اضطراب الشخصية الهستيرية: أسبابه وأعراضه ومضاعفاته

لا بدَّ أنَّك صادفت في حياتك شخصاً يحب جذب الاهتمام ولفت الانتباه إليه مهما كلفه ذلك، فيقوم بارتداء ملابس لافتة للنظر أو يبالغ في حديثه أو تصرفاته فقط ليحصد أنظار الجميع المذهولة، وإذا ما خطف أحد آخر الأضواء منه نراه قلقاً وغير مرتاح، فهذه الصفات تذكِّرنا قليلاً بـ "آمبر هيرد" طليقة "جوني ديب" التي تصدَّرت حديث الإعلام لفترة زمنية ليست قصيرة خلال الدعوى التي رفعتها ضد طليقها والتي خسرتها في نهاية الأمر.



كانت "هيرد" مرتاحة تحت الأضواء وهي تدعي وتكيل الاتهامات لـ "ديب" وتحصد بذلك دعم الجمعيات النسوية، لكن ما إن تكشَّفت الحقائق وظهرت براءة المدَّعَى عليه وخطف الأضواء منها بمواقفه الطيبة حتى فقدت السيطرة على ذاتها، ولقد صرحت وقتها الطبيبة النفسية حينها أنَّها تعاني من اضطراب الشخصية الهستيرية، فما هو اضطراب الشخصية الهستيرية؟ وما هي أسباب هذا الاضطراب؟ وما هي أعراضه ومضاعفاته؟ هذا ما سنتعرف إليه معاً في هذا المقال.

ما هو اضطراب الشخصية الهستيرية؟

إنَّ اضطراب الشخصية الهستيرية (Hysterical personality disorder) ينتمي إلى مجموعة الاضطرابات الشخصية من الفئة "ب" (Cluster B personality disorders) المندرجة ضمن الاضطرابات النفسية، وتتشابه الاضطرابات في هذه المجموعة بعدد من السمات أهمها غرابة الأطوار وسيطرة المشاعر العاطفية والدراماتيكية.

إنَّ الشخص المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية يتسم بنظرته المشوهة عن ذاته التي تنعكس على شكل انعدام احترامه لنفسه، الأمر الذي يجعله في حاجة دائمة إلى سماع رأي الآخرين به وتحديداً مديحهم وموافقتهم عليه وقبولهم له، وهذا ما يدفعه نحو القيام بتصرفات غريبة والهدف الوحيد منها هو لفت النظر فقط.

من الجدير بالذكر أنَّ النساء أكثر تشخيصاً باضطراب الشخصية الهستيرية من الرجال، لكن هذا لا يجزم أنهنَّ أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب؛ بل ربما يكون الرجال أقل شكوى وتبليغاً عن الأعراض التي يشعرون بها، وإنَّ هذه الأعراض عادة ما تبدأ بالظهور في أثناء مرحلة البلوغ وعادة ما تكون هذه الأعراض عاطفية ودراماتيكية وغير منتظمة.

يسبب اضطراب الشخصية الهستيرية للمصاب حالات من المشاعر غير المستقرة تضطره إلى اختلاق مواقف درامية وغير لائقة أحياناً فقط من أجل إرضاء رغبته في حب الظهور ولفت انتباه الآخرين، وإذا ما حاول شخص ما مناقشة المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية في تصرفاته الغريبة، فلن يقر أبداً بمحاولاته لفت الانتباه، فهو لا يعي الخلل الموجود في طريقة تفكيره وتصرفاته.

أعراض اضطراب الشخصية الهستيرية:

فيما يأتي مجموعة أعراض اضطراب الشخصية الهستيرية، وهي مجموعة من العلامات يدل وجود خمسة منها على الأقل على إصابة الشخص باضطراب الشخصية الهستيرية، ومن الجدير بالذكر أنَّ اضطراب الشخصية الهستيرية ليس مرضاً خطيراً ومدمراً، وغالباً ما يتميز المصابون به بمهارات رائعة في التعامل مع المحيطين بهم سواء اجتماعياً أم مهنياً، لكن مكمن الخطورة في هذا الاضطراب هو استخدام المصابين به مهاراتهم للتلاعب بالآخرين، وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان، وبالعودة إلى أعراض اضطراب الشخصية الهستيرية نذكر:

  • استخدام حركات الجسد والإيماءات والصوت المرتفع في أثناء الكلام من أجل لفت نظر المحيطين.
  • الخيال الواسع في اختلاق الأحداث والمواقف والمبالغة في سرد الأحداث الحقيقية، كأن يتحدث أمامك المصاب عن مواقف مضحكة أو بطولية حدثت معه في رحلته إلى الهند التي لم تحدث أساساً أو أن يُحدِّثك عن خزانته التي تحتوي على 70 قميصاً و150 سروالاً و80 حذاء، وفي الحقيقة هذا ليس مجرد مثال وهمي؛ بل إنَّه حديث واحد من زملائي في عمل سابق.
  • انعدام الثقة بالنفس والشعور بالنقص دائماً، وهذا ما يدفع المصاب نحو المبالغة والتهويل.
  • المشاعر السطحية والأنانية.
  • اتخاذ قرارات ارتجالية متهورة غير مبنية على أسس فكرية ومنطقية وغير مخطط لها.
  • الثرثرة المستمرة والكلام الذي يكون غالباً لا طائل منه.
  • تبدل المزاج المستمر والسريع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حالته النفسية.
  • عَدُّ نفسه كاملاً بغير عيوب ولا أخطاء، ومن ثم عدم وجود خطط لتصحيح الذات.
  • ادعاء المرض المستمر وتهويل إصابته بأمراض مألوفة من أجل جذب اهتمام الآخرين.
  • التهديد الدائم بالانتحار أيضاً بوصفه نوعاً من لفت الانتباه.
  • التأثر السريع بآراء الآخرين.
  • الشعور بالضجر من أداء الأعمال الروتينية وكذلك الملل والإحباط.
  • الدخول في نوبات اكتئاب في الحالات التي ينفر بها الناس منه، وخاصة عندما ينفضُّون عنه ليولوا اهتمامهم لشخص آخر.
  • استخدام أسلوب جنسي ومغرٍ في التفاعل مع الآخرين في بعض الأحيان.

أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية:

لم يجزم الأطباء والمتخصصون حتى اليوم بارتباط سبب معين بالإصابة باضطراب الشخصية الهستيرية، ولكنَّهم قاموا بتصنيف بعض العوامل التي قد تكون مرتبطة بأسباب اضطراب الشخصية الهستيرية، ومن هذه العوامل نذكر:

شاهد بالفيديو: صفات الشخصية العدوانية وكيفية التعامل معها

1. عوامل أسرية:

قد تكون العوامل الأسرية من أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية، فحين ينشأ إنسان في جو أسري يعاني فيه أحد الوالدين من اضطراب الشخصية الهستيرية فمن المرجح أن ينتقل هذا السلوك بالاكتساب إلى الأبناء.

2. عوامل وراثية:

في بعض حالات الإصابة باضطراب الشخصية الهستيرية وُجد في تاريخ عائلة الفرد المصاب حالات إصابة بهذا الاضطراب، الأمر الذي جعل من احتمال انتقال مورثات هذا الاضطراب جينياً وارداً، وجعل الوراثة واحدة من أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية.

إقرأ أيضاً: الاضطرابات النفسية حسب تصنيف الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين

3. عوامل نفسية:

إنَّ العوامل النفسية هي أحد أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية، وغالباً ما يحدث ذلك بسبب قلة تشجيع الأهل لأطفالهم وثنائهم على تصرفاتهم الجيدة، وقلة تعزيزهم لثقة الطفل بنفسه، إضافة إلى عدم وجود رادع أو عاقبة أو حتى نقد بنَّاء للطفل عند قيامه بتصرف خاطئ أو سلوك غير لائق.

4. وجود إصابات نفسية أخرى:

إنَّ الإصابة ببعض المشكلات النفسية من شأنه أن يكون سبباً من أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية؛ إذ يمكن أن يكون هذا الاضطراب نتيجة معاناة الفرد من اضطراب ثنائي القطب أو انفصام الشخصية أو بعض الإصابات العصبية الدماغية.

علاج اضطراب الشخصية الهستيرية:

إنَّ الوقاية من الإصابة باضطراب الشخصية الهستيرية غير ممكنة إلا في حال السعي إلى تنشئة الطفل بطريقة متوازنة وذكاء عاطفي، ولكنَّ علاج اضطراب الشخصية الهستيرية ممكن على الرغم من كونه صعب التنفيذ؛ وذلك لأنَّ المصابين بهذا الاضطراب لا يعترفون بأنَّهم يعانون من أيَّة مشكلات، ومن ثم لا يحتاجون إلى أي علاج، أو لأنَّ أسلوب العلاج قد يكون مضجراً بالنسبة إليهم، وبجميع الأحوال فإنَّ علاج اضطراب الشخصية الهستيرية يكون عبر هذه الطرائق:

1. العلاج النفسي:

يُعَدُّ العلاج النفسي إحدى طرائق علاج اضطراب الشخصية الهستيرية، وهو أسلوب علاجي ناجح لمثل هذه الحالات، ويتم من خلاله الحديث مع المعالج المتخصص عن المشكلات والمشاعر والتجارب التي يمر بها المصاب، الأمر الذي يساعده على تحديد الأسباب الحقيقية لتصرفاته وفهم دوافعه تجاه الأفعال، وهذا سوف يساعد الطبيب أيضاً على إدراك طريقة تواصله المثلى مع الآخرين التي يجب أن تحل محل الرغبة في لفت أنظارهم باستمرار.

2. العلاج الاجتماعي البيئي:

هو من طرائق علاج اضطراب الشخصية الهستيرية، وفيه يتم العمل على تحسين الوسط العام المحيط بالمصاب وتنقيته من أنواع الضغوطات والعراقيل التي من شأنها أن تؤثر سلباً في صحته النفسية.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة لتحافظ على نفسيتك وتتلّخص من التوتر والإجهاد

3. العلاج الدوائي:

هو نمط آخر من أنماط علاج اضطراب الشخصية الهستيرية، وفيه يتم إعطاء المصاب الأدوية التي تحارب القلق والاكتئاب؛ أي مضادات القلق ومضادات الاكتئاب؛ وذلك لأنَّ كلاً من الاكتئاب والقلق هما من المضاعفات الناتجة عن هذا النوع من الاضطرابات النفسية، وقد يكون العلاج الدوائي جزءاً من الرحلة العلاجية لاضطراب الشخصية الهستيرية.

مضاعفات اضطراب الشخصية الهستيرية:

إنَّ مضاعفات اضطراب الشخصية الهستيرية هي تبعات تجاهل الإصابة وتجنب البدء بالرحلة العلاجية الخاصة بها، وفي مثل هذه الحالات تظهر مضاعفات اضطراب الشخصية الهستيرية على شكل ما يأتي:

  • انهيار الزواج وجميع العلاقات الإنسانية الشخصية والمهنية والاجتماعية وتصرُّف المصاب بطريقة غير طبيعية عند شعوره بهذه الإخفاقات.
  • انعدام القدرة على الثبات المهني في الوظيفة.
  • المغامرة والمقامرة في سبيل تجربة أشياء جديدة قد تعيد إليه شعوره بالإثارة وأهمية نفسه وتمكِّنه من لفت انتباه الآخرين.
  • الإصابة بالقلق أو الاكتئاب أو نوبات الهلع.
  • اللجوء إلى إدمان الكحول أو المخدرات.
  • ظهور النزعة الانتحارية وعَدُّ الانتحار الورقة الأخيرة لجذب اهتمام الآخرين حتى لو كان الموت عاقبته.
إقرأ أيضاً: اضطراب تعدد الشخصيات: تعريفه، وأعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه

استراتيجيات للتعامُل مع المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية:

قد نجد في محيطنا بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الهستيرية كون هذا الاضطراب لا يُعَدُّ من الاضطرابات النادرة، فقد يكون المصاب مديرنا في العمل أو واحداً من أفراد عائلتنا أو زميلنا في الدراسة؛ لذا لا بد من تقديم هذه الاستراتيجيات التي تساعد على التعامل مع المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية:

  • تجنُّب انتقاد المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية بشكل سلبي، وبدلاً من ذلك يجب محاولة إلهامه بالإيجابيات وتعزيز سلوكاته الجيدة.
  • الابتعاد عن العبارات والجمل التي تقلل من ثقة المصاب بنفسه.
  • منح المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية الاهتمام والحب غير المشروط حتى لا يضطر إلى افتعال المبالغات والأحداث للفت نظرك، وأيضاً من أجل تجنيبه الشعور بالوحدة وانعدام الجدوى.

في الختام:

إنَّ اضطراب الشخصية الهستيرية هو واحد من الاضطرابات النفسية التي تجعل الإنسان يتصرف بطريقة غريبة فقط من أجل لفت انتباه الآخرين والحصول على اهتمامهم وتركيزهم، وهو اضطراب غير خطير بحد ذاته، ولكنَّه من الممكن أن يدفع المصاب إلى التلاعب بالآخرين وخداعهم؛ لذا لا بد من اللجوء إلى المتخصصين من أجل علاجه منعاً لتطوره إلى المضاعفات التي يمكن أن يكون الانتحار أحدها.




مقالات مرتبطة