العادات: تعريفها، وفوائدها، وكيفية بناء عادات إيجابية

"أنا أرغب في التخلص من عادة التدخين السيئة ولكنِّي لا أستطع القيام بذلك، حيث يتطلب الأمر كثيراً من الإرادة التي لا أملكها"، "لقد وضعت في خطة أهدافي لهذه السنة، اكتساب عادة الصلاة، ويا لا سخرية القدر؛ إذ يصادف اليوم النصف الثاني من السنة، ولم أنفذ شيئاً ممَّا نويت القيام به"، "أنا أشعر أنَّ لديَّ النية والحماس والطاقة لاكتساب العادة الإيجابية، ولكنَّني أخسرها بعد يوم أو يومين من بدء ممارسة العادة، فكيف لي أن أحافظ على حماستي وطاقتي؟"، "كيف لي أن أُنهِي حالة إدمان الإنترنت التي لديَّ، فأنا أشعر أنِّي سأصاب بالكآبة إن توقفت عن تصفح الإنترنت".



العادات، العنصر الأكثر تأثيراً في حياتنا؛ إذ إنَّها التي تصنع منك شخصاً عظيماً أو التي تتركك شخصاً عادياً لا معنى لحياته. فإن لم تكن قادراً على الالتزام بغسيل أسنانك يومياً، فهذا يعني أنَّك أمام تحدٍّ كبير في حياتك، وهو تحدِّي الالتزام والإرادة، فقد خُلِقت في هذه الأرض لتكون شخصاً قوياً وحراً، وليس تابعاً وضعيفاً وهشاً أمام لفافة تبغ أو كأس من الكحول أو موقع يبيع البذاءة على الإنترنت.

لطالما نتمنَّى التغيير والتميُّز، ولكنَّنا لا نقوم بفعل خطوات جدِّية تتلاءم مع هذه الرغبة، فنكتفي بمجرَّد تخيُّل الحياة المثالية التي نريدها في عقولنا من دون أن نبادر بأي خطوة جدِّية لتحويل هذا التصور إلى واقع.

ننظر إلى صانعي التغيير في الحياة، منبهرين من إنجازاتهم، مقتنعين بأنَّ السبب الأساسي في نجاحهم هو الزخم الكبير للحظ في حياتهم، ومستسلمين إلى وعي الضحية الذي يجتاحنا ويُكبِّلنا ويُعرقِل طموحنا، سامحين لمشاعر الظلم والتذمر والسخط بالسيطرة على حياتنا.

ماذا لو قلت لك أنَّ خطوات بسيطة في حياتك كافية لجعلها أغنى وأجمل وأرقى؟ ماذا لو قلت لك إنَّ باستطاعتك الوصول إلى النعيم الحقيقي من خلال عادة؟ هذا ما ستعرفه من خلال هذا المقال.

ما العادة؟

هي سلوكات يقوم بها الإنسان بطريقة تلقائية ومن دون أي جهد، أي أنَّها سلوكات محفورة في لا وعي الإنسان. تنشأ العادات من القدرة المميزة الموجودة في العقل البشري، حيث يميل العقل إلى تحويل السلوكات المكررة إلى مهارات وخبرات وعادات، بحيث يحافظ على طاقة الإنسان ويوجهها اتجاه تعلُّم مهارات جديدة مختلفة؛ حيث تتطلب المرحلة الأولى من التعلم كثيراً من الانتباه والتركيز. على سبيل المثال: يكون عقل الطفل في كامل تأهُّبه في أثناء تعلُّم المشي، حيث يصرف كامل طاقته في تعلُّم الحركات، ومن ثمَّ بعد تكرار الحركات نفسها على مدار فترة زمنية طويلة، يتحول المشي إلى عادة روتينية لا تتطلب جهداً أو طاقة أو تفكيراً.

حياتنا ما بين العادات:

كم اكتسبنا من عادات على مدار سنين حياتنا من دون وعي لكيفية تشكُّل تلك العادات وتطورها، إلى أن باتت هي الحاكم الأساسي في تصرفاتنا وأفعالنا. فكم عدد الأشخاص المؤمنين بعدم قدرتهم البتَّة على الإقلاع عن عادة سيئة، سامحين لتلك العادة بالسيطرة التامة على كامل حياتهم؟ فكم عدد المرات التي سمعنا فيها عبارة "لا أستطيع مطلقاً الامتناع عن التدخين

كيف تتشكل العادة؟

1. المُحفِّز:

وهو الشيء الذي يحرك في داخلك شرارة البدء بممارسة العادة؛ على سبيل المثال: مشاعر الملل والفتور التي تقودك إلى تصفح الإنترنت (إدمان الإنترنت)، أو العودة إلى المنزل بعد العمل التي تقودك إلى النوم مباشرة (عادة النوم).

2. الروتين:

وهو السلوك المترافق مع العادة؛ مثل: عادة مشاهدة التلفاز بعد العودة من المدرسة، أو عادة ممارسة الرياضة يومياً في الساعة الخامسة عصراً.

3. العائد:

وهي الحالة الإيجابية التي تشعر بها بعد قيامك بالعادة، كأن تشعر بالمتعة بعد التدخين، أو تشعر بالمتعة والسرور بعد قراءة كتاب. وهنا يظهر الفرق ما بين العوائد الناتجة عن العادات الإيجابية، والأخرى الناتجة عن العادات السلبية. حيث تتمتع العادات السلبية بعوائد إيجابية فورية (شعور اللذة بعد تناول وجبة من الأكل السريع غير الصحي)، في حين تتمتع العادات الإيجابية بعوائد إيجابية على المدى البعيد (الفوائد الروحية والنفسية للصلاة). من جهة أخرى، لا تظهر العوائد السلبية للعادات السلبية إلا بعد ممارستها بفترة زمنية طويلة (الجلطات القلبية الناتجة عن التدخين)، في حين تظهر العوائد السلبية للعادات الإيجابية بعد فترة قصيرة من ممارستها (الآلام الناتجة عن ممارسة الرياضة). وبما أنَّ طبع الإنسان الاستعجال؛ لهذا السبب يميل أغلب الناس إلى اكتساب العادات السلبية والابتعاد عن الإيجابية.

إقرأ أيضاً: أربع عادات تمنحك الثقة بالنفس

ما فوائد العادات الإيجابية، وكيف أبني عادة إيجابية؟

تعيش غالباً موقفاً صعباً ما بين رغبتك في التغيير والتطور، وبين القوة التي تشدك إلى الوراء وتقنعك بالبقاء على الوضع نفسه من دون أي تغيير أو تحسين؛ إذ إنَّ حياتك جيدة على هذا النحو! ثمَّ مَن قال إنَّ إضافة عادة واحدة سيؤثِّر إيجابياً في كامل حياتك، ومَن قال إنَّ التدخين المستمر يؤذي الصحة، فهناك كثيرٌ من المدخنين ممَّن لا يعانون من أي عارض صحي!

تؤثِّر العادات حقيقةً في كل مجريات حياتنا، فالفرق الوحيد بين الإنسان الناجح والآخر الفاشل هو العادات؛ إذ بينما يهدر الإنسان الفاشل وقته بعادة تصفح الإنترنت والحديث مع الناس الغرباء، يقوم الإنسان الناجح بقراءة كتاب يوسِّع مداركه ويزيد من ثقافته. من جهة أخرى، تُعدُّ العادات إحدى أهم الطرائق السحرية لتغيير الحياة نحو الأفضل، ولصناعة النسخة الأفضل منك، فخطوات بسيطة منك كفيلة بإحداث نقلة نوعية في حياتك، ولا يمكنك تخيُّل التغيير الذي قد يصيب حياتك بالتزامك عادة القراءة مدة ساعة يومياً على سبيل المثال.

كيف أبني عادة إيجابية؟

1. الوعي:

عليك ابتداءً، الوعي للمراحل الطبيعية التي ستمرُّ بها في أثناء خلقك لعادة إيجابية؛ إذ إنَّ من الطبيعي أن يقاوم عقلك الانتقال إلى العادة الإيجابية، كونه معتاداً على حالة معيَّنة ويرغب في البقاء في وضع الراحة. تحتاج مرحلة المقاومة إلى كثيرٍ من الإرادة والتحدي لتجاوزها، حيث ستشعر بكثيرٍ من المشاعر القاسية والسلبية خلالها. ومن ثمَّ تأتي مرحلة عدم الراحة، حيث تحتاج هذه المرحلة إلى إرادة أقل ولكنَّك ستبقى في حالة من المشاعر غير الجيدة، وصولاً إلى مرحلة التلقائية؛ هنا تتحول العادة إلى سلوك طبيعي لا يحتاج إلى التفكير والجهد.

إقرأ أيضاً: الوعي الذاتي: تعريفه، وأهميته، وطرق تعزيزه وتطويره

2. العائد:

اصنع لنفسك عائداً فورياً من جراء العادة التي تريد بناءها، كأن تقول سأشاهد فيلماً قصيراً جميلاً بعد دراستي للفصل كذا من المادة كذا. ومن ثم عليك صناعة عائد على المدى الطويل، كأن تكتب على ورقة فوائد الدراسة وتحقيق المجاميع العالية في الجامعة؛ اكتب مثلاً: سأحصل على مشاعر رائعة من السعادة والرضا والمتعة عندما أجتاز الامتحانات بمعدلات عالية، وستكون تلك فرصتي للدخول إلى سوق العمل عبر أوسع أبوابه.

3. التركيز على الالتزام لا النتائج:

اعلم أنَّ ما يهم هو الالتزام اليومي بممارسة العادة الإيجابية، ولا تهم النتائج، فأنت تبني سلوكاً وأسلوب حياة وليس عادة مؤقتة. على سبيل المثال: في حال كانت لديك رغبة في بناء عادة القراءة، كأن ترغب في قراءة 15 صفحة يومياً من كتاب ما، فهنا عليك اتخاذ قرارٍ بالالتزام اليومي بهذه العادة، وفي حال شعورك بالملل وعدم الرغبة في القراءة في يوم من الأيام، فإيَّاك أن تتخلَّى عن القراءة في ذلك اليوم، بل اقرأ ولا تهتم إن كانت قراءتك بلا تركيز أو حب، فما يهم الآن هو بناء السلوك أكثر من تحقيق النتيجة، وهي إنهاء قراءة الكتاب. وفي حال حدوث أمر طارئ معك يمنعك تماماً من القراءة، فحينها اكتب تعهداً بقراءة 30 صفحة في اليوم التالي، بحيث تبني عقاباً لك، وتمنع عقلك من الاستخفاف بالأمر والتقليل من أهميته لاحقاً.

4. الارتباط الشرطي:

نعيش كل حياتنا محكومين بحالة الارتباط الشرطي، فأنت تأكل الوجبات السريعة بمجرد خروجك من المنزل، وتتصفح الإنترنت بمجرد خلودك إلى النوم، وتُشعل لفافة التبغ بمجرد شعورك بالملل أو الضيق. تستطيع استغلال حالة الارتباط الشرطي تلك في صنع عادة إيجابية لنفسك، كأن تبني ارتباطاً شرطياً ما بين الأشياء التي تحب القيام بها، والعادة الجديدة التي تريد بناءها؛ فمثلاً يمكنك أن تربط عادة المشي التي تحبها كثيراً بعادة القراءة التي تريد بناءها، كأن تقول سأقرأ 15 صفحة ثمَّ أذهب إلى المشي. ونتيجة لتكرار هذا الارتباط، سوف تتحول عادة القراءة إلى عادة إيجابية تحقق لك المتعة نفسها التي يحققها لك المشي.

5. المنطقية:

اكتب على ورقة عواقب عدم بناء العادة التي تريد الالتزام بها؛ مثلاً اكتب مساوئ عدم بناء عادة القراءة في حياتك، كأن تكتب: عدم القدرة على التطور الشخصي، عدم القدرة على توليد الأفكار الإبداعية، عدم القدرة على إجراء المحاكمة المنطقية والواقعية للأمور.

6. المؤثرات البصرية:

استخدم المؤثِّرات البصرية من أجل إثارة عقلك للقيام بالعادة الإيجابية الجديدة، كأن ترتدي خاتماً معيَّناً يرمز إلى عادة القراءة، بحيث يذكرك بضرورة الالتزام بتلك العادة. أو أن تضع الكتاب في مكان واضح في المنزل بحيث يكون متاحاً أمامك على الدوام.

7. متابعة تنفيذ العادة:

راقب تنفيذك للعادة، كأن تضع أمامك ورقة عليها أيام الشهر، ومن ثمَّ تسجل التزامك تطبيق العادة في كل يوم من الأيام مع تظليل الأيام التي حصلت فيها على التزام عالٍ. تشجعك هذه الطريقة على الاستمرار في تطبيق العادة والالتزام بها؛ حيث إنَّك ستحاول جاهداً الحصول على عدد أكبر من الأيام المظللة على ورقتك.

8. الحفاظ على الحماسة:

أحط نفسك بالأشخاص الإيجابيين في حياتك، والساعين إلى التغيير والتطور. وتابع القنوات الإيجابية التي تحفز على العمل والسعي وبناء حياة غنية وقيِّمة.

إقرأ أيضاً: السلوكيَّات الإيجابيَّة وآليَّات تكريسها

كيف أتخلص من عادة سلبية؟

  • في الحقيقة عليك بداية أن تسأل نفسك: "ما الدافع إلى الإقلاع عن العادة السيئة؟"، وعندها اكتب دوافعك، كأن تحظى بصحة جيدة بعد الإقلاع عن عادة التدخين.
  • ومن ثمَّ اربط العادة السلبية التي تقوم بها بشيء لا تحبه، كأن تربط بين التدخين وسماع الصراخ، كأن تضع موسيقى مزعجة وتدخن في أثناء الاستماع إليها؛ عندها بعد تكرار هذا السلوك، ستجد نفسك تلقائياً تبتعد عن عادة التدخين. أو تستطيع استبدال عادة التدخين بعادة إيجابية تحقق لك العائد نفسه الذي يحققه التدخين لك، كأن تلاحظ المُحفِّز الذي يحفزك على التدخين، فقد يكون مثلاً مشاعر الضيق والغضب، وعندها تقوم بتصرف آخر وقت شعورك بالضيق والغضب، كأن تخرج للمشي مثلاً بدلاً من التدخين. ستجد الأمر في البداية مرهقاً للغاية، ويتطلب كثيراً من الإرادة للاستمرار فيه، ولكنَّك مع التكرار ستتمكن من استبدال عادة التدخين السلبية بعادة المشي الإيجابية والتي تحقق لك عائد المتعة والراحة النفسية.
  • يجب عليك الالتزام بالإقلاع عن العادة السلبية، والمواظبة على العادة الإيجابية البديلة عنها، وفي حال الإخلال بالالتزام؛ عليك فرض عقاب ذاتي، كأن تدفع مالاً أكثر من المعتاد دفعه إلى الفقراء. لا تستسلم وعاود الاستمرار في العادة الإيجابية.
  • اكتب عواقب عدم إقلاعك عن العادة السلبية، كأن تكتب: تراجع الصحة وشحوب الوجه وفقدان الشهية وخسارة المال في حال الاستمرار في عادة التدخين السيئة.
  • ابنِ بيئة مناسبة لك، كأن تُصادق الناس الإيجابيين البعيدين عن العادات السلبية، وتتصفَّح المواقع التي تُعنَى بتطوير حياتك وجعلك أكثر صحة ونضوجاً.

الخلاصة:

ابنِ عادات قوية وإيجابية لكي تصنع لنفسك حياة قوية وإيجابية، فالفارق الجوهري بين الإنسان العادي والإنسان الناجح هو عادة.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة