عندما تُصادف طفلاً يقول لك: "إذا ضربني صديقي، لن أسامحه البتّة، بل سأوسعه ضرباً، وأهشّمه تهشيماً"؛ ألا يجعلك هذا القول تفكّر مليّاً بالحال الذي وصلت إليه تربية أبنائنا، وبمدى الوعي المُصدّر إليهم، وتتساءل: أين أساليب التربيّة الحديثة من كلّ هذا؟
فما هو العنف الممارس على الأطفال؟ وما هي أسبابه وآثاره وطرائق علاجه؟ فهذا ما سنتعرّف عليه من خلال هذا المقال.
تعريف العنف ضدّ الأطفال:
هو كلّ أسلوبٍ يُمارَس فيه تهديدُ الطفل أو إيذاؤه، سواءً أكان جسديّاً أم لفظيّاً أم نفسيّاً أم حتّى اقتصاديّاً. ومؤخراً عُدَّ الإهمال نوعاً من أنواع العنف.
أسباب العنف ضدّ الأطفال:
1. قناعات الأب والأم:
تشير دراسةٌ إلى أنّ 75% من ممارسي العنف على الأطفال، هم أقرباء من الدّرجة الأولى.
يلجأ الأب الذي مُورِسَ عليه العنف في صغره، إلى اتباع الأساليب نفسها مع أولاده، ظنّاً منه أنّه سيؤدي إلى نتائجَ حميدة؛ ففي اعتقاده أنّ الضّرب المستمرّ له في صغره، أدّى إلى جعله شخصاً مجتهداً ومهذّباً أكثر. إنّ عدم وعي الأب للآثار النفسيّة الخطيرة التي لحقت به منذ صغره، يجعله يظن نفسه طبيعيّاً، فيعود ليسلك السلوك ذاته مع أولاده.
يعدّ العنف محاولةً خاطئةً لإيصال رسالةٍ من الشّخص المُعنِّف، بُغيةَ إبعاد الطفل عن أمرٍ ما وجعله يقوم بأمرٍ آخر. وهو دلالةٌ على أنّ المُعنِّف قد وصل لأقصى درجةٍ من الضّعف، من خلال استخدامه لسلطةٍ أكبر من هذا الطفل (تعنيفه لفظيّاً أو جسديّاً).
2. عدم التمييز بين التعنيف والتأديب:
يسعى جميع الآباء إلى تربية أبنائهم تربيةً صالحةً، لكن يختلف أسلوب التربيّة بين أسرةٍ وأخرى.
الأمر يشبه الشّجرة؛ فعندما تهذّبها وتسقيها وتتعامل معها بحساسيّةٍ وحرص، ستعطيك أفضل ما لديها؛ أمّا في حال التعامل معها بقسوةٍ، كبترها مثلاً، ستخسرها تماماً ولن تنال من محاسنها شيئاً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطفل؛ ستتفجر أفضل طاقاته عند احتضانه واحتوائه. أمّا عند تعنيفه؛ فسيُظهِر أسوأ ما لديه.
يؤدي اتباع أسلوب العنف ضدّ الطفل؛ كالضرب بآلةٍ حادّة، أو حرمانه من المصروف اليوميّ، إلى ظهور علاماتٍ سلبيّةٍ جداً على سلوك الطفل، كأن يلجأ إلى السّرقة للحصول على مصروفه، أو إلى تعنيف أصدقائه؛ لاعتقاده أنّ هذا هو السلوك الطّبيعي في التعامل بين الأشخاص.
3. المشكلات الزوجيّة:
يؤدي التّنازع بين الأزواج إلى ظهور آثارٍ سلبيّةٍ عديدةٍ تتمثل في:
3. 1. العنف اللّفظيّ والجسديّ ضدّ الأطفال:
يلجأ الأبوان إلى صبّ غضبهم الناتج عن خلافاتهم فيما بينهم على أطفالهم، فيوسعونهم ضرباً ويعاملونهم أسوأ معاملة، ويقذفونهم بوابلٍ من الألفاظ الجّارحة.
يعدّ التعنيف اللّفظيّ أقسى من التعنيف الجسديّ، فعندما تقول الأم لطفلها: "أنت غبيّ، كسول، مُغفّل، لا قيمة لك"، سيتبنّى عقله الباطنيّ هذا الكلام، ويطبّقه فعليّاً، وسينعكس هذا سلبياً على تحصيله العلميّ.
3. 2. تحوّل الطفل إلى طفلٍ عنيف:
قد تستعر الخلافات بين الزوجين وتصل إلى الطّلاق، وقد ينعكس الأمر سلباً على سلوك الطفل؛ فيصبح حاقداً وعدوانياً مع أصدقائه؛ لأنّ لديهم أسرةً متكاملةً، على نقيضه. إنّ وصول الطفل لهذه المرحلة السلبيّة، ناتجٌ عن قلّة وعي كلا الطّرفين؛ فالعيب ليس في الطّلاق، وإنّما في التعامل معه.
حيث يُعدّ الطلاق المُتحضّر من أرقى أشكال الانفصال بين الزوجين، ففيه يحترم كلا الطّرفين الآخر، ويكونان منافسين قويين على الاهتمام بالأطفال، وتوفير كلّ ما يلزم لهم نفسيّاً وماديّاً. على عكس الطّلاق التقليديّ، الذي يتلذّذ فيه كلٌّ من الطّرفين بتحقير الآخر، محوّلين أطفالهم إلى وسيلةٍ من أجل تصفيّة حساباتهم.
وتشير دراسةٌ إلى أنّ الطفل الّذي يعيش في ظلّ طلاقٍ مُتحضِّر أفضل حالاً بكثيرٍ من نظيره الّذي يعيش في ظلّ زواجٍ سيء التّعامل.
من جهةٍ أخرى، يعدّ استخدام الأم لأسلوب المقارنة بين طفلها وطفلٍ آخر، أسلوباً خاطئاً تماماً وخطيراً جداً، ويحوّل طفلها إلى طفلٍ عدوانيّ كارهٍ للآخرين.
فعوضاً عن مقارنة النتائج المدرسيّة المتدنّية لطفلها مع نتائج صديقه العالية، ونصيحته بأن يكون مُجدّاً كصديقه؛ عليها أن تقول له: "لا تقلق يا صغيري، ما رأيك أن نجلس سويّةً لنتعرّف إلى مواطن الخلل الّتي أدّت إلى هذه النتائج، لنستطيع بعدها الوصول إلى نتائج رائعةٍ تستحقها؟ فأنت رائعٌ وتستحق الأفضل دوماً".
4. التعامل مع الأطفال على أنّهم ملائكة:
يحتاج التعامل مع الأطفال إلى درجةٍ من الذّكاء في التعامل، وإلى درجةٍ من الذّكاء في التغافل.
الآثار النفسيّة للطفل المُعرّض للعنف:
للعنف آثارٌ خطيرةٌ على المدى البعيد، فقد يتعرّض الطفل إلى العنف في عمرٍ صغير، إلّا أنّ نتائجه تظهر في عمرٍ أكبر، ومن هذه الآثار:
- اضطرابات القلق.
- اضطراب الاكتئاب.
- ضعف الثقة بالنفس.
- تعاطي المخدّرات.
علاج العنف ضدّ الأطفال:
1. اتباع أساليب التربية الحديثة:
لا يوجد مبرّر للعنف، ولا يعدّ العنف أسلوباً من أساليب تعديل سلوك الطفل، فهنالك أساليب حديثةٌ لتعديله نذكر منها: التّعزيز الإيجابيّ والتّعزيز السلبيّ:
- ففي حال قيام الطفل بسلوكٍ إيجابيّ، أُكافِئه ماديّاً من خلال مضاعفة مصروفه، أو معنويّاً كأن أمدحه أمام أصدقائه.
- أمّا في حال قيامه بسلوكٍ سلبيّ، فأعاقبه بحرمانه من الذهاب إلى مكانٍ يحبّه مثلاً، مع ضرورة الانتباه إلى العقوبة ومدى تأثيرها على الطفل، فعقوبة الحرمان من المصروف قد تجرّ سلوكاتٍ سلبيّةً وراءها، كالسرقة مثلاً. إذاً علينا أن نكون واعين عند فرضنا للعقوبات، فغايتنا تعديل سلوك الطفل لا تشويهه نفسيّاً.
على سبيل المثال: يمكن وضع لوحٍ في المنزل، مخصّصٍ لكتابة النقاط السلبيّة والإيجابيّة الّتي قام بها الأطفال في يومهم. سيُحفِّزهم ذلك على العمل على تقليل النقاط السلبيّة وزيادة النقاط الإيجابيّة، في وسط جوٍ من المنافسة الشّريفة.
من جهةٍ أخرى، يستحقّ أطفالنا منّا أن نعاملهم بلطفٍ ومرح، فما المانع من المزاح معهم والتقرّب إليهم؟
2. الصراحة والوضوح مع الأطفال:
الاحتواء ثم الاحتواء ثم الاحتواء، أطفالنا بحاجةٍ إلى الحبّ والاحتواء من لحظة كونهم أجنّةً في أرحام أمهاتهم. حاوروا أطفالكم في جميع مراحلهم العمريّة، فلا يوجد طفلٌ في الكون يولد عنيفاً، إنّما يوجد طفلٌ لم يُعامَل بشكلٍ صحيح.
يُعزّز الحوار الدائم بين الأهل والأطفال، ثقة الطفل بنفسه، وتوازنه النفسيّ، وعلاقاته مع الآخرين، وتقبّله لكلّ جديدٍ في حياته، وصراحته ووضوحه.
إنّ التعامل مع الأطفال بأسلوب الحصّالة لا ينفع مطلقاً، فتجميع الأمور السلبيّة مع بعضها لفترةٍ طويلة، إلى أن تُحَلّ بالحوار، خاطئٌ جداً. حيث يجب التّحاور مع الأطفال ومعالجة كلّ أمرٍ في وقته.
3. تعزيز التواصل مع المدرسة:
إنّ الطفل المتكامل نتاج تضافر جهود البيت والمدرسة، حيث يفيد التواصل الدائم بينهما سواءً من خلال اجتماع أولياء الأمور أم من خلال التواصل مع المدّرسين، في معرفة سلوك الطفل ضمن الصفّ الدراسيّ، وسلوكه مع أصدقائه، ممّا يساعد على الكشف عن أيّ انحرافٍ في السلوك في بدايته قبل أن يتفاقم.
وهنا لا بدّ من ذكر أهمية دور المرشدين الاجتماعيين في المدارس، لرصد حالات العنف بين الأطفال، والسعيّ إلى تحليل أسبابها، والوصول إلى المعالجة السّليمة.
إلّا أنّ دورهم غير مُفعّلٍ في مدارسنا للأسف، ولا يوجد لديهم قاعدة بياناتٍ للطّلاب، فيسعى المرشدّ الاجتماعيّ الحقيقيّ إلى الحوار الدائم مع الطّلاب، وبناء ملفٍ كاملٍ لكلّ طالب؛ يراقب من خلاله سلوكه، ويرصد حالات العنف الممارس عليه.
4. الإبلاغ عن حالات العنف ضدّ الأطفال:
على كلّ مَن يشهد على حادثة عنفٍ، أن يبلغ السلطات المختصّة، فالسكوت عن هكذا حوادث يعدّ بمثابة مشاركةٍ في العنف.
5. التوعيّة المجتمعيّة:
دور الإعلام ووزارة التربيّة أساسيٌّ في قضيّة العنف ضدّ الأطفال، فعليهما توعيّة المجتمع على حيثيات هذه القضيّة، ومخاطرها على البلد ككلّ؛ فقوّة البلد من قوّة أجياله، ومن اكتمال صحّتهم النفسيّة والجسديّة.
الخلاصة:
تنظر غالبيّة النّاس إلى الرزق على أنّه مال؛ في حين أنّ له أوجهاً عديدة؛ فكلٌّ من صحتنا، وأطفالنا، ونيّتنا الإيجابيّة، وتسامحنا وقبولنا الآخر، ووعينا، هو رزق. ولأنّ أطفالنا رزقٌ لنا، علينا أن نشكر ربّنا على هذا الرزق، وأن نهتمّ به، ونصونه، ونضمن نموّه وتطوره.
عوضاً عن العنف، هناك الكثير من التصرفات الإيجابيّة البديلة عنه والتي تستحق منّا التجربة والممارسة، لضمان أطفالٍ أصحاء نفسيّاً وجسديّاً، أطفالٍ يكونون بذرةً حسنةً لمجتمعٍ حَسَن.
أضف تعليقاً