اكتئاب ما بعد الزواج: أسبابه، وأعراضه، وإجراءات التغلب عليه

الزواج سنة من سنن الكون، وهو أمرٌ تطلبه الفطرة البشرية السليمة، وهو ضروري للمرأة والرجل، للشعور بالاستقرار النفسي والجسدي، ولكنَّ التغيرات الجذرية التي ينطوي عليها الزواج، والتي تكون بمنزلة نقلة نوعية في حياة الزوجين، وأعباء الزواج التي تُلقي بظلالها على كل من الرجل والمرأة، قد تؤدي إلى إصابتهما بما يُعرَف بـ "اكتئاب ما بعد الزواج".



ما هو اكتئاب ما بعد الزواج؟

يُعَدُّ اكتئاب ما بعد الزواج ظاهرةً طبيعية تحدث في بداية الحياة الزوجية، فعادةً ما يُصاب الإنسان ببعض الأعراض الاكتئابية خلال المراحل الانتقالية في الحياة بسبب التغيرات التي تستجد عليها، وفي حالة الزواج غالباً ما يكون بسبب ما يرسمه الشاب والفتاة من أحلام وردية وصور خيالية عن الزواج بعيدة عن الواقع؛ مما يجعلهما يصطدمان بواقع الزواج، وما ينطوي عليه هذا الواقع من مسؤوليات وصعوبات وربما مشكلات زوجية، الأمر الذي يجعلهما يدخلان في حالة من الاكتئاب.

وتُشير بعض الدراسات الإحصائية إلى أنَّ واحدةً من كل عشر نساء متزوجات حديثاً، تُصاب باكتئاب ما بعد الزواج، وهذا الأمر ينطبق على الرجال أيضاً، ولكنَّ إصابة الرجل تكون بنسبة أقل من إصابة المرأة؛ وذلك بسبب طبيعتها العاطفية وحساسيتها المفرطة تجاه الأشياء.

أسباب اكتئاب ما بعد الزواج:

هناك مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى اكتئاب ما بعد الزواج، ومن أهمها:

1. اليوم الكبير:

يُعَدُّ حفل الزفاف حدثاً مفصلياً في حياة الزوجين؛ إذ تسبقه الكثير من التحضيرات والبهجة واهتمام المحيط بهما، ولكن ما أن يستيقظ الزوجان صبيحة اليوم التالي حتى يشعرا بأنَّ كل شيء اختفى، ولم يَعُد هناك اهتمام وأحداث في يومهما، تقول "جوسلين تشارناس" وهي عالمة نفس في نيويورك ولُقِّبَت بـ "طبيبة الزفاف": "إنَّ كل شخص تقريباً يُعاني نوعاً ما من خيبة الأمل بعد اليوم الكبير؛ أي حفلة الزفاف، مثل أي حدث فاصل نتطلع إليه، فإنَّ درجةً معيَّنة من المشاعر الصعبة، سواء كانت الفراغ أم الوحدة أم الحزن، من المألوف وقوعها"، وتُركز "تشارناس" أنَّه ينبغي على الزوجين توقُّع الشعور بخيبة الأمل بعد انتهاء الزفاف، فتقول: "كان الجميع يسألونني حول موعد زفافي، ولكن عندما تزوجتُ، لم يَعُد أحد يسأل عني".

إقرأ أيضاً: أهم النصائح لتخفيف التوتر والقلق لدى العروس يوم الزفاف

2. البعد عن الأهل:

الزواج يعني ترك الأهل والانتقال إلى مكان آخر، ربما بعيد عنهم جغرافياً، فهذه التجربة ليست بالسهلة وتُولِّد إحساساً بالفراق والوحدة، خاصةً عند الفتاة.

3. التغيير الجذري:

ينطوي الزواج على تغيير جذري في المنزل، والقوانين، والعادات والتقاليد في بيئة عائلات الزوجين.

4. المسؤوليات الجديدة:

ترى الفتاة نفسها أمام مسؤوليات عائلية ومنزلية واجتماعية كثيرة، كذلك يجد الزوج نفسه مُطالَباً بتأمين متطلبات المنزل كلها، فهذه المسؤوليات الكثيرة المطلوبة من الزوجين، قد تُشعرهما بالضغط والعبء النفسي وقد يُصابان بالاكتئاب.

5. الاختلاف بين الزوجين:

مهما كانت فترة الخطوبة والتعارف طويلةً، تبقى الحياة المشتركة تحت سقف واحد مختلفة، فقد يكتشف الزوجان اختلافاً في الطباع، والرأي، والفكر والثقافة؛ مما يصيبهما بالاكتئاب.

6. غياب الوعي:

يُقدِم الكثير من الشباب والفتيات على تجربة الزواج دون اكتمال النضج والوعي الكامل لهذه الخطوة، فلا بُدَّ من توعيتهم وتثقيفهم حول معنى الزواج والهدف منه وتحمُّل مسؤولياته.

7. الشعور بالملل:

غالباً ما يشعر الزوجان بالملل والوحدة بعد انتهاء مراسم الزفاف والبهجة، وفقدان الاهتمام الكبير الذي تلقَّياه قبل الزفاف من الأهل والأصدقاء.

8. الأعباء المالية:

يترتب على الزواج تكاليف كثيرة، وقد يضطر الزوجان للديون؛ مما يُقلق بالهما بعد الزواج، وقد يدخل أحدهما في اكتئاب ما بعد الزوج.

إقرأ أيضاً: 5 أسس مهمة تساعد على تنظيم وتحسين ميزانية الأسرة

9. الضغط الاجتماعي:

يترتب على الزواج أعباء وواجبات اجتماعية معيَّنة، فيضطر الزوجان إلى القيام بها؛ مما يُشعرهما بالضغط والإرهاق، كما قد يتعرضان لتدخُّل الأهل في حياتهما، كالتدخل في موعد إنجاب الأطفال مثلاً.

10. صعوبة التواصل:

من أكبر مُسببات اكتئاب ما بعد الزواج هو معاناة الزوجين من مشكلةٍ أو صعوبة في التواصل بينهما، وانعدام التوافق الفكري بينهما.

11. مشكلات في العلاقة الحميمة:

تُشكل العلاقة الحميمة نقطةً أساسية في الزواج، وتؤدي دوراً كبيراً في تقارب أو تباعد الزوجين؛ لذا فقد يؤدي وجود مشكلة فيها أو عدم انسجامهما جنسياً إلى إصابة أحد الزوجين باكتئاب ما بعد الزواج.

12. الزواج المبكر والقسري:

لا تزال بعض المجتمعات تُجبر شبابها وفتياتها على الزواج المبكر والقسري، والتي يكون اكتئاب ما بعد الزواج نتيجةً حتمية له في أغلب الحالات.

13. الحنين للعزوبية:

كثيراً ما يحن الشاب أو الفتاة لحياتهما قبل الزواج، ويفتقدان الحرية والاستقلالية، وجلسات الأصدقاء والخروج معهم في أي وقت دون أي حساب أو قيد.

14. الدلال الزائد:

تُعامل بعض العائلات أبناءها بكثير من الدلال؛ مما يجعل منهم أشخاصاً اتكاليين لا يتحملون أيَّة مسؤولية، وينصدم هؤلاء أنَّ الزواج ليس كبيت الأهل؛ مما يُصيبهم بالاكتئاب.

15. الزواج هو المُنقذ من كل شيء:

ينظر بعض المُقدِمين على الزواج على أنَّه هو المُنقذ والحل النهائي لكل مشكلات حياتهم، وأنَّه المهرب من مصاعب الحياة وضغوطاتها، ولكنَّ هذه الفكرة الخيالية ليست صائبةً، فالزواج مرحلة جديدة من الحياة وليس تلك العصا السحرية التي تقلب الحياة إلى جنة، فالجنة ليست موجودةً على الأرض.

أعراض اكتئاب ما بعد الزواج:

توجد مجموعة من الأعراض التي تظهر على الزوج والزوجة، ويمكن الاستدلال من خلالها على إصابتهما باكتئاب ما بعد الزواج، ومن أبرزها:

  • الشعور بالحزن والكآبة والميل للعزلة.
  • صعوبة في النوم.
  • الحساسية المفرطة وسرعة الانفعال لأتفه الأسباب.
  • عدم الاهتمام بالنفس أو بالطرف الآخر.
  • تغيرات في الشهية والوزن.
  • فقدان الرغبة الجنسية.
  • الشرود والتشتت وفقدان التركيز.
  • التشكيك في صحة الزواج وأنَّ الشريك هو الخيار المناسب أم لا.

شاهد بالفيديو: 7 علامات تدل على إصابتك بالاكتئاب

إجراءات التغلب على اكتئاب ما بعد الزواج:

يُقدِّم علماء النفس وخبيرو العلاقات الزوجية بعض الإجراءات للمُقبلين على الزواج لتجنب الإصابة باكتئاب ما بعد الزواج والتغلب عليه، مثل:

1. تأجيل شهر العسل:

غالباً ما يشعر الزوجان وخاصةً الفتاة بالحاجة إلى الأهل في الأيام الأولى من الزواج، والحاجة إلى الاستراحة من الزفاف وتحضيراته المُرهقة؛ لذا من المفيد تأجيل شهر العسل والسفر لما لا يقل عن خمسة أيام بعد حفل الزفاف حتى يتأقلم الزوجان مع الوضع الجديد.

2. التفكير بإيجابية:

يجب على الزوجين أن يُغيِّرا الأفكار السلبية التي تُراودهما عن الزواج، وذلك بالتفكير أنَّ كلاً منهما الآن مع الشخص الذي اختاره شريكاً لحياته، وتبديل فكرة أنَّهما تركا أهلهما بفكرة أنَّهما الآن يكوِّنان أسرتهما الجديدة الخاصة بهما، والنظر إلى المسؤوليات والواجبات الجديدة على أنَّها خبرات حياتية تُقوي الصلابة النفسية، وأنَّ الأمر كله مسألة وقت ويعتادان عليها وتُصبح أموراً روتينية بالنسبة إليهما.

3. الوعي:

من الضروري أن يعي الزوجان فكرة أنَّهما مُقبلان على مرحلة جديدة بكل تفاصيلها وأدوارها، وأنَّ مشاعر الخوف والقلق وربما الاكتئاب هي أمرٌ طبيعيٌ، ويجب تقبُّلها والتعاون معاً لتجاوزها والاعتياد على الحياة الجديدة.

4. الواقعية:

يجب أن يكون كل من الرجل والمرأة واقعيين في نظرتهما للزواج، وأنَّه ليس فقط حباً ورومنسية كما تُصوِّره لنا الأفلام والروايات؛ بل هو مؤسسة تحتاج إلى العقل والتفاهم والتنازل أحياناً، والتعامل بعقلانية وعملية في كثير من الأمور.

5. التثقيف:

من الضروري أن يقوم الزوجان بثقيف نفسيهما وقراءة الكتب والمقالات ونصائح علماء النفس وخبراء العلاقات الزوجية عن مرحلة الإقدام على الزواج وصعوباتها وآثارها النفسية، واتباع النصائح والإرشادات للتعامل مع هذه الفترة الحساسة من الزواج بحكمة ووعي.

6. الفضفضة:

تُعَدُّ الفضفضة بين الزوجين من أرقى أنواع العلاجات الروحية، فيجب أن يحرص كلٌّ من الرجل والمرأة على مصارحة بعضهما بمشاعر خيبة الأمل والكآبة التي تعتريهما، والفضفضة بكل ما يشعر به أحدهما للآخر، وما يُسبب له الضيق.

7. المشاركة:

تُعَدُّ المشاركة الدواء الشافي لكل مشكلات الزواج، كأن يتشارك الزوجان في كل شيء في أوقات التسلية والمرح، وفي أوقات الحزن، وفي تحمُّل أعباء المنزل.

8. الخصوصية:

يحتاج كل إنسان إلى مساحة من الخصوصية في حياته، فيجب أن يتنبَّه الزوجان لهذه الفكرة الهامة، ويحترم كل منهما خصوصية الآخر ولا يقتحمها.

9. استقلالية العلاقة:

يجب على الزوجين الحرص على استقلالية علاقتهما الزوجية، وحصر اتخاذ القرارات بهما فقط بعيداً عن تدخلات الأهل والأقارب.

10. الاحترام:

من أهم قواعد العلاقة الزوجية السليمة، والتي تُخفف متاعب الزواج الأولى، هي حرص الزوجين على احترام بعضهما، واحترام اختلاف كل منهما عن الآخر؛ حيث يؤكد علماء النفس وخبيرو العلاقات الزوجية أنَّ السنة الأولى من الزواج هي السنة المصيرية للزوجين، وتحتاج إلى التعامل بوعي ومرونة لاستمرار الزواج.

11. الحب والاحتواء:

يُهوِّن الحب على الإنسان أكبر المصاعب؛ لذا يمكن تجاوز مرحلة بداية الزواج بمصاعبها وضغوطاتها، بتبادل مشاعر الحب والاحتواء بين الزوجين.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعد على زيادة الحبّ بين الزوجين

13. المسامحة:

يحتاج الزواج عموماً والفترة الأولى منه خاصةً، إلى المسامحة بين الزوجين، وتجاوز زلات وأخطاء الشريك، وعَدِّها فرصاً للتعلم عن بعضهما بعضاً، ولتعميق العلاقة، مع الحرص على الحوار الدائم بينهما حول هذه التصرفات المُزعجة لهما، والاتفاق على تغييرها، وإيجاد صيغة للتفاهم بينهما.

14. القرب من الأهل:

قد يفهم بعض الأزواج أنَّ الزواج هو انفصال كلي عن الأهل، فيُحاول كل منهما إبعاد الآخر عن أهله، وهذا اعتقاد خاطئ، فلا بُدَّ من ترك الأهل في حياتهما بالحدود الطبيعية.

15. الأصدقاء:

من أكبر الأخطاء التي يقع بها الزوجان بعد الزواج، هي الانقطاع عن الأصدقاء، فالتواصل مع الأصدقاء من أهم أسباب السعادة.

16. تقليل الإجازة من العمل:

غالباً ما يأخذ الزوجان إجازةً طويلة من العمل بعد الزواج، الأمر الذي يُشعرهما بالملل والروتين؛ لذا يُنصَح بأن تكون هذه الإجازة قصيرةً.

17. الرياضة:

أثبتت الدراسات أنَّ ممارسة الرياضة من أهم وسائل تفريغ الطاقة السلبية وتحسين المزاج والنفسية، فمن المفيد أن يترافق الزوجان في الخروج لممارسة الرياضة أو المشي.

18. الاستعانة باختصاصي:

في حال لم يشعر الزوج أو الزوجة بالتحسن، يُنصَح باللجوء إلى التحدث مع اختصاصي نفسي أو استشاري علاقات زوجية؛ إذ تقول "جين غرير" طبيبة الزواج والعلاقات الجنسية: "خلال الشهور الستة الأولى، من المتوقَّع أن تتعامل مع اكتئابك وتمضي في حياتك، ولكن بعد مضي ستة أشهر على الأشخاص الذين ما زالوا يشعرون بالاكتئاب، فيجب عليهم أن يطلبوا المساعدة ومُعالجة ما يشعرون أنَّهم فقدوه بعد الزفاف".

في الختام:

كما قلنا، فإنَّ ظاهرة اكتئاب ما بعد الزواج ظاهرة طبيعية، يُصاب بها أغلب الأزواج، نتيجة الضغوط والمسؤوليات الجديدة التي تحيط بهم، وكل ما يحتاج إليه الأمر الوعي والصبر وتقبُّل الواقع الجديد، والتعاون بين الزوجين لتجاوزه، فهو أمر غير مُخيف وسرعان ما يتلاشى ويستأنف الزوجان حياتهما ويعتادان على نمط حياتهما الجديد.

تذكَّر عزيزي الزوج وعزيزتي الزوجة أنَّه لا يوجد سبب حقيقي للدخول في اكتئاب ما بعد الزواج، فاستمتِعا بحياتكما الجديدة، ولا تسمحا لمشاعر الكآبة بالتسلل إليها، وكونا على ثقة بأنَّ السعادة بانتظاركما.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة