة سكانية عالية، والتي يكثر العنف والخارجون عن القانون فيها، ويمكن فيها حيازة بعض المخدرات بشكل سهل، وانعدام الأمان وعدم نفاذ سلطة القانون فيها.

وإنَّ انتشار الأمية وزيادة نسبة الجهل في البيئة المحيطة بالأطفال تؤدي قطعاً إلى زيادة العنف ضدهم؛ وذلك لأنَّ أغلب هذه المجتمعات تتولد فيها قناعة فطرية بأنَّ العنف مع الأطفال هو الطريقة الوحيدة لتربيتهم والسيطرة عليهم.

2. أسباب نفسية:

 إنَّ الأسباب النفسية هي من أسباب العنف ضد الأطفال، فإذا كان الوالدان يعانيان من أيَّة مشكلات نفسية أو اعتلالات عقلية، فهم مهيَّؤون لظهور العنف لديهم ضد أطفالهم؛ إذ إنَّ الطفل الضحية يُعَدُّ في هذه الحالة الملاذ الأول والوحيد أحياناً لتفريغ نوبات الغضب والتخلص من تداعيات الطاقة السلبية التي يسببها المرض النفسي.

3. أسباب اقتصادية:

تُعَدُّ من أهم أسباب العنف ضد الأطفال، وتشمل الوضع الاقتصادي السيئ الذي قد تعاني منه الأسرة، فعدم امتلاك الأب والأم لعمل معين يمكن أن يعيل الأطفال، قد يؤدي إلى نتائج عكسية تقود إلى تعنيف الأطفال وضربهم، وهنا يكون الأطفال قد تعرضوا للحرمان العاطفي والغذائي معاً.

4. أسباب متعلقة بالبيولوجيا: 

قد تظهر بوادر عنف ضد الأطفال الذين يولَدون وهم مختلفون بيولوجياً عن الأطفال العاديين؛ كالأطفال ذوي الميول الجنسية المثلية والمخنَّثين الذين يحملون صفات مخالفة لجنسهم الأساسي، أو حتى الأطفال الذين يولَدون بإعاقات جسدية وعقلية، فظهور بوادر العنف تجاه هؤلاء يكون أكثر من غيرهم.

5. أسباب أُسرية:

قد يكون انعدام الروابط الصحيحة بين أفراد الأسرة من أهم مسببات العنف ضد الأطفال، وكثرة المشكلات أيضاً بين الأبوين وتفكُّك المؤسسة الزوجية، وكذلك زواج القاصرات الذي يؤدي إلى أمهات صغيرات لم يمتلكن بعد حسَّ تحمُّل المسؤولية تجاه أطفالهم؛ وهذا يولِّد ردة فعل عكسية عندهم فيعنِّفون أطفالهم، وتميل الأسر الكبيرة أيضاً ذات عدد الأطفال الكبير نسبياً إلى انتهاج العنف طريقة لتربية الأطفال والسيطرة عليهم؛ فمن خلال وجهة نظرهم، إنَّ الطرائق الأخرى كالحوار وغيره لا يمكن تطبيقها مع هذا العدد الكبير من الأولاد.

6. مسببات متعلقة بعقد النقص:

وتظهر هذه المسببات خصوصاً في المجتمعات المتحضرة والمتطورة على الرغم من أنَّ الأشخاص يمكن أن يكونوا من ذوي الثقافة والشهادات؛ وذلك بسبب الشعور الذي يمكن أن يتملَّك الآباء بالدونية وتبكيت الذات نتيجةً لبعض الضغوطات والأمراض النفسية التي تسببها الرفاهية والفراغ الذي يعيشه الأهل.

آثار العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال:

فيما يأتي سنعدد بعضاً من آثار العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال، وسنحاول معرفة مفرزات هذا العنف:

  • قد تنتاب الأطفال جرَّاء المعاملة العنيفة بعض الآلام التي تتوزع على أنحاء الجسم بأكمله؛ مثل تقلصات المعدة والتأتأة في أثناء الكلام والإصابة بالسلس البولي المؤقت.
  • يتولد لدى الطفل المعنَّف كراهية كبيرة للوسط المحيط ونوع من أنواع الحقد المجتمعي، وتنشأ لديه رغبة في العبث وإيذاء الآخرين كالأطفال والحيوانات الصغيرة أيضاً.
  • يُعَدُّ فقدان الثقة بالنفس من آثار العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال أيضاً، وتشمل الشعور باليأس والحزن مجهول المنشأ، وقد تتولد لدى الطفل المعنَّف رغبة في الانتحار لكي يهرب من العذاب المُطبَّق عليه، ويمكن للطفل المعنَّف عندما يبلغ أن ينتهج سلوكاً غير سوي وبعيداً عن أخلاقيات المجتمع.
  • الغضب الشديد من أي شيء تقريباً وكراهية التعامل مع الوسط المحيط وفقدان مهارة التواصل الاجتماعي، كما يصاب الطفل المعنَّف بنوع من أنواع قلة التركيز والانتباه كأثر من آثار العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال.
  • ومن آثار العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال أيضاً ضعف التحصيل العلمي وفقدان التركيز في أثناء الدراسة.
  • تتولد لدى الطفل المعنَّف مشاعر من الخوف والرهبة من أي شيء يحيط به ويفقد الثقة كلياً بأي شخص يريد التواصل معه؛ وهذا يؤدي إلى قطع الطريق أمام الارتباط بأي علاقة جديدة في المستقبل؛ وهذا بدوره يولِّد لديه حب الانعزال والابتعاد عن الناس.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لحماية طفلك من التعرض للتحرش الجنسي

الإجراءات التي يمكن اتباعها للحد من العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال:

  • أولاً ومن أهم هذه الإجراءات تفعيل القوانين والدساتير التي تتضمن عقوبات قاسية وصارمة وطويلة الأمد بحق كل الأشخاص الذين تُسوِّل لهم نفسهم ممارسة أي نوع من أنواع العنف ضد الأطفال؛ وهذا سيؤدي بالنتيجة إلى تخفيف مستوى عمليات التعنيف إلى نسبة متدنية خوفاً من العقوبات الرادعة؛ لذا يجب أن تكون هذه القوانين منتشرة بين الناس وغير مجهولة حتى يتسنى للجميع معرفتها وعدم ادعاء الجهل بها.
  • العمل على منشورات التوعية والتعريف بحقوق الطفل وكيفية تنشئته تنشئة سليمة وإيجابية، عن طريق البرامج التلفزيونية الهادفة أو حتى عن طريق الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي التي تحظى بانتشار كبير بين كافة الناس، وبهذا نستطيع أن نزرع نوعاً من أنواع الدراية والإحاطة بمخاطر تعنيف الأطفال والأذية التي يمكن أن يتعرض لها في المستقبل إذا تعرَّض للعنف الموجَّه في الصغر.
  • يجب العمل على تنظيم مؤتمرات تدريبية جماعية للآباء والأمهات قليلي الثقافة والوعي المجتمعي خاصةً، ويكون الهدف من هذه المؤتمرات مساعدة الأهل على التعرف إلى كيفية التعامل مع الأطفال، ومعرفة احتياجاتهم الجسدية والنفسية، وطرائق محاسبة الأبناء إذا قاموا بأفعال سيئة دون الحاجة إلى الضرب والتعنيف.
  • معرفة كل شيء عن الأطفال؛ فيجب أن يركز الأهل على كيفية قضاء أبنائهم لأوقاتهم خارج المنزل؛ وذلك للحد من العنف الذي يمكن أن يتعرض له الأطفال من الغرباء.

لذا يجب على الأهل سؤال الأطفال عما قاموا به في يومهم، وعن الأشخاص الذين تعرفوا إليهم أو قضوا أوقاتهم معهم، وعن المضايقات التي يمكن أن يكون قد تعرضوا لها في أثناء اللعب أو حتى في المدرسة، وبذلك يحيط الأهل بحياة أطفالهم ويحمونهم من العنف المحتمَل أن يتعرضوا له من الآخرين.

إقرأ أيضاً: الآثار السلبية لضرب الأطفال ونتائجها

في الختام:

لا بد لنا أن نستذكر ما قاله "جبران خليل جبران": "أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة"؛ لذلك يجب أن نحاول أن نعطي أولادنا الحياة التي يستحقونها، وأن نبذل جهدنا في ذلك لأنَّنا نحن سبب وجودهم على هذه الأرض.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة