في هذا المقال سنُشير إلى بعض أشكال التعنيف الجسدي وسلبيات هذا السلوك غير الحضاري على عقول أولادنا ونفسيتهم.
الأمور التي تجبر الأب والأم على تعنيف أولادهما:
في البداية، حين يخطئ الولد سواء أكان ذنباً صغيراً أم كبيراً، يحاول الأهل إرشاده ونصحه بالكلمة الطيبة الحنونة، ولكن إن لم يُصغِ الولد بكل طاعة للأوامر، فسوف يأخذ الأمر منحى آخر، وهنا يلجأ الوالدان للتعنيف اللفظي؛ أي التجريح بالكلام من خلال توجيه ملاحظات لاذعة للأولاد تؤثر فيهم بالعمق، ومن ثم يتطور الأمر لاستعمال الضرب بوصفها وسيلة للتأديب في حال لم ينفع الكلام مع الولد.
نتائج تعنيف الأطفال على الحالة النفسية للطفل:
من الطبيعي أن يمتد العنف لأن يصاب الطفل بأمراض نفسية عنيفة وحادة تبدأ بأعراض خفيفة ولكن سرعان ما يتسع الألم ليشمل الأمور التالية:
1. التعنيف لا يقود إلا إلى التعنيف:
إنَّ الأهل يمثلون حكاية البطل الخارق في نظر أولادهم، فالطفل يراقب والديه، ويقلد حركاتهما، وطريقة كلامهما، وأسلوب تعبيرهما، ومشيتهما فيقتدي بهما.
لهذا يجب أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأطفالهما وخير مثال، فإذا عامل الآباء أطفالهم بلطف ولين ورقة وحوار ناعم ومتناغم وهادئ، فسوف يثمر أسرة ناجحة وأولاداً واعين إيجابيين سلوكاً وتفكيراً. أما إذا أساء الآباء معاملة أولادهم وحاسبوهم على أقل خطأ بأشنع العقوبات، فذلك سيكون مؤثراً سلبياً فيهم، فآثار الضرب ليست جسدية فقط؛ فالآثار النفسية أصعب وأقسى وأكثر حدة؛ لأنَّها قد تخلق ميولاً عنيفة لدى الطفل لأنَّه يتطبع بأخلاق والديه.
2. انهيار ثقة الطفل بنفسه:
يؤدي الضرب دوراً كبيراً في التأثير السلبي في شخصية الطفل وحالته النفسية، فمن الممكن أن يتحول إلى شخص مزاجي كئيب منهزم أو انهزامي إذا صح التعبير؛ إذ يترك الضرب أثراً واضحاً وعميقاً في الطفل، فيصبح مهزوم الشخصية، سلبي التفكير، وعديم الثقة بالنفس، وكثيراً ما يصاب بالإحباط وعدم القدرة على تحدي الصعاب أو حتى إيجاد حلول بديلة للمشكلات التي تواجهه.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه
3. الذاكرة السوداء:
من الصعب أن ينسى الطفل آلام الضرب، ومن الطبيعي أن تنطبع في ذهنه المشاهد المؤلمة ولا تنمحي مع الزمن.
لعل أقسى ما يعذب روح الطفل عندما يكبر هو ما خلفه الماضي من أوجاع مبرحة وقاسية؛ ألا وهي الحقيبة السوداء التي يحملها في دماغه والمملوءة بصور الضرب وألوان البقع المتورمة على جلده، فلن ينسى الطفل في حياته ما فعله به والداه؛ بل على العكس، سيصبح شخصاً ضعيفاً يعاني من عقد نفسية ولا يتقن فن الكلام بهدوء.
4. تراجع ثقة الولد بأبويه:
إنَّ الأهل يزعمون أنَّ لغة الضرب والتعنيف هي الحل الأمثل للوم الطفل وإرشاده للصحيح.
لكنَّ هذا الكلام لا يمت للصحة بصلة؛ بل على العكس مع تكرار عدد مرات التعنيف ستكبر المسافة بين الأبوين والولد، وستكثر الحواجز، ويصبح الولد أكثر انعزالاً وقليل المخالطة بأبويه لما ينتابه من شعور بالرعب والهلع والارتعاش من مشاهد الضرب، وسيرى أبواه كما لو أنَّهما جزاران.
5. العنف قد يدفع الطفل لارتكاب أخطاء فادحة وجسيمة:
الاعتقاد السائد يقول إنَّ الضرب سيقوِّم سلوك الطفل ويدربه على التصرف الصحيح والسلوك المستقيم، لكنَّ الحقيقة عكس ذلك تماماً؛ فالعنف سيصبح عند الوالدين عادة وعند الطفل أيضاً، فالطفل سيعتاد شعور الألم والذل والمهانة، وستنكسر شيئاً فشيئاً ثقته بوالديه، ومن ثمَّ سيصير إنساناً ميالاً لافتعال الخطأ وعدم التراجع عنه ولن يجد القدرة على إرشاد نفسه.
6. نتائج تعنيف الأطفال على التطور والحياة القادمة:
عندما يلجأ الآباء لضرب الولد بشكل متعاقب، يزرعون في داخله شعور الخوف من الإنذار بفرض العقوبة، عندها لا يتذكر الولد سوى مشاهد الضرب المبرحة من دون أن يركز عقله على الخطأ الذي فعله والذي أدى لهذا العنف.
في السنوات القادمة تنمو لدى الطفل ميول عدوانية تظهر جذورها في المدرسة بين أقرانه فيبتعد عنه رفاقه وينبذونه، كما أنَّه يتحول إلى شخص يعاني من فرط التشتت؛ حيث إنَّه يفقد القدرة على التركيز في الدرس، ويفقد القدرة على الاستمتاع في أثناء شرح المعلمة في الحصة المدرسية؛ مما ينجم عنه تراجع تحصيله العلمي والدراسي.
وقد يتطور الأمر ويتعاظم ليصل إلى أن يعاني الولد منذ الصغر من مشكلات نفسية حادة ومؤلمة تحتاج إلى طبيب نفسي ومهدئات، وقد تظهر لديه ميول انتحارية.
حلول أخرى مفيدة دون اللجوء للعنف الجسدي. يلجأ الآباء المتنورون والمتفكرون والحريصون على سلامة طفلهم الجسدية والنفسية والذهنية والعقلية إلى طرائق أكثر سلمية وأكثر إفادة وقدرة على تعليم الولد كيف يصوب التصرف الخاطئ.
طرق التعامل مع مشكلة تعنيف الأطفال:
إليكم طرق معالجة مشكلة تعنيف الأطفال وكيفية تعزيز القيم الأخلاقية والمفاهيم السليمة لديه ومنها:
1. الإفصاح عن عدم الرغبة:
لعل أفضل الطرائق المتبعة لتصحيح تصرفات الطفل وطريقة كلامه وأفعاله هي الإفصاح بشكل مباشر من قِبل الأهل بأنَّهم ليسوا راضين عن سلوك ولدهم في ناحية معينة، هنا يشعر الطفل بذنبه وينتابه شيء من تأنيب الضمير ويقتنع مع الأهل بصحة كلامهم، خصوصاً إذا اعتمد الأهل مع أولادهم توجيهات ضمن إطار كلامي هادئ ولطيف ومتناغم يناسب عقل الطفل ومستوى وعيه وتفكيره.
2. محاورة الطفل حول طريقة تصرفه بمواجه غير مباشرة:
عوضاً عن صفع الطفل على وجهه والتوجه إليه بكلمات لاذعة تمتلئ بالسباب والشتيمة، يمكن أن يتبع الآباء الحوار الهادئ الراقي مع الطفل الذي يقوم على لغة هادئة لطيف وإيقاع صوت منخفض وكلمات جميلة يتمكنوا من خلالها مناقشة سلوك الولد ومحاولة إرشاده ونصحه بالكلمة الطيبة.
3. عدم الانتباه:
من الجيد تعمُّد الأهل غض النظر عن سلوك الولد الخاطئ، ولكن مراقبته بهدوء وحذر وصمت دون أن يعلم حرصاً على سلامة الطفل وإبقائه في دائرة الأمان دون مهاجمته بشكل مباشر وبطريقة مؤذية.
4. تباطؤ الإمكانات العقلية:
يمكن أن يؤدي العنف بأقسى أشكاله إلى ضمور ذهني وعقلي عند الطفل؛ كأن يصبح استيعابه بطيئاً، ويفقد سرعة البديهة والقدرة على التحليل والتركيب والاستنتاج و الاستنباط واستخراج الأسئلة وصياغة الأجوبة وتدوير الزوايا، فكل هذا يؤدي إلى تأخر نمو الطفل العقلي والذهني وغيرها من الأمراض المستشرية في مجتمعاتنا.
أسئلة مفتاحية حول تعنيف الأطفال:
سنتناول بعض الأسئلة المفتاحية الجوهرية التي يُعنى بها أي إنسان وتلمس جوانب كثيرة فيه، ومنها:
- ما هي أشكال نتائج الضرب على الحالة النفسية للطفل؟ وبالأخص:
- كيف يؤثر ضرب الأطفال الرضع على الوجه؟
- كيف يؤثر صفع الولد بشدة على وجهه ويده؟
- هل تبقى مشاهد الطفل وصدى صراخه وأنينه عالقة في الذاكرة لسنوات طويلة أم يطويها النسيان مع مرور الزمن؟
- هل العنف بأقسى أشكاله حاجة ملحة لتنشئة الطفل تنشئة سليمة وإرشاده ونصحه لأن يتصرف بشكل صحيح؟
- هل هناك من فائدة تُجنى من ضرب الولد؟
- هل ضرب الولد هو سلوك مطابق للقانون ومعترف عليه من قِبل الدستور ولائحة حقوق الإنسان؟
- كيف أردع ذاتي من مد اليد لضرب الطفل؟
- كيف أضبط انفعالاتي حينما أوجه له ملحوظة؟
- هل السوط على الوجه يلحق مشكلات وعيوباً عينية ويدمر خلايا الدماغ ويعطل وظائفه ويسبب إعاقات ذهنية وبصرية؟
مفهوم ضرب الولد على وجهه:
هو استعمال الطاقة الجسدية والجسمانية بقصد إيلام الطفل وتعذيبه والهدف منها تقويم سلوكه وإرشاده، ويؤسفنا أن نقول إنَّ الضرب يؤثر تأثيراً قاسياً على النظر ويضعف خلايا الدماغ وهذا مرده للأسباب التالية:
- إنَّ ضرب الطفل لا يحل المشكلة ولا يجدي نفعاً؛ بل على العكس يخلق عند الطفل ثورة الغضب وعدم التحكم بالأعصاب فقد يمارس دور الجلاد على رفاقه أو أخوته الصغار حين يرى أنَّ والديه وهم القدوة يعنفونه بقسوة وشدة.
- هناك خطورة كبيرة على ضرب الطفل وإيلامه ويسمى هذا النوع من العنف بـ "متلازمة هز الولد" أو "متلازمة ضرب الرضيع" وتعني إشباع الولد عذاباً وإبراحه بالألم من خلال السوط على يده أو وجهه باستعمال شفرات حادة أو أيَّة أداة مؤذية.
- أثبتت الدراسات والإحصائيات أنَّ الضرب يدمر نحو 400 خلية عصبية، وهذا برهان واضح أنَّ العنف عامل مسرطن للأعصاب والدماغ، كما أنَّ الضرب سيل يجرف معه كوارث نفسية صحية قد يصعب حلها بالاستشارة الطبية النفسية.
- وقد يؤدي الضرب لأكثر من مرة واحدة لإخماد الطقس الكهربائي الذي يتولد في المخ الأمر الذي يؤدي إلى معاناة في الكلام وعدم القدرة على اللفظ الصحيح؛ مما يجعله يتلعثم بالكلام خصوصاً أنَّ مخارج الحروف ليست سليمة لديه، كما قد يسبب تكرار الضرب عطلاً في المخ وتراجع أدائه الوظيفية؛ وذلك يؤثر تأثيراً تلقائياً في الوظائف الحسية والبصرية والحركية التي تتلقى الأوامر من المخ.
وقد يسبب الضرب أذى للعين حين تطرق يد الأب بعين الطفل؛ مما يسبب اضطراباً في الرؤية البصرية وجروحاً بالعين وحكة مؤلمة والتهاباً بالملتحمة، فالآثار السلبية المدمرة لـ "متلازمة هز الطفل الرضيع":
لأنَّ الأطفال بمرحلة الرضاعة؛ أي تحت عمر السنتين تكون أجسامهم طرية وبنيتهم هشة، خصوصاً أنَّهم في طور النمو وعظامهم لم تكتمل بعد.
لهذه الأسباب كلها قد يؤثر هز الطفل في رقبته ورأسه، وهنا نتكلم عن المناطق الحساسة عند الأطفال، فالرضيع يتمتع بعنق نحيل ورأس كبير نسبياً مقارنةً بباقي أنحاء الجسم، فحدوث ورم أو انتفاخ كبير في الدماغ نتيجة الضرب على الرأس، قد يعطل وصول الدم المحمل بغاز الأوكسجين والمواد الغذائية إلى المخ.
ما هي نتائج متلازمة الصدمة التعسفية على صحة وسلامة الطفل الرضيع؟
- تباطؤ حركة الطفل على غير المعهود.
- يصبح الطفل شخصاً غريباً يمر بحالات نفسية مختلفة وأمزجة متقلبة مختلفة.
- معاناة في البلع ومضغ الطعام بشكل جيد.
- تعزيز شعور الفزع والهلع عند الطفل الرضيع.
- تراجع عملية الأكل.
- مشكلات بالتنفس.
- العبوس والاكتئاب.
بعض مما قيل حول استهجان الضرب كسلوك إجرامي عبثي غير أخلاقي يقوم على فكر هدام شعور غريب لا يمكن فهمه يصيب الطفل حين يتعرض للضرب؛ حيث تتنامى لديه الرغبة بأن يبكي لساعات طويلة ويذرف دمعه، وبالمقابل قد يرى الأهل أنَّ الضرب أسهل وسيلة لتعليم الطفل من دون أن يتعبوا أنفسهم في النصح والفلسفة وضبط الأعصاب وكظم الغيظ.
يقول الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:"علموهم الصلاة لسبعٍ واضربوهم لعشرٍ".
عندما ينمو عقل الطفل ويبدأ يدرك كيف تدور الأشياء وكيف تدور عجلة الحياة، هنا يجب على الأهل توخي الحذر بألا يلجؤوا للضرب كوسيلة للتربية فهذا يخلق عداوة بين الولد والأهل، ويخلق فجوة في الأسرة وجو متوتر وقلق؛ حيث الشحنات السلبية يتلقاها الطفل من والديه.
وقد أشارت وزارة التربية في معظم البلدان إلى أنَّ السن الأنسب والأكثر ملاءمةً للضرب هو تسع سنوات وما فوق، فوحده الحوار الهادئ يحل المشكلات ويخلق فسحة جميلة للتفاهم والعيش بأسرة مثقفة متحاورة تدين التعنيف وتَعُدُّه صورة من صور التخلف.
أضف تعليقاً