العنف المجتمعي: أسبابه، وأنواعه، وأهم الوسائل للقضاء عليه

تنتشر اليوم ظاهرة العنف المجتمعي في العالم عموماً، وفي المجتمعات العربية خاصة، وهي من أبشع الظواهر وأخطرها، لما لها من آثار سلبية مدمرة للأفراد والمجتمعات؛ لذا من الضرورة التعرُّف إلى أسباب هذه الظاهرة الخطيرة، وطرائق القضاء عليها.



ما هو العنف المجتمعي؟

يُعرَّف العنف عموماً بحسب علم الاجتماع على أنَّه "سلوك لا عقلاني يعود أصله إلى مركب من الميول والمصالح المتخاصمة، التي تُسبب إلى حد ما انحلال المجموعة نفسها، وأنَّه في كثير من الحالات سلوك قمعي ومتلازم مع عملية اختلال النظام".

ويُعرَّف العنف المجتمعي على أنَّه:

  • شخص أو مجموعة أشخاص تُشكِّل تهديداً لمجتمعهم المباشر، من خلال العنف الجسدي أو المشاركة في نشاطات تُروِّج للكراهية، وعدم التسامح.
  • هو استغلال مجموعة أفراد أو دولة لقوَّتها، تجاه طرف مُستضعف، مما يُسبب لهذا الطرف الضرر والأذى المادي أو النفسي.
  • ظاهرة سلوكية مؤذية تقوم على إنكار الآخر، ويتم فيها استعمال العنف اللفظي أو الجسدي، والاعتداء على الآخرين، والتطاول على القانون، من أجل تحقيق مصالح شخصية معيَّنة.
  • هو قيام أفراد معينين بأفعال دولية من العنف الشخصي، بحق ضحايا في الأماكن العامة، تتمثل في أحداث الشغب، وحرب العصابات، وهجمات القناصة، والتنمر، وإطلاق النار من السيارات المتحركة، والتعذيب، والاعتداءات في مقرات العمل، والهجمات الإرهابية، وسوء المعاملة الجنسية والجسدية والعاطفية، والتطهير العرقي.

تُشير الدراسات إلى أنَّ 48.7% من الأفراد، قد شاهدوا أحداث عنف على مدار حياتهم، بواقع 38.1% من الإناث، و60.5% من الذكور، وأنَّ تعاطي الكحول والمخدرات من أكبر مسببات العنف المجتمعي والتي تصل إلى 96%، تليها البطالة بنسبة 93.4%، والظروف الاقتصادية بنسبة 92.3%، وغياب الرادع الديني بنسبة 84.55%، وغياب مشاعر التسامح بنسبة 84.1%.

أنواع العنف المجتمعي، ومظاهره، وآثاره السلبية:

1. أنواع العنف المجتمعي:

  • العنف الجسدي: يُعَدُّ العنف الجسدي من أشد أنواع العنف؛ إذ يتعرض فيه الضحايا للضرب والإيذاء الجسدي والقتل؛ مما يُلحق بهم أضراراً جسدية ونفسية جسيمة.
  • العنف اللفظي المعنوي: يتجسد العنف اللفظي في السب، والشتائم، والإهانة، والتنمر، والكلام البذيء والألفاظ غير اللائقة، ولا يمكن الاستهانة بنتائجه على الضحية؛ وذلك لأنَّه يُدمر ثقته بنفسه، ويُصاب بالخوف والخجل الاجتماعي والانطواء والاكتئاب.
  • العنف الجنسي: يُعَدُّ العنف الجنسي من أبشع أنواع العنف الذي يتعرض له الإنسان؛ وذلك لأنَّه انتهاك لكرامة وشرف الإنسان، وجعله يعيش أسوأ تجربة نفسية على الإطلاق، ويجد صعوبةً بالغة في التخلص منها والعودة إلى حياته الطبيعية.

شاهد بالفديو: أعراض التنمر المدرسي وعلاجه

2. مظاهر العنف المجتمعي:

مظاهر العنف الاجتماعي كثيرة، نذكر منها:

  • العنف الطلابي في المدارس والجامعات والملاعب الرياضية، بالاعتداء على المدرسين أو على بعضهم بعضاً.
  • الاعتداء على موظفي الدولة.
  • السطو المسلح.
  • فزعات انتقامية أو ثأرية.
  • قضايا الشرف.
  • انتشار المخدرات وتجارتها.
  • انتشار السلاح والعصابات المسلحة.

3. الآثار السلبية للعنف المجتمعي:

تتجسَّد أهم الآثار السلبية للعنف المجتمعي في الأشخاص الضحايا، وفي المجتمع بـ:

  • فقدان الأمن والأمان في المجتمع، وانتشار الخوف والرعب بين أفراده؛ مما يدفعهم للتفكير بالهجرة وترك البلاد.
  • التأثير السلبي في اقتصاد البلاد؛ إذ تؤدي أعمال الشغب والتخريب إلى إلحاق الضرر بالمؤسسات الحيوية والبنى التحتية.

أسباب العنف المجتمعي:

تنبذ الفطرة السليمة القتل وإيذاء البشر، ولكنَّ التنشئة الأسرية والمفاهيم والعادات الخاطئة كالانتقام والثأر وجرائم الشرف وما يتعرض له الإنسان من عنف وظلم، تشوِّه فطرته السليمة وتظهر لديه نزعةً للعنف؛ لذا تُعزى ظاهرة العنف المجتمعي إلى أسباب عدَّة، وهي:

1. العنف الأسري:

بحسب رأي العلماء، فإنَّ العنف الأسري هو أكبر مسببات العنف المجتمعي، فممارسة العنف من قِبل الأبوين على الطفل، تُحرِّض ميوله إلى العنف والعدائية، وكما هو معروف، العنف يولِّد العنف، وتجعل الطفل يُمارس العنف دون تفكير أو إدراك منه.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة قبل أن تفكّر بضرب طفلك

2. تربية الطفل على الانتقام:

ينتشر هذا الخطأ التربوي الخطير في مجتمعاتنا انتشاراً كبيراً جداً، بأن يأتي الطفل لأبويه شاكياً من ضرْب أحدهم له، فيُسارع الأبوان لتحريضه على ضربه؛ مما يزرع بذرة الانتقام بداخل الطفل، فيكبر الطفل وهو يتعامل بعضلاته، ويلجأ إلى العنف بدلاً من التسامح والعفو.

3. عوامل نفسية:

هناك عوامل نفسية تُحرِّض نشوء سلوك العنف لدى الإنسان، كالعقد النفسية والشعور بالدونية والانعزال، فتجعل الإنسان أكثر ميلاً للعدائية والعنف.

4. التعاطي وإدمان الكحول:

يجعل إدمان الكحول وتعاطي المخدرات الشخص أكثر عُرضةً للسلوك العنيف.

5. دور الإعلام:

أدَّى الإعلام دوراً في انتشار العنف المجتمعي، من خلال انتشار مشاهد العنف والقتل والضرب في الأخبار التلفزيونية وفي أفلام الرعب وحتى في الرسوم المتحركة للأطفال؛ مما يجعل قلب الإنسان يقسو ويصبح القتل أمراً مستساغاً ومألوفاً، وربما يُمارسه في لحظة من اللحظات.

6. الفقر والحاجة:

عندما ينتشر الفقر والحاجة، ينتشر العنف والجريمة لسد حاجات الإنسان.

7. البطالة:

يُعَدُّ انتشار البطالة في مجتمعاتنا العربية من أهم مسببات ظاهرة العنف، فعدم توفُّر فرص العمل للشباب، يجعلهم يقعون في فخ العنف وأعمال البلطجة وغيرها.

8. الجهل والتخلف:

ما تزال بعض المجتمعات تُعاني من الموروثات الثقافية الخاطئة، فنجدها تُعاني من انتشار جرائم الثأر وجرائم الشرف، وبحسب الإحصاءات، فإنَّ أكثر من 5 ملايين امرأة تلقى حتفها كل عام، بسبب ارتكاب جرائم الشرف.

9. تهميش دور الشباب:

لا تُعطي بعض الدول - وخاصةً العربية منها - دوراً للشباب للمشاركة والتعبير عن أفكارهم ومطالبهم؛ مما يجعلهم يلجؤون إلى العنف كنوع من إثبات الذات والتعبير عن النفس.

10. الفهم الخاطئ للدين:

ينتشر اليوم للأسف الفهم الخاطئ للدين في كثير من البلدان، وظهور الجماعات المتطرفة التي اتخذَت من العنف وسيلةً لفرض أفكارها ومعتقداتها.

11. التعصب:

لا يزال التعصب للعرق أو للقبيلة أو للعشيرة منتشراً في بعض المجتمعات العربية، وظواهر الثأر والانتقام والعنصرية.

إقرأ أيضاً: ما هو مفهوم التسامح؟ وما فوائده وأهميته؟

12. العولمة:

يُشير بعض علماء النفس إلى الربط بين تطورات العولمة وظاهرة العنف، ونشوء الرغبة في تحقيق الرفاهية والمتعة، والرغبة في الامتلاك؛ مما يُفرز نزعةً عدائية لدى بعض البشر، للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من المكاسب، باستخدام طرائق العنف والبلطجة.

وسائل للقضاء على ظاهرة العنف المجتمعي:

يُعَدُّ القضاء على ظاهرة العنف المجتمعي أمراً ليس بالسهل، ويحتاج إلى العمل على أكثر من مجال، مثل:

  • نشر ثقافة القانون، والمحاسبة، والالتزام بتطبيق الأنظمة والتعليمات.
  • توفير العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص لكافة الأفراد.
  • الاهتمام بتوعية الأجيال والشباب، وتعليمهم مهارات الحوار، وفض النزاعات وحلِّ المشكلات، وتقبُّل الآخر، واحترام الاختلاف.
  • نشر ثقافة التسامح، والتركيز على أنَّ العنف يولِّد عنفاً، وهو سبب دمار الشعوب.
  • إلحاق عقوبة صارمة بمرتكبي جرائم العنف المجتمعي، لتحقيق العدل وردع الآخرين.
  • إدراك حقيقة أنَّ العنف لا يزول بسرعة؛ بل علينا امتصاصه؛ بمعنى احتواء هؤلاء الشباب العنيفين، وتأهيلهم نفسياً ودمجهم في مجالات الرياضة والموسيقى وممارسة الهوايات المفضلة لديهم.
  • تسليط الضوء من خلال الإعلام على الفئة التي تُمارس العنف المجتمعي، وإظهارهم بأنَّهم مصدر للعنف والتخريب؛ مما يجعلهم منبوذين ومُحارَبين من المجتمع.
  • وضع برامج تثقيفية وتوعوية للأهل حول مخاطر ممارسة العنف على الأطفال، وتعليمهم مهارات حل المشكلات الأسرية بالحوار والاحتواء للأبناء.
  • مكافحة انتشار السجائر والكحوليات والمخدرات، بفرض القيود على بيعها من خلال زيادة الضرائب عليها.
  • توفير أماكن ونوادٍ ترفيهية ورياضية لإشغال الشباب وتفريغ طاقاتهم.
  • تأمين مستوى معيشي كريم للأفراد، وإشباع متطلباتهم الأساسية من مسكن وعمل وزواج؛ مما يُشعرهم بالاستقرار والراحة النفسية.
  • يجب تفعيل دور الشباب ومشاركتهم بالحياة العامة، سواء الاقتصادية أم السياسية أم الاجتماعية؛ مما يزيد شعورهم بالانتماء والمسؤولية لحماية مجتمعاتهم.
  • تأمين فرص عمل للشباب، فالبطالة والفراغ من أخطر مسببات الاكتئاب، والعنف والإدمان على الكحول والمخدرات.
  • محاربة ظاهرة أطفال الشوارع والتسول، التي من شأنها خلق جيل غير مؤهل تأهيلاً صحيحاً، ويستخدم العنف للحصول على ما يُريد.
  • تقليل مشاهد العنف التي تُعرَض على وسائل الإعلام، وتوعية الأهل لمراقبة أبنائهم فيما يُشاهدون ويُتابعون.
  • تفعيل جمعيات ومراكز حقوق الإنسان، والتصدي للعنف الأسري والمجتمعي.
  • إنشاء مراكز خاصة بتأهيل الأشخاص العنيفين من الناحية النفسية والسلوكية.
  • نشر تعاليم الدين التي تدعو إلى التسامح والإنسانية، ونبذ العنف والعنصرية وإيذاء الآخرين.
  • القضاء على الجهل والتخلف وتوعية الشباب والاهتمام بمتابعة تعليمهم، والتركيز على تعزيز القيم والأخلاق فيهم منذ الصغر.
  • الاهتمام بالصحة النفسية لأفراد المجتمع بالعموم، من خلال تفعيل مراكز مختصة تُوفِّر الخدمات العلاجية والإرشادية لهم.
إقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن التسامح

تصنيف دول العالم حسب معدل الجريمة فيها (العنف المجتمعي):

بناءً على الكثير من القوائم والإحصاءات التي أُجرِيَت لحساب معدل الجريمة في دول العالم؛ وذلك بالاستناد إلى مؤشرات عدَّة مثل:

الأمن الاجتماعي، ومستوى الجريمة، والسرقة، والنزاع المسلح، والجريمة، والأفعال الإرهابية.

توصَّلوا إلى ترتيب البلدان من حيث معدل الجريمة فيها، كما يلي:

تصدَّرَت فنزويلا الدول الأكثر خطراً في العالم، تلتها كل من غينيا الجديدة، وجنوب أفريقيا، وأفغانستان، والهندوراس، وترينيداد، وتوباغو، والسلفادور، وغويانا، إلى نهاية هذه القائمة. وتُعَدُّ اليابان، والإمارات العربية المتحدة، وقطر من الدول التي تشهد عدداً أقل من الجرائم في العالم.

في الختام، الحلم المنشود، مجتمعات خالية من العنف:

يطمح العالم كله للوصول إلى مجتمعات متحضرة راقية، تحترم حقوق الإنسان والإنسانية، وخالية من كل مظاهر العنف المجتمعي، وتقع هنا المسؤولية على الأهل والمدرسة، بضرورة تربية الطفل على الحوار، وقبول الآخر كما هو واحترامه، وتعليمه أن يرفض كل أشكال العنف، ومن ثمَّ يأتي دور مؤسسات الدولة باحتضان الأطفال عندما يُصبحون شباباً، ليكونوا قوةً مُعمِّرة، وليست مدمِّرةً لمجتمعاتهم.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة